الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الخيار
مقدمة
الخيار: اسم مصدر، واسم المصدر هو ما خَلا مِن بعض حروف فعله، وساوى المصدر في الدلالة على الحدث.
والخيار هو طلب خير الأمرين من إبقاء النكاح أو فسخه، وعقد النكاح من العقود اللازمة، التي لا خيار فيها ولا رجعة، وذلك لما روى أصحاب السنن من حديث أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث جدهنَّ جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" فإذا تم عقد النكاح بالإيجاب والقبول، بعد أنْ توفرت أركانه وشروطه، لزم، ولم يبق لأحد من العاقدين خيار مجلس، ولا خيار شرط، ولا غيرهما من الخيارات، وإنما لكل من الزوجين خيار العيب، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ولكن هناك أفراد مسائل، يطلب فيها اختيار أحد الزوجين، كما ستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى.
والسبب -والله أعلم- في لزوم النِّكاح من حين العقد، وعدم الخيار فيه يرجع إلى أمرين:
الأوَّل: أنَّهُ لا يتم العقد إلَاّ بعد مشاورةٍ وتروٍّ في الأمور، وسؤال كل واحدٍ من الزوجين عن الآخر، فلا حاجة إلى الخيار، كما يُحتاج إليه في البيع الذي يتكرر، وكثيرًا ما يقع فجأةً، بلا سابق فكرٍ وتأمُّل، فيحصل فيه غبن، ونحو ذلك، فجُعِل له الخيار.
الثاني: أنَّ الرجوع فيه بعد إتمامه، واختيار الفسخ بعد العقد، يُحدث سمعة عند الناس للطرفين سيئة، وتشعُّب الظنون، والتخرصات، كما يحصل بين الزوجين والأسرتين من النفرة والعداوة الشيء الكثير، والله أعلم.
***
870 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا رضي الله عنها "أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا".
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: "كَانَ حُرًّا".
وَالأَوَّلُ أَثْبَتُ (1).
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: "أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا"(2).
ــ
* مفردات الحديث:
- خُيِّرَتْ: مبني للمجهول، جعل لها الخيار بين بقائها مع زوجها، أو فسخ نكاحها حينما عتقت تحته، وهو عبد.
- بَريرة: بفتح الباء، وكسر الرَّاء، كانت مولاة لبعض بيوت الأنصار، فاشترتها عائشة رضي الله عنها منهم، وأعتقتها لها؛ فهي مولاة لها.
- كان عبدًا: اسمه مُغِيث -بضم الميم وكسر الغين المعجمة- وكان عبدًا مشتَرَكًا بين جماعةٍ من قريش.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الرقيق ناقص المعنوية، مملوك التصرف، هو وما ملك لسيده، فإذا عتَقَ وَجَد كماله من جديد، فأصبح حرًّا مالكًا لأعماله، مستفيدًا من جهده، لا
(1) البخاري (5097)، مسلم (1504).
(2)
البخاري (9/ 406 فتح).
يسيطر عليه أحد.
فإذا عتقت الرقيقة، وهي زوجةٌ لرقيق، صارت أفضل منه، وأكمل منه، وفُقِدت الكفاءة الزوجية بينهما، حيث أصبحت حرَّةً وهو رقيق، فحينئذٍ صار لها الخيار بأن تبقى عند زوجها، وإن كان رقيقًا؛ لأنَّ الاستدامة أقوى من الابتداء، أو تفسخ نكاحها منه.
2 -
وهذه قصة بريرة مولاة عائشة، كانت عند زوجها مُغيث، فأعتقتها عائشة رضي الله عنها فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم؛ وخيَّرها بأن تبقى مع زوجها، أو تفسخ نكاحها، فاختارت الفسخ على بقائها معه.
3 -
مذهب الإمام أحمد فيه روايتان في الكفاءة:
إحداهما: أنَّ الكفاءة شرطٌ للزوم النكاح، لا لصحة النكاح مع فقدها؛ لأنَّها حقٌّ للأولياء، وهذه الرواية هي المشهور من المذهب عند المتأخرين.
والرواية الأخرى: أنَّها شرطٌ لصحة النِّكاح، فلا يصح النِّكاح مع فقدها، وهدذه الرواية هي المذهب عند المتقدمين من أصحاب أحمد، والحديث دليل للرواية الأولى، التي هي المشهور من المذهب؛ لأنَّه لو كان لا يصح مع فقدها، ما خيَّرها بالفسخ أو البقاء، ولفَسخَها بالحال.
4 -
قال ابن القيم: إنَّ مأخذ تخييرها أنَّ السيد عقد عليها بحكم الملك، حيث كان مالكًا لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضي ملك الرقبة والمنافع للمعتَق، وهذا مقصود العتق وحكمته، فإذا ملكت رقبتها، ملكت بُضْعها ومنافعها، ومن جملتها منافع البُضْع، فلا يُملك عليها إلَاّ باختيارها أحد الأمرين: البقاء تحت الزوج، أو الفسخ منه.
5 -
وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة: "ملكْتِ نفسك فاختاري".
6 -
جواز بيع أحد الزوجين الرقيقين دون الآخر.
7 -
أنَّ بيع الأمة المزوجة لا يكون طلاقًا لها.
8 -
أنَّ عتقها لا يكون طلاقًا، ولا فسخًا.
9 -
أنَّ الكفاءة معتبرة في الحريَّة، ولكنها شرطٌ للزوم النكاح لا لصحته.
10 -
فضيلة الحرية على الرق، وفضل الحر على الرقيق.
11 -
أنَّ المتعيِّن على القاضي والمفتي، تبيين الحكم الذي يجهله الخصم أو المستفتي، إذا كان يترتب على إخباره حكمٌ شرعيٌّ يستفيد من معرفته.
12 -
أنَّ التخيير في الأمور إذا كان لَحظِّ المختار وحده، راجعًا إليه، فيختار ما يشاء، بخلاف ما إذا كان الخيار لمصلحة غيره، فيجب عليه اختيار الأصلح.
***
871 -
وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال في التلخيص: رواه الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبَّان، وصحَّحه من حديث فيروز الديلمي، وقد أعلَّه العقيلي وابن القيم، لكن صحَّحه البيهقي والدارقطني.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وله طرق كثيرة تعضده، والآية الكريمة خير عاضد في ذلك.
قال تعالى عند ذكر المحرَّمات: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23].
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فيروز الديلمي اليماني أسلم وعنده زوجتان، هما أختان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهما واحدة، لتبقى له زوجة، ويطلق الأخرى؛ لأنَّه لا يجوز الجمع بين الأختين.
قال ابن رشد: اتَّفق المسلمون على أن لا يُجمع بين الأختين بعقد نكاح،
(1) أحمد (4/ 232)، أبو داود (2243)، الترمذي (1129)، ابن ماجه (1951)، ابن حبان (1376)، الدراقطني (3/ 273)، البيهقي (7/ 184).
سواء كانت الأخوَّة بنسب أو رضاع، حُرَّتَيْنِ أو أمَتَيْن، أوْ إحداهما أَمَة، قبل الدخول أو بعده، قال تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] يعني إلَاّ ما كان من أمر الجاهلية.
قال السيوطي: ويلحق بالأختين ما جاء في السنة من النَّهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.
قال الوزير: أجمعوا على أنَّه لا يجوز أن يتزوَّج بكل واحدة، ممَّن يحرم عليه الجمع بينها، وبين المعتدة منه، إذا كنَّ معتدات من طلاق رجعي، أو بائن.
كما أجمعوا على أنَّ عمَّة العمَّة تنزل في التحريم منزلة العمة، إذا كانت العمة الأولى أخت الأب لأبيه.
وأجمعوا على أنَّ خالة الخالة تنزل في التحريم منزلة الخالة، إذا كانت الأولى أخت الأم لأمها.
2 -
قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أنَّ الرجل إذا طلَّق زوجته طلاقًا يملك به رجعتها، أنَّه ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي عدَّة المطلقة.
واختلفوا إذا طلَّقها طلاقًا لا يملك به رجعتها:
فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي عدَّة التي طلق؛ وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، وجماعة من السلف.
وقالت طائفة: له أنْ ينكح أختها، وهو مذهب الشَّافعي ومالك، وجماعةٍ من السلف.
وقال الشيخ تقي الدين: إذا كان الطلاق رجعيًّا، لم يكن له تزوج الأخرى عند عامة العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة.
وإنما تنازعوا إذا كان الطلاق بائنًا، فالجواز عند مالك والشافعي، والتحريم عند أبي حنيفة وأحمد.
***
قال الشيخ عبد الله أبابطين: نكاح المرأة في عدَّة أختها ونحوها، ونكاح خامسة في عدة رابعة إن كان الطلاق رجعيًّا: باطل عند جميع العلماء، وإن كانت العدة من طلاق بائن، ففيه خلاف، والمذهب التحريم.
3 -
الحديث يدل على اعتبار أنكحة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، وأنَّها صحيحة، ولو أسلموا عليها، وأنَّها كأنكحة المسلمين، فيما يجب فيها من صداقٍ، ونفقةٍ، وقَسْمٍ، وإحصانٍ، ووقوع طلاقٍ، وظهارٍ، وإيلاءٍ، ولحوق النسب، وثبوت الفراش، والإرث، وغير ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأبعة.
قال تعالى: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]، وقال:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد].
وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة.
قال شيخ الإِسلام: معنى صحة نكاحهم حل الانتفاع إذا أسلموا، وإن لم يسلموا عوقبوا عليها، فيكون الإِسلام هو المصحح لها، كما أنَّه المسقط لقضاء ما وجب عليهم من العبادات، أمَّا إذا كانوا مقيمين على الكفر، فمعنى الصحة إقرارهم على ما فعلوا، فمعنى الصحة في أحكامهم غير معناها في عقود المسلمين.
فإذا تقرَّر صحة نكاحهم، فإنَّها إن حلَّت الزوجة وقت الإِسلام، أو الترافع إلينا، كعَقْدهِ في عدة فرغت، أو على أخت زوجة ماتت، أو كان العقد قد وقع بلا صيغة، أو ولي، أو شهود -فالزوجان على نكاحهما.
وأما إن كانت الزوجة ممَّن لا يجوز ابتداء نكاحها حال الإِسلام، أو الترافع، كذات محرم أو معتدة لم تَنْقَض عدَّتها، أو مطلقته ثلاثًا قبل أن تنكح زوجًا غيره -فُرِّق بينهما؛ لأنَّ ما منع ابتداء العقد منع استدامته من باب أولى.
4 -
أنَّ المرأة لا تخرج عن عصمة الزوج بعد الإِسلام إلَاّ بطلاق ونحوه، فالنكاح يبقى بعد الإِسلام بلا تجديد عقد.
وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد.
أما الحنفية، فلا يقر عندهم من النكاح، إلَاّ ما وافق الإِسلام، وظاهر الحديث يشهد لقول الجمهور.
***
872 -
وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه "أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ، وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ. (1)
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح لغيره.
أخرجه الشافعي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، من طرق عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر.
قال الترمذي: سمعت البخاري يقول: هذا حديث غير محفوظ.
وقال في التلخيص: وحكم الإمام مسلم على معمر بالوهم فيه، وحكى الحاكم عن مسلم أنَّ هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة.
قال أحمد: هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه، وأعلَّه بتفرد معمر بوصله، وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة.
قال الحافظ بعد أن ذكر الحديث من طريق النسائي بإسناده: ورجال إسناده ثقات، ومن هذا الوجه أخرجه الدارقطني.
قلتُ: فهو شاهد جيد، ودليل قوي على أنَّ الحديث موصول عن سالم عن ابن عمر، ثم قال الحافظ: واستدل به ابن القطان على صحة حديث معمر.
قال ابن كثير: روى الحديث الشافعي وأحمد، وهذا الإسناد رجاله
(1) أحمد (2/ 13)، الترمذي (1128)، ابن حبان (1377)، الحاكم (2/ 192).
رجال الشيخين، وقد جمع الإمام في روايته لهذا الحديث بين هذين الحديثين بهذا السند.
وقال الأثرم عن أحمد: هذا الحديث غير صحيح، والعمل عليه.
قال الألباني: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه عن سالم عن ابن عمر، وقد صحَّحه ابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وابن القطان، وفي معناه أحاديث أُخَر.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على أنَّ نهاية ما يباح للحر جمعه من الزوجات هو أربع زوجات، قال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
قال الشوكاني في تفسيره: استدلَّ بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وهو خطاب لجميع الأمة، وأنَّ كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد.
2 -
يدل الحديث على أنه لو أسلم رجل ممَّن يبيحون الزيادة على أربع زوجات، فإنَّه يؤمر أن يختار منهن أربعًا، ويطلق الباقيات؛ لأنَّ الأربع نهاية عدد الحر المسلم.
3 -
يدل الحديث على اعتبار أنكحة الكفار، وأنَّها تبقى على حالها بلا تفتيش عن صفة ما عقدت عليه في كفرهم.
هذا إذا كانت أنكحتهم حال إسلامهم، أو حال ترافعهم إلينا حلالًا، أما إذا كانت حال الترافع، أو إسلامهم لا يجوز ابتداؤها كذات مَحرم، أو معتدة لم تَنْقض عدَّتها، فُرِّق بينهما؛ لأنَّ ما منع ابتداء العقد منع استدامته، وقد تقدم.
4 -
والدليل على اعتبار أنكحتهم عند الإِسلام أو الترافع بشرطه، هو أنَّه لم يؤمر بتجديد العقد لمن اختار الدخول في الإِسلام، وأنَّه أمر أن يطلق التي لم يختر منهنَّ، فهذا دليل على اعتبار العقد.
873 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال المؤلف: صحَّحه الإمام أحمد، والحاكم، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي، من طرق عن محمَّد ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وقال الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قِبَلِ داود بن حصين من قبل حفظه.
قال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، ومع ذلك صحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، ومِن قبله الإمام أحمد.
وروى ابن سعد عن عامر قال: قدم أبو العاص وقد أسلمتِ امرأته زينب، ثم أسلم بعد ذلك، وما فرَّق بينهما، وإسناده مرسل صحيح، ثم روى نحوه عن قتادة، والإسناد صحيح مرسل.
فالحديث بهذين الإسنادين المرسلين صحيح، كما قال الإمام أحمد.
(1) أحمد (1876)، أبو داود (2240)، الترمذي (1143)، ابن ماجه (2009)، الحاكم (2/ 200).
874 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَجْوَدُ إِسْنَادًا، وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف.
أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والطحاوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو ضعيف، وعلته الحَجَّاج، فإنَّه كان مدلسًا.
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هذا حديثٌ ضعيف، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، وإنَّما سمعه من محمَّد بن عبيد الله العرزمي، ولا يساوي حديثه شيئًا، والحديث الصحيح أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّهما على النكاح الأول.
وقال البيهقي والدارقطني: هذا حديث لا يثبت، وحجَّاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس.
قال البخاري: إنَّ حديث ابن عباس أجود منه وأصح.
وضعَّف حديث عمرو بن شعيب كل من الترمذي، والخطابي، والبيهقي، والمجد ابن تيمية.
(1) أحمد (2/ 207)، الترمذي (1142)، ابن ماجه (2010).
875 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أَسْلَمْتُ، وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي، فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَوْجِهَا الآخَرِ، وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، من طريق سِماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال الترمذي: حديث صحيح، ورواه ثلاثة عن سماك بن حرب وهم:
1 -
عبيد الله بن موسى، أخرجه ابن الجارود، والبيهقي، من طريق الحاكم، وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي.
2 -
سليمان بن معاذ العنبري عن سماك به مثل حديث وكيع، أخرجه الطيالسي، وعنه البيهقي.
3 -
عبد الرزاق في المُصنف.
وإسناده ضعيف؛ لأنَّ مداره على سِماك عن عكرمة.
قال الحافظ: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصةً مضطربة.
(1) أحمد (2059)، أبو داود (2238)، الترمذي (1144)، ابن ماجه (2008)، ابن حبان (1280)، الحاكم (2/ 200).
* ما يؤخذ من الأحاديث الثلاثة:
1 -
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أكبر بناته رضي الله عنهن وكانت زوجة لأبي العاص بن الربيع، فأسلمت، وهاجرت قبل إسلام زوجها وهجرته، فلما أسلم، وهاجر، ردَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه.
2 -
حديث ابن عباس وهو رقم (873) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته زينب على زوجها أبي العاص بعد ست سنين من فراقهما بالنكاح الأول، وأنه لم يُحدِث نكاحًا جديدًا بينهما.
أما حديث عمرو بن شعيب: وهو رقم (874) ففيه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد.
3 -
كلام العلماء عن الحديثين:
قال الترمذي: حديث ابن عباس حسن، وليس بإسناده بأس، وإسناده أجود من حديث عمرو بن شعيب.
أما حديث عمرو بن شعيب فقال الإمام أحمد: ضعيف، والصحيح حديث ابن عباس، وهكذا قال البخاري، والترمذي، والبيهقي، وحكاه عن حفَّاظ الحديث.
وقال ابن عبد البر: حديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول.
4 -
إذا أسلم الزوجان معًا بأنَّ تلفَّظا بالإِسلام دفعةً واحدةً، بقي نكاحهما بإجماع أهل العلم؛ لأنَّه لم يوجد منهما اختلاف دين.
وإن أسلم زَوْج كتابية بقي أيضًا على نكاحه؛ لأنَّ للمسلم ابتداء نكاح الكتابية، فاستدامته واستمراره أقوى وأولى.
* خلاف العلماء:
ذهب جمهور العلماء إلى أنَّه إن أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول، بَطَلَ النكاح، وأنَّ الكتابية إذا أسلمت، وهي تحت كافر غير كتابي،
انفسخ النكاح.
قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ من أهل العلم.
وأما إذا أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الأول، وكان بعد الدخول، وُقِف الأمر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم الثاني قبل انقضائها، فهما على نكاحهما.
والأظهر لنا: أنَّ الفرقة بينهما وقعت حين أسلم الأول، وإذن: فلا نكاح بينهما، وهذا قول جمهور العلماء، والمشهور عند أحمد.
وذلك لحديث عمرو بن شعيب أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "ردَّ ابنته على أبي العاص بنكاح جديد" فهذا عمدة الجمهور.
والرواية الآخرى عن الإمام أحمد: أنَّها ترد إليه، بدون عقد جديد، وإن طالت المدة، وانقضت العدة، ما لم تتزوج، لما روى ابن عباس "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته علي أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يُحدِث نكاحًا"، قال الترمذي: ليس بإسناده بأس، وصحَّحه أحمد.
والحديث رقم (875) من أدلة هذه الرواية عن أحمد، فإنَّ هذه المرأة تزوجت بعد أن أسلم زوجها، وإسلامه قبل زواجها يعتبر بقاء لنكاحهما الأول، ويكون زواجها الثاني باطلًا، ولذَا فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم انتزعها من الثاني، ولم يأمره بطلاقها، وردَّها إلى زوجها الأول بدون تجديد عقد بينهما، وحديث ابن عباس أجود إسنادًا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
واختار الشيخ تقي الدين بقاء النكاح بين الزوجين إذا أسلمت قبله، سواء كان الإِسلام قبل الدخول، أو بعده، ما لم تنكح زوجًا غيره.
وقال ابن القيم: إنَّ أحد الزوجين إذا أسلم قبل الآخر، لم ينفسخ النكاح بإسلامه، فرَّقت الهجرة بينهما أو لم تفرق، فإنَّه لا يعرف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جدَّد نكاح زوجين سبق أحدهما الآخر بإسلامه قط، ولم تزل الصحابة يُسلم الرجل قبل امرأته، أو تسلم قبله، ولم يعلم عن أحد منهم البتة أنَّه تلفظ بإسلامه هو
وامرأته حرفًا بحرف، هذا مما لم يقع البتة، وقد ردَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع وهو قد أسلم زمن الحديبية، وهي أسلمت من أول البعثة، فبين إسلامهما أكثر من ثماني عشرة سنة.
وأما قوله: "كان بين إسلامها وإسلامه ست سنين" فوَهَم، إنَّما أراد بين هجرتها وإسلامه.
وتحريم المسلمات على المشركين بقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] إنَّما نزل بعد الحديبية، ولما نزل التحريم أسلم أبو العاص فردت إليه.
وأما اعتبار زمن العدة فلا دليل عليه من نصٍّ ولا إجماعٍ، ولا ريب أنَّ الإِسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية بل بائنة، فلا يكون أثر للعدة في بقاء النكاح، وإنما أثرها في منع نكاحها للغير، وأما تنجيز الفرقة، أو مراعاة العدة، فلا نعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحدةٍ فيهما، مع كثرة من أسلم في حياته من الرِّجال.
وهذا القول إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار الخلَّال، وأبي بكر عبد العزيز، وابن المنذر، وابن حزم، وبه قال حماد، وسعيد بن جبير، وعمر ابن عبد العزيز، والشَّعبي، وغيرهم، وتقدَّم أنَّه اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمهم الله جميعًا-.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الذي حقَّقه الدليل، أنَّه إذا أسلم أحد الزوجين، وتأخَّر إسلام الآخر، فإن أسلم المتخلف في العدة، فهما على نكاحهما، وإن انقضت العدة جاز للزوجة أن تتزوج، فإنْ لم تتزوج وأسلم الزوج بعد ذلك وأرادها واختارته، ردَّت إليه بغير نكاح.
وقال الشيخ تقي الدين: إذا ارتد الزوج ولم يعُد إلى الإِسلام حتى انقضت عدَّة امرأته، فإنَّها تبين منه عند الأئمة الأربعة، وإن طلَّقها بعد ذلك لم
يقع طلاقه، فإن عاد إلى الإِسلام فله أن يتزوجها.
وقال شيح تقي الدين أيضًا: الكافر إذا أسلمت امرأته فالمسألة فيها أقوال: أحدها: أنَّها إذا خرجت من العدة فلها أن تتزوج، فإن أسلم قبل أن تتزوج ردت إليه، فالأحاديث تدل على هذا القول، ومنها: حديث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الثابت في الحديث أنَّه ردَّها بالنكاح الأول بعد ست سنين.
ومنها: ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس قال: كانت إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهَّرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجُها قبل أن تنكح رُدَّت إليه.
* قرار المجمع الفقهي الإِسلامي بشأن حكم تزيج الكافر بالمسلمة، وتزوج المسلم بالكافرة:
إنَّ مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي بعد أن اطَّلع على اعتراض الجمعيات الإِسلامية في سنغافورة وهي:
(أ) جمعية البعثات الإِسلامية في سنغافورة.
(ب) بيراينز.
(ج) المحمَّدية.
(د) بيرتاس.
(هـ) بيرتابيس.
على ما جاء في ميثاق حقوق المرأة من السماح للمسلم والمسلمة بالتزوج ممن ليس على الدين الإِسلامي، وما دار في ذلك، فإنَّ المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
أولًا: إنَّ تزوج الكافر للمسلمة حرام، لا يجوز باتفاق أهل العلم، ولا شكَّ فى ذلك لما تقتضيه نصوص الشريعة، قال تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وقال تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]، والتكرير في قوله تعالى:
{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] للتأكيد والمبالغة بالحرمة، وقطع العلاقة بين المؤمنة والمشرك، وقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] أمر أن يعطى الزوج الكافر ما أنفق على زوجته إذا أسلمت، فلا نجمع عليه خسران الزوجية والمالية، فإذا كانت المرأة المشركة تحت الزوج الكافر، تحرم عليه بإسلامها، ولا تحل له بعد ذلك، فكيف يقال بإباحة ابتداء عقد نكاح الكافر على المسلمة، بل أباح الله نكاح المرأة المشركة بعدما تسلم، وهي تحت رجل كافر لعدم إباحتها له بإسلامها، فحينئذ يجوز للمسلم تزوجها بعد انقضاء عدتها، كما نص عليه قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
ثانيًا: وكذلك المسلم لا يحل له نكاح مشركة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ولقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، وقد طلَّق عمر رضي الله عنه امرأتين له كانتا مشركتين، لما نزلت هذه الآية.
وحكى ابن قدامة الحنبلي أنَّه لا خلاف في تحريم نساء الكفار غير أهل الكتاب على المسلم.
أما النساء المحصنات من أهل الكتاب، فيجوز للمسلم أن ينكحهن لم يختلف العلماء في ذلك، إلَاّ أنَّ الإمامية قالوا بالتحريم، والأولى للمسلم عدم تزوجه من الكتابية، مع وجود الحرَّة المسلمة.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: يكره تزوجهن مع وجود الحرائر المسلمات، قال في الاختيارات: وقاله القاضي، وأكثر العلماء؛ لقول عمر رضي الله عنه للذين تزوَّجوا من نساء أهل الكتاب "طلِّقوهن"، فطلقوهن إلَاّ حذيفة امتنع عن طلاقها، ثم طلَّقها بعد؛ لأنَّ المسلم متى تزَّوج كتابيةً، ربَّما مال إليها قلبه ففتنته، وربما كان بينهما ولد فيميل إليها، والله أعلم.