الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَتْبَاعه وَأبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأَتْبَاعه وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأَتْبَاعه وَغَيرهم
مقَالَة الْمُعْتَزلَة
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه عدل لَا يظلم لِأَنَّهُ لم يرد وجود شَيْء من الذُّنُوب لَا الْكفْر وَلَا الفسوق وَلَا الْعِصْيَان بل الْعباد فعلوا ذَلِك بِغَيْر مَشِيئَته كَمَا فَعَلُوهُ عاصين لأَمره وَهُوَ لم يخلق شَيْئا من أَفعَال الْعباد لَا خيرا وَلَا شرا بل هم أَحْدَثُوا أفعالهم فَلَمَّا أَحْدَثُوا معاصيهم استحقوا الْعقُوبَة عَلَيْهَا فعاقبهم بأفعالهم لم يظلمهم
هَذَا قَول الْقَدَرِيَّة من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَهَؤُلَاء عِنْدهم لَا يتم تنزيهه عَن الظُّلم إِن لم يَجْعَل غير خَالق لشَيْء من أَفعَال الْعباد بل وَلَا قَادر على ذَلِك وَإِن لم يَجْعَل غير شَاءَ لجَمِيع الكائنات بل يَشَاء مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء إِذْ الْمَشِيئَة عِنْدهم بِمَعْنى الْأَمر
وَهَؤُلَاء وَالَّذين قبلهم يتناقضون تناقضا عَظِيما وَلَكِن من الطَّائِفَتَيْنِ مبَاحث ومصنفات فِي الرَّد على الْأُخْرَى وكل من الطَّائِفَتَيْنِ تسمى الْأُخْرَى الْقَدَرِيَّة وَقد روى عَن طَائِفَة من التَّابِعين مُوَافقَة هَؤُلَاءِ
مقَالَة أهل السّنة
وَالْقَوْل الثَّالِث أَن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَالْعدْل وضع كل شَيْء فِي مَوْضِعه وَهُوَ سُبْحَانَهُ حكم عدل يضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا وَلَا
يضع شَيْئا إِلَّا فِي مَوْضِعه الَّذِي يُنَاسِبه وتقتضيه الْحِكْمَة وَالْعدْل وَلَا يفرق بَين متماثلين وَلَا يُسَوِّي بَين مُخْتَلفين وَلَا يُعَاقب إِلَّا من يتسحق الْعقُوبَة فَيَضَعهَا موضعهَا لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة وَالْعدْل
وَأما أهل الْبر وَالتَّقوى فَلَا يعاقبهم أَلْبَتَّة قَالَ تَعَالَى أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين مَا لكم كَيفَ تحكمون [سُورَة الْقَلَم 35 - 36] وَقَالَ تَعَالَى أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار [سُورَة ص 28] وَقَالَ تَعَالَى أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات الْآيَة [سُورَة الجاثية 21]
قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه يُقَال ظلم الرجل سقاءه إِذا سقا مِنْهُ قبل أَن يخرج زبده قَالَ الشَّاعِر
وَصَاحب صدق لم تنلني شكاته
…
ظلمت وَفِي ظلمي لَهُ عَامِدًا أجر
أَرَادَ بالصاحب وطب اللَّبن وظلمه إِيَّاه أَن يسْقِيه قبل أَن يخرج زبده وَالْعرب تَقول هُوَ أظلم من حَيَّة لِأَنَّهَا تَأتي الْحفر الَّذِي لم تحفره فتسكنه وَيُقَال قد ظلم المَاء الْوَادي إِذا وصل مِنْهُ إِلَى مَكَان لم يكن يصل إِلَيْهِ فِيمَا مضى ذكر ذَلِك أَبُو الْفرج وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ أصل الظُّلم وضع
الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَكَذَلِكَ ذكر غير وَاحِد قَالُوا وَالْعرب تَقول من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم أَي مَا وضع الشّبَه فِي غير مَوْضِعه
وَهَذَا الأَصْل وَهُوَ عدل الرب يتَعَلَّق بِجَمِيعِ أَنْوَاع الْعلم وَالدّين فَإِن جَمِيع أَفعَال الرب ومخلوقاته دَاخِلَة فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ أَقْوَاله وشرائعه كتبه الْمنزلَة وَمَا يدْخل فِي ذَلِك من مسَائِل المبدأ والمعاد ومسائل النبوات وآياتهم والنواب وَالْعِقَاب ومسائل التَّعْدِيل والتجوير وَغير ذَلِك وَهَذِه الْأُمُور مِمَّا خَاضَ فِيهِ جَمِيع الْأُمَم كَمَا قد بسط فِي مَوَاضِع
وَأهل الْملَل كلهم يقرونَ بعدله لِأَن الْكتب الإلهية نطقت بعدله وَأَنه قَائِم بِالْقِسْطِ وَأَنه لَا يظلم النَّاس مِثْقَال ذرة لَكِن كثير من النَّاس فِي نَفسه ضغن من ذَلِك وَقد يَقُوله بِلِسَانِهِ ويعرض بِهِ فِي نظمه ونثره وَهَؤُلَاء أَكثر رما يكونُونَ فِي الْمُجبرَة الَّذين لَا يجْعَلُونَ الْعدْل قسيما لظلم مُمكن لَا يَفْعَله بل يَقُولُونَ الظُّلم مُمْتَنع ويجوزون تَعْذِيب الْأَطْفَال وَغير الْأَطْفَال بِلَا ذَنْب أصلا وَأَن يخلق خلقا يعذبهم بالنَّار أبدا لَا لحكمة أصلا وَيرى أحدهم أَنه خلق فِيهِ الذُّنُوب وعذب بالنَّار لَا لحكمة وَلَا لرعاية عدل فتفيض نُفُوسهم إِذا وَقعت مِنْهُم الذُّنُوب وأصيبوا بعقوباتها بأقوال يكونُونَ فِيهَا خصماء الله تَعَالَى وَقد وَقع من هَذَا قِطْعَة فِي كَلَام طَائِفَة من الشُّيُوخ وَأهل الْكَلَام لَيْسَ هَذَا مَوضِع حِكَايَة أعيانهم
وَمَا ذَكرْنَاهُ من الْأَقْوَال الثَّلَاثَة نضبط أصُول النَّاس فِيهِ ونبين أَن القَوْل الثَّالِث هُوَ الصَّوَاب وَبِه يتَبَيَّن أَن كل مَا يَفْعَله الرب فَهُوَ عدل وَأَنه لَا يضع