الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هيم بضم الهاء بوزن حمر، فقلبت الضمة كسرة لتصح الياء، فصار نظير بيض. قال قيس بن الملوح:
يُقَالُ بِهِ دَاءُ الْهُيَامِ أَصَابَهُ
…
وَقَدْ عَلِمَتْ نَفْسِيْ مَكَانَ شِفَائِيَا
وقيل: جمع هائم وهائمة، وجمع فاعل على فعل كباذل وبذل، عائذ وعوذ شاذ. وقال الضحاك (1)، وابن عيينة، والأخفش، وابن كيسان: الهيم: الأرض السهلة ذات الرمل.
والمعنى عليه: أنهم يشربون كما تشرب هذه الأرض الماء، ولا يظهر له فيها أثر.
ومعنى هذا الكلام (2): أنه يسلط عليهم من الجوع والتهاب النار في أحشائهم ما يفطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل. فإذا ملؤوا منه بطونهم، وهو في غاية الحرارة، والمرارة سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم، فيشربونه لتشرب الإبل العطاش. وفيه بيان لزيادة العذاب أيضًا؛ أي: لا يكون شربكم أيها الضالون كشرب من يشرب ماء حارًا منتنًا، فإنه يمسك عنه إذا وجده مؤلمًا معذبًا بخلاف شربكم، فإنكم تلزمون بأن تشربوا منه مثل ما يشرب الجمل الأهيم، فإنه يشرب ولا يروى.
56
- {هَذَا} الذي ذكر من الزقوم والحميم أوّل ما يلقونه من العذاب {نُزُلُهُمْ} ؛ أي: رزقهم المعدّ لهم؛ أي: كالنزل الذي يعد للنازل مما حضر مكرمة له. {يَوْمَ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء. فإذا كان ذلك نزلهم فما ظنك بحالهم بعدما استقر لهم القرار، واطمأنت بهم الدار في النار؟. وفيه من التهكم بهم، والتوبيخ لهم ما لا يخفى، كما في قوله:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لأن ما يعد لهم في جهنم ليس مكرمة لهم، كما قال:
وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ بِالْجَيْشِ ضَافَنَا
…
جَعَلْنَا الْقَنَا وَالْمُرْهَفَاتِ لَهُ نُزُلَا
والجملة مسوقة من جهته تعالى بطريق الفذلكة، مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول.
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
وقرأ الجمهور (1): {مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} . وقرأ عبد الله {من شجرة} ، كما مرت الإشارة إليه. والضمير في قوله:{فَمَالِئُونَ مِنْهَا} عائد على شجر. إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر. وعلى قراءة عبد الله فهو واضح. {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} قال الزمخشري: ذكر على لفظ الشجر كما أنَّث على المعنى في {مِنْهَا} ، قال: ومن قرأ {من شجرة} فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم؛ لأنه يفسرها، وهي في معناه. وقال ابن عطية: الضمير في {عَلَيْهِ} عائد على المأكول أو على الأكل، انتهى، فلم يجعله عائدًا على شجر. قال الزمخشري: فإن قلت (2): كيف يصح عطف الشاربين على الشاربين وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفًا للشي على نفَسه؟
قلت: ليستا بمتفقتين من حيث كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهى الحرارة، وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضًا، فكانتا صفتين مختلفتين، انتهى.
والفاء تقتضي التعقب في الشربين، وأنهم أوّلًا لمَّا عطشوا شربوا من الحميم ظنًّا أنه يسكن عطشهم، فازداد العطش بحرارة الحميم، فشربوا بعده شربًا لا يقع به ري أبدًا، وهو مثل شرب الهيم، فهما شربان من الحميم، لا شرب واحد، اختلفت صفتاه فعطف، والمقصود الصفة، والمشروب منه في {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)} محذوف لفهم المعنى، تقديره: فشاربون منه شرب الهيم.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة (3): {شُرْبَ الْهِيمِ} بضم الشين. وهو مصدر سماعي، وقيل: اسم لما يشرب. وقرأ مجاهد، وأبو عثمان النهدي بكسرها. وهو بمعنى المشروب اسم لا مصدر، كالطحن والري، وقرأ الأعرج، وابن المسيب، وحبيب بن الحبحاب، ومالك بن دينار، وباقي السبعة بفتحها. وهو مصدر مقيس. وقرأ الجمهور:(4){نُزُلُهم} بضمتين. وقرأ ابن محيصن، وخارجة عن نافع، ونعيم، ومحبوب، وأبو زيد، وهارون، وعصمة، وعباس كلهم عن أبي عمرو بضم النون وسكون الزاي.
(1) البحر المحيط.
(2)
الكشاف.
(3)
البحر المحيط.
(4)
البحر المحيط.
ومعنى الآيات: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
…
} إلخ؛ أي (1): أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم؛ إذ لم توحدوا الله سبحانه، ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه. ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء في هذا اليوم، إنكم لآكلون من شجر الزقوم فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حار، لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفي الغليل، ومن ثم تشربون، ولا ترتوون فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروي لها الماء غليلًا، ثم بين أنه ليس هذا كل العذاب، بل هو أوله وقطعة منه. فقال: هذا الزقوم المأكول، والحميم المشروب أول الضيافة التي تقدم لهم، كما يقدم للنازل مما حضر. فما بالك بهم بعدما يستقر بهم المقام في الدار؟.
وفي الآية: إشارة إلى إفراط النفس والهوى في شرب ماء حميم الجهل والضلال، وفي أكل زقوم المشتهيات المورثة للوبال، ولغاية حرصها لا تزيد إلا جوعًا وعطشًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
الإعراب
{إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان، {وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} فعل، وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} ، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب المحذوف، تقديره: إذا وقعت الواقعة وقامت القيامة تكون يومئذٍ الأهوال الهائلة، والفظائع المختلفة، وجملة {إِذَا} الشرطية مستأنفة، وفي إعراب {إِذَا} هنا أوجه:
1 -
إنها ظرف محض ليس فيها معنى الشرط، والعامل فيها ما في ليس من معنى النفي، كأنّه قيل: ينتفى التكذيب بوقوعها إذا وقعت، وعليه الزمخشري. وقد ردوا عليه بما لا يسعه كتابنا.
2 -
إن العامل فيها اذكر مقدرًا.
(1) المراغي.
3 -
إنها شرطية والعامل فيها الفعل الذي بعدها ويليها وهو اختيار أبي حيان.
4 -
إنها شرطية وجوابها مقدر؛ أي: إذا وقعت الواقعة كان كيت وكيت. وهو العامل فيها، وعليه إعرابنا السابق.
5 -
إنها مبتدأ، و {إِذَا رُجَّتِ} خبرها. وهذا على القول: بأنها تتصرف.
6 -
إنها ظرف {خَافِضَةٌ} ، {رَافِعَةٌ} . قاله أبو البقاء.
7 -
إنها ظرف لـ {رُجَّتِ} ، و {إِذَا} الثانية إما بدل من الأولى أو تكرير لها.
8 -
إن العامل فيها ما دل عليه قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} ؛ أي: إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها.
9 -
إن جواب الشرط قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} .
10 -
إنها صلة؛ أي: وقعت الواقعة مثل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، و {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}. وهو كما يقال: قد جاء الصوم؛ أي: دنا واقترب، قاله الجرجاني. {لَيْسَ} فعل ماض ناقص، {لِوَقْعَتِهَا} خبرها مقدم، واللام بمعنى في على تقدير مضاف، و {كَاذِبَةٌ} اسمها مؤخر، و {كَاذِبَةٌ} صفة لموصوف محذوف؛ أي: ليس نفس كاذبة توجد في وقت وقوعها. وجملة {لَيْسَ} في محل النصب حال من الواقعة؛ أي: إذا وقعت الواقعة حالة كونها موصوفة بعدم وقوع كاذبة في وقت وقوعها تكون الأهوال الهائلة. {خَافِضَةٌ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هي خافضة لأناس، {رَافِعَةٌ} خبر ثان لذلك المحذوف. والجملة الاسمية في محل النصب، حال ثانية من الواقعة؛ أي: حالة كونها خافضة لأناس، رافعة لآخرين. {إِذَا رُجَّتِ} {إذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان، {رُجَّتِ الْأَرْضُ} فعل مغير الصيغة، ونائب فاعل، {رَجًّا} مفعول مطلق. و {إِذَا} يجوز أن تكون بدلًا من {إِذَا} الأولى، وجوابها محذوف كالأولى أو تأكيد لها. ويجوز أن تكون ظرفًا محضًا متعلقًا بـ {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)}؛ أي: تخفض وترفع وقت رج الأرض، وبس الجبال. {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ} فعل، ونائب فاعل، معطوف على {رُجَّتِ الْأَرْضُ} ، {بَسًّا} مفعول مطلق، {فَكَانَتْ} الفاء: عاطفة، {كانت} فعل ناقص، واسمها ضمير يعود على الجبال، {هَبَاءً} خبرها، {مُنْبَثًّا} صفة {هَبَاءً} . وجملة كان معطوفة على جملة {بست الجبال} .
{وَكُنْتُمْ} الواو: عاطفة، {وَكُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه، {أَزْوَاجًا} خبرها، {ثَلَاثَةً} صفة {أَزْوَاجًا}. والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} . {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم أنكم تكونون أزواجًا ثلاثة، وأردتم بيان تلك الثلاثة فأقول لكم: أصحاب الميمنة. {أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} مبتدأ أوّل، ومضاف إليه، {مَا} اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ثان، {أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} خبره. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول. وجملة الأول مع خبره في فصل النصب؛ مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. والغرض من هذا الاستفهام: التعظيم، والتفخيم؛ وتكرير المبتدأ بلفظه أغنى عن الضمير الرابط. مثل قوله تعالى:{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} . {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)} . {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} مبتدأ أوّل؛ {مَا} اسم استفهام في فصل الرفع مبتدأ ثان، {أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} خبر للمبتدأ الثاني، وجملة الأول مع خبره في محل النصب، معطوفة على جملة قوله:{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} . {وَالسَّابِقُونَ} مبتدأ، {السَّابِقُونَ} خبره؛ أي: السابقون إلى الخير في الدنيا هم السابقون في الآخرة إلى الجنة. والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة قوله:{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} ؛ وقيل: {السَّابِقُونَ} الأول: مبتدأ، والثاني: تأكيد له أو نعت، وجملة {أُولَئِكَ} خبره. {أُولَئِكَ} مبتدأ، {الْمُقَرَّبُونَ} خبره. والجملة في محل الرفع خبر ثان لـ {السَّابِقُونَ} الأول أو خبر له.
{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)} خبر ثان لـ {أُولَئِكَ} أو حال من الضمير في {الْمُقَرَّبُينَ} . {ثُلَّةٌ} خبر لمبتدأ محذوف، {مِنَ الْأَوَّلِينَ} نعت لـ {ثُلَّةٌ}؛ أي: هم ثلّة من الأوّلين. والجملة مستأنفة. {وَقَلِيلٌ} معطوف على {ثُلَّةٌ} ، {مِنَ الْآخِرِينَ} نعت لـ {قليل} ، {عَلَى سُرُرٍ} نعت ثان لـ {ثُلَّةٌ} أو خبر ثان للمبتدأ المحذوف،
{مَوْضُونَةٍ} صفة لـ {سُرُرٍ} ، {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير المستكن في متعلق الجار والمجرور في قوله:{عَلَى سُرُرٍ} . {عَلَيْهَا} متعلق بـ {مُتَّكِئِينَ} ، {مُتَقَابِلِينَ} حال ثانية من ذلك المستكن، أو من الضمير المستكن في {مُتَّكِئِينَ} . {يَطُوفُ} فعل مضارع، {عَلَيْهِمْ} متعلق به، {وِلْدَانٌ} فاعل، {مُخَلَّدُونَ} صفة لـ {وِلْدَانٌ} . والجملة الفعلية مستأنفة، أو حال من الضمير المستكن في {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} . {بِأَكْوَابٍ} متعلق بـ {يَطُوفُ} ، {وَأَبَارِيقَ} معطوف على {أكواب} ، مجرور بالفتحة. لأنه ممنوع، الصرف لصيغة منتهى الجوع. {وَكَأْسٍ} معطوف على {أكواب} أيضًا، {مِنْ مَعِينٍ} صفة لـ {كأس} .
{لَّا} نافية، {يُصَدَّعُونَ} فعل مضارع، مغيّر الصيغة، والواو: نائب فاعل، {عَنْهَا} متعلق بـ {يُصَدَّعُونَ} ، والجملة مستأنفة، {وَلَا يُنْزِفُونَ} فعل، وفاعل، معطوف على {يُصَدَّعُونَ} . {وَفَاكِهَةٍ} معطوف على {أكواب} ، {مِمَّا} جار ومجرور، صفة لـ {فاكهة} ، وجملة {يَتَخَيَّرُونَ} صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: يتخيّرونه. {وَلَحْمِ} معطوف على {أكواب} أيضًا، {طَيْرٍ} مضاف إليها، {مِمَّا} صفة للحم، وجملة {يَشْتَهُونَ} صلة لما الموصولة. {وَحُور} مبتدأ، خبره محذوف تقديره: ولهم حور. {عِينٌ} صفة لـ {حور} ، أو معطوف على {وِلْدَانٌ}؛ أي: ويطوف عليهم حور عين للتنعيم لا للخدمة، أو ثم حور عين أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: ونساؤهم حور عين. وقرىء بالنصب على تقدير: ويجزون حورًا عينًا. والجملة على جميع التقادير مستأنفة. وقرىء بالجر عطفًا على {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ؛ أي: وفي حور عين. {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ} جار ومجرور، ومضاف، صفة ثانية لـ {حور} ، {الْمَكْنُونِ} صفة لـ {اللُّؤْلُؤِ} ، {جَزَاءً} مفعول لأجله لفعل محذوف، تقديره: يفعل بهم ذلك كله لأجل جزائهم، أو مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أي: يجزون ذلك جزاء. {بِمَا} جار ومجرور، متعلق بـ {جَزَاءً} ؛ {كَانُوا} فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ} خبره. وجملة {كان} صلة الموصول. {لَا} نافية، {يَسْمَعُونَ} فعل، وفاعل، {فِيهَا} متعلق بـ {يَسْمَعُونَ} ، {لَغْوًا} مفعول به، {وَلَا تَأْثِيمًا}
معطوف على {لَغْوًا} . والجملة الفعلية مستأنفة. {إِلَّا} أداة استثناء منقطع، {قِيلًا} مستثنى منقطع واجب النصب، {سَلَامًا} إما بدل من {قِيلًا}؛ أي: لا يسمعون فيها إلا سلامًا سلامًا أو نعت لـ {قِيلًا} ، منصوب بـ {قيلا} لأنّه مصدر؛ أي: إلَّا أن يقولوا: سلامًا سلامًا، أو مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أي: يسلّمون تسليمًا {سَلَامًا} مؤكدة للأولى.
{وَأَصْحَابُ} {الواو} : استئنافية، {أَصْحَابُ الْيَمِينِ} مبتدأ أول، {مَا} اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ثان، {أَصْحَابُ الْيَمِينِ} خبره. والجملة في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول وخبره مستأنفة. {فِي سِدْرٍ} خبر ثان لـ {أَصْحَابُ الْيَمِينِ} ، {مَخْضُودٍ} ، صفة لـ {سِدْرٍ} ، {وَطَلْحٍ} معطوف على {سِدْرٍ} ، {مَنْضُودٍ} صفة لـ {طلح} ، {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)} معطوفان أيضًا على {سِدْرٍ مَخْضُودٍ} ، {وَفَاكِهَةٍ} معطوف عليه أيضًا، {كَثِيرَةٍ} صفة لـ {فاكهة} ، {لَّا} نافية، {مَقْطُوعَةٍ} صفة ثانية لـ {فاكهة} ، {وَلَا مَمْنُوعَةٍ} معطوف على {مَقْطُوعَةٍ} على كونه صفة لـ {فاكهة} ، و {لا} للنفي، ولذلك كررت. نظير قوله: مررت برجل لا طويل ولا قصير. {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} معطوف على {سِدْرٍ مَخْضُودٍ} .
{إِنَّا} ناصب واسمه، {أَنْشَأْنَاهُنَّ} فعل، وفاعل، ومفعول به، {إِنْشَاءً} مفعول مطلق والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {أنّ} مستأنفة. {فَجَعَلْنَاهُنَّ} فعل، وفاعل، ومفعول أول، {أَبْكَارًا} مفعول ثان. والجملة معطوفة على جملة {أَنْشَأْنَاهُنَّ} . {عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} نعتان لـ {أَبْكَارًا} ، {لأصحاب اليمين} متعلق بـ {أَنْشَأْنَاهُنَّ} ، {ثُلَّةٌ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هم ثلّة {مِنَ الْأَوَّلِينَ} صفة لـ {ثُلَّةٌ} . والجملة مستأنفة. {ثُلَّةٌ} معطوف على {ثُلَّةٌ} ، {مِنَ الْآخِرِينَ} صفة لـ {ثُلَّةٌ} .
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)} تقدم إعراب نظيره قريبًا، فجدّد به عهدًا. والكلام مستأنف مسوق للشروع في تفصيل ما أجمله من أحوالهم بعد أن فصل حال أهل اليمين. {فِي سَمُومٍ} خبر ثان لـ {أَصْحَابُ الشِّمَالِ}؛ أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هم في سموم، وقد تقدم نظيره. {وَحَمِيمٍ} معطوف على {سَمُومٍ} ، {وَظِلٍّ} معطوف على {سَمُومٍ} أيضًا، {مِنْ يَحْمُومٍ} صفة لـ {ظل} ، {لَا} نافية، {بَارِدٍ} صفة ثانية {ظل} ، {وَلَا كَرِيمٍ} معطوف على {بَارِدٍ} . {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه، {كَانُوا} فعل ناقص واسمه، {قَبْلَ ذَلِكَ} ظرف، متعلق بمحذوف حال من اسم {كان} أو بـ {مُتْرَفِينَ} . و {مُتْرَفِينَ} خبر {كَانُوا} ؛ وجملة {كان} في محل الرفع خبر إنّ، وجملة {إنَّ} جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب. {وَكَانُوا} فعل ناقص واسمه، وجملة {يُصِرُّونَ} خبره. وجملة {كَانُوا} معطوفة على {كان} الأول. {عَلَى الْحِنْثِ} متعلق بـ {يُصِرُّونَ} ، {الْعَظِيمِ} صفة لـ {الْحِنْثِ} . {وَكَانُوا} فعل ناقص واسمه، معطوف على {كان} ، الأوّل أيضًا، وجملة {يَقُولُونَ} خبر {كَانُوا} . {أَئِذَا} الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، دل عليه قوله:{أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} ، تقديره: أنبعث. {إذا} ظرف مجرد عن الشرط متعلق بذلك المقدر، {مِتْنَا} فعل، وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} . {وَكُنَّا} فعل ناقص واسمه؛ {تُرَابًا} خبر {كان} ، {وَعِظَامًا} معطوف على {تُرَابًا} . وجملة {كان} معطوفة على جملة {مِتْنَا} . {أَإِنَّا} الهمزة للاستفهام الإنكاري، {إنا} ناصب واسمه، {لَمَبْعُوثُونَ} اللام: حرف ابتداء، {مبعوثون} خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} جملة استفهامية، مفسرة لذلك المحذوف. {أَوَآبَاؤُنَا} الهمزة للاستفهام الإنكاري، والواو: عاطفة، {آبَاؤُنَا} معطوف على الضمير المستكن في {مبعوثون}. وحسن العطف على الضمير من غير تأكيد بنحن وجود الفاصل الذي هو الهمزة. والتقدير: المبعوثون نحن وآباؤنا. {الْأَوَّلُونَ} صفة لـ {آبَاؤُنَا} .
{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}.
{قُلْ} فعل أمر، وفاعل مستتر. والجملة مستأنفة، مسوقة للرد على إنكارهم؛ وتحقيقًا للحق. {إِنَّ الْأَوَّلِينَ} ناصب واسمه، {وَالْآخِرِينَ} معطوف على {الْأَوَّلِينَ}. {لَمَجْمُوعُونَ} اللام: حرف ابتداء، {مجموعون} خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} في محل النصب مقول {قُلْ} . {إِلَى مِيقَاتِ} ، متعلق بـ {مجموعون} ، {يَوْمٍ} مضاف إليه، {مَعْلُومٍ} صفة لـ {يَوْمٍ} . وقد ضمن الجمع معنى السوق، فعدّاه بإلي، وإلّا فكان الظاهر تعديته بفي. {ثُمَّ} حرف عطف وترتيب مع تراخ، {إِنَّكُمْ} ناصب واسمه، {أَيُّهَا} {أي} منادى نكرة مقصودة، والهاء: حرف تنبيه، {الضَّالُّونَ} بدل من {أيّ} أو نعت لها. وجملة النداء معترضة. {الْمُكَذِّبُونَ} صفة لـ {الضَّالُّونَ} ، {لَآكِلُونَ} اللام: حرف ابتداء، {آكلون} خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} الأولى. {مِنْ شَجَرٍ} متعلق بـ {آكلون} ، {مِنْ زَقُّومٍ} نعت لـ {شَجَرٍ} ، أو بدل من {مِنْ شَجَرٍ} ، {فَمَالِئُونَ} الفاء: عاطفة {مالئون} معطوف على {آكلون} ، {مِنْهَا} متعلق بـ {مالئون} ، {الْبُطُونَ} مفعول به لـ {مالئون}. لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل. {فَشَارِبُونَ} الفاء: عاطفة، {شاربون} معطوف على {مالئون} ، {عَلَيْهِ} متعلق بـ {شاربون} ، {مِنَ الْحَمِيمِ} متعلق به أيضًا. {فَشَارِبُونَ} الفاء: عاطفة، {شاربون} معطوف على {شاربون} ، {شُرْبَ الْهِيمِ} مفعول مطلق. {هَذَا} مبتدأ، {نُزُلُهُمْ} خبره، {يَوْمَ الدِّينِ} ظرف متعلق بمحذوف حال من {نُزُلُهُمْ}؛ أي: حال كونه كائنًا في ذلك اليوم العصيب، أو من الضمير؛ أي: حال كونهم كائنين في ذلك اليوم الرهيب.
التصريف ومفردات اللغة
{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)} ؛ أي: قامت القيامة. وصفت بأنها تقع لا محالة، أو كأنها واقعة في نفسها. {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)} الرج: تحريك الشيء، وإزعاجه. والرجرجة: الاضطراب، أي: خافضة رافعة إذا حركت الأرض تحريكًا شديدًا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل، كما مرّ. أصله: رججت مبنيًا للمفعول، أدغمت عين الكلمة في لامها، وكذلك {رَجًّا} أدغمت عين المصدر في لامه، فوزنه فعل. وكذلك القول في {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)}؛ أي: فتتت حتى صارت مثل
السويق الملتوت. من بس السويق إذا لته. والبسيسة: سويق يلت فيتخذ زادًا، أو سيقت وسيرت من أماكنها من بس الغنم إذا ساقها، وفي "المصباح": بسست الحنطة وغيرها بسًّا من باب قتل. وهو الفت. فهي بسيسة فعيلة بمعنى مفعولة.
{هَبَاءً} الهباء: غبار كالشعاع في الرتبة، وكثيرًا ما يخرج شعاع الشمس من الكوّة النافذة، وفيه إعلال بالإبدال. أصله: هباو، أبدلت {الواو} همزة لتطرفها إثر ألف زائدة. {مُنْبَثًّا}؛ أي: منتشرًا متفرقًا بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه. {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا} ؛ أي: أصنافًا. قال الراغب: الزوج يكون لكل عن القرينين الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة، ولكل قرينين منها، ومن غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلًا له أو مضادًا، اهـ.
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} والميمنة: ناحية اليمين. والمشأمة: ناحية الشمال. والعرب يتيمنون بالميامن، ويتشاءمون بالشمائل. والمراد: أصحاب المرتبة السنية الرفيعة. وفي "القاموس": اليمن: البركة كالميمنة، بمن فهو ميمون، وأيمن. والجمع ميامين، وأيامن واليمين ضد اليسار، والجمع أيمن، وأيمان، وأيامن، وأيامين، والبركة، والقوة. والشؤم ضد اليمن، والمشأمة ضد الميمنة، انتهى.
{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)} الثلة: الجماعة قلت أو كثرت، وقيل: الجماعة الكثيرة من الناس، كما قال:
وَجَاءَتْ إلَيْهِمْ ثُلَّةٌ خِنْدِفِيَّةٌ
…
بِجَيْشٍ كَتَيَّارٍ مِنَ السَّيْلِ مُزبِدِ
وفي "القاموس": الثله بالضم: الجماعة من الناس، والكثير من الدراهم. وقد تفتح. وبالكسر: الهلكلة. والجمع ثلل، كعنب، اهـ. واشتقاقه من الثل؛ وهو الكسر؛ وجماعة السابقين مع كثرتهم مقطوعة مكسورة من جملة بني آدم، وقال الراغب: الثلة: قطعة مجتمعة من الصوف، ولذلك قيل للغنم: ثلة، ولاعتبار الاجتماع قيل: ثلة من الأولين.
{عَلَى سُرُرٍ} جمع سرير. وهو ما يجعل للإنسان من المقاعد العالية الموضوعة للراحة والكرامة، اهـ خطيب. {مَوْضُونَةٍ} من الوضن. وهو النسج. وفي "القاموس": وضن الشيء يضنه فهو موضون ووضين ثني بعضه على بعض، وضاعفه. ووضن الغزل نسجه؛ والموضونة، الدرع المنسوجة، أو المتقاربة النسج،
أو المنسوجة حلقتين حلقتين، أو المنسوجة من قضبان الذهب، مشتبكة بالجواهر.
والمعنى: منسوجة متداخلة، كصفة الدرع. قال الأعشى:
وَمِنْ نَسْجِ دَاوُوْدَ مَوْضُوْنَةٍ
…
تُسَاقُ إِلَى الْحَيِّ عِيْرًا فَعِيْرَا
{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} ، أي: على السرر على الجنب أو غيره كحال من يكون على كرسيّ فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه، اهـ خطيب. {مُتَقَابِلِينَ}؛ أي: فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وقال مجاهد، وغيره: هذا في المؤمن، وزوجته وأهله. وقال الكلبي: طول كل سرير ثلاث مئة ذراع. فإذا أراد العبد أن يجلس عليه .. تواضع وانخفض له، فإذا جلس عليه ارتفع، اهـ خطيب.
{يَطُوفُ} أصله: يطوف بوزن يفعل بضم العين، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت إثر ضمة، فصارت حرف مد نظير يقول. {وِلْدَانٌ} بكسر الواو كصبيان باتفاق القراء جمع وليد بمعنى مولود، والولد يجمع على أولاد، كسبب وأسباب، اهـ من "المصباح". والصحيح: أنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة من غير ولادة أحد، كما خلقت الحور العين من غير ولادة. وأطلق علي اسم الولدان؛ لأنَّ العرب تسمى الغلام وليدًا ما لم يحتلم، والأمة وليدة وإن أسنت. {مخلدون}؛ أي: باقون، لا يموتون، ولا يهرمون، ولا يتغيرون. وقيل: من الخلد. وهو القرط. قال امرؤ القيس:
وَهَلْ يَنْعَمَنْ إِلَّا سَعِيْدٌ مخَلَّدٌ
…
قَلِيْلُ الْهُمُوْمِ مَا يَبِيْتُ بِأَوْجَالِ
{بِأَكْوَابٍ} جمع كوب؛ أي: بآنية لا عرا لها، ولا خراطيم. {وَأَبَارِيقَ} جمع آب ريْ إفعيل، مشتق من البريق. وهو اللمعان لصفاء لونه. وقيل: أعجمية معربة أبازير. وهي آنية لها عرًا وخراطيم. والعرا: ما يمسك بها المسماة بالآذان. والخراطيم: هي ما يصب منها المسماة بالبزابيز، اهـ شيخنا، قال عديّ بن الرقاع:
وَدَعَوْا بِالصَّبُوحِ يَوْمًا فَجَاءَتْ
…
بِهِ قَنْيَةٌ فِيْ يَمِيْنِهَا إِبْرِيْقُ
{وَكَأْسٍ} والكأس: القدح إذا كان فيها شراب، وإلا فهو قدح. {مِنْ مَعِينٍ} أي: من خمر جارية من منبع لا يفيض، ولا ينقطع أبدًا. يقال: معن الماء إذ جرى، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو ظاهرة تراها العيون في الأنهار، كالماء المعين. وهو الظاهر البخاري. فيكون بمعنى مفعول من المعاينة، من عانه إذا شخصه وميزه
بعينه. قال في "القاموس": المعن: الماء الظاهر، ومعن الماء أساله، وأمعن الماء جرى. والمعنان بالضم: مجاري الماء في الوادي. والمراد: أنها لم تعصر كخمر الدنيا.
{لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} ؛ أي: لا يحصل لهم صداع بسبب شربها، كما يحدث ذلك في خمر الدنيا. والصداع: هو الداء الذي يأخذ الإنسان في رأسه، والخمر تؤثر فيه. والصدع: شق في الأجسام الصلبة كالزجاج، والحديد، ونحوهما. ومنه استعير الصداع. وهو الانشقاق في الرأس من الوجع. ومنه: الصديع للفجر.
{وَلَا يُنْزِفُونَ} من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه. فالنفاد إما للعقل. وهو من عيوب خمر الدنيا. أو للشراب. فإن بنفادهما تختل الصحبة. يقال: نزف الرجل بالبناء للمجهول؛ أي: ذهب عقله سكرًا. ويقال للسكران: نزيف ومنزوف. ونزف الرجل دمًا رعف فخرج دمه كله، كلاهما وارد.
{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)} ؛ أي: يختارون، ويرضون. يقال: تخيرت الشىء أخذت خيره. {مِمَّا يَشْتَهُونَ} أصله: يشتهيون بوزن يفتعلون؛ استثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فلما سكنت التقى ساكنان، فحذفت الياء لذلك.
{وَحُورٌ} جمع حوراء، كحمر جمع حمراء. فمعنى الحور: النساء شديدات البياض؛ أي: بياض أجسادهن. والعين: جمع عيناء. فمعنى العين: شديدات سواد العيون مع سعتها، مثل: أعين الظباء والبقر.
قال الأصمعي: وليس في بني آدم حور عين، وإنما قيل للنساء: حور تشبيهًا بالظباء والبقر، اهـ.
وقوله: {عِينٌ} جمع عيناء، كسرت فاؤه لمناسبة الياء، وإلا فقياسه أن يجمع كما جمعت حمراء. فأصل "عين" عين بضم العين؛ لأنه نظير حمر جمع حمراء، فخفف بإبدال ضمة فائه كسرة لتصح الياء؛ وإنما لم تبدل ياؤه واوًا وكما فعلوا في موقن وموسر. أصلها: ميقن وميسر؛ لأن الجمع أثقل من المفرد، والواو أثقل من الياء. فيجتمع حيئذٍ ثقلان. قال في الخلاصة:
وَيُكْسَرُ الْمَضْمُوْمُ فِيْ جَمْعٍ كَمَا
…
يُقَالُ هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا
{الْمَكْنُونِ} ؛ أي: المصون الذي لم تمسه الأيدي. وهو أصفى، وأبعد من
التغير. {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)} الهمزة فيه مبدلة من ياء لتطرفها إثر ألف زائدة. فأصله: جزاي. {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} ؛ أي: باطلًا. قال في "القاموس": اللغو واللغا: السقط، وما لا يعتد به من كلام وغيره، كما مر بسطه. {وَلَا تَأْثِيمًا}؛ أي: ما يقال حين سماعه: وقعتم في الإثم. والإثم: الأفعال المبطئة عن الثواب. والجمع آثام. {إِلَّا قِيلًا} فيه إعلال بالقلب أصله: قولًا، قلبت {الواو} ياء لسكونها إثر كسرة.
{أَبْكَارًا} جمع بكر. والمصدر البكارة. قال الراغب: البكرة: أول النهار، وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار. فقيل لكل متعجل: بكر. وسميت التي تفتض بكرًا اعتبارًا بالثيب لتقدمها عليها، فيما يراد به النساء. {عُرُبًا} جمع عروب، كرسل جمع رسول. وهي المتحببة إلى زوجها، الحسنة التنقل، واشتقاقه من أعرب إذا بين. والعرب تبين محبتها لزوجها. {أَتْرَابًا} جمع ترب بالكسر. وهي اللدة، والسن. وفي "السمين": الترب: هو المساوي لك في سنك؛ لأنه يمس جلدهما التراب في وقت واحد. وهو آكد في الائتلاف. وهو من الأسماء التي لا تتعرف بالإضافة لأنه في معنى الصفة. إذ معناه: مساويك، ومثله: خدنك؛ لأنه في معنى صاحبك، اهـ سمين.
{فِي سَمُومٍ} السموم: حر نار ينفذ في المسام. قال في "القاموس": السموم: الريح الحارة تكون غالبًا في النهار. والحرور: الريح الحارة بالليل، وقد تكون بالنهار. {وَحَمِيمٍ} وهو الماء المتناهي في الحرارة. {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)} ، وزنه يفعول، قال أبو البقاء: من الحم بالضم، أو من الحميم. واليحموم قيل: هو الدخان الأسود البهيم. وقيل: واد في جهنم. وقيل: اسم من أسمائها. والأول أظهر، اهـ سمين. وفي "المختار": وحممه تحميمًا سخم وجهه بالفحم، والحمم: الرماد، والفحم، وكل ما احترق من النار. الواحدة حممة، اليحموم: الدخان، اهـ.
{يُصِرُّونَ} أصله: يصررون بوزن يفعلون، نفلت حركة الراء الأولى إلى الصاد فسكنت، فأدغمت في الراء الثانية. {عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} ، أي: الذنب العظيم. وهو الشرك بالله، وجعل الأوثان والأنداد أربابًا من دون الله تعالى.
{أَئِذَا مِتْنَا} قرىء {مُتنا} بضم الميم. لأنَّ المستعمل الفاشي في هذه الفاعل: مات يموت بوزن فعل يفعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، ولما أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك التقى ساكنان: الألف والتاء لام الكلمة، فحذفت الألف لذلك، فاحتيج إلى معرفة هذه العين المحذوفة من الفعل الأجوف هل هي واو أو ياء؟ فحذفت حركة الفاء، وعوض عنها حركة مجانسة لتلك العين المحذوفة. وهي الضمة؛ لأن العين واو، فقيل: متنا بوزن فلنا. أما من قرأ {مِتْنَا} بكسر الميم فتوجيه ذلك أن في هذا الفعل لغة على فعل يفعل بكسر العين في الماضي والمضارع، ولما حذفت عينه لالتقاء الساكنين، كسرت فاؤه لتدل الكسرة على أن العين المحذوفة مكسورة كما قالوا: قلت من الكيل، وخفت من الخوف. فقولهم: ثنا بكسر الميم كثير الاستعمال شاذ في القياس. وقوله: {متنا} بضم الميم قليل الاستعمال غير شاذ في القياس، وفي الفعل أيضًا لغة ثالثة، حكاها الكوفيون. وهي أنه من باب فعل بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع. وعليه يتجه أيضًا كسر الميم كما في خفت.
{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)} أصله: موقات، قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة. والميقات: هو الوقت المضروب للشيء ينتهي عنده أو يبتدأ فيه. {مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} والزقوم: هو من أخبث الشجر المر ينبت في الدنيا بتهامة، وفي الآخرة ينبت في أصل الجحيم. وهو كريه المنظر، مر الطعم، منتن الرائحة. {فَمَالِئُونَ} اسم فاعل من ملأ الثلاثي. يقال: ملأ الأناء فهو مملوء من باب قطع. والمليء بالكسر: مقدار ما يأخذه الإناء إذا امتلأ. {شُرْبَ الْهِيمِ} وعبارة السمين: والهيم بكسر الهاء جمع أهيم للمذكر، وهيماء للمؤنث كحمر وأحمر وحمراء. وهو الجمل والناقة التي أصابها الهيام. وهو داء معطش تشرب الإبل منه إلى أن تموت، أو تسقم سقمًا شديدًا. والأصل: هيم بضم الهاء كحمر، قلبت الضمة كسرة لتصح الياء. وذلك نحو: بيض في أبيض، وبيضاء وفعل بضم الفاء جمع لأفعل، وفعلاء على حد قول ابن مالك:
فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرٍ وحَمْرَا
…
وفِعْلَةٌ جَمْعًا بِنَقْلٍ يُدْرَى
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)} .
ومنها: التعبير باسم الفاعل الذي حقيقة في الحال عند الإطلاق عما في المستقبل. وهو القيامة إشعارًا بتحقق وقوعها. ولذا اختيرت إذا دون إن الشرطية، واختيرت صيغة الماضي أيضًا.
ومنها: الطباق في قوله: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} وفيه أيضًا المجاز العقلي؛ لأن الخافض والرافع في الحقيقة هو الله تعالى؛ يرفع أولياءه، ولخفض أعداءه. وفي إسنادهما إلى القيامة مجاز عقلي؛ لما فيه من إسناد الشيء إلى زمانه كقولهم: نهاره صائم.
ومنها: تقديم الخفض على الرفع في قوله: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} مبالغة في التهويل منها.
ومنها: حذف الفاعل في قوله: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)} لعلمه، وإفادة للتهويل منها.
ومنها: الطباق بين {الْمَيْمَنَةِ} ، و {الْمَشْأَمَةِ} وبين:{الْأَوَّلِينَ} و {الْآخِرِينَ} .
ومنها: التفخيم والتعظيم في قوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} على طريق الاستفهام.
ومنها: التحقير والإهانة في قوله: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)} .
ومنها: التفنّن في قوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} إلخ، وقوله:{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ} إلخ، بعد قوله أولًا:{أصحاب الميمنة} الخ، وقوله:{وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} إلخ.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)} ؛ أي: كأمثال اللؤلؤ في بياضه وصفاته، حذف منه وجه الشبه. فهو مرسل مجمل.
ومنها: الاستعارة في قوله: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)} من الوضن. وهو حقيقة
في نسج الدرع. ثم استعير لكل نسج محكم.
ومنها: الإيجاز في قوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)} فجمع في هاتين الكلمتين جميع عيوب الخمر في الدنيا.
ومنها: توافق الفواصل في الحرف الأخير في قوله: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} .
وقوله: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)} وهو مما يزيد في رونق الكلام، وحسنه. وهو المسمى عندهم بالسجع المرصع؛ أي: غير المتكلف به. وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: المبالغة في التشبيه في قوله: {سِدْرٍ مَخْضُودٍ} ؛ لأنّ المخضود في سدر الدنيا، المقطوع المزال عنه شوكه. فإن سدر الدنيا مخلوق بشوك، والذي أزيل عنه شوكه يسمى مخضودًا. وسدر الجنة خلق بلا شوك، كأنه خضد شوكه؛ أي: قطع ونزع عنه. فقوله: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)} إما من باب المبالغة في التشبيه أو مجاز بعلاقة السببية، فإن الخضد سبب لانقطاع الشوك.
ومنها: تأكيد المدح بما يشبه الذم في قوله: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} لأن السلام ليس من جنس اللغو والتأثيم. فهو مدح لهم بإفشاء السلام. وهذا كقول القائل: ولا ذنب ليس إلا محبتك.
ومنها: التهكم بأصحاب المشأمة في قوله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} إشعارا بأنهم لا يستأهلون للظل البارد الكريم الذي هو لأضدادهم في الجنة.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)} ؛ أي: كالنزل الذي يعد للنازل مما أحضر مكرمة له.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله تعالى لما ذكر (1) الأزواج الثلاثة، وبين مآل كل منها، وفصل ما يلقاه السابقون وأصحاب الميمنة من نعيم مقيم، وذكر ما يلقاه أصحاب المشأمة من عذاب لازبٍ في حميم وغساق، وذكر أن ذلك إنما نالهم لأنهم أشركوا بربهم، وعبدوا معه غيره، وكذبوا رسله، وأنكروا البعث والجزاء .. أردف ذلك بإقامة الأدلة على الألوهية من خلق ورزق لطعام وشراب، وأقام الدليل على البعث والجزاء. ثم أثبت الأصل الثالث - وهو النبوة - فيما بعد.
(1) المراغي.
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر الأدلة على الألوهية والبعث والجزاء .. أعقب ذلك بذكر الأدلة على النبوة، وصدق القرآن الكريم. وأقسم على هذا بما يرونه في مشاهداتهم من مساقط النجوم، إنه لكتاب كريم لا يمسّه إلا المطهرون، وأنه نزل من لدن حضرة القدس على يد جبريل عليه السلام. فكيف تتهاونون في اتباع أوامره، والانتهاء عن نواهيه، وتجعلون شكركم على هذا تكذيبكم بنعم الله تعالى، وجزيل فضله عليكم.
قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) جحود الكافرين بآياته، وتكذيبهم رسوله وكتابه، وقولهم فيه: إنه سحر أو افتراء، واعتقادهم أن رزقهم من الأنواء .. أردف ذلك بتوبيخهم على ما يعتقدون، فإنه إذا كان لا بد للفعل من فاعل، وقد جحدتم الله، وكذبتم رسوله فالفاعل لهذا كله أنتم؛ لأنَّ الخالق إما الله وإما أنتم، فإذا نفيتم الله فأنتم الخالقون، وإذًا فلماذا لا ترجعون الروح لميتكم؟ وهو يعالج سكرات الموت. فإن كنتم صادقين فارجعوها، الحق إنكم لا تعقلون الدليل والبرهان، بل لا تفهمون إلا المحسوسات فلما لم تروا الفاعل كذبتم به، وهذا من شيمة الجهال. إذ للعلم وسائل عديدة. فليس عدم رؤية الشيء دليلًا عل عدم وجوده.
ثم بين حال المتوفى، ومن أي الأزواج الثلاثة هو؟. فإن كان من السابقين .. فله روح واطمئنان نفس علمًا منه بما سيلقاه من الجزاء، ورزق طيب في جنات النعيم. فيرى فيها ما تلذ الأنفس، وتقر به الأعين، وإن كان عن أصحاب اليمين .. فتسلم عليه الملائكة، وتعطيه أمانًا من ربه، وإن كان من أصحاب الشمال .. فضيافته ماء حميم، وعذاب في النار أبدًا.
ثم بين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن الخبر الذي أخبر به هو الحق اليقين، وعليه أن ينزه ربه العظيم عن كل ما لايليق به.
(1) المراغي.