الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القصر والمد
وهو باب مهم واكثر أحكامه قواعد تجويدية تبرع القراء بذكرها في كتبهم لما اضطرهم الحال إلى ذكرها اختلف فيه القراء، والقصر هو الأصل ولذلك لا يحتاج إلى سبب والمدّ فرع ولذلك لا يكون إلا لسبب والمراد بالمد الزيادة على ما في حروف المد الطبيعي التي لا تقوم ذاتها إلا به والمراد بالقصر ترك تلك الزيادة، وقد تقدم إن حروف المد ثلاثة وهي الحروف الجوفية الألف ولا تكون إلا ساكنة ولا تكون قبلها إلا فتحة والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها، ولا بد للمد من شرط وسبب ولا تجوز الزيادة في حرف من حروف المد من غير سبب فشرط المد وجود حرف من هذه الحروف الثلاثة والسبب أما لفظي وأما معنوي، واللفظي أما همز وأما سكون والهمز أما إن يكون متقدما على حرف المد نحو أمنَ وأوتُوا وإيمَان وقد انفرد ورش باعتباره دون ساير القراء أو متأخرا وهو على قسمين أحدهما إن يكونا معا في كلمة واحدة نحو أولئك وآباؤهم وأولياء وجاء وشاء ونحو سوء والسُّوء ونحو يُضيء وسيئت ويسمى واجبا إذ لم يقل بتركه أحد من القراء ومتصلا لاتصال شرط المد وسببه رسما بكونهما في كلمة واحدة.
الثاني إن يكون حرف المد أخر كلمة والهمز أول كلمة أخرى نحو بِمَا أنْزلَ وقَالوُا أمنَّاَ وفي أنْفُسِكُمْ وسواء كان حرف المد ثابتا رسما كما مثل أم ساقطا منه نحو يأيُّهَا أمْرهُ إلىَ الله بِهِ إلا وعَلَيْكُمُ أنْفُسَكُمْ عند من ضم الميم، وخَشِيَ ربَّهُ إذا زُلْزلتِ عند من ترك البسملة بين السورتين ووصل ويسمى الجائز لاختلاف القراء فيه والمنفصل لوقوع حرف المد في كلمة والهمز في كلمة أخرى.
وأما السكون فهو قسمان لازم وهو الذي لا يتحرك لا وصلا ولا وقفا وغير لازم ويسمى عارضا وهو الذي يسكن تارة ويتحرك أخرى وكل منهما مدغم
وغير مدغم فاللازم المدغم نحو الضَّالينَ ودابَّة وآمِّينَ والذَّكَرَيْن عند من أبدل والَّذَان وهَاذانّ فَذانّك وتامرونّي وأتَعِذانّي عند من شدد النون ونحو والصّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرْاً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً فالْمُغيرات صُبْحاً عند حمزة يدغم ونحو ولا تَيَمَّمُوا ولا تَّعَاوَنُوا وعَنْهُ تَلَهَّى وكُنْتُمُ تَمَنَّوْنَ وفَظَلْتُمُ تفكَّهُونَ عند البزي لأنه يشدد التاء وغير المدغم نحو مَحْيَايْ في قراءة من سكن الياء واللاي عند من أبدل الهمزة ساكنة ياء ونحو أآنْذَرْتَهُمْ وآ اشْفَقْتُمْ وجا أآمْرُنَا عند من أبدل الهمزة الثانية الفا ونحو هَؤُلاء إن كنتم عند من ابدل الهمزة الثانية يا ونحو صاد كاف سين قاف نون في فواتح السور فأن تحرك الساكن نحو آلم اللهُ فاتحة أل عمران وآلم أحَسِبَ النَّاسُ فاتحة العنكبوت على قراءة النقل جاز القصر اعتدادا بالحركة العارضة والمد لعدم الاعتداد بها والساكن العارض غير المدغم نحو الرَّحِيمْ والدّينْ ونَسْتَعِينْ ونحو يُنْفِقُونْ وشَكُورْ ويُؤمنُونْ ونحو الْمِهَادْ والْعِقَابْ وأنَابْ حالة الوقف بالسكون أو الاشمام فيما يصح فيه.
وأما المدغم فنحو قاَلَ لهُم، قال رَبُّكَ، يَقُولُ لَهُ، فيه هُدىً، يُريدُ ظُلْماً والصّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرْاً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً فالْمُغيرات صُبْحاً، عند أبي عمروَ لدى إدغامه لها فان قلت قد تقدم التمثيل بالصافات صفا وما عطف عليه فيما سكونه لازم وذكرته هنا فيما سكونه عارض وهذا تناقض قلت هو تحقيق لا تناقض وافترقا من جهة العزو للمدغم ففي الأول لحمزة وفي الثاني للبصري وإدغام حمزة واجب عنده لا يجوز فيه الإظهار ابدأ فصار مثل دآبة والحاقة والطامة والصاخة ولذلك لا يجوز الروم كما قال الشاطبي:" وصفا، وزجرا، ذكرا، ادغم حمزة وذووا بلا روم ".
وإدغام أبي عمرو جائز روي عنه فيه الإظهار كما روي عنه الإدغام فصار سكونه عارضا مثل سكون غفور وكبير والغفار إذا وقفت عليها ولذلك يجوز له فيه روم فهذه أنواع اجتماع شرط المد وسببه وقد أجمعت القراء
على المد في المتصل وفي السكون اللازم بقسميه واختلقوا في المنفصل وفي السكون العارض ومذهب الجمهور إن المد للساكن اللازم لا تفاوت فيه لكل القراء ووقع في عبار كثيرة حكاية الإجماع عليه وكأنهم لم يعتبروا خلاف المخالف القائل بأن مراتبه تتفاوت كتفاوت مراتب المتصل والحققون منهم انه الاشباع من غير إفراط وهذا هو الحق الذي لا شك فيه وبه قرأت على جميع شيوخي لجميع القراء من جميع الطرق.
وأما المتصل فذهب كثير من أهل الأداء إلى انه كذي السكون اللازم لا تفاوت فيه قال في النشر: اتفق عليه أيمة الأداء من أهل العراق إلا القليل منهم وكثير من المغاربة نص على ذلك أبو الفتح ابن شيطا وأبو الطاهر بن سوار وأبو العز القلانسي وأبو محمد الخياط وأبو علي البغَدادي وأبو معشر الطبري وأبو محمد مكي بن أبي طالب وأبو العباس المهدوي والحافظ أبو العلا الهَمَذَانِي وغيرهم. انتهى - وذهب ءاخرون كابن غلبون والداني
وابن بليمة وابن الباذش إلى تفاوت مراتبه كالمنفصل ثم اختلفوا فذهب الداني وغيره إلى انه أربع مراتب إشباع من غيرُ إفحاش لحمزة وورش من طريق الازرق ودونه لعاصم ودنه لابن عامر والكسائي وخلف في اختياره ودونه لقالون والمكي وأبي عمر ووأبي جعفر ويعقوب، وغالب عمل مشايخنا الإقراء بها وذهب الاستاذ أبو بكر بن مجاهد والطرسوسي وجماعة إلى انه مرتبتان الاشباع لورش وحمزة والتوسط اللباقين وهذا هو المختار عندي وبه أقرئ غالبا ليسره وقربه وهو أقرب لقول من قال لا تفاوت فيه وبه كان الشاطبي رحمه الله تعالى يقرأ قال تلميذه السخاوي رحمه الله عنه: إنه كان يأخذ في هذا النوع بمرتبتين طولى لورش وحمزة ووسطى للباقين ويعلل عدوله عن المراتب الأربع التي ذكرها الداني وغيره بأنها لا تتحقق ولا يمكن الاتيان بها في كل مرة على قدر السابقة. انتهى - وهو ظاهر والحس يصدقه وقوله لا يمكن أي عادة وليس المراد به الإمكان العقلي ولا يعكر علينا كلام الجعبري فانه قال بعد إن نقل كلام السخاوي قلت: فان حمل هذا على انه كان يقري به فهو خلاف ما عليه التيسير وساير النقلة ولعله استأثر بنقله وقوله إن المراتب لا تتحقق فمر تبناه أيضا كذلك. انتهى - فانه غير مسلم وفيه أيضا قصور يعلم ذلك من كلام المحقق ابن الجزري قال في نثره: يجري في المتصل الإشباع والتوسط يستوي في معرفة ذلك اكثر الناس ويشترك في ضبطه غالبهم وتُحكم المشافهة حقيقته ويبين الأداء كيفيته ولا يكاد تخفي معرفته على أحد وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من ايمتنا قديما وحديثا وهو
الذي اعتمد الإمام أبو بكر بن مجاهد وأبو القاسم الطرسوسي وصاحبه أبو الطاهر بن خلف، وبه كان يأخذ الامام أبو القاسم الشاطبي، وبه كان يأخذ الأستاذ أبو الجود غياث بن فارس وهو اختيار الأستاذ المحقق أبي عبد الله محمد بن القصاع وقال: هو الذي ينبغَي إن يؤخذ به ولا يكاد يتحقق غيره قلت وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه. انتهى - فصدر هذا الكلام يرد قوله فمرتباه أيضا كذلك وعجزه يرد كلامه الأول.
واما المنفصل فالقراء فيه على ثلاثة مذاهب، منهم من قصره من غير خلاف وهما المكي وأبو جعفر، ومنهم من اختلف عنه فروي عنه المد وروي عنه القصر وهم قالون وأبو عمرو ويعقوب والاصبهاني عن ورش وحفص وهشام، ومنهم من مده من غير خلاف وهم ورش من طريق الازرق وشعبة وابن ذكوان وحمزة والكسائي وخلف في اختياره وهم فيه على التفاوت في المراتب والمرتبتين كما تقدم في المتصل وهذه المراتب قدرها علماء الأداءِ بالالفات فقالوا المرتبة الأولى مقدار ألف ونصف والثانية مقدار الفين والثالثة مقدار الفين ونصف والرابعة ثلاث ألفات هذا إن قلنا بأربع مراتب وان قلنا باثنتين وهو المختار عندنا فالأولى مقدار ألفين والثانية مقدار ثلاثة لكن قال في النشر: واعلم إن هذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه بل يرجع إلى إن يكون لفظيا وذلك إن المرتبة الدنيا وهي القصر إذا زيد عليها ادنى زيادة صارت ثانية ثم كذلك حتى تنتهي إلى القصوىَ وهذه الزيادة بعينها إن قدرت بألف أو بنصف ألف هي واحدة فالمقدر غير محقق إنما هو الزيادة وهذا مما تحكمه المشافهة وتوضحه الحكاية ويبينه الاختيار ويكشفه الحس قال الحافظ