الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوقف والابتداء
اعلم أهلني الله وإياك للوقوف بين يديه جعلنا ممن رضي عنه واحسن إليه ان الوقف هو قطع النطق عن آخر الكلمة والابتداء هو الشروع في الكلام بعِد قط م أو وقف، ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد اذ لا يتبين معنى كلام الله ويتم على اكمل وجه الا بذلك فربما قارئ يقرأ ويقف قيل تمام المعنى فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك ويفوت بسبب ذلك ما لاجله يقرا كتاب الله تعالى ولا يظهر مع ذلك وجه الاعجاز بل ربما يُفهم من ذلك غير المعِنى المراد وهذا فساد عِظيم ولهذا اعتنى بعمله وتعليمه والعمل به المتقدمون والمتأخرون والفوا فيه من الدواوين المطولة والمتوسطة والمختصرة ما لا يعد كثرة ومن لم يلتفت لهذا ويقف أين شاء فقد خرق الاجماع وحاد عن أتفان القراءة وتمام التجويد وهو الغالب في قراء زماننا فإياك وإياك، وفي حديث ابي بكرة ان جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ القرءان على حرف فقال ميكائيل استزده ففال اقرأ على حرفين فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال كل شاف كاف ما لم يختم ءاية عذاب بآية رحمة أو ءاية رحمة بآية عذاب وروي عن أبن عِمر رضي الله عنهما قال لقد غشينا برهة من دهرنا وان أحدنا ليوتى الأيمان قبل القرءان وتزل السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وامرها وزجرها وما ينبغي ان يوقف عنده منها، وقال علي رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى ورتل القرءان ترتيلا الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما يوقف عند قوله تعالى
أنْهُمْ أصْحَابُ النَّارْ في سورة المؤن مقدار ما يشرب من الماء، وقال غيره مقدار ما يقال أعوذ بالله من النار ثلاث مرات أو سبع مرات وروي ان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان إذا دخل شهر رمضان قام أول ليلة من خلف الإمام يريد ان يشهد افتتاح القرءان فاذا ختم أتاه أيضا ليشهد ختمه فقرأ الإمام إنما نحن مصلحون وركع فعابه عِمر وقال قطعت قبل تمام القصة ولَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وقد مثلوا قاريَ القرءان بالساير في الارض. قال ابن مسعود رضي الله عنه الوقف منازل القرءان، ولا يخفى ان من له نَّظُر سديد لا يعِدل عن النزول بموضع مأمون من المخاوف خصب كثير الماء والكلا وما يقيه من ألحر أو القر إلى ما هو بالعكس اللهم الا ان يعلم انه إذا سار يجد بين يديه ما هو مثله أو خير منه، وقال صاحب النشر فيه بعد أن ذكر ما قدمناه عن علي وأبن عمر ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته وفي كلام ابن عمر برهان على ان تعلمه اجماع من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعِيان التابعين وصاحبِه الامام نافع بن أبي نَّعيم وأبي عمرو بن العلا ويعقوب الحضرمي وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الايمة وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة من الكتب ومن ثم اشترطه كثير من ايمه الخلف على المجيزأن لا يجيز أحدا الا بعد معرفته الوقف والابتداء وكان ايمتنا يوقفوننا عند كل حرف ويشيرون الينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين رحمة الله عليهم أجمعين انتهى.
إذا علمت هذا فاعلم إن الكلام على الوقف والابتداء ينحصر في بابين الأول معرفة ما يوقف عليه ويبتدأ به ومرجع هذا إلى فهم
المعني ومراعِاة الأحكام النحوية فلا يوقف على العامل دون المعمول ولا المعول دون العامل وسواء كان العامل اسما ام فعلا ام حرفا وسواء كان المعمول مرفوعا ام منصوبا ام مخفوضاً عمدة أو فضلة متحدا أو متعددا ولا على الموصول دون صلته ولا على ما له جواب دون جوابه ولا على المستثنى منه قبل المستثنى ولا على المتبوع دون التابع ولا على ما يستفهم به دون ما يستفهم عنه ولا على ما اشير به دون ما أشير إليه ولا على الحكاية دون المحكي ولا على القسم دون المقسم به وغير ذلك مما لا يتمُّ المعنى الا به ولا يتمكن القاري من هذا الا بمعرفة العربية ولهذا كان تعلمها من اوكد ما عليه لان من لا يعرفها لا يوثق بعلمه ولا يعِول عِلى رأيه وفهمه ولا يقال كما يقوله من جهل وغفل ان الصحابة كانَّوا لا يعرفون العِربية ولا يعرفون الفاعل والمفعول وأنما حدثت بعِدهم لان هذا حمق وغرور واستدلال بباطل على باطل بل هم فرسانها ولهم الباع الطويل فيها وكانت لهم سجية منةً من الله عِليهم فلا يحتاجون في تحصيلها مثلنا إلى كبير تكلف وقد روي عِنهم فيها وفي الثنا عِليهم ما ليس هذا محل ذكره كيف وهم الذين استنبطوها وأسوا قواعدها واظهروا مخبّآتها واشادوها. الثاني معرفة كيفية الوقف من جهة التلفظ بآخر الكلمة بالسكون أو الاشمام أو الروم أو الحذف والاثبات وتفخيم الراءات وترقيقها وغير ذلك مما اتفق عليه القراء أو اختلفوا فيه وجرى عمل كثيرُ منهم بإيراد الأول بالتأليف والثاني يجعلونَّه بابا في كتب القراءات وقلّ من جمع بين البابين في كتابه وانا ان شاء الله اذكرهما بكلام سهل يسيرُ ويليق بالمبتدئين والقاصرين والله اعِلم.
أما الباب الاول فقد اختلف الناس في أقسامه فمنهم من أطنب واكثر فجعلها ثمانية أقسام كاملا وتاما وكافيا وصالحا ومفهوما وحائزا وناقصا ومتجاذبا، ومنهم من اجحف وقصر فجعلها قسمين تاما وقبيحا وبعضهم توسط وحرر وأمعن النظر وتدبر فجعلها أربعة أقسام تاما وكافيا وحسنا وقبيحا وربما يتفقون
على العِدد ويختلفون في التسمية فبعضهم يسمى التام كاملا وبعِضهم يسميه حسنا وبعضهم كافيا وبعضهم مطلقا وبعِضهم مختارا وبعضهم يسمي الكافي حسنا والحسن كافيا وبعضهم يسمي الكافي بالجائز والصالح بالمفهوم وليس هذا خلافا في الحقيقة بل لكل مصطلح مشى عليه وتقسيم منسوب إليه والمختار عِندي تبعا للداني وابن الجزري وغيرهما من المحققين أنها أربعِة أقسام تام وكاف وحسن وقبيح لكن التحقيق ان كل قسم منها ينقسم إلى قسمين فتام وأتم وكاف وأكفى وحسن وأحسن وقبيح وأقبح والله أعلم.
فصل في الوقف التام والاتم
لا يكومن وقفك تاما ألا إذا وقفت على كلام لا تعلق له بما بعِده لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، والاتم ادخل في كمال المعنى من التام اذ التام قد يكون له تعاق بما بعده على احتمال مرجوح أو يكون بعِده كلام فيه تنبيه وحث على النظر في عواقب من هلك بسوء فعله فيكون الوقف عليه أتم من الوقف عِلى آخر القصة نحو وبِالَّيْلِ أفلَا تَعْقلُونَ الوقف على وباليل تام وعلى تعْقلون أتم واكثر ما يوجد في رؤوس الآي وتمام القصص وءاخر السور وقد يوجد التام قبل تمام الفاصلة نحو وجَعَلوُا أعزَّةَ أهلِهَا أذِلةً هو وقف تام عند الجمهور اذ به انَّقضى كلام بلقيس وقال أبو حاتم هو من الوقف المروي عن ابن عباس وقوله بعده وكذلِكَ يفَعلوُنَ هو من كلام الله جل ذكره تصديقا لها أي الأمر كما ذكرت وقيل انه من كلام بلقيس وعليه جماعة من المفسرين منهم البيضاوي فهو تأكيد وتقرير لما وصفته من حالهم وعليه فلا يوقف عليه والوقف على يفعلون وهو رأس الآية بإجماع وهو كاف وكذلك لقد أضَلَّنِي عَنِ الذكْرِ بَعْدَ إذْ جآءنِي هو وقف تام عند
الجمهور واجمعوا على أن راس الاية خَذُولاً بعده لان كلام الظالم انتهى عِند جَاءَنِي ثم قال الله تعالى وَكاَنَ الشَّيْطَانُ لِْلإنْسَانِ خَذولاً تقريرا وببانا لما قبله وقيل انه من تمام كلام الظُالم على انَّه سَمَّى خليله شيطانا لأنه قد أضله والاضلال اخص وصف الشيطان أو انه أراد الشيطان الذي هو ابليس لأنه هو وسوسه وغَوَّاهُ وصده عن متابعة الرسول الصادق ودعاه إلى طريق المهالك وكأن يعده ويمنيه النفع فلما وقع في المهالك والورطات العظام فر عنه وخذله وعلى هذا فلا وقف على جاَءَنِي وإنما هو على خذُولاً وهو تام والمراد بالظالم عُقُبَةُ بنُ أبي مُعَيْط كما قاله السهيلي والبغوي وجماعة كبيرة من المفسرين وغيرهم وقال الدانَّي هو أُبَىُّ بن؟ خَلَف وقلده في ذلك بعض من ألف بعِده والصواب الأول نعم هو المكنى عنه بفلان على أحد قولين والأصح انَّه أخوه أمية بن خلف واصل القضية إن عقبة كان من عادته أنَّه لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما ودعا إليه أشراف قريش فقدم ذات يوم وصنع الطعام على عادته ودعا إليه الأشراف ودعا النبيء صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكل حتى تشهد أن لا اله ألا الله وأني رسول الله فتشهد فأكل النبيء صلى الله عليه وسلم طعامه وكان عقبة صديقا لأبي بن خلف أو لأخيه أمية فلما اخبر بذلك تغيظ لذلك فلقي عقبة فقال له صبأت قال لا ولكن دخل عليَّ رجل فأبى إن يأكل إلا إن اشهد له فاستحييت إن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له فقال له لا أرضى حتى تمضي له وتبزق في وجهه وتقول له كذا وكذا ففعل عدو الله ما قال له خليله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا القاك خارج مكة إلا عِلوت رأسك بالسيف فأستر يوم بدر فأمر النبيء صلى الله عليه وسلم عليا فقتله وقيل قتله عاصم بن ثابت
الأنصاري قال الضحاك لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه على وجهه فأحرق خديه وكان اثر ذلك فيه حتى مات فهذه عقوبة عجلت له في الدنيا وعقوبة الآخرة أشد وأعظم ولهذا لشدة ما يراه من العذاب ويلحقه من الندم والحسرة يعض على يديه فقال عطاء يأكل يديه حتى بلغ مرفقيه ثم ينبتان فيأكلهما وهكذا ابدا. وقد يوجد التام بعِد تمام الفاصلة نحو وإنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِيَن وَبالَّيْلِ هو تام اتفاقا والفاصلة مُصْبِحِيَن قبله ونحو وَمَعَاَرِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وزُخْرُفاً هو تام عند الجمهور والفاصلة يَظْهَرُونَ قبله وقد يكون على قراءة دون قراءة كقوله إلى صِرَاطِ االْعزِيزِ الْحَميدِ هو تام على قراءة كل من رفع الجلالة بعده وعلى قراءة الخفضُ حسن وقد يكون على تأويل دون تأويل كقوله وَماَ يعْلَمُ تأوِيلهُ إلَاّ الله مذهب الجمهور إن المتشابه لا يعلم تأويله ألا الله وعليه فالوقف على الجلالة تام وما بعِده مستأنَّف ويشهد له ما في مصحف ابن مسعود ويقول الراسخون وما رواه طاوس قال ذكر لابن عباس االخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن فقال يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابه وقرأ وَماَ يعَلَمُ تَأوِيلَهُ إلا اللهُ ويقوُلُ الراسخُونَ في الْعِلْمِءَامَناَ بِه وهو قول أبي بن كعب وابن مسعود
وعائشة وعروة بن الزبير والحسن وأكثر التابعين ومالك بن أنس ونافع والكسائي ويعقوب واختاره القراء والأخفش وأبو حاتم وابن كيسان وأبو عبيد وابن الانباري والطبري وأبو عبيده والبغوي وذهب قوم إلى أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه والواو للعطف وجملة يقولون في موضع الحال وهذا قول مجاهد والربيع ورواه غير طاوس عن ابن عباس واختاره ابن الحاجب وقال قوم حملنا المتشابه على ما استأثر الله بعلمه كمدة بقاء الدنيا ووقت قام الساعة وخواص الأعداد كأعداد الزبانية أو ما دل القاطع على ان ظاهره غير المراد ولم يقم دليل على ما هو المراد منه فالاول وعليه الوقف على الجلالة وان حملناه على ما لا يتضح مقصوده لاجمال أو مخالفة ظاهره لمحكم ولا يتوصل إلى معناه بالفحص والنظر الدقيق وأتعاب القرايح والفهم الثاقب فالثاني وعلى هذا فخلاف الأولين في حال وترجع المسالة إلى الوفاق والله اعِلم، مثال التام الدّين ونَسْتَعين بالفاتحة ويُكَذّبون وَيَشْعُرُون وللِكَافِرِين والْخَاسِرُون وترجِعون بالبقرة ومثال الاتم الضَّالَّينَ بالفاتحة والْمُفُلحُونَ وعَظِيم وقَديِر وخالِدُونَ بالبقرة ولا خلاف بينهم انه يجوز الوقف عليه والابتداء بما بعِده. شة وعروة بن الزبير والحسن وأكثر التابعين ومالك بن أنس ونافع والكسائي ويعقوب واختاره القراء والأخفش وأبو حاتم وابن كيسان وأبو عبيد وابن الانباري والطبري وأبو عبيده والبغوي وذهب قوم إلى أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه والواو للعطف وجملة يقولون في موضع الحال وهذا قول مجاهد والربيع ورواه غير طاوس عن ابن عباس واختاره ابن الحاجب وقال قوم حملنا المتشابه على ما استأثر الله بعلمه كمدة بقاء الدنيا ووقت قام الساعة وخواص