الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفرائض
مقدمة
الفرائض: جمع فريضة، بمعنى مفروضة، والمفروض المقدر؛ لأنَّ الفرض التقدير، فكأنَّ اسمها ملاحظ فيه قوله تعالى:{نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء]، أي مقدرًا معلومًا.
وسماها النبي صلى الله عليه وسلم فرائض في قوله: "تعلموا الفرائض".
وتعريفها شرعًا: العلم بقسمة المواريث بين مستحقيها.
والأصل فيها الكتاب لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11، 12].
والسنة: لحديث ابن عباس الآتي، وإجماع الأمة على أحكامها في الجملة.
ولما كانت الأموال وقسمتها محط الأطماع، وكان الميراث في معظم الأحيان بين كبار وصغار، وضعفاء وأقوياء، تولى الله تبارك وتعالى قسمتها بنفسه في كتابه مبينةً مفصلةً، حتى لا يكون فيها مجال للآراء والأهواء، وسوَّاها بين الورثة على مقتضى العدل، والمصلحة، والمنفعة التي يعلمها.
وأشار إلى ذلك بقوله تعالى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11].
فهذه قسمةٌ عادلة مبنيةٌ على مقتضى المصالح العامة والخاصة.
والقياس: وبيانه يخرج بنا عن موضوع الكتاب، ويطيله علينا.
وعلم الفرائض علم شريف جليل، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمه وتعليمه في أحاديث منها: حديث ابن مسعود مرفوعًا: "تعلموا الفرائض، وعلموها الناس".
وقد يُراد بالفرائض هنا عامَّةُ الأحكام الشرعية.
وقد أفرد العلماء هذا العلم بالتصانيف الكثيرة من النَّظم والنَّثر، وأطالوا الكلام عليه، ويكفي في تعلم أحكامه فهم الآيات الثلاث من سورة النساء وحديث ابن عباس الآتي، فهذه النصوص الكريمة قد أحاطت بأمهات مسائله ولم يخرج عنها إلَاّ النَّادر.
ونورد هنا بعد الكلام عن حديث ابن عباس مقدمات تتعلَّق بهذا الباب؛ لتكمل الفائدة من هذا الكتاب.
***
817 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بقيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكرٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- ألحقوا: بفتح الهمزة، وكسر الحاء: أي أوصلوا.
- بأهلها: أي: أعطوا أهل الفرائض أنصباءهم.
- أولًا: المراد بالأولى الأقرب والأدنى، فهو بإسكان الواو.
- رجل ذكر: قال في فتح الباري: هكذا في جميع الروايات، وأشكل التعبير بقوله:"ذكر" بعد التعبير بـ"رجل".
قال البقري في حاشيته على الرحبية: إنَّما أتى بـ"ذَكر" بعد "رجل" ليفيد أنَّ المراد بالرجل الذكر؛ لأنَّ الرجل أصالةً هو الذكر البالغ من بني آدم، وليس مرادًا، وحينئذٍ فالذكر أعم ممَّا قبله، فهو وصف الرجل بالذكر؛ تنبيهًا على صلى الله عليه وسلم سبب استحقاقه، وهي الذكورية، التي هي سبب العصوبة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذا الحديث الجامع العظيم اشتمل على جُل أحكام المواريث، فقد فصَّلها الله تبارك وتعالى تفصيلاً تامًّا واضحًا، وأعطى كل ذي حق حقه.
2 -
أمر الله أن تُلْحق الفرائض بأهلها، فيقدمون على العصبات، ثم ما بقي بعدهم فهو لأولى رجل ذكر، وهم العصبة من الفروع المذكور، والأصول الذكور، وفروع الأصول الذكر، والوَلاء.
(1) البخاري (6732)، مسلم (1615).
3 -
وجهات العصوبة خمس: الأبوَّة، ثم البنوَّة، ثم الأخوَّة وبنوهم، ثم الأعمام وبنوهم، ثم الولاء.
فإذا اجتمع عاصبان فأكثر قُدِّم الأقرب جهة، فإن كانوا في جهة واحدة، قُدِّم الأقرب منزلة، فإن كانوا في القرب سواء قُدِّم الأقوى، ولا يتصور ذلك إلَاّ في فروع الأصول، كالإخوة، والأعمام، وأبنائهم.
وهذا هو معنى قوله: "فلأولى رجلٍ ذكرٍ" أي أقربهم جهةً أو منزلةً أو قوَّةً.
4 -
عُلِمَ من هذا الحديث أنَّ صاحب الفرض مقدم على العاصب في البداءة، وأنَّه إذا استغرقت الفروض التركة سقط العاصب في جميع مسائل الفرائض حتى في المُشَرَّكَة.
5 -
ويدل قوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها" على أنَّ أصحاب الفروض إذا كثروا وتزاحمت فروضهم، ولم يحجب بعضهم بعضًا أنَّه يعول عليهم، وتنقص فروضهم بحسب ما عالت به.
6 -
ويدل الحديث على أنَّه إذا لم يوجد صاحب فرض، فالمال كله للعاصب، أو للعصبات.
وإذا لم يوجد عاصب فإنه يردُّ على أصحاب الفروض على قدر فروضهم، كما تعال عليهم إذا تزاحموا، عدا الزوجين فلا يرد عليهم، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
7 -
الحكمة في أنَّ العصوبة صارت في الرجال دون النساء، وزاد نصيبهم عليهنَّ هو أنَّ الرجال متحملون للنفقات، والمهور، والديات في العاقلة والضيقات وغير ذلك من الأمور، أما النساء فمكفيَّات النفقة، ومعفيَّات من كثير من الإلزامات المادية، فهذا هو العدل والإنصاف بين الجنسين، والله أعلم.
* خلاصة عن الإرث:
نبدأ بما بدأ الله به من توريث ذوي الفروض، الذين نصَّ الله تعالى على توريثهم، وقدَّر فرضهم، حتى إذا علمنا ما لهم، ذكرنا الذين يأخذون ما أبقت فروضهم، وهم العصبات.
فالفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة هي:
1 -
النصف.
2 -
الربع.
3 -
الثمن.
4 -
الثلثان.
5 -
الثلث.
6 -
السدس.
ولكل فرض صاحبه أو أصحابه.
1 -
النصف: ويكون للبنت، ولبنت الابن، وإن نزل؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]، وبنت الابن بنت.
وهذا التوريث بالإجماع، بشرط أن لا يكون معها أحد من الأولاد.
- وهو "أي النصف" فرض الزوج أيضًا، بشرط أن لا يكون للزوجة ولد من ذكر أو أنثى؛ لقوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12].
- وهو "أي النصف" فرض الأخت الشقيقة، وإن لم توجد، فالأخت لأب، مع عدم الفرع الوارث، وعدم الأصول من المذكور، ومع انفراد كل واحدة منهما عن أخ أو أخت في قوتها؛ لقوله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وهذا في ولد الأبوين، أو لأب بالإجماع.
2 -
الربع: ويكون للزوج مع وجود الفرع الوارث؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12].
وهو "أي الربع" فرض الزوجة فأكثر، معِ عدم الفرع الوارث للزوج؛ لقوله تعالى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12].
3 -
الثمن: للزوجة فأكثر، مع وجود الفرع الوارث للزوج، لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12].
4 -
الثلثان: للبنتين ولبنتي الابن وإن نزل إذا لم يُعصَّبْن.
ودليل توريثهما الثلثين، حديث امرأة سعد بن الربيع، حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هاتان ابنتا سعد، قُتِل أبوهما معكم يوم "أحد" شهيدًا، وإنَّ عمَّهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما شيئًا من ماله، ولا ينكحان إلَاّ بمال.
فقال: "يقضي الله في ذلك" ونزلت آية المواريث.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمَّهما الثمن، وما بقي فهو لك" رواه أبو داود وصححه الترمذي.
وتأخذان الثلثين أيضًا بالقياس على الأختين المنصوص عليهما في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فالبنتان، وبنتا الابن أولى بالثلثين من الأختين، وأما الثلاث من البنات، وبنات الابن فلهنَّ الثلثان بنص قوله تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11].
والثلثان فرض الأختين الشقيقتين فأكثر، وفي حال فقدهما يكون للأختين لأب فأكثر؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وذلك بإجماع العلماء، والمراد بالاثنين بنتا الأبوين، وبنتا الأب، وقاسوا ما زاد على الأختين عليهما.
5 -
الثلث: فرض الأم مع عدم الفرع الوارث للميت، وعدم الجمع من الإخوة، فدليل الشرط الأول: قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11].
ودليل الشرط الثاني: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11].
وهو "أي الثلث" فرض الإخوة لأم، من الاثنين فصاعدًا، يستوي ذكرهم وأنثاهم؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
وأجمع العلماء على أنَّ المراد بالأخ والأخت: ولد الأم.
وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص: {وله أخ أو أخت من أم} .
6 -
السدس: فرض الأم، مع وجود الورثة من الأولاد، أو وجود الجمع من الإخوة أو الأخوات، لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11].
- وللجدة أو الجدات وإن علون بمحض الأمومة، وكذا من أدلى منهن بأب وارث، وقد ورد في إرثهن آثار، وشرط إرثهن عدم الأم، ويشتركن إذا تساوين، وتحجب القربى منهن البعدى.
- وهو "أي السدس" فرض ولد الأم الواحد، ذكرًا كان أو أنثى، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وتقدمت قراءة عبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وهو إجماع العلماء.
-وهو "أي السدس" فرض بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب، لحديث ابن مسعود، وقد سئل عن بنت وبنت ابن، فقال: "أقضي فيهما قضاء رسول الله
-صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت" رواه البخاري.
وكذا حكم بنت ابن ابن، مع بنت ابن، وهكذا.
- والسدس فرض الأخت لأب فأكثر، مع الشقيقة الواحدة، وكل هذا بالإجماع.
- والسدس للأب -أو للجد عند عدم الأب-، مع وجود الفرع الوارث.
* هذه هي الفروض الستة المذكورة في القرآن الكريم، وهؤلاء هم أصحابها، وكيفية أخذهم لها.
فإن بقي بعد أصحابها شيء، أخذه العاصب؛ عملًا بقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فإنه يعني والباقي لأبيه تعصيبًا، ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الباب:"ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ" وفي إرث أخي سعد بن الربيع: "وما بقي فهو لك".
وللتعصيب جهات بعضها أقرب من بعض، فيرثون الميت بحسب قربهم منه، وجهات العصوبة: بنوة، ثم أبوة، ثم أخوة، وبنوهم، ثم أعمام وبنوهم، ثم الوَلاء وهو المعتِق وعصباته الأقرب فالأقرب، كالنسب.
فيقدم الأقرب جهةً، كالابن، فإنَّه مقدم على الأب.
فإن كانوا في جهةٍ واحدة، قُدِّم الأقرب منزلة، على الميت كالابن، فإنَّه يقدم على ابن الابن، فإن كانوا في جهةٍ واحدةٍ، واستوت منزلتهم من الميت، قُدِّم الأقوى منهم، -وهو الشقيق- على مَن لأبٍ من إخوة، وأبنائهم، أو أعمام، وأبنائهم.
* ويحجب الورثة بعضهم بعضًا حرمانًا، ونقصانًا.
فالنقصان يدخل على جميعهم، والحرمان لا يدخل على الزوجين
والأبوين والولدين؛ لأنَّهم يُدْلون بلا واسطة، والأب يُسقِط الجدَّ، والجدُّ يُسقِط الجدَّ الأعلى منه.
والأمُّ تُسقط الجدات، وكل جدة تُسقط الجدة التي فوقها.
والابن يُسقط ابن الابن، وكل ابن ابن أعلى يُسقط من تحته من أبناء الأبناء.
ويسقط الإخوة الأشقاء، بالابن وبابن الابن وإن نزل، وبالأب وبالجد وإن علا على الصحيح، والإخوة لأب يسقطون بمن يسقط به الأشقاء، وبالأخ الشقيق.
- وبنو الإخوة يسقطون بالأب، وبكل جد لأبٍ، وبالأخوة.
الأعمام يسقطون بالإخوة وأبنائهم.
وأولاد الأم يسقطون بالفروع مطلقًا، وبالأصول من الذكور.
وبنت الابن تسقط ببنتي الصلب، فأكثر.
وكل بنتِ ابن نازل تسقط باثنتين، فأكثر ممن فوقها، ما لم يكن مع بنات الابن النازل من هو مساوٍ لهنَّ، أو أنزل منهن ممن يعصبهن من ولد ابن.
وتسقط الأخوات لأب بالشقيقتين فأكثر، ما لم يكن معهن من يعصبهن من إخوانهن.
هذه خلاصةٌ سقناها لبيان أحكام المواريث، بمناسبة شرح هذا الحديث الجامع.
وقد أطال العلماء الكلام على هذا الباب من أبواب الفقه، وأفردوه بالتصانيف الكثيرة، والله ولي التوفيق.
***
818 -
وَعنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
819 -
وَعَنْ عَبدِ اللهِ بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ" رَوَاهُ أَحْمدُ وَالأرْبَعَةُ، إِلَاّ التِّرْمِذِيَّ (2) وَأَخرَجَهُ الحَاكِمُ بِلَفْظِ أُسَامَةَ (3) وَرَوى النَّسائِيُّ حَدِيثَ أُسَامَةَ بِهَذا اللَّفْظِ (4).
ــ
* درجة الحديث (811):
الحديث سنده جيد.
رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، وأصله في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا:"لا يرث الكافرُ المسلم، ولا المسلم الكافر"، وله شواهد منها:
1 -
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا بلفظ: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" أخرجه أبو داود وابن الجارود والدارقطني، وأحمد من طريق عمرو وإسناده حسن.
2 -
حديث جابر أخرجه الدارقطني موقوفًا، وقال: وهو المحفوظ، ورواه شريك عن الأشعث عن الحسن عن جابر به مرفوعًا.
قال الساعاتي في الفتح الرباني: سنده جيد.
(1) البخاري (6764)، مسلم (1614).
(2)
أحمد (2/ 178)، أبو داود (2911)، النسائي في الكبرى (4/ 82)، ابن ماجه (2731).
(3)
الحاكم (2/ 240).
(4)
النسائي في الكبرى (4/ 82).
* مفردات الحديثين:
- الكافر: الكفر لغة الستر والجحود، فمن جحد نعمة الله فقد كفرها.
وشرعًا: قول أو اعتقاد أو فعل يعتبر به الإنسان كافرًا خارجًا من الإِسلام.
- ملتين: تثنية مِلة، والملة بكسر الميم، جمعها مِلَل، وهي الديانة، كاليهودية والنصرانية.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
القول الصحيح من أقوال أهل العلم أنَّه لا توارث بين المسلم والكافر، ولو بالوَلاء، وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء، مستدلين بحديث الباب، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، والرواية الآخرى عن الإِمام أحمد. ذلك أنَّ الإِسلام أقوى رابطة، فإذا اختل هذا الرباط المقدس بين القرابة في النسب، فقد فُقِدت الصلات والعلاقات، فاختلت قوة رابطة القرابة فمنَع التوارث.
أما المشهور من مذهب أحمد فإنَّ الكفر لا يمنع التوارث بالولاء.
2 -
ظاهر الحديث رقم (819) أنَّهُ لا توارث بين أهل ملتين كافرتين، فلو كان أحد القريبين يهوديًّا، والقريب الآخر نصرانيًّا، فلا توارث بينهما لاختلاف الدين بينهما، وسيأتي تحقيق الخلاف قريبًا إن شاء الله.
3 -
في الحديثين إثبات أصل التوارث بين الأقارب، ما لم يمنع من ذلك مانعٌ من موانع الإرث.
4 -
أنَّ الكفر أحد موانع الإرث مع وجود سببه.
5 -
اختلاف الملل الكافرة مانعٌ من موانع الإرث فيما بينهم.
6 -
أنَّ العقيدة الإِسلامية أقوى من رابطة النسب، والنكاح، والولاء، فإن فقدت العقيدة انفصمت عرى رابطة القرابة، فمَنَع التوارث بينهم.
* خلاف العلماء:
اختلف العلماء في توريث أهل الملل المختلفة في الديانة، كاليهود،
والنصارى، والمجوس، والبوذيين، وغيرهم.
والخلاف مبنيٌّ على أنَّ الكفر: هل هو ملة واحدة أو ملل شتى متعددة؟
فذهب الحنفية والشافعية، ورواية للحنابلة أنَّ الكفر ملةٌ واحدةٌ، فعلى هذا القول يتوارث الكفار فيما بينهم، ولو اختلفت أديانهم، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73].
فالآية عامة، ولأنَّ توريث الأقارب جاء في كتاب الله وهو عام، فليبق على عمومه.
وذهب المالكية إلى أنَّ الكفر ثلاث ملل:
فاليهودية ملة، والنصرانية ملة، وبقية الكفر ملة واحدة؛ لأنَّهم يجمعهم أنَّهم لا كتاب لهم.
وبناءً على هذا القول فلا يرث اليهودي من النصراني، ولا العكس، ولا يرث أحدهما من الوثني، فصار ضابط الملة هو وجود الكتاب مع وجدته، وعدم وجوده.
وذهب الإِمام أحمد إلى أنَّ الكفر ملل متعددة، فلا يرث أهل كل ملة من الملة الآخرى، وكأن ضابط الملة على هذا القول هو النحلة، مع قطع النظر عن وجود الكتاب وعدمه.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَوَارَثُ أهل ملتين شتَّى".
وهذا هو القول الراجح لهذا الحديث، الذي هو نصٌّ في التوارث بين أهل ملتين، ولأنَّ كل ملَّةٍ لا موالاة بينها وبين الملة الآخرى، ولا اتفاق في الدين، فلم يرث بعضهم بعضا كالمسلمين مع الكفار، وأما عمومات النصوص في التوريث، فهي مخصَّصة بمخصصات أخر، فلم تبق على عمومها، فيُخَص منها محل النزاع بهذا الخبر، والقياس.
820 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه في بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ: "قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم للاِبْنَةِ النِّصْفُ، وِلابْنَةِ الابْنِ السُّدُسُ تكمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بقي فَلِلأُخْتِ" روَاهُ البُخَارِيُّ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
إن البنت لها النَّصف ما دامت واحدة، ولم يعصبها أخوها أو إخوتها.
2 -
إنَّ بنت الابن لها مع البنت السدس، تكملة الثلثين، إذا لم تعصَّب بأخٍ لها، أو إخوة، والسدس لبنات الابن مع البنت ولو كنَّ أكثر من واحدة.
3 -
إنَّ الباقي بعد فرضي البنت، وبنت الابن، يكون للأخت، شقيقةً كانت أو لأب، تعصيبًا.
4 -
إنَّ الأخوات مع البنات عصبات، ويصفهنَّ علماء الفرائض بأنَّهنَّ عصبات مع الغير؛ لأنَّ العصبة بالنفس لا تكون إلَاّ من الرجال عدا المعتِقة.
قال الرَّحبي:
وليس في النساء طُرًّا عصبةْ
…
إلَاّ التي منَّت بعتق الرقبةْ
…
(1) البخاري (6736).
821 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "إنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ، فَمَا لِي مِنْ مِيْرَاثِهِ؟ فَقَال: لَكَ السُّدُسُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَال: لَكَ سُدُسٌ آخَرُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَال: إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ" روَاهُ أَحْمدُ وَالأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ، وقيل: إنَّه لم يسمع منه (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
رواه الإِمام أحمد، والأربعة، وصحَّحه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري، عن عمران بن حصين، وفي سماعه خلاف.
قال في بلوغ الأماني: قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.
* مفردات الحديث:
- طُعْمَة: بضم الطاء، وسكون العين، جمعها طُعم، هي الرِّزق.
قال في النهاية: "إنَّ السدس الآخر طُعْمَة" أي زيادة على حقه.
…
(1) أحمد (4/ 428)، أبو داود (2896)، الترمذي (2099)، النسائي في الكبرى (4/ 73)، ولم يروه ابن ماجه.
822 -
وَعنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عنْ أَبيهِ رضي الله عنهما "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ للْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَها أُمٌّ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الجَارُودِ وَقوَّاهُ ابْنُ عَدِي (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أبو داود من طريق عبيد الله أبي المنيب العتكي، قال الحافظ: صدوق يخطيء، وقد صحح الحديث ابن السكن.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
الحديث رقم (821) يدل على أنَّ الجد الذي ليس دونه أب أنَّ له من ابن ابنه السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، ذلك أنَّ ابن ابنه مات عنه، وعن بنتين، فالبنتان لهما الثلثان فرضًا، والجد له السدس فرضًا، والباقي يأخذه تعصيبًا وهو السدس.
2 -
وأما الحديث الثاني، ففيه بيان أنَّ الجدة لها السدس، بشرط أن لا توجد، أُمٌّ تحجُبُهَا.
3 -
قاعدة الإرث: أنَّ الورثة المتساوين في الجهة والدرجة يتساوون في الميراث، فبناءً عليه إذا اجتمع جدات وارثات، في درجةٍ واحدةٍ، اشتركن في السدس.
4 -
كما أنَّ قاعدة التوارث الآخرى: أنَّ الأقرب من الورثة يُسْقِط الأبعد منه، فالجدة القريبة تسقط التي هي أبعد منها، من أي جهة جاءت على الرَّاجح.
(1) أبو داود (2895)، النسائي في الكبرى (4/ 73)، ابن الجارود (960)، ابن عدي (4/ 1637).
823 -
وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَه" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ، سِوَى التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
وللحديث طريقان:
الأولى: أخرجها أحمد، وسعيد بن منصور، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم، كلهم عن بديل بن ميسرة عن علي بن أبي طلحة، وإسناده حسن.
الطريق الأخرى: أخرجها أبو داود والبيهقي عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده، وهذا سند ضعيف.
قُلْتُ: وقد حسَّنَهُ أبو زرعة، وصححه الحاكم، وابن حبَّان.
قال الألباني: الحديث صحيح بلا ريب، لهذه الشواهد.
…
(1) أحمد (4/ 131)، أبو داود (2899)، النسائي في الكبرى (4/ 76)، ابن ماجه (2738)، ابن حبان (1225)، الحاكم (4/ 344).
824 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلى أَبِي عُبَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال الترمذي: حديث حسن، وهو من شواهد الحديث السابق.
قال الحافظ في التلخيص: قال البزار: أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة ابن سهل، والحديث له عدة شواهد، وصححه ابن حبان.
* مفردات الحديث:
- الله ورسوله مولى من لا مولى له: أي وارثان من ليس له وارث، والمراد بميراثهما إدخال ماله في بيت مال المسلمين.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
الورثة ثلاثة أقسام: أصحاب الفروض، والعصبة، وذوو الأرحام، عند من يقول بتوريث ذوي الأرحام.
2 -
ذوو الأرحام لا يرثون إلَاّ إذا لم يوجد أصحاب الفروض ولا العصبة، ولذا جاء في هذين الحديثين:"الخال وارث من لا وارث له". فمتى عدم الورثة
(1) أحمد (1/ 28)، الترمذي (2103)، النسائي في الكبرى (4/ 76)، ابن ماجه (2737)، ابن حبان (1227).
من ذوي الفروض، والعصبة، ورثه ذوو الأرحام من خال، وجد لأم ونحوهما.
3 -
أما قوله: "الله ورسوله مولى من لا مولى له" فالمراد بيت مال المسلمين، فإنه وارث من لا وارث له عند المالكية مطلقًا، وعند الشافعية إن انتظم وصار عليه إمامٌ عادلٌ، وعند الحنفية والحنابلة أنَّه حافظ، وليس بوارث، وبناءً على توريثه وعدمه جاء الخلاف في توريث ذوي الأرحام، كما يلي:
* خلاف العلماء:
اختلف العلماء في توريث ذوي الأرحام إذا لم يوجد صاحب فرض غير الزوجين، ولم يوجد عاصب.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنَّهم يرثون.
وذهب المالكية والشافعية إلى عدم توريثهم.
والرَّاجح هو توريثهم؛ لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ومعناه أحق بالتَّوارث في حكم الله تعالى.
ولحديثي الباب: "الخال وارث من لا وارث له" فقد جعل الخال وارثًا عند عدم الوارث بالفرض أو التعصيب، والخال من ذوي الأرحام فيلحق به غيره منهم.
قال ابن القيم: جاء توريثهم من وجوه مختلفة، وليس في أحاديث الأصول ما يعارضها، وجمهور العلماء يورثونهم، وهو قول أكثر الصحابة، وأسعد الناس من ذهب إليه.
واختلف القائلون بتوريثهم في طريقة توريثهم.
والراجح أنَّهم يرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا بهم، وهذا مذهب الجمهور.
قال الشيخ تقي الدين: والمنقول عن الصحابة والتابعين وجمهور العلماء
ومنهم الإِمام أحمد تنزيل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أدلى به، قريبًا كان أو بعيدًا، ولا يعتبر القرب إلى الوارث.
قال في المنتهى وشرحه: ويرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به، فينزل كل منهم منزلة من أدلى به من الورثة بدرجة أو درجات، حتى يصل إلى من يرث، فيأخذ ميراثه، ثم يجعل نصيب كل وارث بفرض أو تعصيب لمن أدلى به من ذوي الأرحام، فإن أدلى جماعة من ذوي الأرحام بوارث، بفرضٍ أو تعصيب، واستوت منزلتهم منه بلا سبق، كأولاده، وإخوته المتفرقين، الذين لا واسَطة بينه وبينهم، فنصيبه لهم كإرثهم منه، لكنه يستوي الذكر والأنثى؛ لأنَّهم يرثونه بالرحم المجردة، فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، وإن اختلفت منزلتهم ممَّن أدلوا به، جعلت المدلى به كالميت، وقسمت نصيبه بين من أدلوا به على حسب منازلهم منه، كثلاث خالات متفرقات وثلاث عمات متفرقات فالثلث الذي للأم بين الخالات على خمسة، والثلثان اللذان كانا للأب تعصيبًا بين العمات على خمسة.
وإن أدلى جماعةٌ من ذوي الأرحام، بجماعةٍ من ذوي الفروض أو العصبات، جعلت كأن المدلى بهم أحياء، وقسمتَ المال بينهم، وأعطيت نصيب كل وارث بفرض أو تعصيب لمن أدلى به من ذوي الأرحام؛ لأنَّهم ورثته، وإن أسقط بعضهم بعضًا عملت به، ويسقط بعيد من وارث بأقرب منه إليه، كبنت بنت، وبنت بنت بنت بنت، المال للأولى، وكخالة وأم أبي أم، المال للخالة؛ لأنَّها تلتقي بالأم بأول درجة، بخلاف أُم أبيها.
* وجهات ذوي الأرحام ثلاث: أبوة، وأمومة، وبنوة؛ لأنَّ طرفه الأعلى الأبوان؛ لأنَّه نشأ منهما، وطرفه الأسفل ولده؛ لأنَّ مبدأه منه نشأ، فكل قريب إنما يدلي بواحد من هؤلاء.
قال الموفق في المغني: وهم أحد عشر صنفًا.
1 -
ولد البنات سواءٌ أكان لصلب، أو بنات بنات.
2 -
أبناء الأخوات لأبوين، أو لأب.
3 -
بنات الأخوات لأبوين، أو لأب.
4 -
بنات الأعمام لأبوين، أو لأب.
5 -
ولد ولد الأم ذكرًا، أو أنثى.
6 -
العم لأم، سواء كان عم الميت أو عم أبيه أو عم جده.
7 -
عمات الميت، أو عمات أبيه، أو عمات جده.
8 -
الأخوال والخالات، سواء أكانوا ذكورًا أو إناثًا.
9 -
أبو الأم، وإن علا.
10 -
كل جدة أدلت بأب بين أُمَّين.
11 -
من أدلى بصنف من هؤلاء، كعمة العمة، وخالة الخالة، وعمة العم لأم، أخيه كأب أبي الأم، وعمه، وخاله، ونحو ذلك، يورثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به.
قال في الإنصاف: هذا المذهب وعليه الأصحاب.
***
825 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا اسْتَهَلَّ المَوْلُودُ وَرِثَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ ابنْ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
حديث الباب صحيح.
صححه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، وله شاهد عن أبي هريرة. قال ابن عبد الهادي في المحرر: إسناده جيد.
وقد أخرجه أبو داود، وعنه البيهقي، وصححه ابن حبان، ورجال إسناده ثقات، إلَاّ أنَّ فيه ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، وله طرق أخر عن أبي هريرة، وشواهد أخر يزداد بها قوةً.
الشاهد الأول: عن ابن عباس، وسنده ضعيف.
الشاهد الثاني: عن مكحول، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره مرسلاً، وإسناده مرسل صحيح.
* مفردات الحديث:
- استهل المولود: استهل الصبي: رفع صوته بالبكاء، وصاح عند الولادة، فالاستهلال: هو رفع الصوت.
- ورِثَ: بفتح الواو وكسر الراء، الإرث لغة: البقاء، فالوارث هو الباقي.
وشرعًا: حق يثبت لمستحق بعد موت من كان له ذلك؛ لقرابة بينهما، أو نحوها.
(1) الترمذي (1032)، ابن ماجه (2750)، ابن حبان (1223)، ولم يروه أبو داود.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحمل إذا ولد لا يرث إلَاّ بشرطين:
الأول: تحقق وجوده في الرحم حين موت مورِّثه، ولو نطفةً.
الثاني: انفصاله حيًّا حياةً مستقرَّةً.
والحياة المستقرة هي المشار إليها بهذا الحديث، من وجود أمارة من أمارات الحياة، التي منها رفع صوت، أو رضاع، أو طول تنفس، أو طول حركة، أو عطاس، ممَّا يدل على وجود الحياة المستقرة، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.
فالاستهلال المذكور في الحديث هو رفع صوته بالبكاء عند الولادة، ونحوه ممَّا يدل على الحياة المستقرة.
2 -
إذا فُقِد هذان الشرطان، بأنْ لم يتحقَّق وجوده حين موت مورثه، أو تحقق وجوده، ولكنه مات قبل الولادة، أو ولد بحياةٍ غير مستقرَّةٍ، وإنما بنَفَسٍ ضعيف، أو اختلاجٍ ونحوه، فهذا لا يرث؛ لأنَّه في عداد الأموات.
3 -
قال الفقهاء: إذا مات الميت وخلَّف ورثة فيهم حمل، فإن رضي الورثة ببقاء التركة لم تقسم حتى وضع العمل فهو أولى؛ لتكون القسمة مرةً واحدةً، وإن طلبوا القسمة واختلف إرث الحمل بالذكورة والأنوثة، وُقِف له الأكثر من إرث ذكرين، أو الأكثر من إرث أنثيين؛ لأنَّ ولادة الاثنين كثيرة معتادة، وما زاد عليها نادر فلم يوقف له شيء.
4 -
إذا ولد وورث كما تقدم بيانه فيأخذ حقه الموقوف، والباقي لمستحقه.
***
826 -
وَعنْ عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَن جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنَ المِيرَاثِ شَيءٌ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، والدَّارقُطْنِيُّ، وَقَوَّاهُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ، وَأَعلَّهُ النَّسَائِيُّ، وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلى عُمَر (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
أخرجه ابن عدي، والدارقطني، والبيهقي من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس للقاتل من الميراث شيء".
وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته، ولكنه لم ينفرد به، فقد أخرجه أبو داود، والبيهقي، من طريق محمَّد بن راشد قال: حدثنا سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب به.
فالحديث نفسه صحيحٌ لغيره، فإنَّ له شواهدَ يتقوى بها، منها: حديث عمر، وحديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، كما قال الألباني.
قال ابن عبد الهادي: قوَّاه ابن عبد البر، وذكر له النسائي علَّة مؤثرة. اهـ. والعلة هي الانقطاع، كما قال ابن حجر في التلخيص.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
قتل الوارث لمورثه هو أحد موانع الإرث، كما تقدم، فإن كان القتل عمدًا فهذا من قاعدة:"من تعجَّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه"، وإن كان القتل
(1) النسائي في الكبرى (6737)، الدارقطني (4/ 96).
غير عمدٍ، فمنعه من الإرث من قاعدة "سد الذارئع".
2 -
فهذا كله من الصيانة والحصانة للدماء؛ لئلا يكون الطمع سببًا لسفكها، ويؤكد حديث الباب ما روى مالك في الموطأ، وأحمد في مسنده، وابن ماجه عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس لقاتل ميراث".
وفي الباب أحاديث كثيرة تقصد هذا المعنى.
3 -
ولا شكَّ أنَّ منع القاتل من ميراث مورثه فيه حكمةٌ رشيدةٌ، ومبدأٌ سامٍ حكيمٌ، فحب المال، والرغبة في الاستيلاء عليه، قد يطغى على جانب الرحمة والمودة، فيستبطيء الوارث حياةَ مورثه، فيُقدم على قتله؛ ليستأثر بالثروة، فالشارع الحكيم سدَّ عليه هذا الطريق، وقفل بوجهه هذا الباب فقال:"لا يرث القاتل شيئًا" كما أنَّ منعه من الميراث هو عقوبةٌ، وتعزيرٌ له على إقدامه على هذه الفعلة الشنيعة، بإزهاق النفس البريئة، وقطيعة الرحم.
* خلاف العلماء:
اختلف الأئمة في صفة القتل الذي يمنع من الإرث:
فذهب الشافعي إلى أنَّ القاتل لا يرث من قتيله بحال من الأحوال، حتى ولو كان القتل بحق، كقصاص، وكونه حكم عليه بالقتل قصاصًا، أو حدًّا، أو كونه جلادًا لولي الأمر، أو مزكِّيًّا للشهود الذين شهدوا بجناية الوارث لقتله، أو كان القتل بانقلاب نائمٍ، أو كونه مجنونًا، أو قصد تأديب ابنه فمات، أو كونه بطّ جرحه للعلاج فمات من البط، كل هذه الصور وغيرها من القتل وأسبابه عند الإِمام الشافعي، مانعةٌ من الإرث؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث القاتل شيئًا".
وذهب مالك: إلى أنَّ القتل نوعان:
أحدهما: العمد العدوان، فهذا لا يرث صاحبه مطلقًا.
الثاني: أن يكون القتل خطأً، فهذا يرث من ماله، ولا يرث من دِيته؛
لأنَّه لم يتعجَّل المال، وأما الدية فهي واجبة عليه، ولا معنى لكونه يرث شيئًا وجب عليه.
وذهب أبو حنيفة: إلى أنَّ القتل المانع من الإرث، هو ما أوجب قصاصًا، أو كفارةً، وهو العمد، وشبه العمد، والخطأ، وما جرى مجراه، كانقلاب النائم على قريبه، أو سقوطه عليه. بخلاف القتل بحفر بئرٍ، ووضع حجر في الطريق، أو كان القاتل صبيًّا، أو مجنونًا، وكذا القتل قصاصًا ونحوه، فهذه الأنواع لا تمنع الإرث؛ لأنَّها لا توجب قصاصًا، ولا كفارة، وهما الأساس في القتل المانع من الإرث عند الحنفية.
وذهب أحمد: إلى أنَّ القتل المانع من الإرث هو القتل بغير حق، وهو المضمون بقَوَدٍ، أو ديةٍ، أو كفارةٍ، كالعمد، وشبه العمد، والخطأ، وما جرى مجرى الخطأ، كالتسبب في القتل، وقتل الصبي، والمجنون، والنَّائم.
وأما القتل الذي لا يضمن بشيء مما ذكر، فلا يمنع من الإرث، كالقتل قصاصًا، أو حدًّا، أو دفاعًا عن النفس، وقتل العادل الباغي، ونحو ذلك، فلا يمنع من الإرث؛ لأنَّ المنع من الإرث تابع للضمان، فإن لم يكن القتل مضمونًا على القاتل بشيء فلا يمنع. فهذا هو الضابط عند الحنابلة، وهذا القول أرجح الأقوال؛ لأنَّه يتمشى مع الأدلة، ولأنَّه وسط بين قول المالكية وبين قول الشافعية، والله أعلم.
***
827 -
وَعنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أحْرَزَ الوَالِدُ أوِ الوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ المَديْنِيِّ وَابْنُ عَبْدِ البرِّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن المديني، وابن عبد البر.
وقال ابن القيم: قال ابن عبد البر: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
* مفردات الحديث:
- أحرز الوالد: بفتح الهمزة، وسكون الحاء، آخره زاي، أحرز المال: حازه وحفظه وادخره لوقت الحاجة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث بطوله في سنن أبي داود، هو: أن رئاب بن حذيفة تزوَّج امرأةً، فولدت له ثلاثة غلمة، فماتت أمهم، فورثها أبناؤها الثلاثة رباعها، وولاء مواليها، وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها، فأخرجهم إلى الشام، فماتوا، ومات مولى لها، وترك مالًا، فخاصمه إخوتها إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحرز الولد، أو الوالد فهو لعصبته من كان" فكتب له كتابًا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، ورجلٌ
(1) أبو داود (2917)، النسائي في الكبرى (4/ 75)، ابن ماجه (2732).
آخر.
2 -
فالحديث دليل على أنَّ الولاء لا يورث، وإنما يورث به، فما جمعه العتيق من مال وخلفه، فإنَّه يصير بعد موته ميراثًا لعصبة مولاه المتعصِّبين بأنفسهم إذا لم يوجد له قرابة في النسب؛ لأنَّ الولاء لُحْمة كلُحمة النسب، فقد شبَّه الولاء بالنسب، والنسب يورث؛ به فكذا الولاء إجماعًا.
***
828 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحمَةُ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ" رَوَاهُ الحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَعلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
أخرجه ابن حبان في صحيحه، وكذلك الحاكم والشافعي عن محمَّد بن الحسن عن أبي يوسف، قال ابن حجر في التلخيص: جمع أبو نعيم طرق حديث "النَّهي عن بيع الولاء، وعن هبته" في مسند عبد الله بن دينار له، فرواه عن نحو من خمسين رجلًا أو أكثر من أصحابه عنه، ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وظاهر إسناده الصحة. اهـ
وصححه السيوطي في الجامع الصغير، وصححه الألباني في الإرواء.
* مفردات الحديث:
- الولاء لُحمة كلُحْمَة النسب: الوَلَاء -بفتح الواو- لغة؛ السلطة، والمراد به هنا ولاء العتاقة، الذي سببه نعمة المعتق على عتيقه بالعتق والحرية.
- لُحْمَة كلُحْمَة النسب: بضم اللام، وسكون الحاء، يعني عُلْقَةٌ وارتباط، كعلقة وارتباط النسب.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الولاء -بالفتح والمد- المراد به هنا ولاء العتاقة الذي هو عصوبة، سببها
(1) الشافعي (1232)، ابن حبان (4929)، الحاكم (4/ 231)، البيهقي (10/ 292).
نعمة المعتِق على رقيقه بالعتق، سواءٌ كان العتق منجزًا أو معلقًا، تطوعًا أو واجبًا، ولو بالكتابة، كما في حديث بريرة قال صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الولاء لمن أعتق"[متَّفق عليه].
2 -
فالولاء لُحْمة وارتباط، كارتباط النسب بدوامه وآثاره، ولا يوهب، ولا يُورث، وإنما يورث بهِ، فالرقيق كان في حال الرق كالمعدوم؛ لأنَّه لا يملك، ولا يتصرف، فلما أعتقه سيده صيَّره موجودًا كاملًا؛ لأنَّه أصبح يملك ويتصرف، فملك حقوقه بعد أن كان مملوكًا.
3 -
إذا لم يوجد للميت العتيق ورثة من النسب، لا من ذوي الفروض ولا من العصبة، فإنَّ الذي يرثه معتقه إن وجد، وإلَاّ فعصبةُ معتقه المتعصبون بأنفسهم، لا بالغير، ولا مع الغير، وإذا انتقل الإرث بالولاء إلى عصبة المعتق من بعده، فإنَّه للأقرب فالأقرب من ذكور العصبة دون الإناث، فإنه لا يرث من النساء بالتعصيب بالنفس إلَاّ من أعتقن، أو أعتقه من أعتقن.
4 -
تقدم أنَّ الإرث بالولاء يكون إن لم يوجد للعتيق عاصب من النسب، ولم تستغرق الفروض كل المال، فحينئذٍ يرث المال كله تعصيبًا، وإن كان للعتيق ورثة هم أصحاب فروض فقط، ولم يوجد عاصب بالنسب، فإنَّ للمعتق ما أبقت الفروض، وإن لم تُبْقِ شيئًا سقط شأنه، كأي عاصب.
5 -
جمهور العلماء يرون أن الولاء يورث به من جانبٍ واحدٍ، وهو جانب المعتِق؛ لأنَّه صاحب النعمة على عتيقه، فاختصَّ الإرث به، وقال شيخ الإِسلام: ويرث المولى من أسفل -يعني العتيق- عند عدم الورثة، وقال به بعض العلماء، وبه قال شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله، لما روى الخمسة إلَاّ النسائي، وحسَّنه الترمذي عن ابن عباس أنَّ رجلًا مات على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يترك وارثًا، إلَاّ عبدًا هو أعتقه، فأعطاه ميراثه، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"الولاء لحمة كلحمة النسب" فحيث شبَّهه بالنسب، فإنَّه يأخذ حكمه.
6 -
تقدم أنَّ الإرث بالولاء إنما يكون إذا لم يوجد للعتيق عاصب بالنفس من النسب، ولم تستغرق الفروض تركته، فإن كان له عاصب بالنفس من النسب فإنَّه مقدم على عصوبة الولاء، أو كان له ورثة أصحاب فروض فقط، واستغرقت فروضهم التركة، سقط كأي عاصب.
7 -
المشهور من مذهب الإِمام أحمد أنَّ الكفر ليس مانعًا من الإرث بالولاء، ذلك أنَّ الولاء ثابت مع اختلاف الدين بلا نزاع بين العلماء، والولاء شعبة من الرق.
والرواية الآخرى عن الإِمام أحمد: أنَّ اختلاف الدين مانع من التوارث حتى بالولاء، قال الموفق: هو مذهب جمهور العلماء؛ لعموم ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم" وإذا كان اختلاف الدين مانعًا مع النسب وهو أقوى من الولاء، فإنَّه يمنع التوارث بالولاء من باب أولى.
8 -
قال الشيخ تقي الدين. الزنديق منافق يرث ويورث؛ لأنَّه عليه الصلاة والسلام لم يأخذ من تركة منافق شيئًا، ولا جعله فيئًا، فعُلِم أنَّ التوارث مداره على الفطرة، واسم الإِسلام يجري عليه في الظاهر إجماعًا.
***
829 -
وَعنْ أَبِي قِلَابَةَ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أفْرَضُكُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ، سِوَى أِبي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابن حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، وَأُعِلَّ بِالإِرْسَالِ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم.
قال في التلخيص: رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، من حديث أبي قلابة عن أنس فذكر الحديث، وصححه الترمذي والحاكم وابن حبان، وقد أعلَّ بالإرسال، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح، إلَاّ أنَّه قيل: لم يسمع منه هذا الحديث، ورجَّح الدارقطني والبيهقي والخطيب أنَّ الموصول منه:"ولكل أمة أمين، وأمين هذا الأمة أبو عبيدة بن الجراح" وأما الباقي فمرسل، وله طرقٌ أخر، لا تخلو من مقال، إلَاّ أنَّه يشد بعضها بعضًا.
* مفردات الحديث:
- أبي قِلابة: بكسر القاف، وابن زيد الجرمي البصري، تابعي، ثقة، هو أكثر من أخذ عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- أفرضكم زيد: أفرض أفعل تفضيل، ومعناه أنَّ زيد بن ثابت الأنصاري أعلم الصحابة بعلم الفرائض.
(1) أحمد (3/ 184)، الترمذي (3790)، النسائي في فضائل الصحابة (155)، ابن حبان (7131)، ابن ماجة (154).
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، ثم النجاري، كان عمره حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إحدى عشرة سنة، فكانت أولى مشاهده من الغزوات على الراجح الخندق، ووفاته سنة خمس وأربعين، وكان من كُتَّاب الوحي، ومن حفظة القرآن، ومن أوعية العلم.
أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم راية بني النجار يوم تبوك، وقال: إنَّه أكثر أخذًا للقرآن، واستخلفه عمر على المدينة ثلاث مرات، وكان عثمان يستخلفه، وروى عنه جمعٌ كبيرٌ من الصَّحابة والتابعين.
وهو الذي كتب المصحف في عهد أبي بكر، وفي عهد عثمان رضي الله عنهما، ولمَّا مات، قال أبو هريرة: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس خلفاً عنه.
قال ابن عمر: اليوم مات عالم المدينة.
2 -
وجاء في المسند، والترمذي، وابن ماجه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"وأفرضهم زيد ابن ثابت" ومن أجل هذه الشهادة النبوية، وهذه الميزة العلمية، فإنَّ الإِمام الشافعي نحا نحوه، ومال إلى أقواله موافقة له بعد التحري والاجتهاد، وإمعان النظر، وظهور الصواب.
3 -
هذا الحديث قطعةٌ من حديثٍ طويل، رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
والمؤلف لم يأت منه إلَاّ بما تعلق بالباب، وهو:"أفرضكم زيد"؛ لأنَّه شهادة لزيد بن ثابت بأنه أعلم المخاطبين بالمواريث، فيؤخذ عنه ويرجع
إليه عند الاختلاف، ولذا اعتمد أقواله الإِمام الشافعي، ورجحها على غيرها.
4 -
هذا الحديث أُعِلَّ بالإرسال، وذلك أنَّ أبا قلابة -وإن كان سمع من أنس عدة أحاديث-، إلَاّ أنَّه لم يسمع منه هذا الحديث، فيكون مرسلاً أي منقطعًا.
لكن قال المؤلف في التلخيص: صححه الترمذي، والحاكم، وابن حبان، وله طريق أخرى عن أنس، أخرجها الترمذي، ورجح ابن الموَّاق وغيره أنَّه موصول، أما الدَّارقطني، والبيهقي، والخطيب، فرجحوا أنَّ الموصول منه ذِكر أبي عبيدة، والباقي مرسل.
5 -
الخلاف بين العلماء في مسائل الفرائض قليل، وقليله موجود في مسائله التي لم تذكر في القرآن الكريم، وأما أصول مسائله، والهام منها، فمجمعٌ عليها بين العلماء، ذلك أنَّ الله تبارك وتعالى تولَّى قسمتها بنفسه في كتابه العزيز؛ لأنَّها أمورٌ ترجع إلى تقسيم الأموال، والنفوس مجبولة على حب المال، والاستئثار به، كما أنَّ التركة غالبًا تكون بين أقوياء وضعفاء، ومن هنا يأتي الخوف أيضًا من عدم العدل في قسمتها.
***