الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبكثرة أسبابه إظهارًا للتفاوت بين الحبيب والكليم، حيث أفرد فيه العين والضمير، حيث قال:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} . وقيل: جمع العين هنا لأنّه أضيف إلى ضمير الجماعة، وأفرد هناك لكون الضمير مفردًا. وقرأ أبو السمال {بأعينّا} بنون واحدة مشددة.
والمعنى (1): واصبر على أذاهم، ولا تبال بهم، وامض لأمر الله ونهيه، وبلغ ما أرسلت به فإنك بمرأى منا، نراك ونرى أعمالك، ونحوطك، ونحفظك فلا يصل إليك منهم أذى.
{وَسَبِّحْ} ؛ أي: نزهه تعالى عما لا يليق به، حال كونك متلبسًا {بِحَمْدِ رَبِّكَ} وشكره على نعمائه عليك {حِينَ تَقُومُ} من أي مقام قمت. قال سعيد بن جبير، وعطاء؛ أي: قل حين تقوم من مجلسك: سبحانك اللهم وبحمدك؛ أي: سبح الله متلبسًا بحمده. فإن كان ذلك المجلس خيرًا ازددت إحسانًا، وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلسًا فكثر فيه لغطه - الكلام الرديء القبيح - فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .. كان كفارةً لما بينهما". وفي "فتح القريب": "فقد غفر له". يعني: من الصغائر ما لم تتعلق بحق آدمي كالغيبة. وقال الضحاك، والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وقال الكلبي: واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة، وهي صلاة الفجر. والأول أولى.
49
- {وَمِنَ اللَّيْلِ} ؛ أي: وفي بعض ساعات الليل {فَسَبِّحْهُ} سبحانه وتعالى. وأفرد بعض الليل بالتسبيح والصلاة؛ لأنّ العبادة فيه أشق على النفس، وأبعد عن الرياء. كما يلوح إليه تقديمه على الفعل. يقول الفقير؛ ولأن الليل زمان المعراج، والصلاة هو المعراج المعنوي. فمن أراد أن يلتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في معراجه فليصل بالليل والناس نيام؛ أي: في جوفه حين غفلة الناس. ولشرف ذلك الوقت كان معراجه صلى الله عليه وسلم
(1) المراغي.
(2)
الخازن.
في ذلك الوقت، لا قرب الصباح. لأن في قربه قد يستيقظ بعض النفوس للحاجات. وإن كان السحر الأعلى مما له خواص كثيرة. وقال مقاتل؛ أي: صل صلاة المغرب والعشاء. وقيل: ركعتي الفجر.
{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بكسر الهمزة مصدر أدبر الرباعي. والنجوم: جمع نجم. وهو الكوكب الطالع. يقال: نجم نجومًا ونجمًا؛ أي: طلع.
والمعنى: وسبح وقت إدبارها من آخر الليل؛ أي: وقت غيبتها بضوء الصباح. وقيل: صلاة الفجر. واختاره ابن جرير. وقيل: هو التسبيح في أدبار الصلوات.
وقرأ الجمهور {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بكسر الهمزة على أنه مصدر. وقرأ سالم بن أبي الجعد، ومحمد بن السميقع، ويعقوب، والمنهال بن عمر بفتحها على الجمع؛ أي: أعقاب النجوم، وأدبارها إذا غربت. ودبر الأمر آخره. وقد تقدم الكلام على هذا في سورة ق. وفي ختم هذه السورة بالنجوم، وافتتاح السورة الآتية بالنجم من حسن الانتهاء والابتداء، ما لا يخفى.
الإعراب
{أَمْ} منقطعة بمعنى بل وهمزة الاستفهام، {خُلِقُوا} فعل ماض، مغير الصيغة، ونائب فاعل. والجملة مستأنفة أو معطوفة. {مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} متعلق بـ {خَلَقُوا} ، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} مبتدأ وخبر، {أَمْ} حرف إضراب وعطف، {عِنْدَهُمْ} خبر مقدم، {خَزَائِنُ رَبِّكَ} مبتدأ مؤخر. والجملة مستأنفة أو معطوفة. {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} مبتدأ وخبر، معطوف على ما قبله، {أَمْ} حرف إضراب بمعنى بل وهمزة الاستفهام، {لَهُمْ} خبر مقدم، {سُلَّمٌ} مبتدأ مؤخر. والجملة مستأنفة. وجملة {يَسْتَمِعُونَ} صفة لـ {سُلَّمٌ} ، {فِيهِ} متعلق بـ {يَسْتَمِعُونَ} . {فَلْيَأْتِ} {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إن ادّعوا ذلك، وأردت إلزامهم الحجة
…
فأقول لك قل لهم ليأت مستمعكم بسلطان مبين على ذلك. واللام حرف
جزم وطلب، {يأت} فعل مضارع مجزوم بلام الطلب، {مُسْتَمِعُهُمْ} فاعل، {بِسُلْطَانٍ} متعلق بـ {يأت} ، {مُبِينٍ} صفة لـ {سلطان} . والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
{أَمْ} حرف إضراب واستفهام، {لَهُ} خبر مقدم، {الْبَنَاتُ} مبتدأ مؤخر. والجملة مستأنفة. {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} معطوف على {لَهُ الْبَنَاتُ} . {أَمْ} حرف إضراب، {تَسْأَلُهُمْ} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول أول، {أَجْرًا} مفعول ثان. والجملة مستأنفة. {فَهُمْ} الفاء: حرف عطف وتفريع، {هم} مبتدأ، {مِنْ مَغْرَمٍ} متعلق بـ {مُثْقَلُونَ} ، و {مُثْقَلُونَ} خبر. والجملة معطوفة مفرعة على الجملة الفعلية. {أَمْ} حرف إضراب {عِنْدَهُمُ} خبر مقدم، {الْغَيْبُ} مبتدأ مؤخر. والجملة مستأنفة. {فَهُمْ} الفاء: حرف عطف وتفريع، {هم} مبتدأ، وجملة {يَكْتُبُونَ} خبره. والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها. {أَمْ} حرف إضراب، {يُرِيدُونَ كَيْدًا} فعل، وفاعل، ومفعول. والجملة إضرابيّة، لا محل لها من الإعراب. {فَالَّذِينَ} الفاء: عاطفة، {الذين} مبتدأ، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول، {هُمُ} ضمير فصل، لا محل له من الإعراب، {الْمَكِيدُونَ} خبر. والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية. {أَمْ} حرف إضراب {لَهُمْ} خبر مقدم، {إِلَهٌ} مبتدأ مؤخر، {غَيْرُ اللَّهِ} صفة لـ {إِلَهٌ} . والجملة مستأنفة. {سُبْحَانَ اللَّهِ} منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا. والجملة مستأنفة. {عَمَّا} متعلق بـ {سُبْحَانَ} ، وجملة {يُشْرِكُونَ} صلة لما الموصولة، أو لما المصدرية.
{وَإِنْ} {الواو} عاطفة، {إن} حرف شرط، {يَرَوْا} فعل، وفاعل، مجزوم
بإن الشرطية على كونه فعل شرط لها. {كِسْفًا} مفعول به، {مِنَ السَّمَاءِ} صفة لـ {كِسْفًا} ، {سَاقِطًا} صفة لـ {كِسْفًا} . {يَقُولُوا} فعل، وفاعل، مجزوم على كونه جواب الشرط. والجملة مستأنفة، أو معطوفة. {سَحَابٌ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو سحاب. {مَرْكُومٌ} صفة {سَحَابٌ} . والجملة في محل النصب، مقول لـ {يَقُولُوا}. {فَذَرْهُمْ} الفاء: فاء الفصيحة، لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا بلغوا في الكفر والعناد إلى هذا الحدّ، وتبيّن أنّهم لا يرجعون عن الكفر، وأردت بيان ما هو الأسهل عليك فأقول لك ذرهم. {ذرهم} فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {حَتَّى} حرف جر وغاية، {يُلَاقُوا} فعل، وفاعل، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد حتى بمعنى إلى. {يَوْمَهُمُ} مفعول به. والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بحتى، تقديره: إلى ملاقاتهم يومهم، الجار والمجرور متعلق بـ {ذرهم} . {الَّذِي} صفة لـ {يَوْمَهُمُ} ، {فِيهِ} متعلق بـ {يُصْعَقُونَ} ، و {يُصْعَقُونَ} فعل مغير، ونائب فاعل، صلة الموصول، والعائد ضمير "فيه"، {يَوْمَ} بدل من {يَوْمَهُمُ} ، {لَا} نافية، {يُغْنِي} فعل مضارع، {عَنْهُمْ} متعلق به، {كَيْدُهُمْ} فاعل {يُغْنِي} ، {شَيْئًا} مفعول به أو مفعول مطلق. وجملة {لَا يُغْنِي} في محل الجر، مضاف إليه لـ {يَوْمَ} . {وَلَا} {الواو} عاطفة، {لا} نافية، {هُمْ} مبتدأ، وجملة {يُنْصَرُونَ} من الفعل المغير، ونائب فاعله في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على جملة {لَا يُغْنِي} . {وإن} {الواو} استئنافية، {إِنَّ} حرف نصب، {لِلَّذِينَ}: خبر {إن} مقدم وجعلة {ظَلَمُوا} صلة الموصول. {عَذَابًا} : اسم {إن} مؤخر، {دُونَ ذَلِكَ} ظرف متعلق بمحذوف صفة لـ {عَذَابًا}. وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {وَلَكِنَّ} الواو: عاطفة، {لكن} حرف نصب، {أَكْثَرَهُمْ} اسمها، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} خبرها. وجملة لكن معطوفة على جملة {إِنَّ}. {وَاصْبِرْ} الواو: استئنافية، {اصبر} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. {لِحُكْمِ رَبِّكَ} متعلق بـ {اصبر} ، {فَإِنَّكَ} الفاء: تعليلية، {إنك} ناصب واسمه، {بِأَعْيُنِنَا} خبره؛ أي: بمرأى منّا. وجملة {إِنَّ} تعليلية، لا محل لها من الإعراب. {وَسَبِّحْ} فعل، وفاعل مستتر، معطوف على {اصبر} ، {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال من فاعل {سبّح} ، {حِينَ} ظرف متعلق بـ {سبح} ، وجملة
{تَقُومُ} في محل الجر مضاف إليه لـ {حِينَ} ، {وَمِنَ اللَّيْلِ} متعلق بـ {فَسَبِّحْهُ} ، و {فَسَبِّحْهُ} فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {اصبر} ، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} مصدر ناب مناب الظرف، منصوب على الظرفية، معطوف على محل {من الليل} على كونه متعلقًا بسبّحه.
التصريف ومفردات اللغة
{مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} ؛ أي: من غير خالق. {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} جمع خزانة بالكسر. وهو مكان الخزن، يقال: خزن المال أحرزه، وجعله في الخزانة. وهو على حذف مضاف؟ أي: خزائن رزقه ورحمته.
{أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} جمع مسيطر. والمسيطر: المسلط القاهر، حتى لا يكون تحت أمر أحد من سيطر عليه إذا راقبه وحفظه أو قهره. ولم يأت على مفيعل إلا خمسة ألفاظ. أربعة صفة اسم فاعل. مهيمن: من هيمن، إذا اطلع وراقب. ومبيقر: من بيقر، إذا أفسد وأهلك، ومشى مشية المتكبر، كما في "القاموس". ومسيطر: من سيطر، إذا تسلط. ومبيطر: من بيطر الدواب إذا عالج. وواحد اسم جبل. وهو المحيصر.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} قال الراغب: السلم: ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة. ثم جعل اسمًا لما يتوصل به إلى كل شيء رفيع. {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ؛ أي: بحجة واضحة تصدق استماعه. {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ} ؛ أي: التزام غرامة تطلبها منهم. فالمغرم: مصدر ميمي بمعنى الغرم. وفي "الكشاف": المغرم: أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه. وفي "فتح الرحمن": المغرم: ما يلزم أداؤه. وفي "المفردات": الغرم: ما ينوب الإنسان من ماله من ضرر بغير جناية منه، وكذا المغرم والغريم يقال لمن له الدين، ولمن عليه الدين، انتهى.
{مُثْقَلُونَ} ؛ أي: محملون ثقلًا وحملًا. {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} ؛ أي: مكرًا وتحيلًا في هلاكك. وفي "المصباح": كاد كيدًا من باب باع، إذا خدعه ومكر به. والاسم المكيدة. وكان هذا المكر في دار الندوة، وهي دار من دور أهل مكة للمشاورة فيها إذا أشكل عليهم الأمر. وفي "التعريفات": الكيد: إرادة مضرة الغير خفية. وهو من الخلق الحيلة السيئة، ومن الله التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق.
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} جمع مكيد، اسم مفعول من كاد يكيد، فهو مكيد بوزن مبيع. وأصله: مكيودون، جمع مكيود، نقلت حركة الياء إلى الكاف فسكنت، فالتقى ساكنان: الياء، وواو مفعول، فحذفت واو مفعول لأنَّها زائدة، هذا على رأي سيبويه، ثم كسرت الكاف لمناسبة الياء. وأما على رأي الأخفش فإنه يرى أن المحذوف منه الياء، وأنها لما حذفت كسر فاء الكلمة، ثم قلبت {الواو} ياء لسكونها إثر كسرة.
{كِسْفًا} ؛ أي: قطعة. وفي "القاموس": الكسفة بالكسر: القطعة من الشيء، والجمع كسف كسدرة وسدر، وكسف كقربة وقرب. وفي "المختار": وقيل: الكسف والكسفة واحد. {مَرْكُومٌ} ؛ أي: متراكم ملقى بعضه على بعض. {حَتَّى يُلَاقُوا} أصله: يلاقيون بوزن يفاعلون، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت حذفت لالتقاء الساكنين، وضمت القاف لمناسبة الواو، وحذفت نون الرفع لدخول أداة النصب.
{الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} ؛ أي: يهلكون من صعقته الصاعقة، أو من أصعقته أماتته وأهلكته. قال في "المختار": صعق الرجل بالكسر صعقة غشي عليه، ومنه: قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ؛ أي: مات، {بِأَعْيُنِنَا}؛ أي: في حفظنا وحراستنا. {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} ؛ أي: وقت إدبار النجوم، وغيبتها، وغروبها. والمراد بغروبها: ذهاب ضوئها بغلبة ضوء الصبح عليه، وإن كانت باقية في السماء، وذلك بطلوع الفجر، اهـ خطيب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الجناس المغاير بين {الْخَالِقُونَ} و {خَلَقُوا} في قوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)} .
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} ؛ أي: خزائن رحمة ربك.
ومنها: ضرب المثل بالخزائن؛ لأنّ الخزانة بيت يهيأ لجمع أنواع مختلفة من الذخائر. ومقدرات الرب كالخزائن التي فيها من كل الأجناس، فلا نهاية لها، اهـ قرطبي.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة التوبيخ والتقريع لهم في قوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)} .
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} تسجيلًا عليهم بصفة الكفر القبيحة.
والأصل: أم يريدون كيدًا فهم المكيدون. وفيه أيضًا القصر الإضافي؛ أي: هم الذين يحيق بهم كيدهم، أو يعود عليهم وباله، لا من أرادوا أن يكيدوه.
ومنها: أسلوب الفرض والتقدير في قوله: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} ؛ أي: لو رأوا ذلك
…
لقالوا ما قالوا. ومن المعلوم أنّ قريشًا لم ينزل عليهم قطع من السماء تعذيبًا لهم كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية. فالكلام على سبيل الفرض والتقدير. كأنه يقول: لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء عليهم لم ينتهبوا ولم يرجعوا، ويقولون في هذا النازل عنادًا واستهزاءً، وإغاظة لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنه سحاب مركوم، اهـ شيخنا.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة
تضمنت هذه السورة ما يلي:
1 -
القسم بالعالم العلوي والسفلي على أن العذاب آت لا محالة.
2 -
وصف عذاب النار، وما يلاقيه المكذبون حينئذٍ من الذلة والمهانة.
3 -
وصف نعيم أهل الجنة، وما يتمتعون به من اللذات في مساكنهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وأزواجهم، وخدمهم، وحشمهم.
4 -
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالثبات على تبليغ الرسالة، والإعراض عن سفاهتهم من نحو قولهم: هو شاعر، هو كاهن، هو مجنون، هو مفتر.
5 -
إثبات الألوهية بالبراهين التي لا تقبل جدلًا.
6 -
النعي على المشركين في قولهم: الملائكة بنات الله.
7 -
بيان أنهم بلغوا في عنادهم حدًّا ينكرون معه المحسوسات التي لا شك فيها.
8 -
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم وشأنهم حتى يأتي اليوم الذي كانوا يوعدون.
9 -
الإخبار بأن الظالمين في كل أمة، وكل جيل يعذبون في الدنيا قبل عذابهم في الآخرة.
10 -
الإخبار بأن الله حارس نبيه وكالئه فلا يصل إليه أذى من خلفه كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} .
11 -
أمره صلى الله عليه وسلم بالذكر والتسبيح آناء الليل، وأطراف النهار، وفي كل موطنٍ ومجلس يقوم فيه (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) فرغنا من هذه السورة في تاريخ 17/ 5/ 1415 هـ.