الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر ما يكون بعد هذه المقالة، فقال:{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} ؛ أي (1): بني بين الفريقين المؤمنين والمنافقين {بِسُورٍ} الباء زائدة أي: حائط بين الجنة والنار كما قاله قتادة، أو حجاب كما في سورة الأعراف كما قاله مجاهد، وقال: من قال: ارجعوا إلى الدنيا المراد بضرب السور امتناع العود إلى الدنيا؛ أي: ضربته الملائكة بينهم بأمر إلهي.
ولما (2) كان البناء مما يحتاج إلى ضرب باليد ونحوها من الآلات عبر عنه بالضرب، ومثله: ضرب الخيمة كضرب أوتادها بالمطرقة. {بِسُورٍ} ؛ أي: حائط بين شق الجنة وشق النار؛ فإن سور المدينة حائطها المشتمل عليها لحفظها، وقال بعضهم: هو سور بين أهل الجنة والنار، يقف عليه أصحاب الأعراف يشرفون على أهل الجنة وأهل النار، وهو السور الذي يذبح عليه الموت، يراه الفريقان معًا.
وقرأ الجمهور (3): {فَضُرِبَ} مبنيًا للمفعول. وقرأ زيد بن عليّ، وعبيد بن عمير مبنيًا للفاعل؛ أي: ضرب الله سبحانه وتعالى. ويبعد قول من قال: إن هذا السور هو الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس، وهو مروي عن عبادة بن الصامت، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وكعب الأحبار. ولعله لا يصح عنهم.
ثم وصف سبحانه السور المذكور، فقال:{لَهُ} ؛ أي: لذلك السور {بَابٌ} يدخل فيه المؤمنون. فيكون السور بينهم باعتبار ثاني الحال أعني: بعد الدخول لا حين الضرب. {بَاطِنُهُ} ؛ أي: باطن ذلك السور، أو باطن الباب {فِيهِ الرَّحْمَةُ} لأنّه يلي الجنة {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ}؛ أي: من جهته، وعنده {الْعَذَابُ} لأنه يلي النار؛ أي: من جهته عذاب جهنم. وقيل: إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في العذاب، وبينهم السور. وقيل: إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين.
والمعنى: أي فضرب بين الفريقين حاجز جانبه الذي يلي مكان المؤمنين وهو الجنة، فيه الرحمة وجانبه الذي يلي المنافقين وهو النار فيه العذاب.
14
- ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله
(1) المراح.
(2)
روح البيان.
(3)
البحر المحيط.
المنافقون إذ ذاك فقال: {يُنَادُونَهُمْ} استئناف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا يفعلون بعد ضرب السور، ومشاهدة العذاب؟ فقيل: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور {أَلَمْ نَكُنْ} في الدنيا {مَعَكُمْ} يريدون به موافقتهم لهم في الأمور الظاهرة: كالصلاة، والصوم، والمناكحة، والموارثة، ونحوها.
ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال: {قَالُوا} ؛ أي: قال المؤمنون: {بَلَى} كنتم معنا بحسب الظاهر {وَلَكِنَّكُمْ} أيها المنافقون {فَتَنْتُمْ} وابتليتم {أَنْفُسَكُمْ} ومحنتموها بالنفاق، وأهلكتموها. وإضافة (1) الفتنة إلى النفس إضافة الميل والشهوة، وإلى الشيطان في قوله:{لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} إضافة الوسوسة، وإلى الله تعالى في قوله:{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} إضافة الخلق. لأنه خلق الضلال فيه ليفتتن. {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنين الدوائر. والتربص: الانتظار. وقال مقاتل: وتربصتم بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت، وقلتم: يوشك أن يموت فنستريح منه. وهو وصف قبيح؛ لأن انتظار موت وسائل الخير، ووسائط الحق من عظيم الجرم والقباحة. إذ شأنهم أن يرجى طول حياتهم ليستفاد منهم، ويغتنم بمجالستهم. {وَارْتَبْتُمْ}؛ أي: شككتم في أمر الدين أو في النبوة، أو في هذا اليوم، ولم تصدقوا ما نزل من القرآن، ولا بالمعجزات الظاهرة. {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} الفارغة الباطلة التي من جملتها: الطمع في انتكاس أمر الإِسلام. جمع أمنية كأضحية. وفي "عين المعاني": وغرتكم خدع الشيطان. وقال أبو الليث: أباطيل الدنيا. {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} ؛ أي: الموت. وقيل: نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هو إلقاؤهم في النار. {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ} الكريم {الْغَرُورُ} ؛ أي: الشيطان؛ أي: غركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم. قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان، حتى قذفهم الله تعالى في النار. قال الزجاج: الغرور على وزن فعول. وهو من أسماء المبالغة، يقال: فلان أكول كثير الأكل، وكذا الشيطان الغرور. لأنه يغر ابن آدم كثيرًا. قال في "المفردات": الغرور: كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسر بالشيطان؛ إذ هو أخبث الغارين بالدنيا لما قيل: الدنيا تغر، وتضر، وتمر.
وقرأ الجمهور (2): {الْغَرُورُ} بفتح الغين، وهو صفة على فعول، والمراد به:
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.