الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب وليمة العرس
مقدمة
الوليمة: مشتقة من الولم، وهو الجمع؛ لاجتماع الزوجين، قاله الأزهري. قال ثعلب: الوليمة اسم لطعام العرس خاصَّة، لا يقع على غيره.
والعُرْس: بضم العين، وسكون الراء، هو الزفاف والتزويج، جمعه أعراس.
العِرْس: بكسر العين، يقال: هو عرسها، وهي عرسه، وهما عرسان.
العَرُوس: بفتح العين، المرأة ما دامت في عرسها، وكذلك الرَّجل، وتسمى عروسة ما دامت في عرسها.
قال في اللسان: والزوجان لا يسميان عروسين إلَاّ أيَّام البناء.
قال المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم: إعلان النكاح بالدف سُنَّة، وفيه مصلحة لا تخفى، فهو مشروع؛ لإظهار النكاح.
قال في سبل السلام: دلَّت الأحاديث على مشروعية الإعلان للنكاح، وعلى الأمر بضرب الغربال، والأحاديث فيه واسعة، لكن بشرط أن لا يصحبه محرَّم، من التغني بصوت رخيم من امرأة أجنبية.
قال المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: الأغاني قسمان:
الأول: ما اشتمل على حِكم، ومواعظ، وحماس، ونصائح، ونحو ذلك، فهو جائز.
الثاني: ما فيه غرام، ويشتمل -على صوت مزمار، وما أشبه ذلك فهو حرام.
903 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رأى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" مُتَّفَقٌ علَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- أثر: الأثر: هو العلامة، وبقية الشيء، والمراد هنا: بقية الطيب الذي استعمل عند الزفاف.
- ما هذا: يستفهم عن سبب الطيب، ويحتمل أنَّه للإنكار فقد نهى عن تضمخ الرجال بالخلوق، فأجابه بأنَّه تزوَّج، فإن كان جوابًا عن السؤال؛ فهو إفادة عن سببه، وإن كان جوابًا عن الإنكار، فهو خبرٌ بأنَّه أصابه من مخالطته لزوجته.
- صُفْرَة: بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء الموحدة، ثمَّ راء، فتاء تأنيث، أثر الزعفران كما صرَّح به في بعض الروايات بأنَّه "أثر زعفران".
- وزْن: وزنت الشيء أزنه وزنًا، والوزن: القدر والمعادلة.
- مِنْ: للبيان.
- نَوَاة من ذهب: النواة معيار للذهب معروف لديهم، قال في المصباح: النواة: اسم لخمسة دراهم، هكذا هو عند العرب، قال الخطابي: ذهبًا أو فضة.
- أَوْلِمْ: فعل أمر، أي: اتَّخذ وليمة، وهي الطعام الذي يصنع في العرس.
- ولو بِشاة: "لو" هذا ليست الامتناعية، وإنما هي التي للتقليل.
(1) البخاري (5155)، مسلم (1427).
قال في المصباح: الشاة من الغنم: يقع على الذكر والأنثى، والجمع: شاء وشياه، رجوعًا إلى الأصل، وتصغيرها شويهة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
كراهة التطيب بالزعفران، وما يظهر أثره من الطيب للرجَّال.
2 -
تفقد الوالي أصحابه، وسؤاله عن أحوالهم، وأعمالهم التي تعنيه فيهم.
3 -
استحباب تخفيف الصداق؛ فهذا عبد الرحمن بن عوف الغني لم يَصْدقُ زوجته إلَاّ وزن خمسة دنانير من ذهب.
4 -
الدعاء للمتزوج بالبركة، وتقدم نصه، وهو:"بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير".
5 -
مشروعية وليمة العرس، وأن لا تقل عن شاة إذا كان من ذوي اليسار، والأولى الزيادة على الشاة، وعمل الوليمة هي من جانب الزوج، وليس لِعَمَله من قِبل أهل الزوجة مستندٌّ إلَاّ أنَّه يمكن أن يكون العموم.
6 -
أن يدْعَى إليها أقارب الزوجين، والجيران، والفقراء، وأهل الخير؛ ليحصل التآلف، وتحل البركة، وأن يُجتنَب السرف والمباهاة.
7 -
استحباب تسمية الصداق في عقد النكاح، وإذا جرت عادة بعض الأسر عدم ذكره، فلا بأس.
أما عقد النكاح على مهر ريال، إذا لم يريدوا تسمية الصداق، فإنَّه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، والعادات المباحة لا بأس بها في غير الأحكام الشرعية، أما الأحكام الشرعية: فالناس مقيدون فيها بأحكام الشريعة.
8 -
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: التهاني في المناسبات مبنية على أصلٍ عظيمٍ نافعٍ، هو أنَّ الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلَاّ ما نهى عنه الشارع، أو تضمن
مفسدة؛ وعلى هذا الأصل: فإنَّ النَّاس لم يقصدوا التعبد بها، وإنَّما هي عوائد جرت بينهم في مناسبات، لا محذور فيها.
9 -
قال الشيخ محمد بن إبراهيم: إعلان النكاح بالدف سُنَّة، وأما الأغاني المشتملة على مواعظ، وحماس، ونحو ذلك، فلا محذور فيها، وأما الأغاني التي فيها غرام، أو معها آلة طرب، فهي حرام.
***
904 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ، فَلْيَأْتِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكمْ أخَاهُ، فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- دُعِيَ أحدكم: مبني للمجهول، يعني إلى طعام الوليمة، فالدَّعوة إليه، تُنْطق بفتح الدال، وأما بضم الدال -الدُّعْوة- فاسم النداء إلى الحرب، وأما بكسر الدال -الدِّعوة- فاسم لدِعوة النسب.
…
(1) البخاري (5173)، مسلم (1429).
905 -
وَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شَرُّ الطَّعامِ طَعَامُ الوَلِيمَةُ، يُمْتعهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمُ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عصَى الله وَرَسُولهُ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- شر: الشر: السوء والظلم، والجمع: شرور.
وشر هنا: من صيغ أفعل التفضيل التي تصاغ على وزن أَفْعَلَ، فكان حقه أن يقال: أَشَرّ الطعام، إلَاّ أنَّها حذفت هنا الهمزة؛ لكثرة استعمالها، ودورانها على الألسنة، قالوا: ويجوز إثباتها على الأصل، ولكنه قليل، ومثل شر "خير" في هذا التصريف.
- يُمْنعُهَا: مبني للمجهول، أي: يكف عنها.
…
(1) مسلم (1432)، ورواه البخاري (5177).
906 -
وَعَنْ أِبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيضًا (1).
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه نَحْوُهُ، وَقَالَ:"إِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"(2).
ــ
* مفردات الحديث:
- فليجب: فليأت إلى مكان الدعوة.
- فليصل: الصلاة: أصلها واوي اللام، وهي لغةً: الدعاء، والمراد هنا: فليدع.
…
(1) مسلم (1431).
(2)
مسلم (1430).
907 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ الوَلِيمَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (1)، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف.
رَوَاه الترمذي واستغربه.
وله شواهد منها: ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والطحاوي، والبيهقي عن رجلٍ من ثقيف، قال البخاري: لم يصح إسناده، وضعَّف الحديث المناوي في فيض القدير، متعقبًا السيوطي حيث صحَّحه.
وقال الترمذي: لا يعرف هذا الحديث مرفوعًا إلَاّ من حديث زياد بن عبدالله، وهو كثير الغرائب والمناكير، وضعَّفه البيهقي، والدَّارقطني.
وأمَّا حديث أنس فقال الحافظ: فيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف.
وللحديث طرقٌ وشواهد، قال عنها الشيخ الألباني: وجملة القول في هذا الحديث: أنَّ أكثر طرقه وشواهده شديدة الضعف، لا يخلو طريق منها من متَّهم خاصَّة أو متروك؛ فلذلك يبقى على هذا الضعف.
(1) الترمذي (1097).
(2)
البيهقي (7/ 260)، ولم يروه ابن ماجه من حديث أنس، إنما رواه من حديث أبي هريرة (1915).
* مفردات الحديث:
- الوليمة: أصل الوليمة، تمام الشيء، واجتماعه، يُقال: أَوْلَمَ الرَّجُلُ: عمل الوليمة، فقد نقل اسمها لطعام العرس خاصَّة، لاجتماع الرجل والمرأة، ولا يقع على غيرها من الدعوات.
- حق: مصدر، جمعه: حقوق وحقاق، والمراد به هنا الواجب.
- سنة: بضم السين، جمعها: سنن، وهي في اللغة: الطريقة، سواء أَكَانتْ مُرْضيةً، أم غير مرضية، وفي الشرع: هي الطريقة المسلوكة في الدين من غير وجوب؛ فهي فضيلة.
- سمعة: بضم السين، وسكون الميم، بمعنى الصيت، يقال: فعل ذلك رياءً وسمعة؛ ليراه الناس ويسمعوه.
- سمَّع الله به: بتشديد الميم، أي: شهره، وفضحه، وأذاع عنه عيبًا.
* ما يؤخذ من الأحاديث:
1 -
مشروعية صنع طعام لمناسبة الزواج، ودخول الزوج بزوجته، وتقارب الأسرتين؛ للتعارف والتآلف بين الأصهار، وابتهاجًا بنعمة الله تعالى، وفيه إعلان للنكاح وإشعارٌ له؛ كما أنَّ فيه الدعاء، والاجتماع، والتعارف.
2 -
مشروعية إجابة الدعوة، لما روى مسلم، عن أبي هريرة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ومن لا يُجِب فقد عصى الله ورسوله".
قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة لمن دُعي إليها. وقيل: مستحبة، واختاره الشيخ تقي الدين، وهي حق للآدميِّ يسقط بعفوه.
ويجب على المدعو إجابتها بأمور منها:
- أن يُعيِّنه صاحب الدعوة، فلا تكون دعوة عامة.
أن لا يكون في مكان الدعوة منكرٌ، لا يقدر على إزالته، من خمرِ، أو فُرُش محرَّمة، أو أواني ذهبٍ أو فضة، أو أغانٍ محرَّمة، أو اختلاط رجالٍ
بنساء، أو تكون من حفلات السرف والخيلاء، أو يكون في ماله حرامٌ من ربا، أو رشوة، أو ظلم أحد، أو غير ذلك، فإذا وُجِدَ شيءٌ من هذه الأمور لم تجب الدعوة، بل تحرم.
وذكر الطيبيِّ في "شرح المشكاة" أمثلةً للأعذار التي تسقط إجابة الدعوة، منها: أن يكون في الطعام شبهة حرام، أو أن يخص بها الأغنياء دون الفقراء، أو أنَّه دعاه لخوف شرِّه، أو لطمع في جاهه، أو ماله، أو ليعاونه على باطل، أو يكون فيها منكر، من خمرٍ، أو لهوٍ محرَّم، أو أنَّ الفرش حرير، أو فيها صور حيوان، ونحو ذلك، وإن اعتذر منه، فقبل الداعي، سقط الوجوب.
3 -
أن تكون الدعوة في اليوم الأول، فإن كانت فيما بعده من الأيام لم تجب الدعوة؛ ففي اليوم الثاني: مستحبة، وفي اليوم الثالث تكره: أو تحرم.
4 -
أنَّ العادة الغالبة أنَّ طعام الوليمة شر طعام، وشر محفل؛ فإن الدعوة لا توجه إلَاّ إلى الأعيان والأغنياء، ممَّن لا يأتونها رغبة، وإنَّما يأتونها إرضاءً لصاحب الدعوة، وإحسانًا إليه، وأما الفقراء المحتاجون إليها: فهم يمنعون من الحضور إليها، ويدفعون عنها بالأبواب؛ فلتكن هذه موعظة وتذكرة للمسلم، أنْ لا يسلك هذا المسلك، وأن يجعلها دعوة شرعية؛ يدعو فيها الأقارب، والأصدقاء، والفقراء، والأغنياء، وكلٌّ يُنزَّل منزلته.
5 -
أنَّ الواجب هو إجابة الدعوة، أما الأكل فليس بواجب، لكن إن كان صائمًا فرضًا فلا يُفطر، ويخبر صاحب الدعوة بصيامه؛ لئلا يظن به كراهة طعامه، فقد جاء في صحيح مسلم وغيره أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دُعِي أحدكم إلى الطعام وهو صائمٌ، فليقل إنِّي صائم".
وأمَّا إنْ كان الصوم نفلاً: فإنْ حصل بفطره وأكله جبر خاطر الداعي، ورغب المدعو، بمشاركتهم في الأكل، فليفطر؛ وإلَاّ دعا، وأتمَّ صومه؛
فقد جاء في بعض الروايات: قوله صلى الله عليه وسلم لرجل اعتزل من القوم ناحية، وقال: إنِّي صائم، فقال صلى الله عليه وسلم:"دعاكم أخوكم، وتكلَّف لكم، كُل، ثُم صم يومًا إن شئتَ".
وهذا التفصيل هو مذهب الشافعية، والحنابلة.
قال الشيخ تقي الدين: هو أعدل الأقوال.
6 -
أنَّ الوليمة في اليوم الأول واجبة، وفي اليوم الثاني سنَّةٌ مستحبَّة، أمَّا في اليوم الثالث فهي رياءٌ وسمعةٌ؛ فتكون محرَّمة، فتجب على المدعو الإجابة في الأوَّل، ولكن بشرطه المتقدم، وتُستَحب في اليوم الثاني، وتحرُم في اليوم الثالث وهذا مذهب جمهور العلماء.
7 -
استحباب الدعاء من المدعو للداعي، ويكون الدعاء مناسبًا للدعوة والمقام، ويظْهِرُ الفرح والغِبطة للداعي، ويدخل السرور عليه بالأماني الطيبة، والفأل الحسن؛ فهذا من بركة الحضور والاجتماع.
فليس الحضور هو مجرَّد الطعام والأكل، وإلَاّ لما أمر الصائم بالإجابة، وإنَّما المراد: معانيه الطيبة، واجتماعه المبارك.
8 -
المشهور من المذهب: أنَّ وليمة العرس تجب بالعقد، وقال الشيخ تقي الدين: تُسنُّ بالدخول.
وقال في الإنصاف: الأولى أن يقال: وقت الاستحباب موسَّع، من عقد النكاح، إلى انتهاء أيام العرس؛ لصحة الأخبار في هذا وهذا.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن التبذير في الولائم:
جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء رقم (52) وتاريخ: 4/ 1397/4 هـ مما يتعلَّق بالموضوع ما نصه:
قال الله تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء].
وبناءً على ما يسببه التوسع في الولائم بتجاوز الحدود المعقولة، وتعددها قبل الزواج وبعده، ولما يسببه الانزلاق في هذا المبدأ من عجز الكثير من النَّاس عن نفقات الزواج، فإنَّ المجلس يرى ضرورة معالجة هذا الوضع معالجة جادة وحازمة بما يلي:
أولاً: يرى المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج بما يصحبه من آلات اللَّهو، وما يستأجر له من مغنيين ومغنيات، وبآلات تكبير الصوت؛ لأنَّ ذلك منكَرٌ محرَّمٌ، فيجب منعه، ومعاقبة فاعله.
ثانيًا: منع اختلاط الرِّجال بالنِّساء في حفلات الزواج، وغيرها، ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات، ومعاقبة من يُعمل عندهم ذلك من زوج، وأولياء الزوجة، معاقبة تزجر مثل هذا المنكر.
ثالثاً: منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج، وتحذير الناس من ذلك.
***
908 -
وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ" أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- مُدَّين: تثنية مُدّ، والمُدّ ربع الصاع، فالمدان نصف الصاع النبوي، وقدر المدين بالمكيال المعاصر -بعد أن حوِّل إلى الوزن:"1500"-: غرامًا تقريبًا.
- شعير: هو الحب المعروف، وهو نباتٌ، عُشْبِيٌّ، حبيٌّ، من الفصيلة الجيلية.
…
(1) البخاري (5172).
909 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: "أَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبرَ وَالمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يُبْنَى علَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَاّ أَنْ أَمَرَ بِالأَنطَاعِ، فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ، وَالأَقِطُ، وَالسَّمْنُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- يُبْنَى عَلَيْهِ: البناء هو الزفاف، قال ابن الأثير: البناء والاستبناء: الدخول بالزوجة، والأصل فيه: أنَّ الرجل كان إذا تزوَّج بامرأة، بنى عليها قبة؛ ليدخل بها فيها، فيقال: بنى الرجُلُ بأهله، وقد بُنِىَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم عند دخوله بصفية.
- الأنطاع: واحدها نِطْع، بفتح النون وكسرها، ومع كل واحد: فتح الطاء وسكونها، كما في المصباح، وهو البساط من الجلود المدبوغة، يجمع بعضها إلى بعض.
- الأَقِط: بفتح الهمزة، اللبن المطبوخ حتى يتبخَّر ماؤه، ويغلظ، ثم يعمل منه أقراص صغيرة، فتؤكل لينة ومتحجرة.
- حَيْسًا: بفتح الحاء، وسكون الياء، آخره سين مهملة، وهو: ما جمع هذه الأخلاط، من التمر والأقط والسمن، وقد جاء حيسًا في بعض الروايات، وقال ابن سيده: الحَيْس: هو الأقط يخلط بالسمن والتمر، حاسه حيسًا، وحيَّسه: خلطه.
(1) البخاري (5085)، مسلم (1365).
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
في الحديثين مشروعية الوليمة في الزواج؛ لأنَّ ذلك من إظهار السرور والفرح، ولأنَّ الوليمة هي سبب الاجتماع والسؤال عن مناسبتها الداعي إليها، وكل هذا من إعلان النكاح وإشهاره.
2 -
أنَّ الوليمة تكون على الزوج دون الزوجة وأوليائها؛ لأنَّ الزوجين هما صاحب العرس، والزوج هو المنفِق؛ فتكون عليه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال للزوج: "أولِم ولو بشاة" فهو المخاطب بنالك.
3 -
أنَّ وقت الوليمة هو عند البناء بالزوجة، والدخول عليها؛ لأنَّ هذه الفترة هي المقصودة من النكاح، وما قبلها تمهيد لها، وتقدم كلام صاحب الإنصاف من أنَّ وقتها موسَّع، من حين العقد إلى انتهاء أيام العرس.
4 -
أنَّ المشروع هو تخفيف الوليمة، والدعوة إليها، والاستعداد لها: فإن كان الإنسان موسرًا، فتكون بالشاتين والثلاث فأكثر قليلاً، حسب حال الزوج، وقَدْر المدعوِّين، وإن كان في حالة سفر، أو حالة عسرة، فيكفي ما تيسَّر من الطعام والشراب.
5 -
أنَّ صنع الوليمة للزواج متأكد جدًّا؛ فالسفر والتخفُّف من الزاد فيه لم يمنع من إعدادها، والاجتماع لها.
6 -
وفيه جواز المناهدة، قال الشيخ تقي الدين: المناهدة هي: أن يُخرِج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة، ويدفعون إلى من ينفق عليهم منه، ويأكلون جميعًا، فلو أكل بعضهم أكثر أو تصدَّق، جاز، ولم يزل الناس يفعلونه.
7 -
قلت: وما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء ما معهم من التمر والأقط والسمن، فإنَّه يشبه ما يعمل في بعض المناطق من تقديم إعانات على إقامة وليمة العرس، ويسمى عندهم "الرفد".
910 -
وَعَن رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ، فَأَجِبْ أقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن بشواهده.
رواه أحمد، وأبو داود، وعنه البيهقي من طريق يزيد بن عبد الرحمن، الدالاني، عن أبي العلاء الأودي عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.
وهذا سندٌ ضعيفٌ من أجل يزيد بن عبد الرحمن، قال الحافظ: صدوقٌ يخطيء كثيرًا، وكان يدلس، قال الحافظ -في التلخيص (3/ 196) بعد أن عزاه لأبي داود وأحمد-: إسناده ضعيف.
وقال المنذري: في إسناده يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وثقه أبو حاتم، وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: يكتب حديثه، وإن كان فيه لين.
وقال الصنعاني عن هذا الحديث: رجاله موثوقون، وله شاهدٌ في البخاري من حديث عائشة:"قيل: يا رسول الله! إنَّ لي جارين أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربها منك بابًا".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فيه مشروعية إقامة الوليمة في الزواج، وأنَّها من السنة المحمَّدية.
(1) أبو داود (3756).
2 -
وفيه مشروعية إجابة الدعوة لمن دعي، وتقدَّم أنَّها في اليوم الأول واجبة، وفي الثاني مستحبة، وفي الثالث محرمة.
3 -
وفيه مشروعية إجابة السابق من الدَاعييْنِ، أو الداعِين؛ لأنَّ له فضل السبق بالدعوة، فإن كانا في الدعوة سواء، قدَّم أقربهما بابًا من باب المدعو، ولأنَّ له ميزة قرب الجوار.
4 -
وفيه بيان حق الجار على جاره، وأنَّ حقه كبير، والأحاديث في ذلك كثيرة.
5 -
وفيه أنَّ من الحقوق -التي بين الأقارب، والجيران، والأصدقاء- إجابةَ الدعوات، وتبادل الزيارات؛ فإنَّ لها تأثيرًا كبيرًا، في صفاء القلوب، وجلب المحبة، وتوثيق الصلة.
6 -
الأفضل لمن يقوم بإجابة الدعوة، ويقوم بزيارة من له حق عليه، أو عيادته في مرضه، ونحو ذلك أن ينوي مع ذلك التقرُّبَ إلى الله تعالى بذلك؛ ليحصل له الخير الكبير، والأجر الجزيل.
***
911 -
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا آكُلُ مُتَّكِئًا" رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- متَّكِئًا: قال في المحيط وغيره: اتَّكأ اتِّكَاءً: جلس متمكِّنًا متربِّعًا، قال ابن الأثير: والعامة لاتعرف الاتِّكاء إلَاّ الميل في القعود معتمدًا على أحد الشقين، وهو يستعمل في المعنيين جميعًا.
…
(1) البخاري (5398).
912 -
وَعنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا غُلَامُ! سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- غلام: الغلام من الولادة إلى سن البلوغ، وجمع القلة: غِلْمَة، وجمع الكثرة: غلمان، ويُستعار الغلام للعبد والأجير.
- سمِّ الله: فعل الأمر من سمَّى، يقال: سمَّى في العمل، أي: ذكر اسم الله عليه، بقوله: باسم الله.
- مما يليك: وليه يليه وَليًا: دنا منه وقرب، والمراد: أنْ يأكل من أقرب جوانب القصعة إليه.
…
(1) البخاري (5376)، مسلم (2022).
913 -
وَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَقَالَ:"كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا؛ فَإِنَّ البرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا" رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذَّهبي.
وله شاهد عن عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمَّد بن عبد الرحمن الحمصي، قال: حدثنا عبد الله بن بسر؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث.
وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله كلُّهم ثقات.
* مفردات الحديث:
- قَصْعة: بفتح القاف، وسكون الصاد المهملة، هو إناء معد ليؤكل به ويشرب، والغالب: أنَّه من خشب.
- ثرِيد: بفتح الثاء المثلثة، ثم راء مكسورة، الثريد: هو ما يفت من الخبز، ثم يبل بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم.
(1) أبو داود (3772)، الترمذي (1805)، النسائي في الكبرى (4/ 175)، ابن ماجه (3277).
914 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، كانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- عاب: يعيب عيبًا، والعيب: النقص في الشيء، جمعه: عيوب، والمراد أنَّه صلى الله عليه وسلم لم ينسب طعامًا إلى عيب.
- قط: بفتح القاف، وضم الطاء المشددة.
قال في المعجم الوسيط؛ قط ظرف زمان؛ لاستغراق الماضي، وتختص بالنَّفي، يقال: ما فعلت هذا قط، فيما مضى، وقال في المحيط: والعامة تقول: لا أفعله قط، وهو غلط.
قُلتُ: لأنَّها مختصَّةٌ بالزَّمن الماضي.
…
(1) البخاري (5409)، مسلم (2064).
915 -
وَعَن جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الشيطان: في أصل اشتقاقه، قولان:
أحدهما: أنَّه من شَطَنَ؛ لأنَّه بعد عن الحق، أو عن رحمة الله، فتكون حينئذٍ النون أصلية والياء زائدة، ووزنه فيعال.
الثاني: أنَّ الياء أصلية والنون زائدة، عكس الأول، واشتقاقه من شاط يشيط: إذا بطل واحترق، فوزنه حينئذ فعلان.
- الشمال: ضِدُّ اليمين، مؤنَّثة، جمعها: شُمُل.
…
(1) مسلم (2019).
916 -
وَعَنْ أَبِي قتادَةَ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا شَرِبَ أحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
وَلأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما نَحْوُهُ، وَزَادَ "أَوَ يَنْفُحْ فِيهِ"، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (2).
ــ
* مفردات الحديث:
- فَلا يتنفَّس: بالبناء للمعلوم، مجزوم بلا الناهية، والتنفس إدخال النفس إلى الرئتين، وإخراجه منهما.
- أو ينفخ: بالنَّصب مع البناء للمفعول؛ لأنه معطوف على قوله: "نهى أن يُتنفس في الإناء" والنفخ: إخراج الريح من الفم.
* ما يؤخذ من الأحاديث:
هذه الأحاديث ما الشريفة كلها في بيان آداب الأكل والشرب؛ ليكون المسلم في امتثالها متبعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حتى في العادات الكريمة، وهذه فوائد وأحكام هذه الأحاديث:
1 -
أنَّ من صفات جلسة النبي صلى الله عليه وسلم للأكل أن لا يأكل متكئًا، وذلك بأن يتربع على الطعام في جلسته؛ لأنَّ هذه الجلسة تتطلب من الإنسان أن يأكل كثيرًا، والمطلوب هو التخفف من الطعام، والاقتصار على قدر الحاجة منه، فهذه الجلسة مكروهة شرعًا.
ومثل ذلك: أن يأكل وهو مائل في جلسته، ممَّا يشعر بالكبر عند تناول
(1) البخاري (153)، مسلم (267).
(2)
أبو داود (3728)، الترمذي (1888).
هذا النعمة.
2 -
استحباب التسمية في أول الطعام؛ فقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن عائشة؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أكل أحدكم طعامًا، فليقل: باسم الله، فإن نسي في أوله، فيلقل: باسم الله أوله وآخره".
قال الأصحاب: وتُسنُّ التسمية، بان يقول: باسم الله.
قال الشيخ: لو زاد "الرحمن الرحيم" عند الأكل، لكان حسنًا؛ فإنَّه أكمل بخلاف الذبح.
3 -
وجوب الأكل باليمين، وتحريم الأكل بالشمال، إلَاّ من عذر؛ فقد جاء في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، عن ابن عمر؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإنَّ الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله"؛ فمتابعة الشيطان محرَّمة، فمن تشبَّه بقومٍ فهو منهم.
4 -
استحباب تعليم الجاهل من كبار وصبيان، لاسيَّما من تحت كفالته؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:"كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"، فعمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، ابن زوجته، وعاش في بيته.
5 -
الأدب هو الأكل مما يلي الآكل؛ فلا يتعداه إلى الجوانب الأخر؛ فقد جاء في بعض طرق الحديث رقم (912)، قال عمر بن أبي سلمة:"كنتُ غلامًا في حِجر النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: "يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكلْ ممَّا يليك".
6 -
استحباب الأكل من جوانب الإناء، وأن لا يؤكل من وسطها؛ فإنَّ البركة تنزل في وسطها.
ولعل من بركة الأكل من الجوانب: أنَّه إذا بقي بقية من الطعام، فإنَّها تبقا نظيفة لم تمسها يد، فيستفيد منها من يأتي بعد الآكلين، أما البدء من الوسط: فإنَّه يفسد الطعام ويقذره على من بعده، فيُلقى، ولو كان كثيرًا.
7 -
أنَّ من خلق النبي صلى الله عليه وسلم السَّماح؛ فإنَّه لم يعب طعامًا قدِّم إليه؛ لأنَّه من نعم الله تعالى على عباده؛ فإنِ اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
فقد جاء في الصحيحين، عن ابن عباس قال:"دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ميمونة، فقدِّم له ضبٌّ، فأهوى بيده إلى الضب، فقالت امرأةٌ من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله بما قدمتن، قلن: هو ضبٌّ يا رسول الله! فرفع صلى الله عليه وسلم يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه، فاجتره خالد فأكله".
وجاء في صحيح مسلم، عن جابر، قال:"دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعض حُجَرِ نسائه، فقال: "هل من أدم؟ قالوا: لا، إلَاّ شيء من خل، قال: هاتوا فنِعْمَ الأُدم هو".
8 -
النَّهي عن التنفس في الإناء، ففيه من المضار تقذير الإناء؛ والشراب على الشارب، بعد المتنفس، وفيه: أنَّه يتنفس ويشرب في آنٍ واحد، فربَّما سبب له الاختناق، وفيه: أنَّ الشرب من ثلاثة أنفاس خارج الإناء أمرأُ، وألذُّ، وأهنأُ؛ فالشريعة الإسلامية المطهَّرة لا تأمر إلَاّ بما فيه الخير، ولا تنهى إلَاّ عمَّا فيه الشر والضر.
***