الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الظِّهار
مقدِّمة
الظِّهَار: مشتقٌّ من الظَّهْر، سمِّي بذلك؛ لتشبيه الزوج المظاهر زوجته بظهر أمه، وإنما خص الظهر دون غيره؛ لأنه موضع الركوب من البعير وغيره.
والمرأة مركوبة إذا غشيت، فكأنه إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، أراد: ركوبك للنكاح حرام علىَّ، كركوب أمي للنكاح.
وهو محرمٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع:
قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2].
وأمَّا السنَّة: فبحديث خولة بنت مالك بن ثعلبة، وحديث سلمة بن صخر.
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على تحريمه.
والقول المنكر والزور من أكبر الكبائر؛ إذ معناه أن الزوجة مثل الأم في التحريم، والله تعالى يقول:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2].
ونزل في أحكام الظهار الآيات الأُوَل من سورة المجادلة، وذلك حينما ظَاهَرَ أوس بن الصامت الأنصاري الخزرجي من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة الأنصارية.
***
948 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أَنَّ رَجُلاً ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، تُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ تَعَالَى بِهِ" رَوَاهُ الأرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ.
وَرَوَاهُ البَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ: "كَفِّرْ، وَلَا تَعُدْ"(1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال في التلخيص: رواه أبو داود، والنسائي، ورجاله ثقات، لكن أعلَّه أبو حاتم، والنسائي بالإرسال، قال ابن حزم: رواته ثقات، ولا يضره إرسالُ من أرسله، وفي الباب: عن سلمة بن صخر عند الترمذي، وقال: حسن غريب، وقد صحَّحه الحاكم، وقال المنذري: رجاله ثقات، وقد حسَّنه الحافظ في الفتح، وقال: رجاله ثقات.
* مفردات الحديث:
- وقع: يقال: وقع على امرأته يقع وقوعًا: جامعها.
- ما أمرك الله: من الكفارة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم أن الظهار معناه تحريم وطء الزوجة؛ وذلك بتشبيهها بمن يحرم عليه
(1) أبو داود (2223)، الترمذي (1199)، النسائي (6/ 167)، ابن ماجه (2065).
وطؤه من محارمه، حتى الذكور منهم، ومن غيرهم.
2 -
إذا ظاهر، حَرُم عليه وطء الزوجة المظاهَرِ منها، حتى يكفِّر عن ظهاره، وذلك بإجماع العلماء.
3 -
روى أهل السنن، عن ابن عباس؛ أن رجلاً قال:"يارسول الله! إني ظاهرت من امرأتي، فوقعت عليها قبل أن أكفِّر، فقال: ما حَمَلك على ذلك، رحمك الله؟! لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل" يعني: ما أمرك به من الكفارة المذكورة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3]، قال الإمام أحمد: هو أنه يريد أن يعود إلى الجماع الذي حرَّمه على نفسه، قال تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] يعني فعليهم تحرير رقبة قبل جماع المرأة المظاهَرِ منها.
4 -
في الرواية الأخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل المجامع بعد الظهار، وقبل التكفير، قال له:"كفِّر، ولا تعد".
5 -
النص ورد في صيغة الظهار أنه تشبيه الزوجة بالأم، والباقي أُلحق به بالقياس، وملاحظة المعنى.
6 -
يحرم وطء المرأة المظاهَر منها قبل التكفير، لقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وقوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4].
7 -
لو وطىء أثناء التكفير بالإعتاق، أو الإطعام، حرُم ذلك، ولكن لا يقطع وطؤه الكفارتين المذكورتين، فيبني ما قبل الوطء على ما بعده.
أما لو وطىء أثناء كفارته بالصيام، فإنه -مع التحريم- ينقطع التتابع، إلَاّ أن يتخلَّله عذر يبيح الفطر، أو ما يجب فطره من الأيام، أو يتخلله شهر رمضان، فإنه لا ينقطع التتابع؛ لأنه فطر لسبب لا يتعلق باختيار المكفِّر.
949 -
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرِ رضي الله عنه قَالَ: "دَخَلَ رَمَضَانُ، فَخِفْتُ أَنْ أُصِيبَ امْرَأتِي، فَظَاهَرْتُ مِنْهَا، فَانْكَشَفَ لِي شَيْءٌ مِنْهَا لَيْلَةً، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حَرِّرْ رَقَبهًّ، فَقُلْتُ: مَا أَمْلِكُ إلَاّ رَقَبتَي، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قُلْتُ: وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إلَاّ مِنَ الصِّيَامِ؟! قالَ: أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّيْنَ مِسْكِينًا" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ إلَاّ النَّسائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الجَارُودِ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح بغيره.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وأحمد، وابن خزيمة، وابن الجارود، من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو ابن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر البياضي.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، ويعكّر صحته عنعنة محمد بن إسحاق.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، قال البخاري: سليمان لم يسمع من سلمة بن صخر، ولكن الحديث صحيح بطرقه وشاهده.
وقد حسَّن الحافظ إسناده في الفتح (9/ 433).
(1) أحمد (4/ 37)، أبو داود (2213)، الترمذي (1198)، ابن ماجه (2062)، ابن الجارود (744).
* مفردات الحديث:
- أُصيب امرأتي: يُقال: أصاب من المرأة قبلها، وجامعها، وهي من الكناية، أي: قضى حاجته منها.
- انكشف لي شيء: ظهر لي شيء من زينتها ما يدعوني إلى جماعها، وقد جاء في رواية أبي داود والترمذي: قال: "رأيت خلخالها فى ضوء القمر".
- وَقَع عليها؛ جامع زوجته.
- حرِّر رقبة: يُقال: حرره يحرره تحريرًا: خلَّصه من الرق إلى الحرية، والمعنى: أعتِق رقبة وخلِّصها من الرق، يكون كفارة لفعلتك، والمراد إعتاقه كله، ولكن خصت الرقبة؛ لأنها موضع الغلِّ الذي شبّه به الرق.
- فَرَقًا: بفتحتين جمعه فرقان، قال في المصباح: الفَرَق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً، أي: ثلاثة آصع بالصاع النبوي.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الظهار حرام، وهذا الرجل الذي ظاهر: إما أن يكون لم يبلغه التحريم، أو أنه يرى أن الوطء في رمضان أشد حرمةً من الظهار؛ فحصَّن نفسه بالظهار عن الجماع.
2 -
القصد أنه ظاهر ثم جامع، فوقع في ذنبين عظيمين؛ فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليجد عنده حل مشكلته.
3 -
الرجل جاء نادمًا تائبًا خائفًاة لذا لم يعنِّفْه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أفتاه بما يكفِّر خطيئته، فأمره بالكفارة عن جماعه في حال ظهاره، وكانت كفارة الظهار مرتبة وجوبًا كما يلي:
أولاً: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدها، أو لم يجد ثمنها.
ثانيًا: صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع.
ثالثًا: أطعم ستين مسكينًا مدّبُر، أو نصف صاع من غيره.
4 -
فهذه مراتب كفارة الوطء في الظهار، والوطء في نهار رمضان، أولها الرقبة، فإن لم يجد: صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، أطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين مدّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غير البر، من أوسط ما تطعمون أهليكم.
5 -
وفي الحديث: أن الاجتهاد في المسائل العلمية بلا علم، قد يوقع صاحبه في أخطاء كبيرة، فلا يجتهد طالب العلم حتى يكون عنده آلة الاجتهاد وعُدَّتُهُ؛ من التوسّع في العلوم الشرعية، والعلوم العربية.
6 -
البعد عما يثير الغرائز من مناظر مثيرة، أو مجالس ماجنة، أو أمكنة موبوءة بالفساد والمغريات، التي تهيج صاحبها إلى ارتكاب الخطيئة، والوقوع في الفاحشة.
7 -
فيه تحصين الشارع المسلمين عن المعاصي بفرض هذه العقوبات التي تمنعهم من الوقوع في المعاصي، وتحصين محارمه بهذا السياج، من الغرامات التي تصونها عن الانتهاك.
8 -
وفيه رحمة الله تعالى بعباده المسلمين؛ حيث هيَّأ لهم هذه الكفارات التي تمحو ذنوبهم، وتزيل خطاياهم التي ارتكبوها.
9 -
وفيه تشوُّف الشارع إلى عتق الرقاب، وتحرير العبيد؛ فإنه جعل عتق الرقبة كفارة لكثير من الذنوب والمعاصي.
10 -
وفيه تشوُّف الشارع الحكيم إلى إطعام الفقراء والمساكين، حينما جعل إطعامهم وكسوتهم كفَّارةً للذنوب، وماحية للآثام.
***