الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اللعان
مقدِّمة
اللعان: مشتقٌّ من اللَّعن، وهو الطرد والإبعاد.
فسمِّي "اللعان" بهذا الاسم: إما مراعاة للألفاظ، لأنَّ الرجل يلعن نفسه في الخامسة من الشهادات على صدق دعواه، واشتق من دعاء الرجل باللعن، لا من دعاء المرأة بالغضب؛ لتقدم اللعن على الغضب في الآيات.
وإما مراعاة للمعنى، وهو الطرد والإبعاد؛ لأنَّ الزوجين يفترقان بعد تمامه فرقة مؤبدة، لا اجتماع بعدها.
تعريفه شرعًا: أنه شهادات مؤكَّدات بأيمان من الزوجين، مقرونة بلعن، أو غضب.
والأصل فيه الكتاب، والسنة، والإجماع:
فأمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيات [النور: 6].
وأمَّا السنة: فمثل حديث الباب، وقد أجمع عليه العلماء في الجملة.
حِكمته التشريعية:
الأصل أنه من قذف محصنًا بالزنى قذفًا صريحًا، فعليه إقامة البينة، وهي
أربعة شهود، فإن لم يات بهؤلاء الشهود، فعليه حد القذف ثمانون جلدة؛ كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4].
واستثنى من هذا العموم إذا قذف الرجل زوجته بالزنى، فعليه إقامة البينة "أربعة شهود" على دعواه.
فإن لم يكن لديه أربعة شهود، فيدرأ عنه حد القذف: أن يحلف أربع مرات: إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنى، وفي الخامسة: يلعن نفسه إن كان من الكاذبين؛ وذلك أن الرجل إذا رأى الفاحشة في زوجه، فلا يتمكن من السكوت، كما لو رآه من الأجنبية؛ لأنَّ هذا عارٌ عليه، وفضيحة له، وانتهاك لحرمته.
ولا يُقْدِمُ على قذف زوجته إلَاّ من تحقَّق؛ لأنَّه لن يقدم على هذا إلَاّ بدافع من الغيرة الشديدة؛ إذ إنَّ العار واقع عليهما، فيكون هذا مقويًا لصحة دعواه.
***
950 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "سَأَلَ فُلَانٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأتهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ، تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ، سَكَتَ عَلَى مِثْل ذلِكَ! فَلَمْ يُجِبهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ، أَدَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ. فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأخْبرَهُ أنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، قَالَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا كذلِكَ، قَالَتْ: لَا، والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدأ بالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ، ثُمَّ ثَنَّى بالمَرْأةِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- أرأيت: الهمزة في أوله للاستفهام الإنكاري، والتاء مفتوحة للمخاطب، وهي كلمة تقولها العرب بمعنى: أخبرني.
- فاحشة: مؤنث الفاحش، كل قبيح وشنيع من قولٍ وفعلٍ، والمراد به هنا فاحشة الزنى، سميت فاحشة؛ لبلوغها الغاية في القبح والشناعة.
- ابتُلِيت: البلاء المحنة تنزل بالمرء، فمعناه: امتُحِنْت بهذا الأمر.
- عذاب الدنيا: حد القذف للرجل، والحبس للمرأة؛ حيث لا تحد بمجرد
(1) مسلم (1493).
النكول.
- عذاب الآخرة: عذاب النار جزاء فعل الفاحشة.
- ثَنَّى بالمرأة: جعلها الثانية في ترتيب اللعان، حيثما الأول هو الزوج.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
بيان حكم اللعان وصفته، وهو أن يقذف الرجل زوجته بالزنى، ولا يقيم البينة، فعليه الحد، إلَاّ أن يشهد على نفسه أربع مرات: إنه لمن الصادقين في دعواه، وفي الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن نكلت الزوجة، أقيم عليها عذاب الدنيا، وإن شهدت بالله أربع مرات: إنه لمن الكاذبين في رميها بهذه الفاحشة، وفي الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين -درأت عنها عذاب الدنيا.
وقد اختلف العلماء فيما يترتب على نكولها:
فمذهب الإمامين مالك والشافعي: أنها تحد، واختاره الشيخ تقي الدين، وابن القيم.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم: وهو ظاهر الآية.
أمَّا المشهور من مذهب الإمام أحمد: أنها لا تحد بمجرد النكول، وإنما تحبس حتى تقر بالزنى أربع مرات، أو تلاعِن.
2 -
إذا تمَّ اللعان بينهما بشروطه، فرق بينهما فراقًا مؤبدًا، لا تحل له، ولو بعد أزواج.
3 -
على الحاكم أن يعظ كل واحد من الزوجين عند إرادة اليمين؛ لعله يرجع إن كان كاذبًا، وكذلك بعد تمام اللعان تعرض عليهما التوبة؛ ليتوب فيما بينه وبين الله تعالى.
4 -
خالف هذا الباب غيره من أبواب الفقه بمسائل:
منها: أنه لابد أن يقرن مع اليمين لفظ "الشهادة"، وفي الخامسة الدعاء
على نفسه باللعنة من الزوج، ومن الزوجة: الدعاء على نفسها في الخامسة بالغضب.
ومنها: تكرير الأيمان.
ومنها: أن الأصل أن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، وهنا طلبت الأيمان من المدعي والمنكِر.
5 -
البداءة بالرجل في التحليف؛ كما هو ترتيب الآيات.
6 -
الزوج لا يرجع بشيء من صَداقه بعد الدخول، ولو كانت الفرقة من لعان.
7 -
اللعان خاص بين الزوجين، أمَّا غيرهما فيجري فيه حكم القذف المعروف.
8 -
كراهة المسائل التي لم تقع، والبحث عنها، لاسيَّما ما فيه أمارة الفاحشة.
9 -
قال العلماء: اختصت المرأة بلفظ "الغضب"؛ لعظم الذنب بالنسبة إليها على تقدير وقوعه، لما فيه من تلويث الفراش، والتعرض لإلحاق مَن ليس مِن الزوج به، وذلك أمرٌ عظيمٌ، يترتَّب عليه مفاسد كثيرة؛ كانتشار المحرمية، وثبوت الولاية على الإناث، واستحقاق الأموال بالتوارث، فلا جرم أنْ خصت بلفظ الغضب، الذي هو أشد من اللعنة.
10 -
وفي الحديث استحباب الإعراض عن الأسئلة التي لم تقع، وإنما يتصور وقوعها تصورًا، لاسيَّما إذا كانت في أمور مستكرهة.
11 -
وفيه جواز الحلف على المسائل التي يراد تأكيدها، ولو لم يُستحلف المخبر.
12 -
وفيه أن الإنسان لا يقذف متهمًا بمجرد الأمارة والعلامة، حتى يتحقق من وقوع الأمر.
13 -
وفيه أن التعريض بالمتهم بالفاحشة ليس قذفًا حتى يصرُّحَ بالقذف.
14 -
وفيه بيان صفة نزول القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ينزل عند المناسبات، والوقائع، والأسئلة؛ ليكون ذلك أبلغ في وعيها وفهمها،
وأثبت لها في القلوب.
15 -
وفيه بيان أن عذاب الله تعالى بالحدود، أو بالفقر، أو المرض، أو المصائب، مهما بلغت أهون من عذاب الآخرة، فَلْيَتَسَلَّ بهذا المُبْتَلَوْنَ، وليحتسبوا أجرهم عند الله.
16 -
أن البينات على ثبوت الدعاوى تكون على حسب القضية، وأن القرائن القوية لها أثرٌ كبيرٌ في إثباتها أو نفيها، فهناك القذف لابد له من شهادة رجال، ولكن لما كان من المستبعد أن الزوج يقذف زوجته، ويلوِّث فراشه، وأنه إن فعل ذلك، فهو قرينة على صدقه، بإثبات ما ادعاه بهذه الشهادات المكرَّرة المؤكَّدة، وهي لا تُقبل في مثل هذه القضية على غير زوجته.
17 -
وفيه أن الأحكام الشرعية تجري على ظاهرها، وإلَاّ فإنه من اليقين أن أحد الزوجين كاذب، ولكنه يدرأ عنهما الحد باللعان إذا تم؛ أخذًا بظاهر الحكم الشرعي.
***
951 -
وَعنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدُكُمَا كاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَالِي؟! فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَانْ كنْتَ كاذِبًا عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- حسابكما: يُقال: حاسبه محاسبة وحسابًا: ناقشه الحساب وجازاه، فالحساب: الجزاء.
- لا سبيل لك: السبيل: الطريق، والمراد هنا ليس لك عليها حجَّة ولا سلطان.
- أبعد لك: بعد يبعد بعدًا، ضد قرب، فالأبعد ضد الأقرب، جمعه أباعد.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
أنَّ أحد الزوجين المتلاعنين صادقٌ، والثاني كاذبٌ؛ إذ لا يمكن الجمع بين صدقه في دعواه، وصدقها في نفيها دعواه.
2 -
أنَّ الأحكام الشرعية تبنى على ظاهر الأمر، وهي البيانات الشرعية، ولا يكلف الحاكمُ الشرعيُّ أكثر من هذا.
فقد جاء في الصحيحين، من حديث أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أنْ يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع منه، فمَن قضيت له من حق أخيه شيئًا، فإنَّما
(1) البخاري (5350)، مسلم (1493).
أقطع له قطعة من نار! ".
3 -
قوله للمتلاعنين: "حسابكما على الله" معناه: أنَّ الحكم بالظاهر، لا يعفي الكاذب منكما من العتاب والعقاب يوم القيامة؛ كما في الحديث:"فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئًا، فإنَّما أقطع له قطعة من نار! ".
4 -
قوله: "لا سبيل لك عليها" معناه: أنَّ اللعان إذا تمَّ بشروطه، حصلت بين الزوجين الفرقة المؤبدة، التي لا يُحلها ولو أنْ تنكح زوجًا بعده، وأنَّه بعد تمام اللعان، لا تسلُّط للزوج على زوجته الملاعنة، فلا يملك منها شيئًا.
5 -
أنَّ الزوج لا يرجع بشيءٍ من صداقه، فإنْ كان صادقًا، فالصداق استقر بدخوله بها، وبما استحلَّ من فرجها، وإنْ كان كاذبًا عليها، فذلك أبعد له منهاة لافترائه عليها، وبهتانه إيَّاها.
6 -
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنَّما يحكم على نحو ما يسمع من الخصوم؛ ففيه دليلٌ على أنَّ الغيب لله وحده، وفيه سعة للقضاة من أمته، من أنَّ وظيفتهم الاجتهاد في الدعوى، وطلب الحق، فإنْ أصابوا فلهم أجران، وإنْ أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ معفوٌّ عنه.
***
952 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبْطًا، فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، فَهُوَ لِلَّذِي رَمَاهَا بِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- أَبْصِرُوها: بفتح همزة القطع، تأمَّلوها، وتعرَّفوا على ولدها، وتبيَّنوا خلقته.
- جاءت به: الضمير المجرور يرجع إلى الولد، الذي كان حَمْلاً عند اللعان.
- سَبْطًا: بفتح السين، وسكون الباء الموحدة، مَن شَعْرُهُ مسترسلٌ -وهو غير الجعد- وخِلقته تامَّة؛ كما قال الشاعر:
فَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ الْعِظَام كَأَنَّمَا
…
عِمَامَتُهُ فَوْقَ الرِّجَالِ لِوَاءُ
- أكْحَل: بفتح الهمزة، وسكون الكاف، وهو الذي كل منابت أجفانه سود، كأن فى عينيه كحلاً.
- جَعْدًا: بفتح الجيم، وسكون العين المهملة، في شعره التواءٌ وتقبُّض.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هلال بن أُميَّة قَذَفَ زوجته بشريك بن سحماء، فأنكرته، فتلاعنا، وهي حامل، فلما تم اللعان قال صلى الله عليه وسلم: أبصروا المرأة الملاعنة، وما تضع، فإن جاءت بالمولود أبيض، سَبْط الشعر، فهذه صفة زوجها، وأمَّا إن جاءت به أكحل العينين، جَعْد الشعر، فشبهه للذي رماها به شريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن".
(1) مسلم (1496)، ولم يروه البخاري.
2 -
الحديث يدل على حقيقة انتقال الصفات الخلقية المنتقلة بالعوامل الوراثية، التي تكون سببًا في تشابه الذرية بأبويها، بواسطة عملية التناسل في النبات والحيوان، ومنه الإنسان.
3 -
ويدل الحديث على تقديم ظاهر الأحكام الشرعية على القرائن، التي لم يعّول عليها، إلَاّ إذا فقدت أصول الأحكام، التي تبنى عليها القضايا.
4 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن" دليلٌ على أن الأحكام الماضية لا تُنْقَض، ما لم تكن مخالفة لنصٍّ من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
5 -
الأفضل الورع إذا وجد شبهة تخالف الأصل في الحكم، الشرعي؛ ومن هذا: أنَّه اختصم سعد بن أبي وقاص، وعَبْد بن زَمْعة في ولَدٍ وُلِدَ على فراش أبيه، فادَّعاه سعد بن أبي وقَّاص أنه ولد لأخيه عتبة بن أبي وقَّاص، فقضى به النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الفراش عبد بن زمعة؛ لأنَّه ولد على فراش أبيه زمعة، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هو أخوك، يا عبد بن زمعة" من أجل أنه وُلِدَ على فراش أبيه، إلَاّ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الصبي شبهًا قويًّا بعتبة بن أبي وقَّاص، فأمر زوجته سودة بنت زمعة أن تحتجب من هذا الصبي المدعى به. وقد جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت:"فما رآها حتى لقي الله تعالى".
6 -
فيه اعتبار أخبار القافة، واعتبار إلحاقهم، إلَاّ إذا عارضها أصل؛ فإن القرائن لا تقدم على الأصول الثوابت، ومن ذلك الفراش، فإن الشارع الحكيم جعله أصلًا لصاحبه، ويدًا قوية، يثبُتُ له كل ما ولد عليه، فلا يقدم عليه شبه، أو تصادف فصيلة دم، أو نحو ذلك من القرائن التى لها عدة احتمالات.
953 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ عَلَى فِيهِ، وَقَالَ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ" رَواهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ (1).
ــ
* درجه الحديث:
الحديث سنده صحيح.
أخرجه أبو داود، والنسائي، والبيهقي، والحميدي، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس، وهذا سندٌ صحيحٌ؛ كما قال الألباني.
وقال ابن عبد الهادي في المحرر: إسناده لا بأس به.
* مفردات الحديث:
- فِيه: أصله فَوَه؛ بدليل جمعه على أفواه، وهو: الفم من الإنسان والحيوان، قال في المصباح: وهو من غريب الألفاظ، التي لم يطابق مفردها جمعها، وإذا أُضيف إلى ياء المتكلم قيل: فيّ، وفمي، وإذا أُضيف إلى غيرها، أعرب بالحروف، فهو أحد الأسماء الخمسة التي تُجر بالياء، وتُنصب بالألف، وتُرفع بالواو، وهذا بشرط خلوه من الميم، وأمَّا معها، فيعرب بالحركات.
- موجِبَة: أي: مثبتةٌ وملزمةٌ للفراق المؤبد في الدنيا، أو للعذاب الشديد في الآخرة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
أحد المتلاعنين كاذب، ولكن لا يُعلم أيُّهما هو؟
(1) أبو داود (2255)، النسائي (6/ 175).
ولذا يستحب التعريض لهما، وتلقينهما عند الشهادة الخامسة النهائية بأن يرجع الكاذب منهما عن كذبه؛ لئلا يجمع المعصية التي ارتكبها، والكذب فيها الكذب المغلَّظ بالأيمان، وأمام شرع الله تعالى.
2 -
لذا حسن للحكم أن يأمر مَن يضع يده على فم الزوج عند اللعن، وعلى فم الزوجة عند الغضب؛ لينجو من عذاب الله تعالى، وأليم عقابه.
فيقول واضع اليد: اتق الله؛ فإنَّ كلِمَتَك هذه هي الموجبة للفرقة في الدنيا، والعذاب في الآخرة إن كنت كاذبًا.
3 -
وفيه دليلٌ على أن أحكام اللعان بالفرقة المؤبدة، وسقوط الحد، وانتفاء الولد المذكور في اللعان، لا يكون إلَاّ بعد تمام اللعان بينهما.
4 -
وفي الحديث أن الشهادة الخامسة لكل من المتلاعنين هي التي بها يتم لعانه، وأنه قبلها له الرجوع، وتكذيب نفسه.
5 -
وفيه أن مجلس الحكم حتى في هذه القضايا السريعة يحضرها الناس، لاسيَّما من يحتاجهم الحاكم للكتابة، وحفظ الأمن، وغير ذلك.
****
954 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ المُتَلَاعِنَيْنِ، قَالَ: "فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنهِمَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا -يَا رَسُولَ اللهِ- إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تَمام التلاعن سبب للفرقة المؤبدة بين الزوجين المتلاعنين، ولا يحتاج بعدها إلى طلاق، ولا إلى فسخ؛ فهذا مقتضى حكم اللعان.
2 -
في هذا الحديث أن الرجل الذي لاعن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال مصدقًا نفسه ومؤكِّدًا قذفه: كذبتُ عليها -يارسول الله- إن أمسكتها، ثم طلَّق ثلاثًا، قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
3 -
قال فقهاؤنا: وتثبت الفرقة بين الزوجين بتمام اللعان بتحريم مؤبد، ولو لم يفرق الحاكم بينهما.
وهو مذهب الجمهور، لأنَّ الفرقة تقع بنفس اللعان؛ لما في صحيح مسلم:"ذلكم التفريق بين كل متلاعنين"، وقوله:"لا سبيل لك عليها".
4 -
الطلاق الذي يوقعه الزوج الملاعن لاغٍ لا أثر له في ذلك، والرجل إنما أتى به من شدة الغضب، وتأكيدًا لصدق دعواه عليها، وقذفه إياها.
…
(1) البخاري (5308)، مسلم (1492).
955 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ؟ قَالَ: غَرِّبْهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والبَزَّارُ، وَرِجَالَهُ ثِقَاتٌ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ، قَالَ:"طَلِّقْهَا، قَالَ: لَا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ: فأَمْسِكْهَا"(1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال في التلخيص: اختلف في وصله وإرساله، قال النسائي: المرسل أولى بالصواب، وقال في الموصول: لم يثبت.
لكن رواه هو وأبو داود من رواية عكرمة عن ابن عباس نحوه، وإسناده أصح، وأطلق عليه النووي الصحة، ونقل ابن الجوزي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وليس له أصل.
أمَّا المصنف فقال: رواه أبو داود، والبزَّار، ورجاله ثقات.
وصحَّحه ابن حزم في المُحلَّى، وقال المنذري: رجال إسناده محتج بهم في الصحيحين.
* مفردات الحديث:
- لا تردّ يد لامس: المعنى: أنها ليست من اللاتي ينفرن، ويستوحشن من الرجال الأجانب، لا أنها تأتي الفاحشة؛ فهذا بعيد.
(1) أبو داود (2049)، النسائي (6/ 67).
- غَرِّبْها: بالغين المعجمة، والرَّاء، وباء موحدة، قال في النهاية: أي: أبعدها بالطلاق.
- تَتْبَعَهَا نفسي: تتوق إليها نفسي، فلا أصبر عنها.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال زوجته بأنها سهلة الأخلاق، لا تنفر من الأجانب، ولا تحتشم أمامهم، إلَاّ أنها لا تأتي فاحشة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها وإبعادها، عملاً بالحكمة النبوية:"دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك".
2 -
فكان الرجل يحب زوجته وراضٍ عنها، فخاف أن تتعلَّق بها نفسه، ولا يصبر عنها بعد أن يفارقها، وتفوت الفرصة من بقائها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها، وإبقائها عنده.
3 -
فدل هذا على أن الواجب على المرأة هو التصوُّن، والتحفُّظ، والبعد عن الرجال الأجانب، وعدم الاختلاط بهم، والانبساط معهم؛ قال تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
4 -
كما دلَّ الحديث على أن الواجب على الرجل المحافظة على أهله من زوجة، وبنت، وأخت، وقريبة، وأن يبعدهن عن الرجال، وعن مواطن الشبهة.
5 -
كما يدل الحديث على أنه لا يجوز للرجل أن يعاشر امرأة سهلة برزة، تخالط الرجال، وتتحبَّب إليهم، وترغب الجلوس معهم، والحديث إليهم، وإنما عليه نصحها ووعظها، فإن لم تستقم، فالأفضل فراقها.
6 -
أمَّا إذا تحقق من وقوع الفاحشة، أو التقصير بالواجبات من الطاعات، كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، فيجب عليه فراقها، ولا يحل له إمساكها.
956 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسوْلَ اللهِ يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ المُتَلاعِنَيْنِ: "أَيُّ امْرَاةٍ ادْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ، وَلَمْ يُدْخِلْهَا اللهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال ابن حجر: أخرجه الشافعي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححاه، وصححه الدارقطني في العلل، مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس به، عن سعيد المقبري. اهـ. وابن يونس وثقه ابن حبان، ومنهم من جعله مجهول الحال؛ ولذا قال ابن حجر في التقريب: مجهول الحال مقبول.
…
(1) أبو داود (2263)، النسائي (6/ 179)، ابن ماجه (2743)، ابن حبان (1335).
957 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: "مَنْ أقَرَّ بِوَلَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ" أخرَجَهُ البَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
إسناده حسن إلى عمر، وضعَّفه الألباني.
قال في التلخيص: الحديث موقوف، رواه البيهقي من رواية مجالد عن الشعبي، عن شريح، عن عمر.
ومن طريق وبيصة بن ذؤيب أنه كان يحدِّث عن عمر: أنه قضى في رجل أنكر ولدًا من المرأة، وهو في بطنها، ثم اعترف به وهو في بطنها، حتى إذا ولدت أنكره، فأمر به عمر، فجلد ثمانين جلدة؛ لفِرْيته عليها، ثم أَلحق به الولد. وإسناده حسن.
* مفردات الحديث:
- طَرْفَةَ عين: بفتح الطاء، وسكون الراء، المراد: تحريك الجفن، مبالغةً في تقليل المدة.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
الشارع الحكيم له تشوُّف إلى حفظ الأنساب، وإلحاق الفروع بالأصول قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]؛ ولذا جاء في الحديث: "لعن الله من انتسب إلى غير أبيه".
2 -
فالويل العظيم، والعقاب الأليم لامرأة خانت، ومكَّنت رجلاً أجنبيًّا من نفسها، فحملت منه، فنسبت هذا الولد إلى زوجها وإلى أسرته، وأصبح
(1) البيهقي (7/ 411).
كأنه منهم، وهو ليس منهم.
3 -
هذه المرأة يلحقها من وعيد الله تعالى أن الله بريء منها، فليست منه في شيء، وأنَّ الله يحرمها جنته.
4 -
هذا الولد الدعيّ ليس من الأسرة، ولا من أهل البيت، ومع هذا سيكون له من الحقوق، وعليه من الواجبات ما لأهل هذا البيت زورًا وبهتانًا، سينفق عليه، وسيرث، وسيورث، وسينظر إلى عورات هذا البيت، وسيدخل ذرية منه عليهم، وسيكون هو وذريته لعنة دائمة في البيت وأهله، كل هذا بسبب هذه المرأة الفاجرة الباهتة.
5 -
كما يلحق الغضب والعذاب مَن علم أن الولد ولده، ولكنه نفاه وتبرأ منه، فقطع نسب هذا الولد، فأصبح مشرَّدًا، بلا نسب ولا أهل، وأصبح مكروهًا مشوَّهًا، وأصبح مفتضحًا خجلاً أمام الناس.
لذا كان الجزاء من جنس العمل؛ فإن الله تعالى يفضحه يوم القيامة على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين، فينادي عليه بجريمته، ويفضحه بسبب كذبه وبهتانه، وتخليه عن الواجبات التي عليه، نحو هذا الولد المشرد.
6 -
إذا أقر الإنسان بالولد ولو لحظة وأحدة، ثبت نسبه إليه، ولا يمكنه نفيه أبدًا، قال في الإقناع: وَمِنْ شرط نفي الولد أن ينفيه حال علمه بولادته من غير تأخير، فإن أخَّره بعد هذا، لم يكن له نفيه بعد سكوته عليه؛ لأنَّه رجوع عن إقراره في حق آدمي، والرجوع في مثل هذا لا يقبل، وهذا مطابق لمعنى الحديث رقم (957)، والله أعلم.
***
958 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ؟! قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا ألْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى ذلِكَ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "وَهُوَ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الانْتِفَاءِ مِنْهُ"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- حُمْر: بضمِّ، فسكونٍ، جمع أحمر.
- أَوْرَق: بفتح الهمزة، وسكون الواو، هو الذي فيه سواد، وليس بخالص، وِمنه قيل للحمامة: ورقاء.
- نزَعَه عِرْق: نزعه: جذبه إليه، فأصل النزع: الجذب.
- عِرْق: بكسر العين، وسكون الراء، آخره قاف، هو الأصل من النسب، شَبَّهه بعرق الشجرة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
وُلِدَ لرجل من قبيلة فزارة غلامٌ، خالف لونه لون أبيه وأمه، صار في نفس أبيه شكٌّ منه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُعَرِّضًا بقذف زوجته، وأخبره بأنه وُلد له غلام أسود، ففهم النبي صلى الله عليه وسلم مراده من تعريضه، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقنعه، ويزيل
(1) البخاري (5305)، مسلم (1500).
وساوسه، فضرب له مثلًا مما يعرف ويألف؛ فقال: هل لك إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل يكون فيها من أورق، مخالف لألوانها؟ قال: إن فيها لَوُرِقًا. فقال: فمن أين أتاها ذلك اللون المخالف لألوانها؟ قال الرجل: عسى أن يكون جذبه عرق، وأصل من آبائه وأجداده، فقال: فابنك كذلك، عسى أن يكون في آبائك وأجدادك من هو أسود، فجذبه في لونه، فقنع الرجل بهذا القياس المستقيم، وزال ما في نفسه من خواطر.
2 -
أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، فلا يوجب العدة وبه قال الجمهور؛ كما أنه لا يعد غيبة إذا جاء مستفتيًا، ولم يقصد مجرد العيب والقدح.
3 -
أن الولد يلحق بأبويه، ولو خالف لونه لونهما.
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المخالفة في اللون بين الأب والابن بالبياض والسواد لا تبيح الانتفاء.
4 -
الاحتياط للأنساب، وأن مجرد الاحتمال والظن لا ينفي الولد من أبيه، فإن الولد للفراش، والشارع حريص على إلحاق الأنساب، ووصلها.
5 -
فيه ضرب الأمثال، وتشبيه المجهول بالمعلوم؛ ليكون أقرب إلى الفهم، وهذا الحديث من أدلة القياس في الشرع.
قال الخطابي: هو أصل في قياس الشبه، وقال ابن العربي: فيه دليلٌ على صحة الاعتبار بالنظير.
6 -
فيه حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يخاطب الناس بما يعرفون ويفهمون؛ فهذا أعرابي يعرف الإبل وضرابها وأنسابها، أزال عنه هذه الخواطر بهذا المثل، الذي يدركه فهمه وعقله، فراح قانعًا مطمئنًّا.
فهذا من الحكمة التي قال الله تعالى عنها: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125]، فكلٌّ يُخاطَب على قدر فهمه وعلمه.
7 -
وفيه أن القرائن معتبرة إذا كان لا يقاومها ما هو أقوى منهاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر تهمته لزوجته بهذه القرينة أن لها محملاً قائمًا.
ولكن لما كانت معارضة لأصل، وهو الفراش، ردَّها بقرينة مثلها، وحافظ على أصل النسب.
8 -
وفيه إعجاز علمي في السنة المطهرة، فعلم الوراثات، وانتقال الصفات الخَلْقية والخُلُقية من الأُصول إلى الفروع، أصبح حقيقة من حقائق علم الوراثة.
***