المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الصداق مقدمة الصداق: يقال أصدقتُ المرأة ومهرتُها، مأخوذ من الصِّدْق؛ لإشعاره - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٥

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب الصداق مقدمة الصداق: يقال أصدقتُ المرأة ومهرتُها، مأخوذ من الصِّدْق؛ لإشعاره

‌باب الصداق

مقدمة

الصداق: يقال أصدقتُ المرأة ومهرتُها، مأخوذ من الصِّدْق؛ لإشعاره بصدق رغبة الزوج في الزوجة، وهو العوض الذي في النكاح أو بعده للمرأة بمقابل استباحة الزوج بضعها، وله عدَّة أسماء، وفيه عدة لغات، وهو مشروع في الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس:

فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وغيرها من الآيات.

وأما السنة: ففعله صلى الله عليه وسلم، وتقريره، وأمره؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"التمس، ولو خاتمًا من حديد".

وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعيَّتهِ؛ لتكاثر النصوص فيه، وهو مقتضي القياس؛ فإنَّه لابد من الاستباحة بالنكاح، ولابد لذلك من العوض.

ولم يجعل الشرع حدًّا لأكثره ولأقله، إلَاّ أنَّه يستحب تخفيفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة"، ولما رواه الخمسة عن عمر بن الخطاب قال:"ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية".

والصالح العام يقتضي تخفيفه؛ فإنَّ في ذلك مصلحة كبيرة للزوجين وللمجتمع، فكم من نساء جَلَسْن بلا أزواج! وكم من شبان قعدوا من غير

ص: 392

زوجات، بسبب غلاء المهور، والنفقات التي خرجت إلى حد السرف والتبذير، وجلوسُ الجنسين بلا زواج يحملهم على ارتكاب الفواحش والمنكرات!!.

وكم من مفاسد وأضرار تولدت عن هذا السرف!! فمنها الاجتماعية، والأخلاقية، والمالية، وغيرها، وإذا بلغت إلى هذا الحال، فالَّذي نراه أنه لابد من تدخل الحكومة لحل هذا المسألة، وإصلاح الوضع، بإلزام الناس بالطرق العادلة، والله ولي التوفيق.

***

ص: 393

892 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أعتق صفية: سُبيتْ في غزوة خيبر سنة ست، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم من السبي.

- صفِيَّة: بنت حُيي بن أخطب، أبوها سيد بني النضير، ينتهي نسبها إلى هارون ابن عمران عليه السلام، كانت تحت كنانة بن أبي الحُقَيق، فقُتل عنها بخيبر.

قال العيني: الصحيح أنَّ هذا اسمها قبل السبي.

- عتقها: العتق: هو تحرير الرقبة، وتخليصها من الرق، والنساء في الحرب بعد الاستيلاء عليهن يكنَّ سبايا، وجعل صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

كانت صفية نجت حُيي أبوها أحد زعماء بني النضير، وكانت زوجة كنانة بن أبي الحقيق، فقتل عنها يوم خيبر.

وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم "خيبر" عنوة، فصار النساء والصبيان أرقاء للمسلمين بمجرد السبي.

ووقعت صفية في قسم دحْيةَ بن خليفة الكلبي، فعوَّضه صلى الله عليه وسلم عنها غيرها، واصطفاها لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ جبرًا لخاطرها، ورحمةً بها.

ومن كرمه أنَّه لم يكتف بالتمتع بها أمَةً ذليلةً، بل رفع شأنها بإنقاذها من ذلك الرق، وجعلها إحدى أمهات المؤمنين، وذلك أنَّه أعتقها، وتزوَّجها، وجعل عتقها صداقها.

(1) البخاري (5086)، مسلم (2/ 1045).

ص: 394

2 -

جواز عتق الرجل أمته، وجعل عتقها صداقًا لها، وتكون زوجته.

3 -

أنَّه لا يشترط لذلك إذنها، ولا شهود، ولا ولي؛ كما لا يشترط التقيد بلفظ الإنكاح، ولا التزويج.

4 -

وفيه دليل على جواز كون الصداق منفعة دينية، أو دنيوية.

5 -

وفي مثل هذا القصة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما يدل على كمال رأفته وشفقته؛ فهذه أرملة فقدت أباها مع أسرى بني قريظة المقتولين، وفقدت زوجها في معركة خيبر، وهما سيدا قومهما، ووقعت في الأسر والذل، وبقاؤها تحت أحد أتباعه زوجةً أو أمةً ذُلٌّ لها، وكسر لعزِّها، ولا يرفع شأنها، ويجبر قلبها إلَاّ أن تنقل من سيد إلى سيد، فكان هو أولى بها صلوات الله وسلامه عليه.

وبهذا تعلم أنَّ هذا التعدد الذي وقع له صلى الله عليه وسلم في الزوجات ليس إرضاءً لرغبةٍ جنسيةٍ، كما يقول أعداء هذا الدِّين، والكائدون له، وإلَاّ لقصَد إلى الأبكار والصغار، ولم يكن زواجه من إلَاّ من ثيباتٍ انقطعن لفقد أزواجهنَّ، أو سبابا وقعن في أسره.

ولو استعرضنا قصص زواجه بهنَّ، واحدةً واحدةً، لوجدناها لا تخرج عن هذه المقاصد الرحيمة النبيلة؛ فما أبعده عما يقول المعتدون الظالمون!! وقد صنَّف في هذا الموضوع عددٌ من الكتَّاب المُحْدَثين.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في جواز جعل العتق صداقًا.

فذهب الإمام أحمد، وإسحاق: إلى جوازه؛ عملاً بقصَّة زواج صفية، وبأنَّه القياس الصحيح؛ لأنَّ السيد مالكٌ لرقبة أمته ومنفعتها ومنفعة وطئها، فإذا أعتقها، واستبقا شيئًا من منافعها، التي هي تحت تصرفه، فما المانع من ذلك، وما هو المحذور؟.

وذهب الأئمة الثلاثة: إلى عدم جواز ذلك، وتأوَّلوا الحديث بما يخالف

ص: 395

ظاهره، أو حملوه على الخصوصية للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وحمل الحديث على خلاف ظاهره، أو جعله خاصًّا، يحتاج إلى بيانٍ ودليلٍ؛ لأنَّ الأصلَ بقاء الحديث على الظاهرة؛ كما أنَّ الأصل في الأحكام العموم، ولو كان خاصًّا لنُقِل.

***

ص: 396

893 -

وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائشَةَ رضي الله عنها كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأِزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أوقِيَةً، وَنشًّا، قَالَتْ: أَتَدْري مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوْقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَزوَاجِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أوقية: الأوقية أربعون درهمًا، وهو نقدٌ من الفضة، وقدره (147) غرامًا.

- نشًا: بفتح النون، ثم شين معجمة مشدَّدة، والنش: نصف الأوقية، أي: عشرون درهمًا.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحديث فيه استحباب تخفيف الصداق، وأنَّ ذلك هو المشروع؛ فخير الصداق أيسره، وخير النِّساء أيسرهن مؤنة.

2 -

أنَّ صداق النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته غالبًا اثنتا عشرة أوقية ونصف الأوقية، وهو صلى الله عليه وسلم القدوة الكاملة في العادات والعبادات، والأوقية أربعون درهمًا، فيكون خمسمائة درهم.

3 -

خمسمائة درهم هي بالريال العربي السعودي مائة وأربعون ريالاً.

4 -

أين هذا مع ما يفعله الناس اليوم من المغالاة في المهور، والتفاخر بما يدفعون إلى المرأة وأوليائها، سواء أكان الزوج غنيًا أم فقيرًا، فهو يريد أن لا ينقص عن غيره في هذا المجال؛ إنَّ هذا السرف، وذلك التبذير، وتلك

(1) مسلم (1426).

ص: 397

المفاخرة والمباهاة، هي التي جعلت الشباب عاطلاً بلا زواج، فمن عصمه الله فهو مكبوت، ومن اتَّبع شهواته وملذاته اندفع في الرذيلة، وهذا الفعل الشنيع هو الذي ملأ البيوت من الشابات العوانس، اللاتي يشتكين الوحدة، ويَخَفْنَ من المستقبل المظلم، حينما لا يخلفن أولادًا يكونون لهنَّ في مستقبلهن وكبر سنهنَّ، إنَّ هذا الأمر لا تكفي فيه المواعظ والنصائح والتوجيه، فلابد من حدٍّ يحده، وعملٍ جاد يردُّه إلى الصواب، وإلَاّ ضاع الأمر، وحلَّت المشكلات والصعاب.

5 -

الحديث فيه أصل مشروعية الصداق في النكاح، وأنه لابد منه، سواء سمِّي في العقد أو لم يسم، فإن سمي فهو على ما اتَّفق عليه الزوجان، وإن لم يسم فللزوجة مهر المثل.

6 -

الصداق لم يُقصد علما أنَّه عوض فقط، وإنما قصد على أنه نِحلة وهدية، يُكرِمُ بها الرجل زوجته عند دخوله عليها، ومقابلته لها، جبرًا لخاطرها، وإشعارًا بقدْرها، ولو كان القصد به مجرَّد العوض لما قنع بتخفيفه؛ لأنَّه مسوق لأغلى ما تملكه المرأة، ولابد من العدالة في المعاوضات.

7 -

أنَّ الأثمان هي قِيَم الأشياء من صداق، وثمن مبيع، وأجرة منفعة، وقيمة متلف، وغير ذلك، فهي الأصل، وغيرها عروض.

* قرار مجلس هيئة كبار العلماء في مسألة غلاء المهور، رقم:(94) وتاريخ 6/ 11/ 1402 هـ:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمَّد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء في دورته العشرين المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداء من الخامس والعشرين من شهر شوال، وحتى السادس من شهر ذي القعدة عام: 1402هـ، نظر في ظاهرة غلاء المهور، وما ينبغي أن يُتَّخذ

ص: 398

بشأنها؛ بناءً على كتاب صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء، الموجَّه لسماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، برقم (16947) وتاريخ 16/ 7/ 1402 هـ، المتضمن رغبة سموه في إحالة الموضوع إلى مجلس هيئة كبار العلماء لدراسته، وإصدار توصية بشأنه، فاستعرض المقترحات والحلول التي جاءت فيه، وبعد الدراسة وتداول الآراء في الموضوع رأي المجلس ما يلي:

أولاً: يؤكد المجلس ما أصدره بقراره رقم (52) في الأمور التالية:

1 -

منع الغناء الذي أُحدث في حفلات الزواج، بما يصحبه من آلات اللَّهو، وما يُستأجر له من مغنيين، ومغنيات بآلات عالية الصوت؛ لأنَّ ذلك منكر محرَّم يجب منعه، ومعاقبة فاعله.

2 -

منع اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها، ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات، ومعاقبة من يحصل عندهم ذلك، من زوجٍ وأولياء لزوجة، معاقبة تزجر عن مثل هذا المنكر.

3 -

منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج، وتحذير الناس من ذلك؛ بواسطة مأذوني عقود الأنكحة، وفي وسائل الإعلام، وأن يرغِّب الناس في تخفيف المهور، ويُذم لهم الإسراف فيها على منابر المساجد، وفي مجالس العلم، وفي برامج التوعية التي تبث في أجهزة الإعلام.

4 -

يرى المجلس الحث على تقليل المهور، والترغيب في ذلك على منابر المساجد، وفي وسائل الإعلام، وذكر الأمثلة التي تكون قدوةً حسنةً في تسهيل الزواج؛ إذْ وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر، أو اقتصر على حق متواضع لما في القدوة الحسنة من التأثير.

5 -

يرى المجلس أنَّ من أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف، أن يبدأ بذلك قادة النَّاس من الأمراء، والعلماء، وغيرهم من وجهاء الناس،

ص: 399

وأعيانهم، وذوي الثراء فيهم، وما لم يمتنع هؤلاء من الإسراف وإظهار البذخ والتبذير، فإنَّ عامة الناس لا يمتنعون؛ لأنَّهم تبعٌ لرؤسائهم، وأعيان مجتمعهم.

ثانيًا: يرى المجلس بالإضافة إلى ما سبق أن تمنع الدولة -وفَّقها الله- إقامة حفلات الزواج في الفنادق ودور الأفراح لما يحصل في كثيرٍ منها من منكرات، ولما في إقامتها فيها من السَّرف، وإنفاق الأموال الطائلة، التي تزيد على المهور نفسها في بعض الأحيان، ولما لها من الأثر الكبير في ارتفاع تكاليف الزواج.

ويؤكِّد المجلس مرَّةً أخرى دعوته للقادة، والعلماء، والوجهاء، أن يُسهم كلٌّ منهم بنصيبه في حل هذا المشكلة، ويكون قدوة حسنة في أمور الزواج، وليعلموا أنَّ لهم من الله أجرًا عظيمًا إذا هم صدقوا في ذلك، وسنوا سنة حسنة في عباده، كما أنَّ عليهم الإثم والعقاب، إذا خالفوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا قدوة سيئة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:"من سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، إلى يوم القيامة".

ثالثأ: أما ما يتعلَّق باتفاق بعض القبائل على مهور محدَّدة، وطرق معيَّنة، فإن المجلس -ما عدا واحدًا من أعضائه- رأى ما يلي:

(أ) الموافقة على ما تترضى عليه كل قبيلة في تحديد المهور، على أن يكون ما اتَّفق عليه مناسبًا لحال تلك القبيلة، بأن لا يكون فيه مغالاة، وأن يكون ما تمَّ الإنفاق عليه ساريًا على أفراد تلك القبيلة.

(ب) يعتبر ما تراضى عليه كل قبيلة حدًّا أعلى للمهر بالنسبة لتلك القبيلة، فمن أراد ممن تراضوا أن يزوج موليته باقل من هذا برضاها، فله ذلك، بل يشكر عليه.

(ج) من زاد عن الحدِّ الذي تراضت عليه تلك القبيلة، نَظر فضيلة

ص: 400

القاضي في جهته في الدواعي التي حملته على ذلك: فإن رأى إمضاء الزيادة أمضاها، وإن رأى ردها ألزمه بردها على ما يقتضيه نظره في ذلك، هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

"هيئة كبار العلماء"

* قرار المجمع الفقهي الإسلامي حول تفشي عادة الدوطة في الهند:

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإنَّ مجلس المجمَّع الفقهي الإسلامي قد اطَّلع على ترجمة خطاب الأخ عبد القادر الهندي، الذي جاء فيه قيامه في محاربة "الدوطة"، وهو المبلغ الذي تدفعه العروس في مجتمع الهند الإسلامي، مقابل الزواج، وأن يكتفي المسلمون الهنود فقط بتدوين المهر في سجل الزواج دون أن يدفعوه إلى الزوجة فعلاً، ولقد كتب الكثير في هذا الصدد في كثير من صحف "التاميل" الإسلامية، ثم يستطرد الأخ عبد القادر في خطابه فيقول: "ومن ثم فإنَّ هذا الزواج حرامٌ، كما أنَّ المواليد الناشئين عن هذا الزواج غير شرعيين، طبقًا للكتاب والسنة.

كما اطَّلع المجلس على خطاب فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي الموجَّه إلى معالي الأمين العام للرابطة بتاريخ 16/ 3/ 1404 هـ، والذي جاء فيه: "إنَّ قضية الدوطة، قضيةٌ متفشيةٌ في سكان الهند، وهي قضية الهندوس بالدرجة الأولى، دخلت على المسلمين، بسبب احتكاك بناتهم ببنات الهنود، ويحارب قادة المسلمين هذه العادة، وبدأت الحكومة الهندية كذلك تستبعد هذه العادة أخيرًا. . . وأرى أن يكفي لمجلسنا الفقهي إصدار فتوى وبيان، حول هذه القضية، ينهى المسلمين عن اتباع عادةٍ جاهليةٍ ظالمةٍ، مثل الدوطة، تسربت

ص: 401

إليهم من غيرهم، وأرجو أنَّ قادة المسلمين في الهند جميعًا إذا بذلوا جهودهم في ذلك، كان نجاحًا كبيرًا، في إزالة هذا العادة، والله ولي التوفيق. اهـ كلامه.

وبعد أن اطَّلع المجلس على ما ذكره قرَّر ما يلي:

أولاً: شكر فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي، وشكر الأخ عبد القادر، على ما أبدياه نحو عرض الموضوع، وعلى غيرتهما الدينية، وقيامهما بمحاربة هذا البدعة والعادة السيئة، والمجلس يرجو منهما مواصلة العمل في محاربة هذا العادة، وغيرها من العادات السيئة، ويسأل الله لهما وللمسلمين التوفيق والتسديد، وأن يثيبهما على جدهما واجتهادهما.

ثانيًا: ينبه المجلس الأخ عبد القادر وغيره بأنَّ هذا الزواج وإن كان مخالفًا للزواج الشرعي من هذا الوجه، إلَاّ أنَّه زواجٌ صحيحٌ معتبرٌ شرعًا عند جمهور علماء المسلمين، ولم يخالف في صحته إلَاّ بعض العلماء، في حالة اشتراط عدم المهر، أما الأولاد الناشئون عن هذا الزواج، فهم أولادٌ شرعيون منسوبون لآبائهم وأمهاتهم نسبة شرعية صحيحة، وهذا بإجماع العلماء، حتى عند الذين لا يرون صحة هذا النكاح المشروط فيه عدم المهر، فقد صرَّحوا في كتبهم بإلحاق الأولاد بآبائهم وأمهاتهم بهذا الزواج المذكور.

ثالثًا: يقرر المجلس أنَّ هذه العادة سيئةٌ منكرةٌ، وبدعةٌ قبيحةٌ، مخالفةٌ لكتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء، ومخالفة لعمل المسلمين في جميع أزمانهم:

أما الكتاب: فقد قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وقال تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وقال تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، وغير ذلك من الآيات.

ص: 402

وأما السُّنَّة: فقد جاءت مشروعية المهر في قوله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وتقريره فقد جاء في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، عن جابر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو أنَّ رجلاً أعطى امرأة صداقًا، ملءَ يديه طعامًا، كانت له حلالاً"؛ فهذا من أقواله.

وأما فعله: فقد جاء في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن عن عائشة قالت: "كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية"؛ فهذا فعله.

وأما تقريره: فقد جاء في الصحيحين وغيرهما: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: تزوجت امرأة على وزن نواةٍ من ذهب، قال: بارك الله لك" فهذا من تقريره.

وهو إجماع المسلمين، وعملهم في كل زمانٍ ومكانٍ، ولله الحمد.

وبناء عليه: فإنَّ المجلس يُقرِّر بأنَّه يجب أنْ يدفع الزوج لزوجته صداقًا، سواء كان الصداق معجلاً، أو مؤجلاً، أو بعضه معجل، بعضه مؤجل، على أن يكون تأجيلاً حقيقيًّا يراد دفعه عند تيسره، وأنَّه يحرم أن يجري الزواج بدون صداق من الزوج لزوجته.

ويوصي المجلس: بأنَّ السنَّة هو تخفيف الصداق، وتسهيله، وتيسير أمر النكاح، وذلك بترك التكاليف والنفقات الزائدة، ويحذِّر من الإسراف والتبذير؛ لما في ذلك من الفوائد الكبيرة.

رابعًا: يناشد المجلس العلماء والأعيان والمسؤولين فيها وغيرهم، محاربة هذه العادة السيئة "الدوطة"، وأن يجدوا ويجتهدوا في إبطالها، وإزالتها من بلادهم، وعن ديارهم؛ فإنَّها مخالفةٌ للشرائع السماوية، ومخالفةٌ للعقول السليمة، والنظر المستقيم.

خامسًا: إنَّ هذا العادة السيئة -علاوةً على مخالفتها للشرع الإسلامي- هي مضرَّةٌ بالنِّساء ضررًا حيويًّا؛ فالشباب لا يتزوَّجون عندئذٍ إلَاّ الفتاة التي يقدم

ص: 403

أهلها لهم مبلغًا من المال يرغبهم ويغريهم، فتحظى بنات الأغنياء بالزواج، وتقعد بنات الفقراء دون زواج، ولا يخفى ما فى ذلك من محاذير ومفاسد؛ كما أنَّ الزواج عندئذٍ يصبح مبنيًّا على الأغراض والمطامع المالية، لا على أساس اختيار الفتاة الأفضل، والشاب الأفضل، والمشاهد اليوم في العالم الغربي: أنَّ الفتاة غير الغنية تحتاج أن تقضي ربيع شبابها في العمل والاكتساب، حتى تجمع المبلغ الذي يمكن به ترغيب الرِّجال في الزواج منها؛ فالإسلام قد كرَّم المرأة تكريمًا، حين أوجب على الرَّجل الرَّاغب في زواجها أن يقدِّم هو إليها مهرًا، تصلح به شأنها، وتهيء نفسها، وبذلك فتح بابًا لزواج الفقيرات؛ لأنَّهنَّ يكفيهنَّ المهر القليل، فيسهِّل على الرجال غير الأغنياء، الزواج بهنَّ، والله ولي التوفيق.

***

ص: 404

894 -

وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطِهَا شَيْئًا، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْء، قَالَ: فَأَيْنَ دِرْعُكَ الحُطَمِتَّةُ؟ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحَّحه الحاكم، وأخرجه النسائي، وأبو داود، وسكت عنه هو والمنذري، وقد جاءت عدَّة روايات في صداق علي بفاطمة، ولكن قال الصنعاني: الروايات في تعيين صداق فاطمة غير مسندة.

قال ابن حزم: إنَّ الأحاديث التي فيها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عليًّا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئًا، إنَّما جاءت من طرق مرسلة، أو فيها مجهول، ولا يصح شيء منها.

* مفردات الحديث:

- الدِّرع: قميصٌ من حِلَقِ الحديد، يُلبَس في الحرب؛ للوقاية من السلاح.

- الحُطميَّة: منسوبٌ إلى قبيلة حُطمة بن محارب، بطنٌ من عبد القيس، كانوا يصنعون الدروع.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، زوَّجه ابنتَه فاطمة الزهراء، أصغر بناته صلى الله عليه وسلم، وزواجه بها في السنة الثانية من الهجرة، فولدت له الحسن، والحسين، ومحسنًا، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وماتت فاطمة

(1) أبو داود (2125)، النسائي (6/ 130).

ص: 405

-رضي الله عنها بالمدينة، بعد وفاة أبيها النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقد جاوزت العشرين بقليل.

2 -

أنَّه لابُدَّ في النِّكاح من الصداق؛ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا أنْ يُعطي زوجه صداقًا، ولمَّا لم يجد شيئًا، سأله عن درعه؛ ليُصْدقها إيَّاها، مع أنَّ الدِّرع من مال قُنيته التي يحتاجها.

3 -

وفيه استحباب تخفيف الصداق؛ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل عليًّا أي شيء يقدمه مهرًا؛ فإذا كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تُصدَق بمثل هذا المتاع الرخيص، فكيف يكون التغالي في غيرها؟!

4 -

الصداق ليس عوضًا أصليًّا في عقد النكاح؛ ولذا فإنَّه لا يضر جهله في العقد، ويحسن تخفيفه، ويصح النكاح بدونه، وإن وجب فيه.

وإئَما الصداق هديةٌ طيبةٌ لزوجةٍ جديدةٍ؛ جبرًا لخاطرها، وإشعارًا لها بالرغبة والقَدْر، ولذا أسماه الله تعالى نِحْلة، والنحلة هي العطاء تبرعًا.

5 -

وفيه أنَّ الصداق كما يكون بالنقود والأثمان، يكون أيضًا بالعروض والمتاع.

6 -

وفيه دليلٌ على أنَّ إعداد آلة الجهاد، من دروعٍ، وسلاحٍ، وفرسٍ، لا يُعتبر توقيفًا لا يجوز معه التصرف فيه، ببيعٍ ونحوه.

***

ص: 406

895 -

وَعَنْ عَمْرو بْنِ شعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ عَلى صَدَاقٍ، أوْ حِبَاءٍ، أَوْ عِدَةٍ، قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاح، فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ" رَوَاهُ أحْمَدُ، وَالأَرْبَعَةُ، إِلَاّ التِّرْمِذِيَّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

رواته ثقات.

قال الشوكاني في النيل: الحديث سكت عنه أبو داود، وأشار المنذري إلى أنَّه من رواية عمرو بن شعيب، وفيه مقال معروف، أما مَن دُون عمرو بن شعيب، فهم ثقات، لكن قال كثير من أئمة الحديث: إذا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه كهذا الحديث، فإنَّه يروي عن صحيفةٍ، لا عن سماع.

* مفردات الحديث:

- أيُّما؛ اسمٌ مبهمٌ، متضمنٌ معنى الشرط، معربةٌ بالحركات الثلاث؛ لملازمتها الإضافة إلى المفرد، نحو:"أي امرأة"، وقد يُحذف المضاف إليه، فيلحقها التنوين عوضًا منه؛ نحو:{أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الاسراء: 110]، وقد تلحق "ما" زائدة، كما في هذا الحديث، فتكون للتوكيد، وفعل الشرط: نكحت، وجوابه: فهو لمن أُعطيه.

- حِبَاء: بكسر الحاء، وفتح الباء ممدودًا، هو ما تعطاه المرأة زيادةً على مهرها.

- عدة: بكسر العين المهملة، ما وعد به الزوجُ زوجته، وإن لم يُحْضِرُهُ.

(1) أحمد (2/ 182)، أبو داود (2129)، النسائي (6/ 120)، ابن ماجه (1955).

ص: 407

- عِصمة النكاح: بكسر العين، وسكون الصاد المهملة، يُقال: عصم الشيء يعصمه عصمًا: منعه، والاسم العصمة، قال المفسرون في قوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، العصم: جمع عصمة، والعصمة: ما يعتصم به، والمراد به عقد النكاح.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يدل الحديث على أنَّ أي امرأةٍ تزوَّجت على صداق، وهو المهرُ، أو حِبَاءٍ، وهي العطية المعطاة لقريب الزوجة، أو عِدَةٍ، وهو ما يعِد به الزوج، وإن لم يحضره، إن كانت هذه الأشياء الثلاثة ونحوها من الهدايا والعطايا قد قدمت قبل عقد النكاح، فهو للزوجة لا لغيرها، ولو سمي باسم غيرها من أقاربها، ذلك أنَّه لم يُعط، ولم يقدَّم إلَاّ لأجل النكاح المنتظر.

2 -

أما ما يقدم بعد عقد النكاح لغير الزوجة من أقاربها من أبٍ، أو أخٍ، أو عمٍّ، أو غيرهم، فهو لمن أعطيه؛ ذلك أنَّ عقد النكاح قد تمَّ، ولم يبق شيءٌ يُحابى من أجله، وإكرام أصهار الرجل أمرٌ مألوفٌ، ومحبوبٌ، ومرغبٌ فيه؛ فقد أصبحوا أقارب، والصلة بين الأقارب مشروعة.

3 -

أمَّا ما يفعله بعض القبائل من أنَّ ولي أمر الزوجة يختص بمهرها، ويحرمها منه، فهذا حرام لا يجوز؛ فلا يحل للزوج أن يعطيه إيَّاه، ولا يحل للولي، إن لم يكن أبًا أن يأخذه ويتموله، وهذه عادةٌ محرَّمةٌ، وقبيحةٌ جدًّا.

ويجب على ولاة الأمور الأخذ بالتوعية عنها، ثم الإجبار على تركها.

4 -

أجاز العلماء للوالد أن يشترط لنفسه شيئًا من الصداق؛ قال في شرح الإقناع: ولأبي المرأة أن يشترط شيئًا من صداقها لنفسه، ولو اشترط كل الصداق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أنتَ ومالك لأبيك"، وقال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنَّ أولادكم من كسبكم"[رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه].

ص: 408

896 -

وَعَنْ عَلْقمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما "أَنَّه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بهَا حَتَّى مَاتَ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا؛ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ، وَلَهَا المِيراثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ -امرَأَةَ مِنَّا- مِثْلَ مَا قَضَيْتَ، فَفَرِحَ بهَا ابْنُ مَسْعُودٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم، وصحَّحه ابن مهدي، والترمذي، والبيهقي، وقد اختُلف في اسم راويه الصحابي، ولكن لا يضر؛ لأنَّه كلهم عدول، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذَّهبي.

وقال ابن حزم: لا مغمز فيه، لصحة إسناده.

وله شاهدٌ أخرجه أبو داود، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، من حديث عقبة بن عامر.

(1) أحمد (4/ 279)، أبو داود (2115)، النسائي (6/ 121)، الترمذي (1145)، ابن ماجه (1891).

ص: 409

* مفردات الحديث:

- لم يَفْرِض لها: بفتح الياء، وكسر الراء، أي: لم يقدّر.

- لا وكس؛ بفتح الواو، فسكون الكاف، ثم سين مهملة، يقال: وكس الشيءُ يكس وكسًا: نقص، فقوله: ولا وكس، أي: لا نقصان، والمعنى: لا ينقص عن مهر نسائها.

- شطط: بفتِح الشين المعجمة، ثم طاء مهملة، والشطط: الجَور؛ ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُشْطِطْ} أي: لا يجار على الزوج بزيادة مهرها على نسائها.

- بِرْوع: بكسر الباء، وسكون الراء، هي بروع بنت واشق، من أشجع بن ريث ابن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وهي زوج هلال بن أمية.

- واشِق: بفتح الواو، بعده ألف، ثم شين معجمة مكسورة، وآخره قاف.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

ما جاء في هذا الحديث يسمى عند الفقهاء، تفويض البضع، وذلك بأن تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر، إن كان لها إذن معتبر، أو يزوجها وليها إن لم يكن لها إذن بلا مهر مسمًّى؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236].

ولما جاء في حديث الباب.

2 -

وبما أنَّه قد حصل عقد النكاح، فإذا توفي زوجها، فعليها عدة الوفاة والإحداد، ولو لم يحصل دخول، ولا خلوة.

3 -

ولها الميراث؛ لأنَّها زوجة بعصمة زوجها.

قال في الروض المربع: ومن مات من الزوجين قبل الإصابة، والخلوة، وفرض مهر المثل، ورثه الآخر، لأنَّ ترك تسمية الصداق لا يقدح في صحة النكاح.

4 -

ولها مهر مثلها من قراباتها؛ فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهنَّ في مال،

ص: 410

وجمال، وعقل، وأدب، وسن، وبكارة أو ثيوبة، وهذا معنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه الذي في حكم المرفوع لقوله:"لها مثل صداق نسائها؛ لا وَكس ولا شطط".

5 -

قال شيخ الإسلام: اتَّفق العلماء على أنَّ من تزوَّج امرأةً، ولم يقدِّر لها مهرًا، أنَّه يصح النكاح، ويجب لها مهر مثلها إذا دخل بها، وإن طلَّقها قبل الدخول فليس لها مهر، بل لها المتعة بنص القرآن.

6 -

يدل الحديث على أنَّ عدم ذكر المهر في العقد أو قبله، لا يُخِلُّ بصحة النكاح؛ فإنَّه يصح ولو لم يسم.

7 -

ويدل على أنَّه لابد من وجود الصداق في النكاح، وأنَّ عدم ذكره لا يجعل عقد النكاح عقد تبرع لا عوض فيه.

8 -

ويدل على أنَّ المهر ليس عوضًا مقصودًا في النكاح، وإلَاّ لَما صحَّ النكاح بلا ذكره وتسميته.

***

ص: 411

897 -

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ سَوِيقًا، أَوْ تَمْرًا، فَقَدِ اسْتَحَلَّ" أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ، وَأشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ (1).

ــ

* درجة الجديث:

الحديث موقوف.

قال المؤلف: أخرجه أبو داود، وأشار إلى ترجيح وقفه.

وقال في التلخيص: أخرجه أبو داود، وفي إسناده مسلم بن رومان، وهو ضعيف، وروي موقوفًا، وهو أقوى، ورجَّح وقفه أبو داود وعبد الحق.

* مفردات الحديث:

- سويقا: بفتح السين، وكسر الواو، ثم ياء ساكنة، ثم قاف، هو التمر والدقيق المخلوط بالأقِط والسمن، يعجن بعضه ببعض كالعصيدة.

- استحل: يقال: استحلَّ يستحل استحلالاً: اتَّخذه حلالاً، والحلال ضد الحرام.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحديث يدل على أنَّ الصداق ليس ركنًا أساسيًّا في عقد النكاح، وليس عِوضًا مقصودًا لذاته، وإنما هو تكرمة رمزية، يقدمها الزوج لزوجته كهدية أو نِحلة؛ قدرًا لها، وجبرًا لخاطرها.

2 -

لذا جاز أن تكون هذه الأشياء اليسيرة صداقًا، وتُقَدَّم مهرًا، إذا لم يوجد ما هو أغلى منها.

(1) أبو داود (2110).

ص: 412

3 -

ويدل على أنَّ الشارع يرغِّب في الزواج والإقدام عليه، وأن لا يمنع منه الفقر؛ لئلا يكون المهر حَجر عثرة في سبيل طريق هذا العقد الخيري الذي يحصل به إعفاف الجنسين، وحصول الذرية، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بتكثير سواد أمته في الدنيا؛ ليكونوا قوَّة في وجه عدوهم، وفي القيامة حينما يباهي بكثرتهم الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.

4 -

أنَّه لابد من الصداق، ولو يسيرًا، إذا لم يوجد الصداق الكافي؛ فإنَّ استحلال بضع المرأة لا يكون إلَاّ بمهر.

قال في نيل المآرب: ولا يتقدر الصداق، بل كل ما صحَّ أن يكون ثمنًا، صحَّ أن يكون مهرًا وإن قلَّ.

5 -

أنَّ الصداف يكون بغير النقدين؛ خلافًا لبعض المذاهب التي تقيده بأحد النقدين.

***

ص: 413

898 -

وَعنْ عَبْدِ اللهِ بِنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيه رضي الله عنهما:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلى نَعْلَيْنِ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وخُولفَ فِي ذلِكَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

قال الحافظ في "بلوغ المرام" بعد أن حكى تصحيح الترمذي له: إنَّه خولف فى ذلك.

قال في الفتح الرباني: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي.

وقال الترمذي: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح.

وممَّن خالف في الحكم على صحته البخاري، أما ابن معين، فقال: فيه عاصم بن عبيد الله ضعيف، وقال ابن حبان: فاحش الخطأ فترك، ونقل ابن التركماني عن أبي حاتم الرازي: أنَّه حديث منكر.

(1) الترمذي (1113)، ابن ماجه (888).

ص: 414

899 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "زَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً امْرَأَةً بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ" أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ، وَهُو طَرَفٌ مِنَ الحَدِيثِ الطَّوِيلِ المُتَقَدِّمِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ (1).

ــ

* درجة الحديث:

أصل الحديث في الصحيحين.

قال المؤلف: إنَّ هذا الحديث طرفٌ من الحديث الطويل المتقدم في أوائل النكاح، فالحديث في الصحيحين، ولكن لم يتم تزويجه صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل بخاتم من حديد، وإنما أذن في جعل الصداق خاتمًا من حديد، وهو كاف لثبوت الحكم.

(1) الحاكم (2/ 178).

ص: 415

900 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: "لَا يَكُونُ المَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا، وَفِي سَنَدهِ مَقَالٌ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف، ومنهم من حسَّنه.

قال المؤلف: أخرجه الدارقطني موقوفًا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي سند الموقوف مقال؛ ذلك أنَّ في إسناده مبشر بن عبيد، قال أحمد: وكان يضع الحديث. ولا يعول على مثل هذا بجانب الأحاديث الصحيحة، وقد روي من حديث جابر مرفوعًا، ولا يصح.

قال الكمال بن الهمام في فتح القدير: وهو حجة بالتضافر والشواهد، ثم نقل عن شيخه الحافظ ابن حجر بإسناد آخر أنَّه حسن الإسناد.

(1) الدارقطني (3/ 245).

ص: 416

901 -

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

أخرجه النسائي، وابن أبي شيبة، والبيهقي، وصحَّحه ابن حبان، والحاكم، ووافقه الذَّهبي، والحديث له متابعات.

وله إسناد خير من هذا عند أحمد وغيره بلفظ: "إنَّ مِن يُمْن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صَداقها، وتيسير رحمها" أخرجه أحمد، وابن حبان، والبيهقي.

وقد أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذَّهبي.

* ما يؤخذ من الأحاديث:

1 -

أنَّه لابد في النكاح من صداقٍ وإن قلَّ؛ ليكون هديَّةً للزوجة، وتحفةً تُقدَّم لها عند الدخول عليها.

2 -

أنَّ الصداق ليس مقصودًا لذاته في النكاح، فليس هو عوضًا مرادًا، وإنما هو نِحلة في هذا العقد المبارك.

3 -

أنَّ الشارع الحكيم يتشوَّف إلى عقد النكاح، ويحثُّ عليه، ويسهِّل طريقه؛ لتحصل المقاصد الطيبة، والثمار الحميدة من الزواج.

4 -

أنَّه ينبغي أن لا يكون الفقر عائقًا، ومانعًا من الزواج؛ فعلى الزوج أن يقدِّم ما تيسَّر، وعلى الزوجة وأوليائها أن يقبلوا ما يُقدم إليهم، فليس القصد من

(1) أبو داود (2117)، الحاكم (2/ 181).

ص: 417

الزواج التجارة والمساومة، وإنما القصد الاتصال وتحقيق نتاجه.

فهذه الأحاديث التي قدم فيها المتزوِّجون لزوجاتهم سَويقًا، وتمرًا، ونعلين، وخاتمًا من حديد، وعشرة دراهم، كلُّ هذه تدلُّ على أنَّ الصداق وسيلة، لا غاية.

5 -

أما الحديث رقم (901) فيستفاد منه أنَّ خير الصداق أيسره، وأسهله، وأقلَّه مؤنة على الزوج.

6 -

جاء في سنن أبي داود، والنسائي، ومستدرك الحاكم وصحَّحه، عن أبي العجفاء السهمي قال: خطب بنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "لا تغالوا بصداق النِّساء؛ فإنَّها لو كانت مَكْرُمَة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأهًّ من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية" قال الحاكم: صحيح الإسناد.

وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح.

وقال الشيخ أحمد شاكر: ثبتت الدلائل على صحته.

7 -

قال الألباني: أما ما شاع على الألسنة من اعتراض المرأة على عمر، فهو ضعيف منكر.

قال البيهقي: منقطع، قلت: ومع انقطاعه ضعيف من أجل مجالد بن سعيد، ثم هو منكر المتن؛ فإنَّ الآية لا تنافي توجيه عمر إلى ترك المغالاة في مهور النساء.

وقال الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ: قصة اعتراض المرأة على عمر ابن الخطاب لها طرق لا تخلو من مقال؛ فلا تصلح للاحتجاج، ولا معارضة النصوص الثابتة؛ وحينئذٍ فكلام عمر وهو المحدَّث المُلْهَمُ؛ وهو الموافق للنصوص، صوابٌ وملزمٌ بالعمل به.

ص: 418

* قرار هيئة كبار العلماء بشأن القضاء على السرف:

أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قرارًا برقم (52) وتاريخ: 4/ 4/ 1397 هـ، جاء فيه: ويرى المجلس أنَّ من أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف، أن يبدأ بذلك قادة الناس من الأمراء، والعلماء، وغيرهم من وجهاء الناس، وأعيانهم؛ فإنَّ عامة الناس لايمتنعون من ذلك؛ لأنَّهم تبعٌ لرؤسائهم، وأعيان مجتمعهم؛ فعلى ولاة الأمور أن يبدؤوا في ذلك بأنفسهم، ويأمروا به ذوي خاصتهم قبل غيرهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، رضوان الله عليهم.

***

ص: 419

902 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ الجْونِ تَعَوَّذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، تَعْنِي: لَمَّا تَزَوَّجَهَا، فَقَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِمُعَاذٍ، فَطَلَّقَهَا، وَأَمَرَ أُسَامَةَ يُمَتِّعْهَا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ" أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَاوٍ مَتْرُوك (1)، وَأَصْلُ القِصَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَسِيدٍ السَّاعِدِيِّ (2).

ــ

* درجة الحديث:

تقدم الكلام عليه في حديث رقم (876).

* مفردات الحديث:

- عَمْرَة بنت الجَوْن: هي عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية.

- عُذْتِ بمُعاذ: التجأت واعتصمت بملجأ، وهو الله تعالى.

- يُمتِّعُهَا: المتعة: هدية تعطى للزوجة المفارَقةِ في حال الحياة؛ جبرًا لخاطرها، وتقدر بحال إعسار الزوج أو يساره.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

عمرة بنت الجون تزوَّج بها النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقابلته بقولها له: أعوذ بالله منك، فأجابها بقوله: لقد عذتِ بما يُستعاذ به، فطلَّقها، وأمر أسامة بن زيد يمتعها بثلاثة أثواب.

2 -

ففي الحديث دليلٌ على مشروعية تمتيع المرأة المطلقة؛ وذلك جبرًا

(1) ابن ماجه (2037).

(2)

البخاري (5255).

ص: 420

لخاطرها، وإرضاءً لنفسها، وتسكينًا لقلبها، وعملاً بقوله تعالى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة].

3 -

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -عند قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة]-: ذكر هنا أنَّ كل مطلقة لها على زوجها أن يمتعها، ويعطيها ما يناسب حاله وحالها، وأنَّ ذلك حقٌّ، إنَّما يقوم به المتقون، فإن كانت المرأة لم يُسمَّ لها صداقٌ، وطلَّقها قبل الدخول، فتجب عليه المتعة بحسب يساره وإعساره، وإن كان مسمًّى لها، فمتاعها نصف المسمًّى، وإن كانت مدخولاً بها، صارت المتعة مستحبة في قول جمهور العلماء، ومن العلماء من أوجب ذلك؛ استدلالاً بقوله:{حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة]، والأصل في "الحق" أنَّه واجب.

4 -

لما استعاذت المرأة منه صلى الله عليه وسلم قال: لقد عُذْتِ بمعاذ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من استعاذكم بالله، فأعيذوه"[رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي]؛ فكان هو أوَّلَ من نفَّذ وعمل بوصاياه، بأنَّه من اعتصم بالله، فلا يتجرأ عليه، وهي لم تقل هذا كراهية للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اجتهادًا منها.

ص: 421