الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى عليه (1): الذين يبخلون ببيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي في كتبهم لئلا يؤمن به الناس فتذهب مأكلتهم، ويأمرون الناس بالبخل به، لهم عذاب شديد، أو فإن الله غني عنهم، ويدل على هذا قوله:{وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} . قال سعيد بن جبير: هم الذين يبخلون بالعلم، ويأمرون الناس بالبخل به لئلا يعلموا الناس تلك المعجزة على يده.
25
- أي: ولقد أرسلنا رسلنا إلى الأمم مؤيدين بالمعجزات الدالة على صدقهم في دعواهم. {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} ؛ أي: جنس الكتب الشامل للكل لتبيين الحق وتمييز صواب العمل؛ أي: لتكميل القوة النظرية والعملية.
وقوله: {مَعَهُمُ} يجعل على تفسير الرسل بالأنبياء حالًا مقدرة من
{الْكِتَابَ} . أي: مقدرًا كونه معهم، وإلا فالأنبياء لم ينزلوا حتى ينزل معهم الكتاب. فالنزول مع الكتاب شأن الملائكة، والإنزال إليهم شأن الأنبياء، ولذا قدم الوجه الأول؛ إذ لو كان المعنى: لقد أرسلنا الأنبياء إلى الأمم .. لكان الظاهر أن يقال: وأنزلنا إليهم الكتاب. {و} أمرناهم بـ {الْمِيزَانَ} ؛ أي: بالعدل {لِيَقُومَ النَّاسُ} ؛ أي: ليتعامل الناس فيما بينهم {بِالْقِسْطِ} ؛ أي: بالعدل إيفاء واستيفاء، ولا يظلم أحد أحدًا في ذلك. ومعنى إنزاله: إنزال أسبابه، والأمر بأعداده، وإلا فالميزان من مصنوعات البشر، وليس بمنزل من السَّماء. وعلى القول: بأن المراد به: الآلة التي يوزن بها يكون معنى إنزاله إرشاد الناس إليه، وإلهامهم الوزن به، ويكون الكلام من باب علفتها تبنًا وماء باردًا".
وروي: أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان نفسه فدفعه إلى نوح عليه السلام، وقال: مر قومك يزنوا به.
والمعنى: أي ولقد أرسلنا الأنبياء إلى أممهم، ومعهم البراهين الدالة على صدقهم، المؤيدة لبعثهم من عند ربهم، ومعهم كتب الشرائع التي فيها هداية البشر وصلاحهم في دينهم ودنياهم، وأمرناهم بالعدل ليعملوا به فيما بينهم، ولا يظلم بعضهم بعضًا.
(1) المراح.
ولما كان الناس فريقين: فريقًا يقوده العلم والحكمة، وفريقًا يقوده السيف والعصا، وكان ما يزع الشيطان أكثر مما يزع القرآن، وكان العدل والقانون لا بد له من حام يحميه، وهو الدولة والملك وأعوانه والجند، وهؤلاء لا بدل لهم من عدة يحمون بها القانون والعدل في داخل البلاد، وفي خارجها أعقب بقوله:{وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ} ؛ أي: خلقناه كما في قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} ، والمعنى: أنه خلقه في المعادن، وعلم الناس صنعته واستخراجه من معدنه. وذلك أن أوامره وقضاياه وأحكامه تنزل من السماء، قاله الحسن. وأصل الحديد: ماء نزل من السماء، فتجمد في معادنه، ولذلك احتاج في صوغه إلى النار، كما أن الماء المثلج يحتاج إلى الحرارة في ذوبه. وقال بعضهم: وأخرجنا الحديد من المعادن؛ لأن العدل إنما يكون بالسياسة، والسياسة مفتقرة إلى العدة، والعدة مفتقرة إلى الحديد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام: الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من الثلج، وعصا موسى، وكانت من آس الجنة طولها عشرة أذرع، والحديد. {فِيهِ}؛ أي: في الحديد {بَأْسٌ شَدِيدٌ} ؛ أي: قوة شديدة يعني: السلاح للحرب؛ لأنَّ آلات الحرب، إنما تتخذ منه. قال الزجاج: يمتنع به ويحارب.
والمعنى: أنه تتخذ منه آلة للدفع، وآلة للضرب. قال مجاهد: فيه جنة وسلاح. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} ؛ أي: وفيه منافع كثيرة للنَّاس، فإنهم ينتفعون بالحديد في كثير من أمور معاشهم كالسكين، والفأس والإبرة، وآلات الزراعة والصناعة، ونحوها. فإنه ما من صنعة إلا، والحديد أو ما يعمل بالحديد آلتها كالمراكب، والبواخر، والطوائر، والسوائر. وفيه إشارة إلى أن القيام بالقسط كما يحتاج إلى القائم بالسيف يحتاج أيضًا إلى ما به قوام التعايش من الصنائع وآلات المحترقة.
وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} معطوف (1) على قوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} ؛ أي: لقد أرسلنا رسلنا، وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس بالقسط، وليعلم الله .. إلخ. أو معطوف (2) على علة مقدرة يدل عليها ما قبله، فإنه حال متضمنة للتعليل كأنه قيل: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس ليستعملوه، وينتفعوا
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
به، وليعلم الله علمًا يتعلق بالجزاء من ينصره ورسله باستعمال السيوف والرماح، والمدافع، والبنادق، وسائر الأسلحة في مجاهدة أعدائه. وقال الشوكاني: والأول أولى؛ لأن عدم التقدير أولى من التقدير.
وقوله: {بِالْغَيْبِ} حال من فاعل {يَنْصُرُهُ} ؛ أي: ليعلم الله سبحانه من ينصر دينه، وينصر رسله حال كونهم غائبين عن الله تعالى مشاهدين له، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ينصرونه ولا يبصرونه. وإنما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب من غير معاينة للمطاع، أو حال من مفعوله؛ أي: حال كونه تعالى غائبًا عنهم غير مرئي لهم (1)، أو حال من {رسله}؛ أي: وإنما فعل ذلك ليراكم ناصري دينه باستعمال السلاح، والكراع لمجاهدة أعدائه وناصري رسله، وهم غائبون عنكم لا يبصرونكم.
روى أحمد، وأبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {قَوِيٌّ} على إهلاك من أراد إهلاكه {عَزِيزٌ} لا يفتقر إلى نصرة الغير، وإنما أمرهم بالجهاد، لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه؛ أي: إن الله قوي قادر يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته غالب على أمره لا يقدر أحد على دفع العقوبة حتى أحلها بأحد من خلقه، وليس له حاجة إلى أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك، لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين. قال الزروقي رحمه الله تعالى (2): القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته وصفاته، ولا في أفعاله، فلا يمسه نصب ولا تعب، ولا يدركه قصور، ولا عجز في نقض ولا إبرام. وخاصية هذا الاسم ظهور القوة في الوجود، فما تلاه ذو همة ضعيفة إلا وجد القوة، ولا ذو جسم ضعيف إلا كان له ذلك، ولو ذكره مظلوم بقصد إهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك، وكفى أمره. وخاصية الاسم العزيز: وجود الغنى، والعز صورة أو معنى، فمن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة أعانه الله وأعزه، فلم يحوجه إلى أحد من
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.