الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الواقعة
سورة الواقعة مكية، نزلت بعد طه في قول الحسن (1)، وعكرمة، وجابر، وعطاء، وقال ابن عباس، وقتادة: مكية إلا آية منها نزلت بالمدينة. وهي قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} . وقال الكلبيّ: إنها مكيّة، إلّا أربع آيات منها:{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} ، وقوله:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} .
وآيها: ست أو سبع وتسعون آية (2). وكلماتها: ثلاث مئة وثمان وسبعون كلمة. وحروفها: ألف وسبع مئة وثلاثة أحرف.
مناسبتها لما تجلها من ثلاثة أوجه (3):
1 -
إنّ في كل منهما وصف القيامة، والجنة، والنار.
2 -
إنه ذكر في السورة السابقة عذاب المجرمين، ونعيم المتقين، وفاضل بين جنتي بعض المؤمنين، وجنتي بعض آخر منهم، وبين هنا انقسام المكلفين إذ ذاك إلى أصحاب ميمنة، وأصحاب مشئمة، وسابقين.
3 -
إنه ذكر في سورة الرحمن انشقاق السماء، وذكر هنا رج الأرض. فكأن السورتين لتلازمهما، واتحادهما موضوعًا سورة واحدة مع عكس في الترتيب. فقد ذكر في أول هذه ما في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك. وعبارة أبي حيان: مناسبة هذه السورة لما قبلها (4): أنَّ ما قبلها تتضمن العذاب للمجرمين، والنعيم للمؤمنين، وفاضل بين جنتي بعض المؤمنين، وجنتي
(1) الشوكاني.
(2)
الخازن.
(3)
المراغي.
(4)
البحر المحيط.
بعض بقوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)} . فانقسم العالم بذلك إلى كافر ومؤمن مفضول ومؤمن فاضل. وهكذا جاء ابتداء هذا السورة من كونهم أصحاب ميمنة وأصحاب مشئمة وسباق. وهم المقربون وأصحاب اليمين، والمكذبون المختتم بهم آخر هذه السورة.
الناسخ والمنسوخ منها: أجمع (1) المفسّرون على أن لا ناسخ فيها، ولا منسوخ إلا قول مقاتل بن سليمان، فإنه قال نسخ منها قوله تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} ، الآية (14) من الواقعة، نسخ بقوله تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} الآية (40) من الواقعة.
واسمها: سورة الواقعة، سميت بها لذكر الواقعة فيها. وهو اسم من أسماء القيامة.
ومن فضائلها: ما أخرجه أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ سورة الواقعة كل لية لم تصبه فاقة أبدًا". ومنها: ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة الواقعة سورة الغنى فاقرؤوها، وعلموها أولادكم". وأخرج الديلمي عن أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا نساؤكم سورة الواقعة، فإنها سورة الغنى".
ومنها: ما روى هلال بن يساف عن مسروق قال: من أراد أن يعلم نبأ الأولين والأخرين، ونبأ أهل الجنة، ونبأ أهل النار، ونبأ أهل الدنيا، ونبأ أهل الآخرة فليقرأ سورة الواقعة.
ومنها: ما ذكر أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" و"التعليق"، والثعلبيُّ أيضًا: أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده في مرضه الذي مات منه، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: أفلا ندعو لك طبيبًا؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا نأمر لك بعطائك؟ قال: لا حاجة لي فيه، حبسته عني في حياتي، وتدفعه عند مماتي. قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: أتخشى على
(1) ابن حزم.
بناتي الفاقة من بعدي، إني أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة. فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا"، اهـ قرطبيّ. وقد روى هذا الحديث البيهقيُّ، وغيره كما مرّ آنفًا، إنما أعدناه لهذه القصة. قال سعدي المفتي: هذا حديث صحيح.
وفي رواية أخرى: من داوم على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر أبدًا. قال ابن عطية: فيها ذكر القيامة، وحظوظ الناس في الآخرة، وفهم ذلك غنى لا فقر معه، ومن فهمه يشتغل بالاستعداد للآخرة.
قال الغزالي رحمه الله تعالى في "منهاج العابدين": قراءة هذه السورة عند الشدّة في أمر الرزق والخصاصة شيء وردت به الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، حتى ابن مسعود رضي الله عنه حين عوتب في أمر أولاده؛ إذ لم يترك لهم في الدنيا، قال: لقد خلفت لهم سورة الواقعة.
فإن قلت: إرادة متاع الدنيا بعمل الآخرة لا تصح.
قلت: مراده أن يرزقهم الله تعالى قناعة أو قوة يكون لهم عدة على عبادة الله تعالى، وقوّة على درس العلم. وهذا من جملة إرادة الخير دون الدنيا فلا رياء، انتهى كلامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
بدأ سبحانه هذه السورة بأنه حين تقع الواقعة، ويجيء يوم القيامة لا تكذب نفس على الله، فتنكره. إذ تحقق بالمعاينة، وشهده كل احد. أمّا في الدنيا فما أكثر النفوس المكذّبة المنكرة له؛ لأنهم لم يذوقوا العذاب كما عاينه المعذبون في الآخرة.
ثم وصف هذه الواقعة بأنها تخفض أقوامًا، وترفع آخرين، وأن الأرض حينئذٍ
تزلزل، فيندك ما عليها من جبال وأبنية، وأنَّ الجبال تتفتت، وتصير كالغبار المنتشر في الجو، وأن الناس إذ ذاك ينقسمون أفواجًا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشئمة، والسابقون.
قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه لما ذكر (1) أنَّ الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: سابقون، وأصحاب ميمنة، وأصحاب مشأمة .. أعقب ذلك بذكر ما يتمتع به السابقون من النعيم في فرشهم، وطعامهم، وشرابهم، ونسائهم، وأحاديثهم التي تدل على صفاء النفس، وأدب الخلق، وسمو العقل.
قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه لما ذكر حال السابقين، وبين ما لهم من نعيم مقيم في جنّات النعيم .. أردف ذلك بذكر حال أصحاب اليمين، فبين أنهم في جنات يتخللها السدر المخضود، والموز المنضد بعضه فوق بمعنى، والفاكهة الكثيرة التي لا تنقطع أبدًا، ولا تمتنع عنهم متى شاؤوا، وفيها فرش وثيرة مرتفعة عالية، ونساء حسان أبكار في سن واحدة.
قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه لما ذكر زوجين من الأزواج الثلاثة، وبين ما يلقاه كل منهم من عز مقيم وشرف عظيم في جنات ونعيم، في جملة شؤونهم في مآكلهم، ومشاربهم، وفرشهم، وأزواجهم .. أردف ذلك بذكر الزوج الثالث، وبين ما يلقاه من النكال، والوبال، وسوء الحال. فهو يتلظى في السموم، ويشرب ماء كالمهل يشوي الوجوه، ثم أعقبه بذكر السبب في هذا بأنهم كانوا في دنياهم مترفين غارقين في ذنوبهم، منكرين هذا اليوم يوم الجزاء. ثم أمره أن يخبرهم بأن هذا اليوم واقع حتمًا، وأن مأكلهم سيكون من شجر الزقوم، يملؤون منه البطون، ثم يشربون؛ ولا يرتوون كالإبل الهيم. وهذا ما أعد لهم من كرم وحسن وفادة في هذا اليوم.
(1) المراغي.