الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى: كأن قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} بمنزلة قوله: أيقرض الله أحد، كما مرّ آنفًا. قال أبو حيان (1): وهذا الذي ذهب إليه أبو علي الفارسي ليس بصيحح، بل يجوز النصب إذا كان الاستفهام بأدواته الاسمية نحو: من يدعوني فاستجيبَ له، وأين بيتك فأزورَك، ومتى تسير فأرافقَك، وكيف تكون فأصحبَك. فالاستفهام هنا واقع عن ذات الداعي، وعن ظرف المكان وظرف الزمان، والحال، لا عن الفعل، وحكى ابن كيسان عن العرب: أين ذهب زيد فنتبعه، وكذلك كم مالك فنعرفه، ومن أبوك فنكرمه بالنصب بعد الفاء. وقراءة {فَيُضَاعِفَهُ} بالنصب قراءة متواترة. وإذا جاز النصب في نحو هذا فجوازه في المثل السابقة أحرى، مع أن سماع ابن كيسان ذلك محكيًّا عن العرب يؤيد ذلك، انتهى.
12
- والظرف في قوله: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} منصوب بإضمار اذكر تفخيمًا لذلك اليوم، أو بـ {كَرِيمٌ} أو بـ {يضاعفه} أو بالعامل في {لَهُمْ}. وهو الاستقرار. والخطاب لكل من يصلح. وقوله:{يَسْعَى نُورُهُمْ} في محل نصب على الحال من مفعول {تَرَى} . والنور: هو الضياء الذي يرى. والسعي: هو المشي السريع؛ أي: واذكر أيها المخاطب وقت رؤية المؤمنين والمؤمنات على الصراط، وهو يوم القيامة حال كونهم يسعى نور إيمانهم وطاعتهم {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} جمع يمين بمعنى الجارحة. والمراد هنا: جهة اليمين. و {بَيْنَ} ظرف للسعي. قال أبو الليث: يكون النور بين أيديهم، وبأيمانهم، وعن شمائلهم إلا أن ذكر الشمال مضمر.
قال في "فتح الرحمن": وخص بين الأيدي بالذكر؛ لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور، وخص ذكر جهة اليمين تشريفًا، وناب ذلك مناب أن يقول: وفي جميع جهاته. وفي "كشف الأسرار": لأن طريق الجنة يمنةٌ، وتجاههم، وطريق أهل النار يسرة ذات شمال، وفي الحديث:"بينا أنا على حوضي أنادي هلم إذا أناس أخذتهم الشمال، فاختلجوا دوني، فأنادي ألا هلم فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا".
وقرأ الجمهور (2): {النُّورِ} أصله يكون بأيمانهم، والذي بين أيديهم هو
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
الضوء المنبسط من ذلك النور. وقيل: الباء بمعنى عن؛ أي: عن أيمانهم. وقال الزمخشري: وإنما قال: {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} لأنّ السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم، ووراء ظهورهم. وقرأ الجهور {وَبِأَيْمَانِهِمْ} بفتح الهمزة، جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد الساعدي، وأبو حيوة {بإيمانهم} بكسرها وعطف هذا المصدر على الظرف؛ لأنَّ الظرف متعلق بمحذوف؛ أي: كائنًا بين أيديهم، وكائنًا بسبب إيمانهم. والمراد بالإيمان: ضد الكفر. وقيل: هو القرآن.
وتقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم: {بُشْرَاكُمُ} ؛ أي: ما تبشرون به اليوم. وعبارة الخطيب هنا؛ أي: بشارتكم العظيمة في جيمع ما يستقبلكم من الزمان. {جَنَّاتٌ} ؛ أي: بساتين أو بشراكم دخول جنات، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب. {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها، وقصورها {الْأَنْهَارُ} الأربعة المعروفة في الجنة: اللبن، والماء، والخمر، والعسل. حال كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: في تلك الجنات. {ذَلِكَ} ؛ أي: ما ذكر من النور والبشرى بالجنات المخلدة {هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا يقادر قدره، حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه لكونهم ظفروا كل ما أرادوا.
ومعنى الآية (1): أي لهم الأجر الكريم حين ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى بين أيديهم ما يكون السبب في نجاتهم، وهدايتهم إلى سبيل الجنة من العلوم التي كملوا بها أنفسهم في الدنيا: كالاعتقاد، بالتوحيد، وخلع الأنداد والأوثان، والقبور، والأعمال الصالحة التي زكوا بها أنفسهم، وبها أخبتوا لربهم، وأنابوا إليه مخلصين له الدين، وبأيمانهم تكون كتبهم. كما جاء في آية أخرى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} . وتقول لهم الملائكة: أبشروا بجنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقًا لما قدمتم من صالح الأعمال، وجاهدتم به أنفسكم في ترك الشرك والآثام، وكنتم تذكرون الله بالليل والناس نيام، فطوبى لكم وهنيئًا بما عملتم. ونحو الآية قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ
(1) المراغي.