الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفكاهة عن أنفسكم. وهي المسرة. ورجل فكه، منبسط النفس، غير مكترث بشيء. وتفكه من أخوات تحرج وتحوب.
وقرأ الجمهور (1): {فَظَلْتُمْ} بفتح الظاء مع لام واحدة. وقرأ أبو حيوة، وأبو بكر في رواية الفيكي عنه بكسرها كما قالوا: مسست بفتح الميم وكسرها. وحكاها الثوريّ من ابن مسعود، وجاءت عن الأعمش، وقرأ ابن عباس، والجحدري {فظللتم} بلامين. أولاهما مكسورة على الأصل. وقرأ الجحدري أيضًا بفتحها. وهي لغة. والمشهور: ظللت بالكسر. وقرأ الجمهور {تَفَكَّهُونَ} بالهاء. وقرأ أبو حزام العكلي: {تفكنون} بالنون بدل الهاء؛ أي: تندمون. قال ابن خالويه: {تفكه} تعجب تفكن تندم وفي "المصباح": التفكن: التندم. ومنه: الحديث: "مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء، ويتركها القرباء. فبينا هم إذ غار ماؤها، فانتفع بها قوم يتفكنون" أي يتندمون. والحمة: العين الحارة من الحمم. وهو الماء الحار يستشفي به الأعلاء والمرضى.
66
- وقوله: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)} مقول لقول محذوف وقع حالًا من فاعل {تَفَكَّهُونَ} ؛ أي: فظلتم تفكهون حال كونكم قائلين: إنا لملزمون غرامة ما أنفقنا، والغرامة أن يلزم الإنسان ما ليس في ذمته، وعليه. كما في "المغرب". أو مهلكون بهلاك زرعنا، أبو بشؤم معاصينا، أو معذبون عن الغرام، وهو أشد العذاب. قال الشاعر:
إِنْ يعَذِّبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ
…
يُعْطِ جِزِيْلًا فَإنَّهُ لَا يُبَالِيْ
وقرأ الجمهور (2): {إِنَّا} بهمزة واحدة على الخبر. وقرأ الأعمش، وأبو بكر، والجحدري، والمفضل، وزر بن حبيش بهمزتين على الاستفهام.
والظاهر من السياق المعنى الأول (3). أعني: ملزمون غرما بما هلك من زرعنا، أي: إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه، ومصيره حطامًا. جمع مغرم. والمغرم: الذي ذهب ماله بغير عوض،
67
- ثم أضربوا عن قولهم هذا، وانتقلوا فقالوا:
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
(3)
روح البيان.
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)} حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا. والمحروم: الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه، أو محدودون لا مجدودون؛ أي: ممنوعون من الحد وهو المنع؛ أي: لا حظ لنا، ولا جد، ولا بخت. ولو كنا مجدودين .. لما فسد علينا هذا.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض الأنصار، فقال:"ما يمنعكم من الحرث"؟ قالوا: الجدوبة. قال: "أفلا تفعلون فإن الله تعالى يقول: أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء، وإن شئت زرعت بالريح، وإن شئت زرعت بالبذر". ثم تلا ريسول الله صلى الله عليه وسلم {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)} الآية. ففي الحديث إشارة إلى أن الله تعالى هو الذي يعطي ويمنع بأسباب وبغيرها. فالتوحيد هو أن يعتقد أن التأثير من الله تعالى لا من غيره، كالكوكب ونحوه، فإنه يتهم النفس بالمعصية القاطعة للرزق.
وفي الحديث: "ما سنة بأمطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي، والبحار". وفي الحديث: "دُم على الطهارة يوسع عليك الرزق". فإذا كان توسيع الرزق في الطهارة، فتضييقه في خلافها، والرزق ظاهر وباطن، وكذا الطهارة والنجاسة. فلا بد لطالب الرزق مطلقًا أن يكون على طهارة مطلقة دائمًا.
فإن قلت: فما حال أكثر السلف؛ فإنهم كانوا فقراء مع دوام الطهارة؟
قلت: كان السلف في الرزق المعنوي أكثر من الخلف، وهو المقصود الأصلي من الرزق. وإنما كانوا فقراء في الظاهر لكمال افتقارهم الحقيقي، كما قال عليه السلام:"اللهم أغنني بالافتقار إليك". فمنعوا عن الغنى الصوري تطبيقًا لكل من الظاهر والباطن بالآخر، فهم أغنى الأغنياء في صورة الفقراء، وعداهم ممن ليس على صفتهم أفقر الفقراء في صورة الأغنياء، فالمرزوق من رزق غذاء الروح من الإلهامات، والعلوم، والفيوض، والمحروم: من حرمه، فاعرفه.
والمعنى: أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم. ولو شئنا .. لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده؛ فأصبح لا ينتفع به في مطعم، ولا في غذاء. فصرتم تعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتم فيه من الخضرة، والنضرة، والبهجة، والرواء،