الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحديد
سورة الحديد مدنية. نزلت بعد الزلزلة. قال القرطبيّ في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الحديد بالمدينة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وقيل: مكية.
وآيها تسع وعشرون آية. وكلماتها خمس مئة وأربع وأربعون كلمة. وحروفها ألفان وأربع مئة وستة وسبعون حرفًا.
المناسبة: مناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة (1)؛ لأنه تعالى أمر بالتسبيح، ثم أخبر أن التسبيح المأمور به قد فعله والتزمه كل من في السموات والأرض.
وعبارة المراغي هنا: مناسبتها لما قبلها من وجهين (2):
1 -
إن هذه بدئت بالتسبيح، وتلك ختم به.
2 -
إن أول هذه واقع موقع العلة لآخر ما قبلها من الأمر بالتسبيح. فكأنه قيل: سبح باسم ربك العظيم. لأنه سبح له ما في السموات والأرض.
التسمية: سميت هذه السورة سورة الحديد لذكر الحديد فيها. وهو قوة الإنسان في السلم والحرب، وعدته في البنيان والعمران فمن الحديد تبنى الجسور الضخة، وبه تشاد العمائر، ومنه تصنع الدروع والسيوف والرماح، وتكون منه الدبابات، والغواصات، والسيارات، والطائرات، والمدافع الثقيلة إلى غير ما هنالك من المنافع التي كادت أن لا تحصى.
الناسخ والمنسوخ فيها: قال ابن حزم: سورة الحديد كلها مدنية إلا في قول
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
الكلبي. فإنه قال: إنها مكية، وكلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وبرد (1) على القول بأنها مدنية ما نقل في سبب إسلام عمر بن الخطاب: أنه لما قرأ هذه الآيات من أول هذه السورة إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وكانت مكتوبة في صحيفة عند أخته .. أسلم. فهذا يقتضي أن هذه الآيات مكية. فعلى هذا تستثنى على القول بأن السورة مدنية، تأمل.
فضلها: ومن فضائلها: ما أخرجه أحمد (2)، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن مردويه، واليبهقي في "الشعب" عن العرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال:"إن فيهن آية أفضل من ألف آية". وفي إسناده بقية بن الوليد. وفيه مقال معروف. وقد أخرجه النسائي عن خالد بن معدان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر العرباض بن سارية، فهو مرسل.
وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن أبي كثير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات، وكان يقول:"إن فيهن آية أفضل من ألف آية". قال يحيى: فنراها الآية التي في آخر الحشر. قال ابن كثير في تفسيره: والآية المشار إليها، والله أعلم هي قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ
…
} الآية، والمسبحات المذكورة هي: الحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) الفتوحات.
(2)
الشوكاني.
وأما قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) أنواعًا من الأدلة تثبت وحدانيته، وعلمه، وقدرته .. فبين أن كل ما في السموات والأرض فهو في قبضته يصرفه كيفما يشاء على ما تقتضيه حكمته. ثم ذكر أنواعًا من الظواهر في الأنفس ترشد إلى هذا، وأومأ إلى النظر والتأمل فيها. أعقب بذكر التكاليف الدينية فأمر بدوام الإيمان الكامل الذي له آثاره العملية من إخبات النفس لله، وإخلاص العمل له، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ثم طلب إنفاق المال في سبيله، وأبان أن المال عارية مستردة فهو ملك له، وأنتم خلفاؤه في تثميره في الوجوه التي فيها خير لكم، ولأمتكم، ولدينكم. ولكم على ذلك الأجر الجزيل الذي يضاعفه إلى سبع مئة ضعف. ثم حث على ذلك بأن جعل هذا صفوة دعوة الرسول، وقد أخذ عليكم العهد به، وآيات كتابه هادية لكم تخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. والله رؤوف بكم إذ أنقذكم من هاوية الشرك، وهداكم إلى طاعته. ثم ذكر فضل السابقين الأوّلين الذين أسلموا قبل فتح مكة، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إعلاء كلمة الله حين عز النصير، وقيل المعين. فهؤلاء يستوون مع من فعل ذلك بعد الفتح، وبعد أن دخل الناس في دين الله أفواجًا، وهؤلاء وأولئك لهم المثوبة الحسنى والأجر الكريم عند ربهم. ثم حث على الإنفاق مرة أخرى، وسماه قرضًا حسنًا له، وأنه سيرد هذا القرض، ويجازي به أجل الأجر يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه.
قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر (2) بالإيمان والإنفاق في سبيل الله، وحث على كل مهما بوجود موجباته .. فحث على الإيمان بوجود الأسباب التي تساعد عليه. وهي وجود الرسول بين أظهرهم، وكتاب الذي يتلى بين أيديهم، وحث على الإنفاق، فأبان أن المال مال الله، وهو عارية بين أيديهم، ثم يرد إليه، وأنهم ينالون على إنفاقه الأجر العظيم في جنات النعيم، ثم ذكر أن المنفقين أول الإسلام لهم من الأجر أكثر ممن أنفقوا من بعد، حين النصير
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
والمعين .. ذكر هنا حال المؤمنين المنفقين يوم القيامة. فبين أن نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، ليرشدهم إلى الجنة، وأنهم يبشرون بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، ثم أردفه بذكر حال المنافقين إذ ذاك، وأنهم يطلبون من المؤمنين شيئًا من الضوء يستنيرون به ليهديهم سواء السبيل؛ فيتهكم بهم المؤمنون، ويخيبوا آمالهم، ويقولون لهم: ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا نورًا بتحصيل العلوم والمعارف، فلا نور إلا منها.
ثم أرشد إلى أنه يضرب بين الفريقين حاجز باطنه مما يلي المؤمنين، فيه الرحمة، ومما يلي المنافقين فيه العذاب؛ لأنه في النار. ثم ذكر السبب فيما صاروا إليه، وأنهم أهلكوا أنفسهم بالنفاق والمعاصي، وانتظروا أن تدور على المؤمنين الدوائر فينطفيء نور الإيمان، وشكلوا في أمر البعث، وغرهم الشيطان فأوقعهم في مهاوي الردى.
ثم أعقبه ببيان أنه لا أمل في النجاة لهم إذ ذاك فلا تجدي الفدية، كما تنفع في الدنيا. فلا مأوى لهم إلا النار، وبئس القرار.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، وأن الأولين لهم نور يهديهم إلى طريق الجنة، وأن الآخرين يطلبون منهم أن يأتوهم قبسًا من نورهم يهديهم إلى سبيل النجاة، فيردونهم خائبين، ويقولون لهم: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورًا .. أردف هذا (1) بعتاب قوم من المؤمنين، فترت همتهم عن القيام بما ندبوا له من الخشوع، ورقة القلوب بسماع المواعظ وسماع القرآن، ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب الذين طال العهد بينهم وبين أنبيائهم، فقست تلوبهم، وأعرضوا عن أوامر الدين ونواهيه. ثم أبان لهم بضرب المثل: أن القلوب القاسية تحيا بالذكر، وتلاوة القرآن كما تحيا الأرض الميتة بالغيث، والمطر.
(1) المراغي.