الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجعة
مقدمة
الرجعة: بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح، مصدر رجع.
وهي لغة: المرة من الرجوع.
وشرعًا: إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه، بغير عقد.
وهي ثابتة في الكتاب، والسنَّة، والإجماع:
قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228].
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "مُرْه فليراجعها".
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلَّق دون الثلاثة أن له الرجعة في العدة.
والرجعة لا تكون إلَاّ في طلاق رجعيٍّ، وهو الطلاق الذي وقع في نكاع صحيحٍ، ووقع بعد الدخول أو الخلوة، وصار بأقل من الثلاث، وقد خلي من العوض، ولا تزال الزوجة في العدة.
فإن اختل من هذه الشروط شيء فلا رجعة؛ لأنه:
إما أن تكون بينونة كبرى، وهو الطلاق الذي استكمل عدده.
وإما أن تكون بينونة صغرى، وهو الطلاق الذي لم يَخْلُ من واحد فأكثر من بقية الشروط المذكورة.
قال ابن القيم: إباحة الزوجة بالرجعة من أعظم النعم، فإن الزوج له أن يفارق زوجته، فإن تاقت نفسه إليها، وجد السبيل إلى ردَّها، فإذا طلَّقها الثالثة، لم يبق له سبيل إلَاّ بعد نكاح زوج ثان نكاح رغبة، والله المستعان.
942 -
عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: "أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ، ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ؟ فَقَالَ: أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ هكَذَا مَوْقُوفًا، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث موقوف بسندٍ صحيح.
أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي.
قال ابن عبد الهادي: رواته ثقات مخرّج لهم في الصحيح، وصحَّحه الحافظ أيضًا.
…
(1) أبو داود (2190)، البيهقي (14966).
943 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
في الحديثين إثبات أصل مشروعية إرجاع الزوجة المطلقة إلى عصمة نكاح زوجها بالرجعة المعتبرة.
2 -
الرجعة لابد أن تكون في طلاقٍ رجعىَّ، أما الطلاق البائن بينونة كبرى أو صغرى، فلا تصح الرجعة فيه، وتقدم في "المقدمة" بيانه.
3 -
أن الرجعة لا يعتبر فيها رضا الزوجة، لعدم ذكرها هنا، ولقوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]، أي: في العدة.
4 -
أن الرجعة حق من حقوق الزوج وحده كالطلاق، فليس للزوجة ولا لغيرها صفة فيه.
5 -
استحباب الإشهاد على الطلاق، ليحصل التوثيق، وقد أجمع العلماء على أن الطلاق جائز ونافذ، ولو لم يحصل عليه إشهاد.
6 -
مشروعية الإشهاد على الرجعة؛ وقد اختلف العلماء في حكم الإشهاد. فذهب الأئمة الثلاثة: إلى استحبابها وعدم اشتراطها.
وذهب الإمام الشافعي: إلى اشتراطها. وهو رواية عن أحمد، ولعل عمران بن حصين ممن يرى تحتم الإشهادة لقوله:"فليشهد الآن، ويستغفر الله".
7 -
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]:
(1) البخاري (5251)، مسلم (1471).
جمهور العلماء يعطون المطلق الرجعة، ولو لم يرد الإصلاح برجعته، وأما شيخ الإسلام وبعض المحققين فقالوا: لا يمكن من الرجعة إلَاّ لمن أراد إصلاحًا وإمساكًا بمعروف، ومن قال: إن القرآن ملّك الإنسان ما حرَّمه عليه، فقد تناقض.
8 -
أما الحديث رقم (943) فيدل على صحة الرجعة بدون إشهاد عليه؛ لأنه مطْلَقٌ، ولا يصح حمله على حديث موقوف.
9 -
لكن قوله: "غير سنة" تحتمل إرادة سنة النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، فإذا أمر بالشهادة على الطلاق، فالرجعة قرينته، والإشهاد أحوط في جميع العقود والفسوخ.
***