المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب العِدَّة مقدِّمة العِدَّة: بكسر العين المهملة، وتشديد الدال، مأخوذة من "العَدَد" - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٥

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب العِدَّة مقدِّمة العِدَّة: بكسر العين المهملة، وتشديد الدال، مأخوذة من "العَدَد"

‌باب العِدَّة

مقدِّمة

العِدَّة: بكسر العين المهملة، وتشديد الدال، مأخوذة من "العَدَد" بفتح الدَّال؛ لأنَّ أزمنة العِدَّة محصورة.

وَهِيَ تَرَبُّصُ المرأةِ المحدَّدُ شرعًا عن التزويج بعد فراق زوجها.

والأصل فيه الكتاب، والسنَّة، والإجماع:

فأمَّا الكتاب: فمثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الآية [البقرة: 228]، وغيرها.

وأمَّا السنة: فكثيرةٌ جدًا، منها: أمره صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أنْ تعتد في بيت أم شريك، وغيره من الأحاديث في الباب.

وأجمع العلماء عليها استنادًا إلى نصوص الكتاب والسنة.

وقد جعل الله تبارك وتعالى هذه العِدَّة تتربَّص فيها المفارقة؛ لحِكَمٍ وأسرار عظيمة، وهذه الحِكم تختلف باختلاف حال المفارقة:

فمنها: العلم ببراءة الرحم؛ لئلا يجتمع ماء الواطئَيْن في رحم، وتختلط الأنساب، وفي اختلاطها الشر والفساد.

ومنها: تعظيم عقد النكاح، ورفع قدره، وإظهار شرفه.

ومنها: تطويل زمن الرجعة للمطلِّق؛ إذ لعلَّه يندم فيكون عنده زمن

ص: 561

يتمكن فيه من الرجعة، وهذه الحكمة ظاهرة في عدة الرجعية، وأشار إليها القرآن الكريم:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطَّلاق].

ومنها: قضاء حق الزوج، وإظهار التأثر لفقده، وهذا في حق المتوفَّى عنها.

ولها حِكَم كثيرة لحق الزوج والزوجة، وحق الولد، وحق الله قبل ذلك كله، بامتثال أمره؛ فلمجرَّدِ اتباعِ، أوامره سر عظيم من أسرار شرعه، والله الموفق.

***

ص: 562

959 -

عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه "أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ رضي الله عنها نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بلَيَالٍ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَفِي لَفْظٍ: "أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً"(1).

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "وَلَا أَرَي بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَهِيَ فِي دَمِهَا، غَيْرَ أنَّهُ لَا يَقْرُبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ"(2).

ــ

* مفردات الحديث:

- سُبَيْعَة: بضم السِّين المهملة، فباء موحدة، تصغير سبع، وتاء تأنيث، بنت الحارث الأسلمية.

- نُفِسَت: بضم النون، وكسر الفاء، أي: وضعت حملها، فهي نفساء.

قال في شرح مسلم: المشهور في اللغة: أنَّ "نَفِست" بفتح النون وكسر الفاء، معناه: حاضت، وأمَّا في الولادة فيقال:"نُفِست" بضم النون.

- زوجها: هو سعد بن خولة (نسب إلى أمه) العامري، توفي بمكة عام حجة الوداع.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

تُوفي سعد بن خولة عن زوجته سبيعة الأسلمية، وهي حامل، فلم تمكث

(1) البخاري (5320، 5318)، مسلم (1485).

(2)

مسلم (2/ 1122).

ص: 563

طويلاً حتى وضعت حملها.

فلما طهرت من نفاسها -وكانت عالمة أنَّها بوضع حملها قد خرجت من عدتها، وحلّت للأزواج- تجمَّلت، فدخل عليها أبو السنابل وهي متجمِّلة، فعرف أنَّها متهيئة للخُطَّاب، فأقسم -على غلبة ظنه- أنَّه لا يحل لها النكاح حتى يمر عليها أربعة أشهر وعشرٌ؛ أخذًا من قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234]، وكانت متيقنة من صحة ما عندها من العلم، والدَّاخل أكَّد الحكم بالقسم.

فأتت النَّبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاها بحِلِّها للأزواج حين وضعت الحمل، فإنْ أحبَّت الزواج، فلها ذلك؛ عملاً بقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

2 -

وجوب العدَّة على المُتوفَّى عنها زوجها.

3 -

أنَّ عدة الحامل تنتهي بوضع حملها.

4 -

عموم إطلاق الحمل يشمل ما وضع وفيه خَلْق إنسان.

5 -

إنَّ عدة المتوفى عنها -غير حامل- أربعة أشهر وعشرة أيام للحرة، وشهران وخمسة أيام للأَمَة.

6 -

يباح لها التزوج، ولو لم تطهر من نفاسها، إلَاّ أنَّه لا يباح لزوجها وطؤها إلَاّ بعد طهرها وتطهُّرها؛ لما روت: "فأفتاني بأنِّي قد حللت حين وضعت حملي

إلخ" كما رواه ابن شهاب الزهري.

7 -

قال شيخ الإسلام: والقرآن ليس فيه إيجاب العدَّة بثلاثة قروء إلَاّ على المطلقات، لا على من فارقها زوجها بغير طلاق، ولا على من وطئت بشبهة، ولا على المزني بها.

* توفيق بين آيتين:

عموم قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطَّلاق: 4]

ص: 564

يفيد أنَّ كل معتدة بطلاقٍ أو موتٍ، تنتهي عدتها بوضع حملها.

وعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يفيد أنَّ عدة كل متوفًّى عنها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت حاملًا، أو حائلاً.

ولهذا التعارض ذهب بعض العلماء -وهم قلة- إلى أنَّ عدة المتوفَّى عنها أبعد الأجلين، بالأشهر، أو الحمل:

فإنْ كان حملها أكثر من أربعة أشهر وعشرٍ، اعتدت به.

وإنْ وضعت قبلهن، اعتدت بالأشهر، خروجًا من التعارض.

ولكن جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة، ذوو المذاهب الخالدة: ذهبوا إلى تخصيص آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية [البقرة: 234] بحديث سُبَيْعة، فتكون الآية هذه خاصة في غير ذوات الأحمال، وأبقوا الآية الأولى على عمومها، بأنَّ وضع الحمل غاية كل عدة في حياة أو وفاة؛ وبهذا التخصيص تجتمع الأدلة، ويزول الإشكال.

ويقصد هذا التخصيص، أنَّ أكبر حِكَم العدَّة، هو العلم ببراءة الرحم، وهو ظاهر بوضع الحمل.

* فوائد:

الفائدة الأولى:

سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل ترك زوجته ست سنين، ولم يترك لها نفقة، ثم بعد ذلك تزوَّجت رجلاً، ودخل بها، ثم حضر الزوج. فأجاب: إنْ كان النكاح الأول فُسِخَ؛ لتعذر النفقة من جهة الزوج، وانقضت عدتها، ثم تزوجت الثاني، فنكاحه صحيح، وإنْ كانت زوجت الثاني قبل فسخ النكاح الأول، فنكاحه باطل.

ص: 565

الفائدة الثانية:

اختلف العلماء في جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي منها، فأجمعوا على تحريمه إذا كان نظرها إليه لشهوة، واختلفوا فيما إذا كان نظرها بدون شهوة.

فذهب بعضهم: إلى التحريم.

وجمهور العلماء: على الإباحة والجواز.

***

ص: 566

960 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أُمِرَتْ بَريرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه. ابن ماجه، قال: حدَّثنا علي بن محمد، قال: حدَّثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:

فذكره.

قال البوصيري: إسناده صحيح، ورجاله موثقون، وقال ابن عبد الهادي: رواته ثقات.

قال الألباني: إسناده صحيح، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير علي ابن محمد وهو ثقة، ولعل المراد بعلي بن محمد هو الطنافسي.

* مفردات الحديث:

- أُمِرَتْ: بصيغة المبني للمجهول، أي: أُمِرت من جهة النَّبي صلى الله عليه وسلم.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

بريرة مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها عَتقَتْ من الرقِّ، وهي تحت زوجها الرقيق مُغيث، فكان لها الخيار بين بقائها معه، وبين أنْ تفسخ نكاحها؛ ففسخت نكاحها.

2 -

ففي الحديث أنَّها اعتدت من زوجها بثلاث حِيَض، مع أنَّه فسخٌ، وليس بطلاقٍ، وأنَّه فراقٌ في الحياة، لا في الموت، وأنَّ زوجها الذي اعتدت من فراقه لازال رقيقًا.

(1) ابن ماجه (2077).

ص: 567

3 -

هذا الحكم هو الموافق لمذهب الإمام أحمد من أنَّ العدَّة تلزم كل امرأة فارقت زوجها من نكاحٍ صحيحٍ، أو فاسدٍ بعد خلوته بها، وعلمه بها، وقدرته على وطئها، ولو مع مانع حسيّ، أو مانع شرعيّ، سواء أكانت الفرقة بطلاقٍ، أو خُلعٍ، أو فسخٍ.

4 -

قال ابن القيم: وأمَّا النظر: فإنَّ المختلعة لم تبق لزوجها عليها عدة، وكونها تعتد بحيضة هو مقتضى قواعد الشريعة؛ فإنَّ العدَّة إنَّما جعلت ثلاث حِيَض؛ ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج، وحينئذٍ فإنَّ للمختلعة أنْ تتزوج بعد براءة رحمها كالمَسْبيَةِ، ومثلها الزانية، والموطوءة بشبهة، اختاره الشيخ، وهو الراجح أثرًا وَنظرًا.

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الصحيح أنَّ الموطوءة بشبهة، والزانية، ونحوهن، لا تعتد بعدة زواج، بل تستبرأ مثل الإماء بحيضة واحدة؛ لعدم دخولهن في نصوص عدة الزوجات، ولعدم صحة قياس السفاح على النكاح، ولأنَّ للزواج عدة معانٍ في حِكمة العدَّة، بخلاف الموطوءة وطئًا محرمًا، فإنَّه ليس القصد إلَاّ معرفة براءة رحمها، وذلك حاصل بحيضة.

5 -

قولها: "أُمِرَت بريرة" له حكم الرفع، فالآمر هو النَّبي صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 568

961 -

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في المُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا:"لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

المطلقة الرجعية لها النفقة والسُّكنى بإجماع العلماء، لأنَّها لا تزال تعتبر في عِدَاد الزوجات، يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، أشبه ما قبل الطَّلاق، فهي لا تزال زوجة؛ بدليل قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].

فهذا في حق الرجعية، فقد أمر زوجها أنْ لا يخرجها من بيته، ونهاها هي أنْ تخرج بنفسها؛ فإنَّ بقاءها في بيت الزوجية أصون لها، وأحفظ لحق الزوج، ويستمر هذا النهي عن الخروج حتى تمام العدَّة، {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} من أقوالٍ وأفعالٍ فاحشةٍ يتضرر بها أهل البيت؛ ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها؛ لأنَّها تسببت في ذلك لنفسها.

2 -

أمَّا البائن بفسخٍ أو طلاقٍ ثلاثًا، أو بطلاقٍ على عوضٍ، فلا نفقة ولا سكنى لها؛ لما في الصحيحين أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس -وكان زوجها طلَّقها ألبتة-:"لا نفقة لكِ، ولا سكنى".

قال ابن القيم: البائن لا نفقة لها، ولا سكنى؛ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) مسلم (1480).

ص: 569

الصحيحة، بل موافقة لكتاب الله، وهو مقتضى القياس، ومذهب فقهاء الحديث.

أمَّا الإمامان، مالك والشافعي: فيريان لها السكنى، دون النفقة.

3 -

هذا الخلاف إنَّما هو في المبتوتة غير الحامل، فأمَّا الحامل والرجعية فلهما النفقة والسكنى بإجماع العلماء. وسيأتي قريبًا بأوضح من هذا إنْ شاء الله تعالى.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء هل للبائن نفقة وسكنى زمن العدَّة، أم لا؟

فذهب الإمام أحمد: إلى أنَّه ليس لها نفقة، ولا سكنى؛ وهو قول علي، وابن عباس، وجابر، وبه قال عطاء، وطاوس، والحسن، وعكرمة، وإسحاق، وأبو ثور، وداود؛ مستدلين بحديث الباب.

وذهب الحنفية: إلى أنَّ لها النفقة والسكنى، وهو مرويٌّ عن عمر، وابن مسعود، وبه قال ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري؛ مستدلين بما روي عن عمر:"لا ندع كتاب ربّنا لقول امرأة".

وذهب مالك، والشافعي: إلى أنَّ لها السُّكنى دون النفقة؛ وهو مذهب عائشة، وفقهاء المدينة السبعة، ورواية عن أحمد؛ مستدلين بقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطَّلاق: 6].

والصحيح هو القول الأول؛ لقوة الدليل، وعدم المعارض.

فأمَّا القول الثاني فيجاب عنه بأنَّ هذه الكلمة التي استدلوا بها لم تثبت عن عمر رضي الله عنه، فقد سُئل الإمام أحمد: أيصح هذا عن عمر؟ قال: لا.

وعلى فرض صحتها: فصريح كلام النبي صلى الله عليه وسلم مقدَّم على اجتهاد كل أحدٍ.

وأمَّا أصحاب القول الثالث: فلا يستقيم لهم الاستدلال بالآية؛ لأنَّها جاءت في حكم الرجعية، لا في حكم البائن.

ص: 570

ويوضح ذلك: قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطَّلاق: 1]، وإحداث الأمر معناه تغيّره نحو الزوجة، ورغبته فيها في زمن العدَّة، وهو ممنوع شرعًا في البائن.

***

ص: 571

962 -

وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ اشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَاّ ثَوْبَ عَصْب، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إلَاّ إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.

ولأبي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: "وَلَا تَخْتَضِبُ".

وَللنَّسَائِيِّ: "وَلَا تَمْتَشِطُ"(1).

ــ

* درجة الحديث:

زيادتا أبي داود والنسائي مرفوعتان صحيحتان؛ فرواتهما ثقات.

* مفردات الحديث:

- لا تُحِدّ: بضم التاء، وكسر الحاء، من الثلاثي المزيد، ويجوز ضم الدال على أنَّ "لا" نافية، ويجوز جزمها على أنَّها ناهية؛ من أحدت المرأة، أي: دخلت في الإحداد، بكسر الهمزة، فهي محدة: إذا حزنت، ولبست ثياب الحزن على زوجها، وتركت الزينة، وكذلك: حدت المرأة من الثلاثي، فهي حادة؛ فالفعل من الثلاثي من باب نَصَرَ، ومن الرباعي من باب أَكْرَمَ.

- إلَاّ على زوجٍ: الاستثناء هنا متصلٌ، إذا جعل "أربعة أشهر" منصوبًا بمقدر بيانًا لقوله:"فوق ثلاث" أي: أعني، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا، والتقدير: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، لكن تحد على زوجٍ أربعة أشهر.

(1) البخاري (313)، مسلم (2/ 1127)، أبو داود (2302)، النسائي (6/ 203).

ص: 572

- مصبوغًا: صبغ الشيء هو تلوينه، والمراد هنا: صبغه وتلوينه بالعصفر، وكذلك الألوان الحسنة التي تتخذ للزينة.

- عَصْب: بفتح العين المهملة، وسكون الصاد، فباء موحَّدة، بالتنوين، والعصب: الفتل، قال في النهاية: هي بُرود يمانية يعصب غزلها، أي: يجمع ويشد، ثم يصبغ وينسج، فيأتي مَوْشِيًّا ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ.

- نُبْذَة: بضم النون، وسكون الباء الموحدة، فذال معجمة، أي: قطعة من الشيء، جمعها: أنباذ، وتطلق على الشيء اليسير.

- قُسْط: بضم القاف، وسكون السين المهملة، قال في النهاية: هو ضرب من الطيب، طيِّب الرائحة، تبخّر به النفساء والأطفال.

- أظفار: بفتح الهمزة، وسكون الظاء المعجمة، ثم فاء، بعدها ألف، آخره راء مهملة، لا واحد له من لفظه، القطعة منه شبيهة بالظفر، وهو نوع من الطيب يُتبخر به، ينسب إلى ظِفَار، إحدى مدى عدن الساحلية.

- تخْتَضب: اختضبت المرأة: غيَّرت ما تريد تغييره من بدنها بالحِنَّاء، أو غيره من أنواع الخضاب.

- تَمْتَشِط: مشطت المرأة شعرها: رجَّلته وسرَّحته بالمشط.

***

ص: 573

963 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالَتْ: "جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبِرًا بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ يَشُبُّ الوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَاّ بِاللَّيْلِ، وَانْزِعِيهِ بالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بالطِّيبِ، وَلَا بالحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث إسناده حسن.

قال في التلخيص: رواه الشافعي، عن مالك، ورواه أبو داود، والنسائي، وأعلَّه عبد الحق والمنذري بجهالة أحد رواة سنده، وهو المغيرة بن الضَّحَّاك.

أمَّا المؤلف هنا في بلوغ المرام، فقال: إسناده حسن.

* مفردات الحديث:

- الصَّبِر: بفتح الصَّاد المهملة، وكسر الباء، آخره راء مهملة، هو عصارة شجر من، يجعل على أطراف العينين للتداوي.

- يشب الوجهَ: بفتح حرف المضارعة، بعدها شين معجمة، من باب ضرب ونصر، أي: أنَّ الصَّبِر يُحسِّنُه ويجعله جميلاً مُشرقًا، كوجه الشَّاب.

- السِّدْر: بكسر السِّين المهملة، وسكون الدَّال، آخره راء، شجرة النَّبَق، واحدته سدرة.

(1) أبو داود (2305)، النسائي (6/ 204).

ص: 574

964 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها "أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنتَي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْتَهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؛ قَالَ: لَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- شتكت عينها: يجوز الرفع على أنَّها فاعل، والنصب على أنَّها مفعول، وعلى الثاني ضمير الفاعل يرجع إلى البنت.

- أفتكحُلها: من باب نصر وفتح، كحل العين كحلاً: جعل فيها الكحل، والكحل: كل ما وضع في العين يشتفى به مما ليس بسائل، كالإثمد ونحوه.

- لا: في إحدى روايات الصحيحين أنَّه صلى الله عليه وسلم كرر "لا" مرتين أو ثلاثًا.

* ما يؤخذ من الأحاديث:

1 -

جواز الإحداد على الميت -غير الزوج- ثلاثة أيام فأقل، وذلك إعطاء للنفس حظها من الترويح، وإبداء التأثر، وقيامًا بحقِّ القرابة، وتحريمه أكثر من ثلاث؛ للخبر الصحيح.

2 -

وجوب الإحداد على الزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أمَّا الحامل: فتعتد وتحدُّ مدة الحمل، قصرت أو طالت، قال تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطَّلاق: 4].

3 -

والإحداد -كما تقدم- هو لزوم البيت الذي توفِّي زوجها فيه وهي تسكنه، وترك كل ما يدعو إلى نكاحها من الزينة في ثيابها وبدنها، فتجتنب ثياب الشهرة والزينة، كما تجتنب الزينة في البدن من الطيب، والحناء، والكحل،

(1) البخاري (5336)، مسلم (1488).

ص: 575

صباغ، والمساحيق، والمعاجين، التي جرت عادة النساء أَن يلمِّعن بها وجوههن، وتبقى في لزوم البيت، واجتناب الزينة حتى تنهي مدة العدَّة، إمَّا بانقضاء المدة، وإمَّا بوضع الحمل.

4 -

يجوز من الطيب قطعة من الطيب تضعه على مكان مخرج الحيض، إذا انقطع دم الحيض وطهرت؛ لتزيل به الرائحة الكريهة المترتِّبة على خروج الدم تلك المدة.

5 -

في الحديث عظم حق الزوج على زوجته؛ حيث حرَّم عليها الشرع هذه الأشياء المباحة تلك المدة كلها، قيامًا بحقّه، وصيانة لفراشه، وإظهارًا للحزن والأسى عليه.

6 -

إنَّ المحدَّة ليست ممنوعة من التنظيف في بدنها وثيابها؛ فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أذِن لأم سلمة وهي محدَّة بالتنظيف بالسدر؛ فالممنوع هو الزينة، لا النظافة.

7 -

ليست المحدَّة ممنوعة من مخاطبة الرجال الأجانب عند الحاجة إلى ذلك؛ فإنَّ الشارع لم ينه عنه، وما لم ينه عنه، فالأصل بقاؤه على العفو والإباحة.

8 -

النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للمحدة في الكحل، إلَاّ لأنَّه زينة في العينين، لا لأنَّه علاج، فهو مباح لها أنْ تعالج سائر بدنها عند الحاجة.

* فوائد

الأولى: قال ابن القيم: الإحداد من محاسن هذه الشريعة، وحكمتها، ورعايتها للمصالح على أكمل وجه؛ فإنَّ الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت، التي لابد أنْ تُحْدِث للمصاب من الجزع، والألم، والحزن، ما هو مقتضى الطباع، فسمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك، وما زاد فمفسدته راجحة، فمنع منه.

وأمَّا الإحداد على الزوج: فإنَّه تابع للعدة بالشهور أو بوضع الحمل، وهو من مقتضيات العدَّة ومكملاتها. فالمرأة إنَّما تحتاج إلى التزين إلى زوجها،

ص: 576

فإذا مات، وهي لم تَصلْ إلى آخر، فاقتضى تمام حق الأول أنْ تُمْنَع مما تصنعه النساء لأزواجهن، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال، وطمعهم فيها بالزينة.

الثانية: قال الشيخ تقي الدين: تلزم المحدَّة منزلها، فلا تخرج بالنهار إلَاّ لحاجة، ولا بالليل إلَاّ لضرورة.

ويجوز لها سائر ما يباح لها في غير العدَّة، مثل كلام مَن تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت متسترة، وهذا هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن، وإنْ كانت خرجت لغير حاجة، أو باتت في غير منزلها لغير حاجة، أو تركت الإحداد، فتستغفر الله وتتوب إليه، ولا إعادة عليها، وإنْ كان بقي منها شيءٌ، فلتتمه في بيتها.

ولها أنْ تجتمع بمن يجوز لها الاجتماع به في غير العدَّة.

الثالثة: قال الشيخ عبد الله بن محمد: الذي يظهر من كلام أهل العلم: أنَّ كلام المحدة مع الصديق والقريب وغيرهما إنْ كانت ممنوعة منه قبل الإحداد، فهو في الإحداد أشدُّ منعًا، وما كان مباحًا لها فهو فيه مباح أيضًا.

الرابعة: أنَّ الزوج الذي بقي وفيًّا معاشرًا لزوجته، ولم يفرِّق بينهما إلَاّ الموت، له حق أكبر من حق غيره؛ كما أنَّه الآن أصبح في حالٍ لا يستطيع صيانة فراشه، ولا حفظ نسب أولاده؛ فصارت عناية الله تعالى بحقه نحو صون زوجته، ما دامت في عدته أعظم.

الخامسة: أجمع العلماء على وجوب إحداد المرأة على زوجها، وإنْ اختلفوا في تفصيله وبعض أحكامه:

فالجمهور: على استواء المدخول بها وغيرها، وعلى الصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، وعلى الحرة والأمة، والمسلمة والكتابية؛ هذا هو مذهب الجمهور.

وعند أبي حنيفة: لا تجب على الكتابية، ولا على الصغيرة، ولا على الأمة.

ص: 577

965 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بلْ جُدِّي نَخْلَك، فَإِنَّكَ عَسَى أَنْ تَصَّدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- جُدّي: بضم الجيم، أي: اخرجي إلى نخلك، فجُدِّيه.

- أَنْ تَجُدَّ نَخْلها: جد يجد -من باب قتل- جدًّا، بمعنى: قطع، وأجد النخلُ: حان جداده، والجداد بالفتح والكسر: صرام النخل بقطع ثمرتها، والمراد: أنَّ هذه المرأة تريد أنْ تصرم نخلها وتقطعه.

- فَزَجَرَهَا: انتهرها، ومنعها.

- فإنَّك عسى: تعليل للخروج.

- أو تفعلي: للتنويع.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

أنَّ المطلقة في عدتها ليست كالمتوفَّى عنها في عدة الوفاة، فلها الخروج متى شاءت، مع أنَّ الأفضل على وجه العموم: أنَّ بقاء المرأة في بيتها أفضل لها وأصون؛ فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "بيوتهن خير لهن"، هذا في حق العبادة، والصلاة مع المسلمين، وسماع الخير؛ فكيف مع غير ذلك؛!

2 -

قال ابن القيم: إنْ قال معترض: كيف فرقت الشريعة بين الموت والطَّلاق مع استواء حال الرحم فيهما؟

(1) مسلم (1483).

ص: 578

والجواب: أنَّ هذا إنَّما يتبين وجهه إذا عرفت الحكمة التي لأجلها شُرِعَتِ العدَّة؛ فإنَّ العدَّة شرِعت لعدة حِكَم:

منها: العلم ببراءة الرحم.

ومنها: تعظيم خطر هذا العقد.

ومنها: تطويل زمن إمكان الرجعة للمطلِّق؛ إذ لعله يندم.

ومنها: الاحتياط لحق الزوج، ومصلحة الزوجة، وحق الولد، والقيام بحق الله الذي أوجبه.

ففي العدَّة أربعة حقوق: حق الله، وحق الزوج، وحق الزوجة، وحق الولد.

3 -

فحوى الحديث أنَّ المحدة لا تخرج من منزلها مدة العدَّة والإحداد؛ فهذا ما فهمه الصحابة من أحكام ربّهم، وهذا ما دعا قريب المطلَّقة إلى زجرها عن الخروج.

4 -

جواز خروج المطلَّقة عند الحاجة، ومن الحاجة استحصال غلة عقارها؛ من جد ثمار، وحصد زروع، أو قبض أجور، ونحو ذلك.

5 -

أنَّه يستحب لمن عنده تمر يجده، أو يجنيه، أو زرع يحصده: أنْ يتصدَّق بجزء منه، ويُحْسِن إلى المحتاجين، وذلك من غير الزكاة، فهو من المعروف والإحسان، والأنفس متشوِّفة إليه، والفقراء متطلِّعون إليه؛ فحرمانهم منه يحز في نفوسهم، ويثبت الحقد والعداوة فيهم على الأغنياء.

6 -

استحباب سؤال أهل العلم عن حقائق العلم التي يتسرع العوام إلى إفتاء الناس فيها بلا مستند شرعي.

***

ص: 579

966 -

وَعَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ رضي الله عنها: "أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ، وَلَا نَفَقَةً، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا كنْتُ فِي الحُجْرَةِ، نَادَانِي، فَقَالَ: امْكُثي في بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَقَضَى بِهِ بَعْدَ ذلِكَ عُثْمَانُ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، والذُّهْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ، وَغَيْرُهُمْ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه مالك، ورواه عنه أبو داود، والترمذي، والذهلي، وصححاه، والدارمي، والشافعي، وابن حبان، والحاكم، وصححه ابن القطان، كلهم عن مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أنَّ الفريعة بنت مالك بن سنان أخبرتها

الحديث.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال ابن عبد الهادي: وتكلم فيه ابن حزم بلا حجة.

وقال ابن عبد البر: إنَّه حديث مشهور.

وتبع الألباني ابن حزم في تضعيف الحديث، لجهالة زينب، وهي ثقة،

(1) أحمد (6/ 370)، أبو داود (2300)، الترمذي (1204)، النسائي (6/ 199)، ابن ماجه (2031)، ابن حبان (1331)، الحاكم (2/ 208).

ص: 580

بل منهم من ذكر أنَّها صحابية، ينظر "الكاشف" للذهبي مع حاشية سبط ابن العجمي.

*مفردات الحديث:

- أَعْبدُ: جمع قلة للعبد، وهم المماليك.

- الحُجْرة: بضم الحاء، البيت، والجمع: حجر وحجرات، مثل اغُرَف وغرفات.

- امكثي: أقيمي في بيتك.

- حتَّى يبلغ الكتاب أجَلَهُ، أي: حتى تنقضي عدة الوفاة، والإحداد.

***

ص: 581

967 -

وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا، وَأَخَافُ أنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا، فَتَحَوَّلَتْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أَنْ يُقْتَحَم علي: بالبناء للمجهول، يقال: قحم في الدار يقحم قحومًا. رمى بنفسه فيها فجأة بلا ترَوٍّ وشعور.

- فتحوَّلت: فانتقلت من البيت الذي تخاف من الإقامة فيه.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

في الحديث رقم (966) أنَّ زوجة المتوفَّى يجب عليها أنْ تقضي عدتها وحدادها في البيت الذي توفي زوجها وهي تسكنه، وأنَّه لا يحل لها الانتقال منه حتى يبلغ الكتاب أجله بانقضاء عدتها وحدادها؛ وذلك بوضع الحمل إنْ كانت حاملًا، أو بإتمام أربعة أشهر وعشرة أيام لغير ذات الحمل.

2 -

ووجوب بقاء زوجة المتوفَّى في البيت الذي مات وهي تسكنه، هو مذهب جماعة من السلف والخلف.

وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأتباعهم.

قال ابن عبد البر: وبه قال جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، ومصر، والعراق، وقضى به عمر بمحضر من الصحابة من المهاجرين والأنصار؛ والدليل حديث فريعة، ولم يطعن فيه أحد، ولا في رواته.

(1) مسلم (1482).

ص: 582

3 -

أجاز العلماء تحول زوجة المتوفَّى من المنزل الذي مات زوجها وهي تسكنه إلى منزلٍ آخر عند الضرورة، كأنْ تخاف على نفسها، أو على مالها، أو لتحويل مالكه لها منه، أو طلبه أجرة أكثر من أجرة مثله، أو لم تجد ما تكتري به، ونحو ذلك من الأعذار؛ فحينئذ يجوز لها الانتقال حيث شاءت.

4 -

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240].

5 -

العدَّة والإحداد الواجبان على المرأة هو ما ذكر في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].

أمَّا الآية السابقة -في فقرة (4) - فهي ترشد إلى أفضل وأولى ما ينبغي لأهل الميت أنْ يفعلوه مع زوجة ميتهم؛ وذلك أنَّه تعالى يوصيهم بأنْ يستوصوا بزوجته خيرًا، فيطلبوا منها على وجه الإكرام أنْ تبقى عندهم في المسكن، لا يخرجوها مدة سنة كاملة من وفاته؛ جبرًا لخاطرها، وإكرامًا لها، ووفاءً يحقِّ ميتهم، وصلةً للصهر الذي قال تعالى فيه:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].

أمَّا إنْ خرجت بنفسها، واشتهت الانتقال بعد أشهر العدَّة والإحداد الواجبين، فليس على أهل الميت حرجٌ، ولا إثمٌ في ذلك.

6 -

أمَّا الحديث رقم (967) فيدل على أنَّ المطلقة البائن، لها أنْ تتحول من بيت زوجها الذي أبانها وهي تسكنه، وإنْ كانت لا تزال في عدة الطَّلاق، لاسيَّما مع الخوف على نفسها.

7 -

أمَّا حكم سكنى المطلقة على زوجها:

فإنْ كانت مطلقة رجعية، فتجب نفقتها وسكناها كالزوجة.

وإنْ كانت مبانة بفسخٍ أو طلاقٍ، فليس لها على زوجها، ولا على أهله

ص: 583

شىء.

قال ابن القيم: المطلقة البائن لا نفقة لها، ولا سكنى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، الموافقة لكتاب الله، وهي مقتضى القياس، ومذهب أهل الحديث.

8 -

وحديث الباب جاء لبيان حكم بقاء المطلقة في البيت الذي كانت تسكنه وقت طلاقها من عدمه؛ ليكون مقابل وجوب بقاء المعتدة بالوفاة في البيت الذي مات زوجها وهي تسكنه.

9 -

أنَّه لا يجوز للمرأة أنْ تنفرد بمسكن ليس معها فيه أحد، إذا كانت تخاف على نفسها من أهل الفساد؛ فيجب على ولي أمرها أنْ يأمرها بالتحول منه.

10 -

الطَّلاق الثلاث الذي ذكرته السائلة -فاطمة بنت قيس- يحتمل أنَّه وقع دفعة واحدة، ويحتمل أنَّه نهاية ما لها في عدة الطلقات، وفحواه يدل على أنَّه أوقعه عليها دفعة واحدة، ولكن لم يسق الحديث لبيان جوازه من عدمه.

***

ص: 584

968 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه قَالَ: "لَا تُلبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةُ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشرٌ" رَواهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطنِيُّ بِالانْقِطَاعِ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

صححه الحاكم، وقال ابن عبد الهادي: رواته ثقات، وما أعلَّ به الدارقطني الحديث فيه نظر؛ فلقد أعلَّه الدارقطني بالانقطاع، لأنَّه من رواية قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص، ولم يسمع منه.

قال ابن المنذر: ضعَّفه أحمد، وقال: لا يصح، فأي سنَّة للنَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛!

وقال المنذري: في إسناد حديث عمرو "مطربة بن طهمان"، قد ضغَّفه غير واحد، وله علَّة ثالثة هي الاضطراب، لأنَّه روي على ثلاثة وجوه.

قال أحمد: حديث منكر.

ويشهد لصحته عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ

} [البقرة: 234].

* مفردات الحديث:

- لا تَلْبسوا علينا: يُقال: لبَسَ عليه الأمرَ يَلْبسُهُ لَبْسًا: خلطه، وجعله مشتبهًا بغيره، والمعنى: لا تخلطوا علينا، وتشبهوا عَلينا ما عرفناه من سنة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.

(1) أحمد (4/ 203)، أبو داود (2308)، ابن ماجه (2083)، الحاكم (2/ 208)، الدارقطني (3/ 309).

ص: 585

969 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "إنَّمَا الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي قِصَّةٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

فقد رواه الإمام الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة ابن الزبير، عن خالته عائشة، رضي الله عنها.

* مفردات الحديث:

- إنَّما: "إنَّ" حرف توكيد، و"ما" كافة لحقتها، فأفادتا الحصر، فهنا حصرت الأقراء في الأطهار.

- الأقراء: جمع قرء، قال في النهاية: هو من الأضداد، يقع على الطهر؛ وإليه ذهب الشافعي، وعلى الحيض؛ وإليه ذهب أبو حنيفة.

- الأطْهار: بفتح الهمزة، جمع طهر، وهو ما بين الحيضتين.

(1) مالك (2/ 576).

ص: 586

970 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "طَلَاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وأَخْرَجَهُ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَهُ (1)، وأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَخَالَفُوهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف موقوف.

قال المؤلف: رواه الدارقطني موقوفًا على ابن عمر، وصححه موقوفًا، وأخرجه مرفوعًا؛ لكنه من رواية عطية العوفي، وقد ضعَّفه غير واحد من الأئمة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث عائشة، وهو ضعيف؛ لأنَّه من حديث مظاهر بن مسلم، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يُعرف، وصححه الحاكم، ولكن خالفوه، واتَّفقوا على ضعفه؛ لما عرفته؛ فلا يتم به الاستدلال.

* ما يؤخد من الأحاديث:

1 -

أم الولد المشار إليها بالحديث رقم (968) هي الأمَة التي حملت من سيِّدها، فولدت ما فيه صورة إنسان، ولو خفية.

فهي من حيث الخدمة والاستمتاع كالأمَة، ومن حيث نقل الملك بها كالحُرَّة، فيجوز وطؤها، وخدمتها، وتأجيرها، ولا يجوز بيعها، ولا هبتها، ولا وقفها، ونحو ذلك ممَّا ينقل الملك، أو يسبب نقل الملك؛ كالرهن.

(1) الدارقطني (4/ 38)، ابن ماجه (2079).

(2)

أبو داود (2189)، الترمذي (1182)، ابن ماجه (2080) الحاكم (2/ 205).

ص: 587

2 -

إذا مات سيد أم الولد، فحديث الباب يدل على أنَّها تعتد وتحد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ كالزوجة الحرة.

3 -

أم الولد عتقها مراعى بموت سيدها، فلا تعتق قبله، فإذا مات سبَّب موته عتقها، فهي في عداد الإماء؛ لذا فإنَّه ليس لها عدَّة، وإنَّما تستبرأ بحيضة واحدة، يعلم بها براءة رحمها إنْ كانت تحيض، وإنْ كانت لا تحيض، فاستبراؤها بمضيِّ شهر من وفاته؛ لأنَّها ليست زوجة، ولا في عداد الزوجات؛ وإلى هذا ذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأتباعهم، وجماعة من السلف.

وقد ذهب إلى ما أفاده الحديث: الأوزاعي، والظاهرية.

أمَّا الحنفية: فعدَّة أم الولد عندهم ثلاث حيض؛ وقال به بعض الصحابة.

قال ابن رشد: سبب الخلاف: أنَّ أم الولد مسكوت عنها في الكتاب والسنة؛ فهي مترددة الشبه بين الأمة والحرة.

قال شارح الكتاب: وأقرب الأقوال قول أحمد، والشافعي: أنَّها تعتد بحيضة؛ وهو قول ابن عمر، وعروة، والقاسم بن محمد، والشعبي، والزهري، وذلك لأنَّ الأصل براءة الرحم، وعدم حبسها عن الأزواج، واستبراء الرحم يحصل بحيضة.

* خلاف العلماء:

أمَّا تفسير الأقراء المذكورة في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فقد اختلف العلماء في ذلك سلفًا وخلفًا على قولين:

أحدهما؛ أنَّ المراد بالأقراء هي الأطهار، قالت عائشة:"إنَّما الأقراء الأطهار".

وقال الإمام مالك، عن ابن شهاب: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن

ص: 588

يقول: ما أدركت أحدًا من فقهائنا إلَاّ وهو يقول ذلك.

وهو مرويٌّ عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، وسالم، والقاسم بن محمد، وعروة، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وقتادة، والزهري، وبقية الفقهاء السبعة، وغيرهم؛ وهو مذهب مالك، والشافعي، وداود، وأبي ثور، ورواية عن أحمد.

الثاني: أنَّ المراد بالأقراء هي الحيض؛ فلا تنقضي العدَّة حتى تطهر من الحيضة الثالثة؛ وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، ويروى ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي.

قال القاضي: الصحيح عن أحمد: أنَّ الأقراء الحيض، وإليه ذهب أصحابنا.

وأحتج من قال: إنَّها الأطهار، بقوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وإنَّما الأمر بالطلاق في الطهر لا في الحيض.

كما استدلوا بحديث ابن عمر: "فليراجعها حتى تطهر، ثمَّ تحيض، ثمَّ تطهر"، ووجه الدلالة منه: أنَّه أمره أنْ يطلقها في الطهر الَّذي هو ابتداء العدَّة؛ فدل على أنَّ القرء هو الطهر.

أمَّا دليل من يرى أنَّ القرء هو الحيض، فيستدل بقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الآية [الطلاق: 4] فقد نقلن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر؛ فيدل على أنَّ الأصل الحيض، ولأنَّ المشهور في لسان الشارع استعمال القرء بمعنى الحيض؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:"تدع الصلاة أيَّام قرئها"[رواه أبو داود]، وبما رواه النسائي من حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"إذا أتى قرؤك فلا تصلي، وإذا من قرؤك فتطهري، ثمَّ صلي ما بين القرء إلى القرء"، ولأنَّ ظاهر قوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وجوب التربص ثلاثة كاملة، ومن جعل القرء الأطهار يكتفي

ص: 589

بطهرين وبعض الثالث؛ فيخالف ظاهر النص.

والراجع أنَّ الأقراء هي الحيض، والله أعلم.

أمَّا الحديث رقم (970) فيدل على أنَّ نهاية طلاق الأمة طلقتان، وعمومه يفيد أنَّه سواء كان زوجها المطلِّق حرًّا أو عبدًا، وهذا على اعتبار أنَّ العبرة بعدد الطلقات هي المرأة المطلقة؛ وهو مذهب الحنفية، وهو مرويٌّ عن علي، وابن مسعود، والحسن، وابن سيرين، وعكرمة، والزهري، وحماد، والثوري، والدليل حديث الباب.

أمَّا من يجعل الطلاق معتبرًا بالزوج المطلِّق: فإنَّ طلاق الأمة طلقتان مطلقًا، سواء أكانت تحت حرٍّ أوعبدٍ؛ وإلى هذا ذهب الأئمَّة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، ويروى عن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وسعيد بن المسيب.

ودليل هذا القول: أنَّ الله تعالى خاطب الرجل بالطلاق؛ فكان حكمه معتبرًا به.

أمَّا حديث الباب: فهو من رواية مظاهر بن أسلم، قال أبو داود: إنَّه منكر الحديث.

وعلى فرض صحته: فإنَّ المراد به إذا كان زوج الأمة رقيقًا، وقد جاء مصرَّحًا به عند الدارقطني من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:"طلاق العبد اثنتان؛ فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان"، وهذا نصٌّ في هذه المسألة.

أمَّا عدَّة الأمة: فحيضتان إجماعًا؛ روي عن عمر، وابنه، وعلي رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة؛ فكان إجماعًا.

قال الوزير: أجمعوا على أنَّ عدَّة الأمة بالأقراء قرءان، واتفقوا على أنَّ عدتها بالأقراء ممن تحيض.

ص: 590

971 -

وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابتٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرِىءٍ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ البَزَّارُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

قال المؤلف: صححه ابن حبان، وحسَّنه البزار.

قال في التلخيص: رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، من حديث رويفع بن ثابت، وللحاكم من حديث ابن عباس، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسق ماءك زرع غيرك"، وأصله في النسائي.

* مفردات الحديث:

- ماءه: هو نطفة المني، والمراد الجماع.

- زرع غيره: أي: ولد غيره، بأنْ يجامع الأمة المشتراة إذا كانت حاملاً.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يدل الحديث على تحريم وطء الحامل من غير الواطىء، وذلك كالأمة المشتراة إذا كانت حاملًا من غيره، وأنَّه منافٍ لكمال الإيمان بالله واليوم الآخر، ومثلها: المَسْبِيَّةُ الحامل يحرم وطؤها حتى تضع وتطهر.

2 -

وفيه دليلٌ على تحريم العقد على المعتدة من غيره حتى تنقضي عدتها،

(1) أبو داود (2158)، الترمذي (1131)، ابن حبان (4830).

ص: 591

وعدم صحته؛ لأنَّ العقد وسيلة إلى الوطء، والوسائل لها أحكام المقاصد.

3 -

اختلف العلماء في الزانية غير الحامل، هل تجب عليها العدَّة، أو تستبرىء بحيضة واحدة؟:

فذهب جمهور العلماء إلى أنَّه لا يجب عليها عدَّة، وإنَّما تستبرىء بحيضة، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، ورواية عن أحمد.

ويرى مالك: استبراءها بثلاث حيض؛ واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، والدلالة فيه غير واضحة.

وذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه: إلى وجوب العدَّة عليها، وأنَّها كالمطلقة؛ وهو قول الحسن البصري، وابراهيم النخعي، واختاره الشيخ تقي الدين، وابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن السعدي، رحمهم الله.

ودليل هذا القول: العمومات الواردة في وجوب العدَّة من الوطء؛ لأنَّ الوطء يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدَّة منه؛ كوطء الشبهة.

4 -

أنَّ الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر من شأنه أنْ يردع المسلم عن الإقدام على المعاصي، فمن أقدم عليها، فإنَّه في تلك الساعة قد تخلَّى عنه إيمانه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".

5 -

تشبيه الولد في رحم أمه بالزرع بالحديث، هو مشابه لقوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]؛ وذلك بجامع الاختصاص به، والانتفاع بثمرته.

* فائدة:

قال الدكتور محمد بن علي البار في كتابه "خلق الإنسان بين الطب والقرآن": تفرز المرأة كل شهر بيضة واحدة، وتبقى منتظرة رفيقها الحيوان المنوي، فإذا جاءها موعد القدر، ولقح الحيوان المنوي في البيضة، فاتحدت النطفتان، ثم قفلت بابها، فلا يدخل حيوان آخر، وهاتان النطفتان المتحدتان

ص: 592

تسمى: "نطفة الأمشاج".

فالتصقت بجدار الرحم، وانضم الرحم عليها أشد انضمام، وقفلت الباب، فلا يمكن أن يدخل حيوان آخر.

وصار الجنين يتغذى بواسطة الحبل السري، المتصل بسرة الجنين من طرف، ومن طرف آخر يتغذى بواسطة المشيمة؛ فيأخذ خلاصة الغذاء من أمه.

قال الطبيب البار: إذا لقح حيوان منوي بيضته صَنَعَتْ حولها جدارًا مقفلاً، لا يستطيع أنْ يخترقه أي حيوان آخر، لا من هذا الوطء، ولا من وطء بعده، ولا من هذا الرجل، ولا من رجل آخر، فلو دخل البيضة حيوانان اثنان، فيعناه موت اللقيحة، وقذفها خارج الرحم.

وأمَّا التوأمان فهما نوعان:

أحدهما: يحدث من حيوانٍ واحدٍ وبيضتين، فإذا تكونت اللقيحة، وانقسمت، وانفصلت، وتكوَّن منها توأم متشابهة تمام التشابه.

النوع الثاني: توأم غير متشابهة، فهذا يلقح حيوانان منويان بيضتين، كل واحدٍ منهما يلقح بيضة، وهما بذلك يشبهان الإخوة من أب وأم. اهـ.

قلت: أمَّا القول بأنَّ الرحم ينقفل بعد التلقيح، فغير صحيح، ففتحة الرحم تبقى كما هي، ويمكن وصول المني إلى الرحم، وإلى قناة فالوب

ولعلَّ هذا -والله أعلم- سَقْيُ الإنسان زرع غيره.

***

ص: 593

972 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ المَفْقوْدِ: "تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

موقوف صحيح.

قال في التلخيص: رواه الشافعي، عن مالك، عن يحي بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، ورواه عبد الرزاق (7/ 88)، عن ابن جريج، عن يحيى به، ورواه أبو عبيد، عن محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزُّهري، عن سعيد، عن عمر وعثمان به، وله طرق أخرى، ومتتابعات تقوى بها.

قال في التلخيص: ورواه ابن أبي شيبة (3/ 521) من طريق ابن أبي ليلى، عن عمر، وعند الدارقطني، من طريق أبي عثمان، عن عمر، قال ابن حجر: وهذا أفضل طرق هذا الحديث.

* مفردات الحديث:

- تربص: يقال: ربص يربص ربصًا: انتظر خيرًا أو شرًّا يحل به، وتربصت المطلقة: قعدت عن الزواج إلى حين انقضاء عدتها.

- عدتها: العدَّة مصدر من عد يعد، وعددت الشيء: إذا أحصيته، والعدَّة اسم لمدة تتربَّص بها المرأة عن الزوج بعد وفاته أو فراقه، وذلك إمَّا بالولادة، أو بالأقراء، أو بالأشهر.

(1) مالك (2/ 575).

ص: 594

973 -

وَعَنِ المُغيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "امْرَأَةُ المَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا البَيَانُ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

قال المؤلف: أخرجه الدارقطني بإسنادٍ ضعيفٍ.

وقال في التلخيص: رواه البيهقي بإسنادٍ ضعيفٍ، وضعَّفه أبو حاتم والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان، وغيرهم، والحديث لشدة ضعفه لم يأخذ به المحققون.

* مفردات الحديث:

- المفقود: يقال: فقده يفقده فقدًا وفقدانًا: إذا غاب عنه وعَدِمَهُ؛ فهو فقيد ومفقود.

- البيان: بان الشيء ويبين بيانًا: ظهر واتضح، والمعنى: أنَّها تنتظر حتى يتبين أنَّه حيٌّ أوميِّتٌ؛ فتبني حكمها على ما يتحقق عندها.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

إذا فُقِدَ الرجلُ من أهله، ولم يوقف له على أثر، فقسَّمه العلماء إلى قسمين: أحدهما: أنْ يكون غالب غيبته السلامة؛ كالمسافر لتجارة، أو سياحة، أو طلب علم؛ فهذا ينتظر فيه تمام تسعين سنة منذ ولادته؛ لأنَّ الغالب أنَّه لا يعيش بعدها؛ وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو من

(1) الدارقطني (3/ 312).

ص: 595

مفردات مذهبه.

ومذهب الأئمة الثلاثة، وصاحبي أبي حنيفة: أنَّه ينتظر به حتى يتحقق موته، أو تمضي مدة لا يعيش مثلها، وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم؛ لأنَّ الأصل حياته: فلا تتزوج امرأته، ولا يقسم ماله.

وذهب بعض المحققين: إلى أنَّ المفقود ينتظر به حتى يغلب على الظن أنَّه غير موجود، وأنَّ ذلك لا يحدّ بتسعين سنة، ولا بغيرها؛ لعدم الدليل على التحديد، وأنَّ القاعدة الشرعية أنَّه متى تعذر الوصول إلى اليقين، رجع إلى غلبة الظن.

الثاني: أنْ يكون غالب غيبته الهلاك؛ كمن ركب في سفينة فغرقت، فنجا بعض ركَّابها، وفقد آخرون، وكمن بمفازة من الأرض، أو فُقِدَ من بين أهله؛ فمثل هذه الأحوال ينتظر به أربع سنين منذ فُقِدَ.

2 -

والحق أنَّه لا دليل على التحديد في القسمين، فهو أمرٌ يختلف باختلاف الأزمنة، وأنواع الاتصالات، ووسائل الإعلام، وأحوال المفقودين، فأحسن الأحوال: هو اجتهاد الحاكم الشرعي، وتقدير الأمور وملابساتها، والله أعلم.

3 -

أمَّا أثر عمر: فهو دليلٌ لما ظاهره السلامة.

وأمَّا حديث المغيرة: فهو دليل الجمهور، لو كان صحيحًا؛ ولكنه ضعيف.

***

ص: 596

974 -

وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبِيتَنَّ رَجُل عِنْدَ امْرَأَةٍ، إلَاّ أنْ يَكُونَ نَاكحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ" رَواهُ مُسْلِمٌ (1).

975 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (2).

ــ

* مفردات الحديث (974):

- لا يبيتن: بات يبيت بيتوتة، والمراد هنا مطلق الإقامة.

- ناكحًا: اسم فاعل من نكح ينكح فهو ناكحٌ، والمراد به هنا الزوج، والنكاح لغةً: حقيقة الوطء، ويطلق مجازًا على العقد، من إطلاق المسبَّب على السبب، وكل ما ورد في القرآن من لفظ "النكاح" فالمراد به العقد، إلَاّ قوله تعالى:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فالمراد به الوطء.

- ذا: بمعنى صاحب، وهي من الأسماء الخمسة، منصوب؛ لأنَّه معطوف على خبر يكون، وأعرب هنا بالحروف؛ لاكتمال شروطها، من أنَّها بمعنى صاحب، وأنَّها مضافة إلى اسم جنس ظاهر.

- محرم: على وزن مفعل، بفتح الميم، وسكون الحاء، أي: ذا حرمة، جمعه محارم، وهو من يحرم تزوُّجه بها على التأبيد بنسب، أو سببٍ مباحٍ، كالرضاع، وسيأتي تفصيله في الشرح إنْ شاء الله.

(1) مسلم (2171).

(2)

البخاري (5233)، مسلم (1341).

ص: 597

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

الحديثان يدلان على تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وهي هنا المرأة التي ليست بذات محرم للرجل الخالي بها؛ فقد جاء في الحديث الآخر:"ما خلا رجل بامرأة إلَاّ كان الشيطان ثالثهما".

2 -

لا شك في خطورة هذا الأمر؛ ولذا لما سئل صلى الله عليه وسلم عن خلوة الحمو -وهو قريب الزوج من أخ، وابن عمٍّ، ونحوهما- قال صلى الله عليه وسلم:"الحمو الموت"؛ لأنَّه يدخل ويخلو بلا نكير؛ فيقع المحذور.

3 -

المرأة مظنة الشهوة والطمع، وهي لا تكاد تقي نفسها؛ لضعفها ونقصها، ولا يغار عليها مثل محارمها، الَّذين يرون النيل منها نيلاً من كرامتهم وشرفهم؛ لذا تحتم وجود المحرم عند حضور الأجنبي.

4 -

كما أنَّ الرجل -وإنْ كان صالحًا- فهو بخلوته بالمرأة الأجنبية معرَّض للفتنة، وإغواء الشيطان، ووساوس النفس الأمَّارة بالسوء؛ لذا شدّد الشارع الحكيم في هذا المقام، ولم يتساهل فيه.

5 -

النَّاس الآن تساهلوا، وأرخوا للنساء العنان مع السائقين والطبَّاخين ونحوهم، وهذا -مع ما فيه من الإثم- ففيه خطورة على العار والعِرْض، والعِرْضُ من أهم الضرورات الخمس، والله المستعان.

تعريف الخلوة:

قال علماء اللغة: خلا الشيء يخلو خلوة، فهو خالٍ.

والخلا: المكان الخالي الَّذي لا شيء به.

ويقال: خلا المكان والشيء يخلو خلوًّا: إذا لم يكن به أحد، وخلا الرجل بصاحبه، وإليه، ومعه: إذا اجتمع إليه، وانفرد به، واجتمع معه في خلوة؛ ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14].

ص: 598

هذا تعريف الخلوة عند اللغويين.

قال أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية: ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا المصطلح عن معناه اللغوي.

* خلاف العلماء:

الخلوة بمعنى الانفراد بالغير تكون مباحة إذا كانت بين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة إذا لم يحدث ما هو محرَّم شرعًا؛ كالخلوة لارتكاب معصية.

وكذلك الخلوة مباحة فيما بين الرجل، وإحدى محارمه، أو بين الرجل وزوجته.

ومن الخلوة المباحة: انفراد الرجل بالمرأة الأجنبية منه في وجود النَّاس، ومرآهم إليهما، بحيث لا تحتجب أشخاصهما عنهم، ويسمعون كلامهما غير الكلام المخافت به.

فقد جاء في صحيح البخاري، من حديث أنس بن مالك، قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فخلا بها.

وجعل لهذا الحديث الإمام البخاري عنوانًا في صحيحه، فقال:"باب ما يجوز أنْ يخلو الرجل بالمرأة عن النَّاس"، ثم قال عقب ذلك: ولا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما، إذا كان بما يخافت به.

وقد اتفق العلماء على أنَّ الخلوة بالأجنبية حرام.

واختلفوا في حكم خلوة الرجل بالأجنبية مع وجود أكثر من امرأة واحدة أو وجود عدد من الرجال بامرأة:

فذكر النووي في المجموع: أَنَّ المشهور من مذهب الشافعي جواز خلوة رجل بنسوة، لا مَحْرَم له فيهن، لعدم المفسدة غالبًا، وإنْ خلا رجلان، أو

ص: 599

رجال بامرأة، فالمشهور تحريمه.

وقيل: إنْ كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة، جاز.

وذهب الحنفية: إلى جواز الخلوة بأكثر من امرأة،

وذهب الحنابلة: إلى تحريم خلوة الرجل مع عدد من النساء، أو العكس، كأنْ يخلو عدد من الرجال بامرأة.

والأجنبية التي تحرم الخلوة بها هي من ليست زوجة، ولا مَحْرَمًا، والمَحْرَمُ مَن يحرم نكاحها على التأبيد، إمَّا بالقرابة، أو بالرضاع، أو بالمصاهرة.

والأصل في ذلك: ما جاء في البخاري، من حديث ابن عباس؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَاّ مع ذي محرمٍ".

وممَّا تقدم عرفنا ما يلي:

الخلوة قسمان:

1 -

خلوة مغلَّظة: وهي اجتماع الرجل مع المرأة الأجنبية منه، في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما.

2 -

خلوة مخفَّفة: وهي اجتماع الرجل بالمرأة الأجنبية منه، أمام النَّاس، بحيث لا تحتجب أشخاصهما عنهم، إلَاّ أنَّه لا يسمع تخافتهما.

ومثال ذلك: انفرادهما في سيارة في الشوارع والأسواق، فهذا من الانفراد المريب، وأمثال ذلك كثير.

والخلوة -مغلظة أو مخففة- وسيلة إلى الوقوع في المحرَّم، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ ولكن الحال تختلف بحسب الأشخاص، والظروف، والملابسات.

***

ص: 600

976 -

وَعَنْ أَبِي سعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: "لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيضَةً" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).

وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

رواه أبو داود، والدارمي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من طريق شريك، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيدٍ الخدري؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم

فذكره، وقد صحَّحه الحاكم وقال: إنَّه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقد حسَّنه الحافظ والشوكاني.

والحديث له طرقٌ أُخَر تقوِّيه، منها: حديث ابن عباس عند الدارقطني، قال ابن صاعد: رجاله رجال مسلم.

قال الألباني: وبالجملة، فالحديث بطرقه صحيح.

* مفردات الحديث:

- سَبَايَا: يقال: سبى العدوَّ يسبيه سبيًا: أسره، والسبي مصدر، وكذا ما يُسبَى منِ نِساء الكفار وذريتهم.

- أوْطاس: تقدم تحديده، وتعريفه.

(1) أبو داود (2157)، الحاكم (2/ 195).

(2)

الدارقطني (3/ 257).

ص: 601

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

النساء المسبيَّات من الكفار في جهاد المسلمين لهم، يكنَّ رقيقات بمجرد السبي، واستيلاء المسلمين عليهن، فتصبحُ ملك يمين لمن سباها، أو جاءت في قسمه من الغنائم.

2 -

إذا ملك أمة بسبي، أو شراء، أو هبة، أو إرث، أو غير ذلك، لم يحل له وطؤها، ولا الاستمتاع بها بقبلة، أو بمباشرة بما دون فرج، أو غير ذلك قبل استبرائها، ولو كان من آلت منه إليه صغيرًا، أو امرأة، أو عِنِّينًا، أو نحو ذلك.

3 -

الاستبراء هو العلم ببراءة الرحم بأحد الطرق الآتية:

- إنْ كانت الرقيقة حاملًا، فبوضع حملها كله.

- وإنْ كانت تحيض، فاستبراؤها بحيضة كاملة.

- وإنْ كانت آيسة، أو لم تحض، فبمضيّ شهر واحد من دخولها في ملكه.

4 -

النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى في هذا الحديث أنْ توطأ السبية حتى تُعْلَم براءة رحمها، بوضع حملها، وغير ذات الحمل حتى تحيض حيضة؛ فقد جاء في الحديث المتقدم الَّذي رواه بعض أهل السنن، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لامرىءٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يسقيَ ماءه زرعَ غيره"، والجنين الَّذي في بطنها هو زرع غيره، ووطؤه لأم الجنين سقي له.

* خلاف العلماء:

ذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، إلى ما تقدم من أنَّه يحرم وطء مسبية، أو غيرها من ملك اليمين إلَاّ بعد العلم ببراءة رحمها بأحد الطرق الماضية؛ واستدلوا بعموم الأحاديث، واعتبارًا بالعدَّة، حيث تجب مع العلم ببراءة الرحم، والاستبراء هو عدَّة الأمة، فتجب حتى مع العلم ببراءة رحمها.

ص: 602

واحتجوا بآثار الصحابة: فقد قال عمر بمحضر من الصحابة: "لا تباع جارية قد بلغت المحيض، فليتربص بها حتى تحيض، فإنْ كانت لم تحض، فليتربص بها خمسًا وأربعين ليلة".

وقد أوجب الله العدَّة على من يئست من المحيض، وعلى من لم تبلغ سن المحيض، وجعلها ثلاثة أشهر، والاستبراء عدَّه الأمة.

وذهب الإمام مالك: إلى أنَّه لا يجب الاستبراء في حالة تيقن المالك براءة رحم الأمة؛ فله وطؤها من حين مِلكه لها.

وقال: إنَّ المقصود من الاستبراء العلم ببراءة الرحم، فحيث تيقن ذلك لا يجب، فقد روى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر، قال:"إذا كانت الأمة عذراء، لم يستبرئها إنْ شاء".

قال المازري من المالكية ما خلاصته: القول الجامع:

- أنَّ كل أمة أُمِنَ عليها الحمل، فلا يلزم فيها الاستبراء.

- وكل مَن يشك في حملها، فيجب استبراؤها.

- وكل مَن غلب على الظن براءة حرمها، لكنه يجوز حصوله فعلى قولين:

1 -

وجوب الاستبراء.

2 -

سقوطه.

* فائدتان:

الأولى: قال ابن القيم: قد وردت السنة على استبراء الحامل بوضع الحمل، وعلى استبراء الحائض بحيضة، فكيف سكت عن استبراء الآيسة، والتي لم تحض، ولم يسكت عنهما في العدَّة؟

قيل: لم يسكت عنهما -بحمد الله- بل بيَّنهما بطريق الإيماء والتنبيه؛ فإنَّ الله تعالى جعل علَّه الحرة ثلاثة قروء، ثم جعل عدَّه الآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر، فعُلِمَ أنَّهُ تعالى جعل في مقابلة كل

ص: 603

قرء شهرًا، ولهذا أجرى الله عادته الغالبة في النساء: أنَّ المرأة تحيض كل شهر حيضة، وبيَّنت السنة: أنَّ استبراء الأمة الحائض بحيضة، فيكون الشهر قائمًا مقام الحيضة.

الثانية: كل هذه الاحتياطات والصيانة محافظة على الأنساب، وتثبيتًا للأعراق؛ لئلا تختلط المياه، فيضيع النسب، وتفقد الأصول؛ فقد لعن النَّبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه، وقال تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]: وقال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75].

***

ص: 604

977 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِهِ (1)، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةٍ (2)، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ (3)، وَعَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أِبي دَاوُدَ (4).

ــ

* درجة الحديث:

حديث ابن مسعود عند النسائي، إسناده صحيح؛ فقد جاء من طريق إسحاق بن إبراهيم، قال: حدَّثنا جرير: عن مغيرة، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، عن النَّبي

صلى الله عليه وسلم الحديث، بسند رجاله ثقات.

وأمَّا حديث عثمان عند أبي داود فرجاله -أيضًا- ثقات، والحديث ذكره السيوطي من الأحاديث المتواترة.

* مفردات الحديث:

- الفِراش: لغة البساط على وجه الأرض؛ ومنه أخذ تسمية الزوجة فراشًا، والمعنى: أنَّ الولد لصاحب الفراش، والفراش: زوجته، أو أمته.

- العاهر: عهر الرجل عَهْرًا: أتى المرأة للفجور، فهو عاهر، جمعه عُهَّار، وهي عاهر أو عاهرة، جمعها عواهر وعاهرات؛ فالعاهر الفاجر الزاني.

- الحَجَر: بفتح الحاء المهملة، هو كسارة الصخور، أو الصخور الصُّلبه، أي:

(1) البخاري (6818)، مسلم (1458).

(2)

البخاري (6817)، مسلم (1457).

(3)

النسائي (6/ 181).

(4)

أبو داود (2275).

ص: 605

له الخيبة والحرمان.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

تمام هذا الحديث ما جاء في الصحيحين؛ أنَّ سعد بن أبي وقاص، وعَبْد بن زَمْعَة اختصما إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في غلام، فقال سعد: يا رسول الله! هذا ابن أخي عتبة، عَهِد إليَّ أنَّه ابنه، وانظر إلى شَبَهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله! وُلِدَ على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى شَبَهًا بَيِّنًا بعتبة، فقال:"هو لك يا عبد بن زمعة! الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة".

2 -

قال ابن عبد البر: إنَّ هذا الحديث جاء عن بضع وعشرين نفسًا من الصحابة.

3 -

المراد بالفراش هو الزوجة المبني بها، والأمة من حيث الوطء، وسميت فراشَا؛ لأنَّ الزوج أو المولى يفترشها، أو لاعتبار المكان، وهي من تبيت معه في فراشه.

4 -

أنَّ الولد للفراش، بشرط إمكان الإلحاق بصاحب الفراش.

قال ابن دقيق العيد: والحديث أصل في إلحاق الولد بصاحب الفراش، وإنْ طرأ عليه وطء محرم.

5 -

أنَّ الزوجة تكون فراشًا بمجرد عقد النكاح، وأنَّ الأمة فراش، لكن لا تعتبر إلَاّ بوطء السيد؛ فلا يكفي مجرد الملك.

والفرق بينهما: أنَّ عقد النكاح مقصود للوطء، أمَّا تملك الأمة، فلمقاصد كثيرة.

أمَّا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: أشار أحمد أنَّه لا تكون الزوجة فراشَا إلَاّ مع العقد، والدخول المحقَّق، لا الإمكان المشكوك فيه.

قال ابن القيم: وهذا هو الصحيح المجزوم، وإلَاّ فكيف تصير المرأة فراشًا، ولم يدخل بها الزوج، ولم يَبْن عليها؟!

ص: 606

6 -

أنَّ الاستلحاق لا يختص بالأب، بل يجوز من الأخ، وغيره من الأقارب.

7 -

أنَّ حكم الشَّبَه إنَّما يُعتمد عليه إذا لم يكن هناك ما هو أقوى منه؛ كالفراش.

8 -

قال العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة: أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم زوجته سودة بالاحتجاب من الغلام على سبيل الاحتياط والورع؛ لمَّا رأى الشبه قويًّا بينه وبين عتبه بن أبي وقاص.

9 -

أنَّ حكم الوطء المحرم، كالحلال في حرمة المصاهرة.

ووجهه: أنَّ سودة أمرت بالاحتجاب؛ فدل على أنَّ وطء عتبة بالزنى له حكم الوطء بالنكاح؛ وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.

وخالفهم المالكية والشافعية: فعندهم لا أثر لوطء الزنى؛ لعدم احترامه.

10 -

أنَّ حكم الحاكم لا يغير الأمر في الباطن، فإذا علم المحكوم له أنَّه مبطل، فهو حرام في حقه، ولا يبيحه له حكم الحاكم.

قال شيخ الإسلام: ومن وطىء امرأة بما يعتقده نكاحًا، فإنَّه يلحق به النسب، ويثبت فيه حرمة المصاهرة باتفاق العلماء فيما أعلم، وإنْ كان النكاح باطلاً عند الله وعند رسوله، وكذلك وطء اعتقد أنَّه ليس حرامًا، وهو حرام.

* فوائد:

الأولى: قال ابن حزم في المحلى: ولا يجوز أنْ يكون حملٌ أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر؛ لقوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف] وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، ولما ذكر كلام الفقهاء في أقله وأكثره، والحكايات التي تنقل في هذا، قال:"وكل هذه أخبار مكذوبة، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا".

قلت: وما قاله ابن حزم هو ما يؤيِّدُهُ الطب الحديث.

ص: 607

قال الطبيب محمد علي البار: مدة الحمل الطبيعي (280) يومًا، ولا يزيد عن شهر بعد موعده، وإلَاّ لمات الجنين في بطن أمه، وينبغي أنْ يتنبَّه من يدرسون الفقه على استحالة حدوث هذا الحمل الطويل الممتد سنينًا.

الثانية: قال الشيخ محمد بن إبراهيم: يجوز إلقاء النطفة بدواء مباح، فقد قال في الإنصاف: يجوز شرب الدواء، لإلقاء النطفة.

قال في الفروع: ظاهر كلام ابن عقيل: أنَّه يجوز إسقاطه قبل أنْ تُنفخ فيه الروح.

قال ابن رجب: وقد رخص طائفة من الفقهاء للمرأة في إسقاط ما في بطنها، ما لم تنفخ فيه الروح، وهو قول ضعيف. اهـ كلام ابن رجب.

وكلام الأصحاب صريح في جواز إلقاء النطفة.

الثالثة: قال الشيخ تقي الدين: لو شربت المرأة دواء لقطع الحيض، أو لطول فترة الطهر، كان طهرًا.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: يجوز أخذ حبوب الحمل لتنظيم فترات الحمل؛ لظروف عائلية أو صحية، وأمَّا إنْ كان القصد قطع الحمل بالكلية، فهذا لا يجوز.

* قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط الجنين المشوّه خِلقيًّا:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه.

أمَّا بعد:

فإنَّ مجلس المجمَّع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 15 رجب 1410هـ، الموافق 10 فبراير 1990 م، إلى يوم السبت 22 رجب 1410 هـ،

ص: 608

الموافق 17 فبراير 1990 م، قد نظر في هذا الموضوع، وبعد مناقشته من قِبَل هيئة المجلس الموقَّر، ومن قِبَل أصحاب السعادة الأطباء المختصين، الَّذين حضروا لهذا الغرض، قرر بالأَكثرية ما يلي:

1 -

إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنَّه مشوَّه الخلقة، إلَاّ إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين: أنَّ بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم؛ فعندئذ يجوز إسقاطه، سواءٌ أكان مشوهًا أم لا؛ دفعًا لأعظم الضررين.

2 -

قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل، إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية: أنَّ الجنين مشوه تشويهًا خطيرًا غير قابل للعلاج، وأنَّه إذا بقي وولد في موعده، ستكون حياته سيئة، وآلامًا عليه، وعلى أهله؛ فعندئذِ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله، والتثبت في هذا الأمر، والله ولي التوفيق.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

انتهى الجزء الخامس

ويليه الجزء السادس

(وأوله باب الرضاع)

ص: 609