المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي، وأخرى بأخذ الأقدام. روي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌سورة الطور

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌سورة النجم

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌(13)}

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌(24)}

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌(33)

- ‌(34)}

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌سورة القمر

- ‌(1)}

- ‌2

- ‌(3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌سورة الرحمن

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌(46)}

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌سورة الواقعة

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌(40)}

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌ 90

- ‌91

- ‌ 92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌سورة الحديد

- ‌(1):

- ‌2

- ‌(3):

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

الفصل: ثم تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي، وأخرى بأخذ الأقدام. روي

ثم تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي، وأخرى بأخذ الأقدام. روي عن الضحاك: أن الملك يجمع بين ناصية أحدهم وقدميه في سلسلة من وراء ظهره، ثم يكسر ظهره، ويلقيه في النار، وقيل: تأخذ الملائكة عليهم السلام بعضهم سحبًا بالناصية، وبعضهم سحبًا بالقدم، ولا نجزم بشيء من ذلك إلا بالنص القاطع، وهذا الوضع معهم سبيل من سبل الإهانة، والإذلال، والنكال.

‌43

- ويقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: {هَذِهِ} النار التي تلقون فيها الآن {جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} ؛ أي: جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا، فها أنتم الآن قد شاهدتموها، ورأيتموها رأي العين. فذوقوا عذابها، وهذه الجملة مستأنفة (1) واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل: يقال لهم: هذه جهنم تقريعًا لهم، وتوبيخًا.

‌44

- وجملة قوله: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} ؛ أي: بين جهنم، فتحرقهم {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} فتصب على وجوههم. حال من المجرمين أو مستأنفة؛ أي: يدورون بين النار، يحرقون بها، وبين حميم آن؛ أي: ماء بالغ من الحرراة أقصاها ونهايتها، يصب عليهم أو يسقون منه؛ أي: يطوفون من النار إلى الحميم، ومن الحميم إلى النار دهشًا وعطشًا أبدًا. والحميم: الماء الحار. والآني الذي قد انتهى حره، وبلغ غايته، من أنى يأني فهو آنٍ. مثل: تضى يقضي فهو قاض. قال أبو الليث: يسلط عليهم الجوع، فيؤتى بهم إلى الزقوم التي طلعها كرؤوس الشياطين، فأكلوا منها، فأخذت في حلوقهم، فاستغائوا بالماء، فأوتوا به من الحميم. فإذا قربوه إلى وجوههم تناثر لحم وجوههم، ويشربون، فتغلي أجوافهم، ويخرج جميع ما فيها. ثم يلقى عليهم الجوع، فمرة يذهب بهم إلى الجحيم، ومرة إلى الزقوم، وقيل: هو واد من أودية جهنم، يجمع فيه صديد أهل النار، فيغمسون فيه،

‌45

- {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)} فإنَّ من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف، وما يحصل به من الترغيب في الخير، والترهيب من الشر.

فإن قلت (2): هذه الأمور المذكورة في هذه الآيات من قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} إلى هنا ليست نعمًا، فكيف عقبها بقوله:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42)} ؟

(1) روح البيان.

(2)

الخازن.

ص: 297

قلت: المذكور في هذه الآيات مواعظ، وزواجر، وتخويف. وكل ذلك نعمة من الله تعالى، لأنها تزجر العبد عن المعاصي، فصارت نعمًا. فحسن ختم كل آية منها بقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

وقرأ عليٌّ، والسلميّ (1):{يطافون} . والأعمش، وطلحة، وابن مقسم {يُطوِّفون} بضم الياء، وفتح الطاء، وكسر {الواو} مشدّدة. وقرىء {يطوفون} أصله: يتطوفون. وقرأ الجمهور {يَطُوفُونَ} مضارع طاف الثلاثي.

الإعراب

{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} .

{الرَّحْمَنُ (1)} مبتدأ، وجملة {عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} خبره. وقد تعددت الأخبار في الأفعال التي وردت خالية من العاطف على نمط التعديد وإقامة الحجة على الكافرين. وهذا عند من لا يرى {الرَّحْمَنُ (1)} آية. ومن عدّها آية أعرب {الرَّحْمَنُ (1)} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: الله الرحمن أو مبتدأ خبره محذوف؛ أي. الرحمن ربّنا. و {عَلَّمَ} يتعدّى إلى مفعولين، حذف أولهما لشموله؛ أي: علم من يتعلم. وهذا أولى من تخصيص المفعول الأول المحذوف بواحد معين. {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)} فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة معطوفة بعاطف مقدر على جملة {عَلَّمَ} ، على كونها خبر المبتدأ. {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} فعل، وفاعل مستتر، ومفعولان، معطوف على جملة {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)} . {الشَّمْسُ} مبتدأ، {وَالْقَمَرُ} معطوف عليه، {بِحُسْبَانٍ} خبر المبتدأ. والجملة معطوفة على جملة قوله:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} . {وَالنَّجْمُ} الواو: عاطفة، {النَّجْمُ} مبتدأ، {وَالشَّجَرُ} معطوف عليه، وجملة {يَسْجُدَانِ} خبر المبتدأ، وما عطف إليه. والجملة معطوفة على جملة {الرَّحْمَنُ} . {وَالسَّمَاءَ} منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبًا يفسّره المذكور بعد، أي: ورفع السماء.

(1) البحر المحيط.

ص: 298

والجملة معطوفة على جملة {عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} . {رَفَعَهَا} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة مفسّرة، لا محل لها من الإعراب. {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} . {أَلَّا} {أن} مصدرية، {لا} نافية، {تَطْغَوْا} فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، والواو: فاعل. والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدّرة، الجار والمجرور متعلق بـ {وضع} ، على كونه مفعولًا لأجله؛ أي: وضع لأجل عدم طغيانكم. ويجوز أن تكون {أن} مفسّرة، و {لا} ناهية، و {تَطْغَوْا} مجزوم بـ {لا} الناهية. فإن قيل: إنَّ من شرط المفسرة أن تكون مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه. قلنا: إنّ {وَضَعَ الْمِيزَانَ} يستدعي كلامًا من الأمر بالعدل فيه. {فِي الْمِيزَانِ} متعلقان بـ {تَطْغَوْا} .

{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} .

{وَأَقِيمُوا} {الواو} : عاطفة، {أَقِيمُوا} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو: فاعل، {الْوَزْنَ} مفعول به، {بِالْقِسْطِ} حال من الوزن؛ أي: أقيموه حال كونه متلبسًا بالقسط والعدل. والجملة معطوفة على جملة قوله: {أَلَّا تَطْغَوْا} . {وَلَا} الواو: عاطفة، {لا} ناهية، {تُخْسِرُوا} فعل، وفاعل، مجزوم بلا الناهية، {الْمِيزَانَ} مفعول به. والجملة معطوفة على ما قبلها. {وَالْأَرْضَ} الواو: عاطفة، {الْأَرْضَ} منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: ووضع الأرض. والجملة معطوفة على جملة {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} . {وَضَعَهَا} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، {لِلْأَنَامِ} متعلق به والجملة مفسرة، لا محل لها من الإعراب. {فِيهَا} خبر مقدم، {فَاكِهَةٌ} مبتدأ مؤخر. والجملة في محل النصب، حال من الأرض. {وَالنَّخْلُ} معطوف على فاكهة، {ذَاتُ الْأَكْمَامِ} صفة لـ {النَّخْلُ} ، {وَالْحَبُّ} معطوف على {فَاكِهَةٌ} ، {ذُو الْعَصْفِ} صفة لـ {الْحَبُّ} ، {وَالرَّيْحَانُ} معطوف على {فَاكِهَةٌ} أيضًا. هذا على قراءة الرفع. وأما على قراءة النصب، فالثلاثة منصوبة بفعل محذوف، تقديره: خلق. {فَبِأَيِّ آلَاءِ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما ذكرته لكم من النعم،

ص: 299

وأردتم تذكيركم وتنبيهكم فأقول لكم: بأيّ آلاء ربكما. {بأي} جار ومجرور، متعلق بـ {تُكَذِّبَانِ} ، {أيّ} مضاف {آلَاءِ} مضاف إليه، {آلَاءِ} مضاف، {رَبِّكُمَا} مضاف إليه، {تُكَذِّبَانِ} فعل مضارع مرفوع بثبات النون، وألف التثنية فاعل، والخطاب للثقلين: الإنس والجن. والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. والاستفهام فيه للتقرير.

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)} .

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ} فعل، وفاعل مستتر، يعود على الله، ومفعول به، {مِنْ صَلْصَالٍ} متعلق بـ {خَلَقَ} ، {كَالْفَخَّارِ} صفة لصلصال. والجملة الفعلية مستأنفة، مسوقة لتوبيخهم على إخلائهم بواجب شكر المنعم على إنعامه. {وَخَلَقَ الْجَانَّ} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} . {مِنْ مَارِجٍ} متعلق بـ {خَلَقَ} ، و {مِنْ} لابتداء الغاية، {مِنْ نَارٍ} صفة لـ {مَارِجٍ} ، و {مِنْ} للبيان أو للتبعيض. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعراب هذه الآية آنفًا. {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو رب المشرقين، {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} معطوف عليه، والجملة مستأنفة. وقيل: هو مبتدأ، خبره جملة {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} . والأوّل أولى. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة الفعلية مستأنفة. وجملة {يَلْتَقِيَانِ} في محل النصب حال من البحرين. وهي قريبة من الحال المقدرة. ويجوز أن تكون مقارنة. {بَيْنَهُمَا} ظرف، ومضاف، متعلق بمحذوف، خبر مقدم، {بَرْزَخٌ} مبتدأ مؤخر. والجملة في محل النصب، حال من الضمير في {يَلْتَقِيَانِ} ، أو مستأنفة. {لَا} نافية، {يَبْغِيَانِ} فعل، وفاعل، والجملة في محل النصب حال ثانية من فاعل {يَلْتَقِيَانِ} . ومعنى {لَا يَبْغِيَانِ} كل منهما لا يتعدى حدوده. فالعذب منفرد بعذوبته، والملح منفرد بملوحته. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدّم إعرابها. {يَخْرُجُ} فعل مضارع، {مِنْهُمَا} متعلق بـ {يَخْرُجُ} ، {اللُّؤْلُؤُ} فاعل، {وَالْمَرْجَانُ} معطوف عليه. والجملة مستأنقة. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدّم إعرابها.

ص: 300

{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)} .

{وَلَهُ} {الواو} : استئنافية، {له} خبر مقدم، {الْجَوَارِ} مبتدأ موخر، مرفوع، وعلامة رفعه ضمّة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل؛ لأنّه اسم منقوص، وحذفت الياء خطًّا تبعًا لرسم المصحف العثماني. والجملة مستأنفة. {الْمُنْشَآتُ} صفة لـ {الْجَوَارِ} ، {فِي الْبَحْرِ} متعلق بـ {الْمُنْشَآتُ} . {كَالْأَعْلَامِ} حال من الجوار أو من الضمير في {الْمُنْشَآتُ} . {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدّم إعرابها. {كُلُّ} مبتدأ، {مَنْ} اسم موصول، في محل الجر مضاف إليه، {عَلَيْهَا} جار ومجرور، صلة لمن الموصولة. {فَانٍ} خبر {كُلُّ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلّص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص. والجملة الاسمية مستأنفة. {وَيَبْقَى} الواو: عاطفة، {يَبْقَى} فعل مضارع، {وَجْهُ رَبِّكَ} فاعل، ومضاف إليه. والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية {ذُو} صفة: لـ {وَجْهُ} ، {الْجَلَالِ} مضاف إليه، {وَالْإِكْرَامِ} معطوف على الجلال. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {يَسْأَلُهُ} فعل مضارع، ومفعول أوّل، والمفعول الثاني محذوف، تقديره: يسأله من في السموات المغفرة لأهل الأرض، ومن في الأرض المغفرة والرزق. {مَنْ} اسم موصول، فاعل، {فِي السَّمَاوَاتِ} صلته، {وَالْأَرْضِ} معطوف على السماوات. والجملة مستأنفة. ولك أن تجعله حالًا من {وَجْهُ} ، والعامل فيه {يَبْقَى}؛ أي: يبقى وجه ربّك حال كونه مسؤولًا لأهل السموات والأرض. {كُلَّ يَوْمٍ} ظرف، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر هو، و {هُوَ} مبتدأ {فِي شَأْنٍ} خبره. والجملة مستأنفة. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدّم إعرابها.

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)} .

{سَنَفْرُغُ} السين: حرف استقبال، {نفرغ} فعل مضارع، وفاعل مستتر، يعود

ص: 301

على الله، {لَكُمْ} متعلق بـ {نفرغ} . والجملة مستأنفة. مسوقة للتهديد والوعيد. {أَيُّهَ} {أيّ} منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء، والهاء: حرف تنبيه، زائد تعويضًا عمّا فات أيّ من الإضافة، مبنيّ بسكون على الألف المحذوفة لفظًا لالتقاء الساكنين، وخطًّا تبعًا لرسم المصحف العثماني. {الثَّقَلَانِ} بدل من "أيّ". وجملة النداء جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ} {يَا} حرف نداء، {معشر الجن} منادى مضاف، {وَالْإِنْسِ} معطوف على {الْجِنِّ} وجملة النداء مستأنفة. {إِنِ} حرف شرط، {اسْتَطَعْتُمْ} فعل، وفاعل، في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، {أَنْ} حرف نصب ومصدر، {تَنْفُذُوا} فعل مضارع، وفاعل، منصوب بـ {أَنْ} . والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: إن استطعتم نفوذكم من أقطار السموات والأرض. {مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} متعلق بـ {تَنْفُذُوا} {فَانْفُذُوا} الفاء: رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، وجملة {إن} الشرطية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. {لا} نافية، {تَنْفُذُونَ} فعل مضارع مرفوع، والواو: فاعل، {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ، {بِسُلْطَانٍ} متعلق بـ {تَنْفُذُونَ} ، والجملة مستأنفة. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها.

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)} .

{يُرْسَلُ} فعل مضارع، مغيّر الصيغة، {عَلَيْكُمَا} متعلق بـ {يُرْسَلُ} ، {شُوَاظٌ} نائب فاعل، {مِنْ نَارٍ} صفة لـ {شُوَاظٌ} ، {وَنُحَاسٌ} بالرفع معطوف على {شُوَاظٌ} . وقرىء بالجرّ عطفًا على {نَارٍ} ، ولكنه على حذف موصوف، أي: وشيء من نحاس، والجملة الفعلية مستأنفة، {فَلَا} الفاء: عاطفة، و {لا} نافية، {تَنْتَصِرَانِ} فعل مضارع، مرفوع بالنون، والألف فاعل. والجملة معطوفة على جملة {يُرْسَلُ}. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {فَإِذَا} الفاء: استئنافية، {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، {انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، {فَكَانَتْ} الفاء: عاطفة،

ص: 302

{كانت} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على السماء، {وَرْدَةً} خبرها، {كَالدِّهَانِ} صفة لـ {وَرْدَةً} ، أو خبر ثان لكان أو حال من اسم {كانت} . وجملة {كانت} معطوفة على جملة {انْشَقَّتِ} ، وجواب إذا محذوف، تقديره: رأيت أمرًا عظيمًا، وأهوالًا هائلة، وجملة إذا مستأنفة، أو الجواب جملة قوله:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} . {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {فَيَوْمَئِذٍ} الفاء: استئنافية، أو رابطة لجواب إذا الشرطية جوازًا، {يومَ} منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ {يُسْأَلُ} الآتي، {ويوم} مضاف، {إذ} ظرف لما مضى من الزمان في محل الجر، مضاف إليه، بنيّ بسكون مقدّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلّص من التقاء الساكنين، {لَا} نافية، {يُسْأَلُ} فعل مضارع، مغير الصيغة، {عَنْ ذَنْبِهِ} متعلق بـ {يُسْأَلُ} ، {إِنْسٌ} نائب فاعل، {وَلَا جَانٌّ} معطوف عليه. والجملة الفعلية مستأنفة. أو جواب إذا، لا محل لها من الإعراب. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها.

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)} .

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ} فعل، ونائب فاعل. والجملة مستأنفة. {بِسِيمَاهُمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {يُعْرَفُ} . والجملة مستأنفة، {فَيُؤْخَذُ} الفاء: عاطفة، {يؤخذ} فعل مضارع، مغير الصيغة، {بِالنَّوَاصِي} جار ومجرور، في محل الرفع، نائب فاعل، لـ {يؤخذ} ، {وَالْأَقْدَامِ} معطوف على النواصي. والجملة معطوفة على جملة {يُعْرَفُ} . {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها. {هَذِهِ جَهَنَّمُ} مبتدأ وخبر. والجملة مستأنفة. {الَّتِي} صفة لجهنم، {يُكَذِّبُ} فعل مضارع، {بِهَا} متعلق بـ {يُكَذِّبُ} ، {الْمُجْرِمُونَ} فاعل لـ {يُكَذِّبُ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول. {يَطُوفُونَ} فعل، وفاعل، والجملة في محل النصب، حال من المجرمين، أو مستأنفة. {بَيْنَهَا} ظرف متعلق بـ {يَطُوفُونَ} ، {وَبَيْنَ حَمِيمٍ} ظرف، ومضاف إليه، معطوف على بينها، و {آنٍ} صفة لـ {حَمِيمٍ} ، مجرور، وعلامة جرّه كسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل. لأنّه اسم منقوص نظير قاض. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تقدم إعرابها.

ص: 303

التصريف ومفردات اللغة

{الرَّحْمَنُ (1)} اسم من أسماء الله تعالى الحسنى. {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)} والإنسان هو هذا النوع المعرّف بالحيوان الناطق. {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} والبيان في اللغة: هو المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضمير. وفي الاصطلاح: أحد فنون البلاغة الثلاثة، وهو يبحث في التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية، وقد تقدمت أمثلتها من القرآن في هذا الكتاب غير ما مرّة، وقال الراغب: البيان: هو الكشف عن الشيء، وهو أعم من النطق؛ لأنّ النطق مختص بالإنسان، وسمي الكلام بيانًا لكشفه عن المعنى المقصود، وإظهاره، انتهى. والمراد بالبيان هنا تعبير الإنسان عمّا في ضميره، وإفهامه لغيره.

{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} ؛ أي: يجريان بحساب دقيق منظم، والحساب يجوز فيه وجهان.

أحدهما: كونه مصدرًا بمعنى الحساب كالغفران، والكفران، والشكران، والرجحان. يقال: حسبه إذا عده، وبابه نصر حسابًا بالكسر، وحسبانًا بالضم. وأما الحسبان بالكسر فمصدر بمعنى الظن، من حسب بالكسر بمعنى ظن.

والثاني: أنه جمع حساب كشهاب وشهبان، ورغيف ورغفان.

{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ} والنجم: ما ليس له ساق قويّ، ولا يدوم فوق سنة أو سنتين كالزروع من الحنطة، والشعير، ونحوهما، وسائر العشب، والبقول، والأبازير. وأصل النجم الطلوع، يقال: نجم القرن والنبات إذا طلعا، وبه سمي نجم السماء. وقيل: المراد به: نجم السماء، وحده وأراد به جميع النجوم. والمراد بسجوده: أفوله من جانب الغرب. والشجر: ما له ساق قوي، ويدوم أكثر من سنتين فما فوق كالنخل، والمشمش، والتفاح، والتين، والزيتون.

{يَسْجُدَانِ} ؛ أي: ينقادان لله طبعًا كما ينقاد المكلفون اختيارًا. {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} ؛ أي: خلقها مرفوعة المحل والمرتبة. {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} ؛ أي: أثبت العدل، وشرعه، وأوجبه. والميزان: العدل في النظام. وأصله: الموزان، لأنه من وزن فهو مفعال من الوزن، قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة. {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)}

ص: 304

أصله: تطغيوا، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.

{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ} أصله: وأقوموا، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت إثر كسرة، فقلبت ياء حرف مد، وفي "المفردات": الوزن: معرفة قدر الشيء. والمتعارف في الوزن عند العامّة ما يقدر بالقسطاس والقبان. {بِالْقِسْطِ} ؛ أي: اجعلوه مستقيمًا بالعدل، وقال أبو عبيدة: الإقامة باليد، والقسط بالقلب. {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} يقال خسرت الشيء بالفتح، وأخسرته نقصته، وبابه ضرب. وأما خسر في البيع فبالكسر كما في "المختار". وقال في "القاموس": خسر كفرح، وضرب ضل. والخسر والإخسار: النقص؛ أي: لا تنقصوه. لأن من حقه أن يسوى. لأنه المقصود من وضعه.

فائدة: والفرق بين الطغيان والإخسار والقسط أن الطغيان: أخذ الزائد، والإخسارة إعطاء الناقص، والقسط: التوسط بين الطرفين المذمومين، اهـ كرخي.

{لِلْأَنَامِ} ؛ أي: لمنافع الأنام. وهو جمع لا واحد له من لفظه بمعنى الخلق والجن، والإنس مما على الأرض، كما في "القاموس". {فِيهَا فَاكِهَةٌ} والفاكهة: كل ما يتفكه به الإنسان من الثمار. {ذَاتُ الْأَكْمَامِ} والأكمام: جمع كم بالكسر. وهو وعاء الزهرة قبل التفتق، وفي "الصحاح": والكم بالكسر والكمامة: وعاء الطلع، وغطاء النور، والجمع كمام، وأكمة، وأكمام، وأكاميم أيضًا والكمام بالكسر والكمامة أيضًا: ما يكم به فم البعير لئلا يعض. بقال منه: بعير مكموم؛ أي: محجوم، وتكممت الشيء غطيته. والكم: ما ستر شيئًا، وغطاه، ومنه: كم القميص بالضم. والجمع كمام، وكممة. والكمة: القلنسوة المدورة لأنها تغطي الرأس.

{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} والحب: كل ما يتغدى به، ويقتات كالحنطة والشعير ونحوهما. والعصف: ورق الزرع أو ورق النبات اليابس. وقيل: ورق النبات على السنبلة كالتبن. وقيل: العصف: كل ما يعصف فيؤكل من الزرع. وقيل: ورق كل شيء يخرج منه الحب. {وَالرَّيْحَانُ} والريحان: كل مشموم طيب الرائحة من النبات. وقال في "المفردات": الريحان: كل ما له رائحة. وقيل: الرزق، ثم يقال

ص: 305

للحب المأكول ريحان كما في قوله: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} . وقيل: للأعرابيّ: إلى أين؟ قال: أطلب ريحان الله؛ أي: رزقه. والأصل: ما ذكرنا، انتهى. والريحان عند الفقهاء: ما لساقه رائحة طيبة كما لورقه. كالآس. والورد: ما لورقه رائحة طيبة نقط، كالياسمين. كذا في المغرب. قال ابن الشيخ: الريحان: كل بقلة طيبة الرائحة، سميت ريحانًا لأن الإنسان يراح لها رائحة طيبة؛ أي: يشم، يقال: راح الشيء يراحه، وبرحيه، وأراح الشيء يريحه إذا وجد ريحه، والريحان في الأصل: ريوحان كفيعلان، من روح، فقلبت الواو ياء وأدغم، ثم خفف بحذف عين الكلمة كما في ميت، أو كفوعلان قلبت واوه ياء للتخفيف أو للفرق بينه وبين الروحان. وهو ما له روح.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا} الآلاء جمع إلى بكسر الهمزة وسكون اللام، كحمل وأحمال وأجمع ألى بضم الهمزة وسكون اللام كقفل وأقفال أو جمع إلى كمعي وأمعاء، أو جمع ألى كعصي. أربع لغات. أصله: أألا أبدلت الياء همزة لتطرفها إثر ألف زائدة، وأبدلت الهمزة الساكنة الثانية حرف مد لوقوعها إثر فتح، فصار آلاء. وتكرار هذه الآية في هذه السورة لطرد الغفلة، وتأكيد الحجة، وتذكير النعمة، وتقريرها. كما في قوله:

لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيْقَ مَا طَرَفَتْ

عَيْنَاكَ مِنْ قَوْلٍ كَاشِحٍ أَشِرِ

وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زَيارَتهِ

زُرْهُ وَزُرْهُ زُرْ ثمَّ زُرْ وَزُرِ

{صَلْصَالٍ} والصلصال: الطين اليابس له صلصلة؛ أي: صوت ليبسه إذا نقر. {كَالْفَخَّارِ} الفخار: الخزف. وهو الطين المطبوخ بالنار كالآجر. {الْجَانَّ} أبو الجنّ. وأل فيه للجنس. {مِنْ مَارِجٍ} المارج: اللهب الصافي الذي لا دخان فيه. وقيل: هو المختلط بسواد النار من مرج الشيء إذا اضطرب، واختلط. {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ}؛ أي: مشرقي الشمس صيفًا وشتاءً. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي: مغربيهما كذلك.

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} ؛ أي: أرسلهما، وأجراهما من قولك: مرجت الدابة في المرعى؛ أي: أرسلتها فيه. وقيل: معنى {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} ؛ أي: خلطهما العذب والملح في مرأى العين. ومع ذلك لا يتجاوز أحدهما على الآخر، وأصل المرج: الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى. وفي "المصباح": والمرج أرض ذات نبات

ص: 306

ومرعى، والجمع مروج. مثل: فلس وفلوس، ومرجت الدابة تمرج مرجًا من باب قتل رعت في المرج ومرجتها مرجًا أرسلتها ترعى في المرج يتعدى، ولا يتعدى. {يَلْتَقِيَانِ}؛ أي: يتجاوزان، وتتماس سطوحهما، لا فصل بينهما في رأي العين.

{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} ؛ أي: حاجز. والبزرخ: الحائل بين الشيئين، وجمعه برازخ. ومنه: سمي القبر برزخًا؛ لأنه بين الدنيا والآخرة، وقيل للوسوسة: برزخ الإيمان. لأنها طائفة بين الشك واليقين. {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} واللؤلؤ: الدر المخلوق في الأصداف، والمرجان: الخرز الأحمر. وهو اسم أعجمي معرب. وقيل: عروق حمر تطلع من البحر كأصابع الكف. وقال في "خريدة العجائب": اللؤلؤ يتكوَّن في بحر الهند وفارس. والمرجان ينبت في البحر كالشجر، وإذا كلس المرجان عقد الزئبق، فمنه: أبيض، ومنه: أحمر، ومنه: أسود، وهو يقوي البصر كحلًا، وينشف رطوبة العين. انتهى. وقيل: اللؤلؤ: كبار الدر، والمرجان: صغاره.

{الْجَوَارِ} السفن الكبار، جحع جارية. {الْمُنْشَآتُ}؛ أي: المصنوعات. {كَالْأَعْلَامِ} الجبال، واحدها علم، وهو الجبل العالي كما في قول الخنساء:

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ

كأنَّهُ عَلَمٌ فِيْ رَأْسِهِ نَارُ

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} أصله: فاني، أستثقلت الضمة على الياء ثم حذفت فالتقى ساكنان، ثم حذفت الياء لبقاء دالها وهو كسرة النون، فصار فان. {وَيَبْقَى} فيه إعلال بالقلب. أصله: يبقى بوزن يفعل، قلبت ياؤه ألفًا لتحركها بعد فتح.

{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} ، أي: يطلبون منه ما يحتاجون إليه في ذواتهم حدوثًا وبقاءً، وفي سائر أحوالهم بلسان المقال أو بلسان الحال، {هُوَ فِي شَأْنٍ}؛ أي: في أمر من الأمور، فيحدث أشخاصًا، ويجدد أحوالًا. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}؛ أي: سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة. والمراد: التوفر على الجزاء والانتقام منهما. قال الزجاج: الفراغ في اللغة على ضربين. أحدهما: الفراغ من الشغل، والآخر: القصد إلى الشيء، والإقبال عليه كما هنا اهـ. {أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} قال الراغب: الثقل والخفة متقابلان، وكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدر به. يقال: هو ثقيل. وأصله في الأجسام، ثم يقال في المعاني، أثقله الغرم،

ص: 307

الوزر، انتهى. والمراد هنا: الإنس والجن. سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض، يعني: أنهما شبهًا بثقل الدابة، وهو تثنية ثقل بفتحتين فعل بمعنى مفعل، لأنهما أثقلا الأرض أو بمعنى مفعول؛ لأنهما أثقلا بالتكاليف؛ أي: أتعبا، اهـ شيخنا.

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} والمعشر: الجماعة العظيمة، سميت به لبلوغه غاية الكثرة، فإن الشر هو الحدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بتركيبه بما فيه من الآحاد، تقول: أحد عشر، واثنا عشر وعشرون وثلاثون؛ أي: اثنتا عشرات وثلاث عشرات. فإذا قيل: معشر فكأنه قيل: محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة.

{إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} أصله: استطوعتم، بوزن استفعلت، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت، لكنها حذفت لما التقت ساكنة بآخر الفعل المسكن، لمناسبة إسناد الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك. {أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال في "القاموس": النفاذ: جواز الشيء عن الشيء، والخلوص منه كالنفوذ. ومخالطة السهم جوف الرمية، وخروج طرفه من الشق الآخر، وسائره فيه كالنفذ ونفذهم جازهم وتخلفهم، كأنفذهم، والنافذ الماضي في جميع أموره، انتهى. الأقطار: جمع قطر. وهو الناحبة. يقال: طعنه فقطره، إذا ألقاه على أحد قطريه. وهما جانباه. {بِسُلْطَانٍ}؛ أي: بقوة، وقهر، وغلبة. {شُوَاظٌ} الشواظ بضم الشين وكسرها. قال أبو عبيدة: هو اللهب الخالص الذي لا دخان فيه. {وَنُحَاسٌ} والنحاس: الدخان الذي لا لهب فيه قال النابغة الذبياني:

تُضِيء كَضَوْءِ السِّرَاجِ السَّلِيْـ

ـطِ لَمْ يَجْعَلِ الله فِيْهِ نُحَاسَا

وقيل: النحاس: الصفر المذاب، يصب على رؤوسهم. {فَلَا تَنْتَصِرَانِ}؛ أي: فلا تمتنعان من الله، ولا يكون لكما منه ناصر. {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ}؛ أي: انصدعت، وانفك بعضها من بعض. {فَكَانَتْ وَرْدَةً}؛ أي: كوردة حمراء في اللون. وهي الزهرة المعروفة التي تشم. والغالب على الورد الحمرة، قال الشاعر:

وَلَوْ كُنْتُ وَرْدًا لَوْنُهُ لَعَشِقْتنِيْ

وَلَكِنَّ رَبِّيْ شَانَنِي بِسَوَادِيَا

{كَالدِّهَانِ} إما جمع دهن أو اسم لما يدهن به كالإدام لما يؤتدم به كما مر. وقيل: هو الأديم الأحمر.

ص: 308

{بِسِيمَاهُمْ} السيما بالكسر والقصر، والسيماء بالكسر والمد: العلامة، وزنه عفلي بتقديم عين الكلمة على فائها. لأنه من الوسم، قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة. فالأصل: وسمي، ثم صار سومي، ثم صار سيمي. ففيه قلب مكاني، وقلب حرفي، {بِالنَّوَاصِي} جمع ناصية. وهو مقدم الرأس، والمراد هنا: شعرها. {يَطُوفُونَ} أصله: يطوفون بوزن يفعلون، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت إثر ضمة، فصارت حرف مد. {آنٍ} وزنه فاع لحذف لامه بسبب التقاء الساكنين. لأنه من أنى يأني، مثل: قضى يقضي فهو قاض إذا انتهى. في الحر والفيح.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الحذف إفادة للعموم في قوله: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} فقد حذف المفعول الأول لدلالة المعنى عليه؛ لأنَّ النعمة في التعليم، لا في تعليم شخص دون شخص. كما يقال: فلان يطعم إشارة إلى كرمه، ولا يبين من أطعمه.

ومنها: الإيهام في قوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} وهو عبارة عن إتيان المتكلم بكلام يوهم أنه أراد بالكلمة معنى يناسب ما قبلها، أو ما بعدها مع أنه ليس مرادًا له؛ فإن ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أن النجم أحد نجوم السماء مع أن المراد به: النبت الذي لا ساق له.

ومنها: الجناس بين النجم والشجر.

ومنها: المقابلة اللطيفة بين قوله: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} ، وقوله:{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)} ، وكذلك المقابلة بين {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} ، وبين {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)} .

ومنها: تكرير لفظ {الْمِيزَانَ} في قوله: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} تشديدًا للتوصية به، وتأكيدًا للأمر باستعماله، والحث عليه.

ص: 309

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} لأن الوضع حقيقة في الترك، فاستعاره للتشريع. فاشتق من الوضع بمعنى التشريع وضع بمعنى شرع على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: ذكر الخاص في قوله: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} بعد العام في قوله: {فِيهَا فَاكِهَةٌ} إظهارًا لمزيته لما فيه من كثير الفوائد، كما مرّ.

ومنها: التكرير في قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} تقريرًا للنعم المعدودة، وتأكيدًا في التذكير بها كلها.

ومنها: الجناس المماثل بين الوزن والميزان في قوله: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} .

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} لأنّه على تقدير لام العلة؛ أي: لئلا تطغوا.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)} ؛ أي: كالجبال في العظم. فقد ذكر أداة الشبه، وحذف وجه الشبه.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ؛ أي: ذاته. فإنه من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.

ومنها: المقابلة بين الفناء والبقاء اللذين هما ضدان في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} ويسمى هذا فن الافتنان، وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بفنين إما متضادين كما هنا أو مختلفين أو متفقين، وقد جمع سبحانه بين التعزية والفخر إذ عَزّى جميع المخلوقات، وتمدح بالانفراد بالبقاء بعد فناء الموجودات مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)} حيث شبه انتهاء الدنيا، وما فيها من تدبير شؤون الخلق بالأمر والنهي، والإماتة، والإحياء، والمنع، والإعطاء، ومجيء أمر الآخرة من الأخذ في الجزاء، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين، وبقاء شأن واحد. وهو محاسبة الإنس والجن بفراغ من

ص: 310

يشغله شأن عن شأن على سبيل التمثيل. لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} لأن الثقل الذي هو مفرد الثقلين حقيقة في حمل الدابة، قال ابن الشيخ: شبه الأرض بالحمولة التي تحمل الأثقال، وجعل الجن والإنس أثقالًا محمولة عليها.

ومنها: الأمر التعجيزي في قوله: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} {فَانْفُذُوا} فالأمر فيه أمر تعجيز.

ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} ؛ أي: كالوردة في الحمرة حذف وجه الشبه وأداة التشبيه، فصار بليغًا.

ومنها: التشبيه التمثيلي في قوله: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} حيث شبه تلون السماء حال انشقاقها بالوردة، وشبهت الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن، واختلاف ألوانه.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {وَنُحَاسٌ} حيث استعاره للدخان مع أنه حقيقة في الصفر.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 311

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه لمّا ذكر (1) ما يراه المشركون بربّهم والعاصون لأوامره ونواهيه من الأهوال من إرسال الشواظ من النار عليهم، ومن أخذهم بالنواصي والأقدام إهانة لهم واحتقارًا، ومن التنقل بهم بين النار والحميم الآني الذي يشوي الوجوه .. ذكر هنا ما أعده من النعيم الروحي والجسماني لمن خشي ربه، وراقبه في السر والعلن، من جنات متشابهة الثمار، والفواكه تجري من تحتها الأنهار جناها دان لمن طلبه وأحب نيله يجلس فيها على فرش بطائنها من الديباج، ومن نساء حسان لم يقرب منهن أحد لا من الإنس ولا من الجن، وهن كالياقوت صفاء، واللؤلؤ بياضًا. وذلك كفاء ما قدموا من صالح العمل، وما أسلفوا في الأيام الخالية، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

(1) المراغي.

ص: 312