المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرض الله الدعاء على العباد لافتقارهم إلى هدايته - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفِي قنوت الْأَشْيَاء لله عز وجل وإسلامها وسجودها لَهُ وتسبحها لَهُ

- ‌الْقُنُوت فِي الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام

- ‌السُّجُود

- ‌التَّسْبِيح

- ‌الْقُنُوت فِي اللُّغَة

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية هُوَ الطَّاعَة

- ‌فصل

- ‌رِوَايَة ابْن أبي حَاتِم أوجه تَفْسِير لفظ الْقُنُوت

- ‌الْوَجْه الأول الطَّاعَة

- ‌الْوَجْه الثَّانِي الصَّلَاة

- ‌الْوَجْه الثَّالِث الْإِقْرَار بالعبودية

- ‌الْوَجْه الرَّابِع الْقيام يَوْم الْقِيَامَة

- ‌الْوَجْه الْخَامِس قَول الْإِخْلَاص

- ‌أَقْوَال الْمُفَسّرين

- ‌هَل الْقُنُوت خَاص أم عَام

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية عَام

- ‌أَنْوَاع الْقُنُوت الَّذِي يعم الْمَخْلُوقَات

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌فصل

- ‌الْكَلَام عَن السُّجُود

- ‌تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا} الْآيَة

- ‌السُّجُود فِي اللُّغَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌لفظ السّنَن فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن

- ‌سنته نصْرَة أوليائه وإهانة أعدائه

- ‌الْآيَة الأولى

- ‌الْأَرْبَعَة الْبَوَاقِي:

- ‌الأولى

- ‌الثَّانِيَة

- ‌الثَّالِثَة

- ‌الرَّابِعَة

- ‌السّنَن الْمُتَعَلّقَة بالأمور الطبيعية ينقضها الله إِذا شَاءَ

- ‌ الأول

- ‌ الثَّانِي

- ‌الْأَدِلَّة على ذَلِك

- ‌الثَّالِث

- ‌سنته تَعَالَى مطردَة فِي الدينيات والطبيعيات

- ‌نقض الْعَادة لاخْتِصَاص معِين

- ‌السّنة هِيَ الْعَادة

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌شيخ مَدين لم يكن شعيبا

- ‌كَانَ شُعَيْب عَرَبيا ومُوسَى عبرانيا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَفْسِير السُّورَة إِجْمَالا

- ‌[الْآيَتَانِ: 1، 2]

- ‌الْآيَة الثَّالِثَة

- ‌الْآيَة الرَّابِعَة

- ‌الْآيَة الْخَامِسَة

- ‌الْآيَة السَّابِعَة

- ‌الْآيَة الثَّامِنَة

- ‌الْآيَة التَّاسِعَة

- ‌الْآيَة الْعَاشِرَة

- ‌الْآيَة: 11

- ‌الْآيَات: 12-20

- ‌الْآيَة: 21

- ‌الْآيَة: 22

- ‌الْآيَتَانِ: 23، 24

- ‌الْآيَتَانِ: 25، 26

- ‌الْآيَة: 27

- ‌الْآيَة: 28

- ‌الْآيَة: 29

- ‌الْآيَة الثَّلَاثُونَ

- ‌فصل فِي التَّوَكُّل

- ‌التَّوَكُّل عِنْد طَائِفَة مُجَرّد عبَادَة لَا يحصل بِهِ جلب مَنْفَعَة وَلَا دفع مضرَّة

- ‌التَّوَكُّل عِنْد الْجُمْهُور يجلب الْمَنْفَعَة وَيدْفَع الْمضرَّة وَهُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين

- ‌توكل الْمُؤمن على الله هُوَ سَبَب كَونه حسبا لَهُ

- ‌التَّوَكُّل سَبَب نعْمَة الله وفضله

- ‌الْأَسْبَاب -وَمِنْهَا التَّوَكُّل- من قدر الله

- ‌نصر الله مَعَ التَّوَكُّل عَلَيْهِ

- ‌توكل الْمُرْسلين يدْفع عَنْهُم شَرّ أعدائهم

- ‌غلط من أنكر الْأَسْبَاب أَو جعلهَا مُجَرّد أَمارَة أَو عَلامَة

- ‌فصل

- ‌فرض الله الدُّعَاء على الْعباد لافتقارهم إِلَى هدايته

- ‌الْمُجبرَة والقدرية والملاحدة لَا يحْمَدُونَ الله وَلَا يشكرونه

- ‌مقَالَة الْمُجبرَة

- ‌مقَالَة الْقَدَرِيَّة النافية

- ‌مقَالَة المتفلسفة

- ‌مقَالَة باطنية الشِّيعَة والمتصوفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ

- ‌كفر باطنية المتصوفة أعظم من كفر الفلاسفة

- ‌كل مَا بالخلق من نعْمَة فَمن الله

- ‌نعْمَة الله على الْكفَّار وَغَيرهم وَلَكِن نعْمَته الْمُطلقَة على الْمُؤمنِينَ

- ‌الْجَهْمِية والمعتزلة يُنكرُونَ محبته تَعَالَى ويقرون بِوُجُوب الشُّكْر

- ‌الْجَهْمِية الْمُجبرَة يضعف شكرهم وخوفهم ويقوى رجاؤهم

- ‌الْمُؤمن يخَاف الله ويرجوه وَيُحِبهُ

- ‌الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود يحبونَ بِدُونِ خوف أَو رَجَاء

- ‌بَيَان مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌تنَازع طوائف الْمُسلمين فِي معنى الظُّلم الَّذِي ينزه الله عَنهُ

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والأشاعرة

- ‌مقَالَة الْمُعْتَزلَة

- ‌مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌الْخَيْر بيدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْهِ

- ‌التَّعْلِيق على قَول بَعضهم: الْخَيْر كُله فِي الْوُجُود وَالشَّر كُله فِي الْعَدَم

- ‌الْخَيْر وَالشَّر دَرَجَات

- ‌لَا يعذب الله أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ

- ‌الله يفعل الْخَيْر وَالْأَحْسَن

- ‌فصل مُخْتَصر

- ‌بَيَان حَقِيقَة إِرَادَة الله

- ‌الْمُثبت فِي الْقُرْآن لَيْسَ هُوَ الْمَنْفِيّ فِي السّنة

- ‌الْعَمَل سَبَب للثَّواب

- ‌السَّبَب لَا يسْتَقلّ بالحكم

- ‌لَيْسَ جَزَاء الله على سَبِيل الْمُعَاوضَة

- ‌غلط من توهم ذَلِك من وُجُوه

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌لَا بُد من الْعَمَل وَمن رَجَاء رَحْمَة الله

- ‌الله يدْخل الْجنَّة بِالْعَمَلِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَسْبَاب

- ‌نَص السُّؤَال

- ‌هَذِه مقَالَة المتفلسفة والقرامطة والاتحادية

- ‌رد السّلف عَلَيْهِم

- ‌النَّاس فِي الصِّفَات ثَلَاث مَرَاتِب

- ‌مقَالَة أهل السّنة فِي كَلَام الله

- ‌مقَالَة الفلاسفة فِي كَلَام الله

- ‌مُتَابعَة الْغَزالِيّ للفلاسفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ فِي الفصوص

- ‌تأثر الْغَزالِيّ بِإِخْوَان الصَّفَا وأمثالهم

- ‌كَلَام الْغَزالِيّ فِي كتاب المضنون

- ‌مقَالَة ابْن حزم

- ‌الرَّد على النفاة

- ‌الرَّد على الْغَزالِيّ

- ‌إِثْبَات ابْن تَيْمِية وَأهل السّنة الْمَاهِيّة لله تَعَالَى

- ‌فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال:

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌الْجَواب:

- ‌الحلاج كَانَ زنديقًا:

- ‌بعض أَخْبَار الحلاج:

- ‌أَخْبَار أُخْرَى عَن بعض أَصْحَاب الْأَحْوَال الشيطانية:

- ‌إِخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الدجالين والدجال الْكَبِير:

- ‌كَانَ الحلاج دجالًا وَوَجَب قَتله:

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌{الْجَواب}

- ‌فِرْعَوْن من أعظم الْخلق كفرا:

- ‌لَا يُصَرح بِمَوْتِهِ مُؤمنا إِلَّا من فِيهِ نفاق وزندقة كالاتحادية:

- ‌تَفْضِيل الاتحادية الْوَلِيّ على النَّبِي وَالرَّسُول:

- ‌بطلَان حجتهم على إِيمَان فِرْعَوْن:

- ‌إِخْبَار الله عَن عَذَاب فِرْعَوْن فِي الْآخِرَة:

- ‌فصل

- ‌بعض آيَات التَّوْبَة فِي الْقُرْآن

- ‌بعض الْأَحَادِيث فِي التَّوْبَة

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة نَوْعَانِ وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْوَاجِبَة من ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور

- ‌والمستحبة من ترك المستحبات وَفعل المكروهات

- ‌التَّوْبَة من ترك الْحَسَنَات أهم من التَّوْبَة من فعل السَّيِّئَات

- ‌الغي والضلال يجمعان جَمِيع السَّيِّئَات

- ‌الغي فِي شهوات الرِّئَاسَة وَالْكبر والعلو

- ‌فصل

- ‌الْعِصْيَان يَقع مَعَ ضعف الْعلم

- ‌التَّوْبَة من الاعتقادات أعظم من التَّوْبَة من الإرادات

- ‌الِاعْتِقَاد والإرادة يتعاونان

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة من الْحَسَنَات لَا تجوز عِنْد أحد من الْمُسلمين

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح لعبارة: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين

- ‌الْمَعْنى الْفَاسِد للعبارة

- ‌لم تأت الشَّرِيعَة بِالتَّوْبَةِ من الْحَسَنَات

- ‌أصل هَذِه الْمقَالة هُوَ دَعْوَى الْعِصْمَة فِي الْمُؤمنِينَ

- ‌غلو النَّصَارَى فِي هَذِه الدَّعْوَى

- ‌غلو الشِّيعَة فِي دَعْوَى الْعِصْمَة

- ‌غلو الصُّوفِيَّة

- ‌لَا عصمَة لأحد بعد الرَّسُول

- ‌مَذْهَب السّلف وَأهل السّنة هُوَ القَوْل بتوبة الْأَنْبِيَاء

- ‌الْيَهُود فرطوا فِي حق الْأَنْبِيَاء

- ‌الْإِسْلَام هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم

- ‌عصمَة الْأَئِمَّة تَعْنِي مضاهاتهم للرسول

- ‌الغلو فِي الْبشر يُؤَدِّي إِلَى الشّرك

- ‌بطلَان القَوْل بعصمة الْأَنْبِيَاء من التَّوْبَة من الذُّنُوب

- ‌تَفْصِيل مَذْهَب أهل السّنة فِي ذَلِك

- ‌سَبَب مَا اخْتصَّ بِهِ الْعَرَب من الْفضل

الفصل: ‌فرض الله الدعاء على العباد لافتقارهم إلى هدايته

وَأنكر تَعَالَى على من ظن وجود الْأَسْبَاب كعدمها فِي قَوْله تَعَالَى أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين [سُورَة الْقَلَم 35] وَقَوله تَعَالَى أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار [سُورَة ص 28] وأمثال ذَلِك

وَهَؤُلَاء الَّذين يَقُولُونَ بالجبد رقالوا بِالْأَمر وَالنَّهْي حَقِيقَته أَنه إِعْلَام بِوُقُوع الْعَذَاب بِالْمَعَاصِي بمحض الْمَشِيئَة لَا لسَبَب وَلَا لحكمة فقلبوا حَقِيقَة الْأَمر وَالنَّهْي إِلَى الْجَبْر كَمَا أبطلوا الْأَسْبَاب وَالْحكم وأبطلوا قدر الْعباد وهم وَإِن كَانُوا يردون على الْقَدَرِيَّة ويذكرون من تناقضهم مَا يبين بِهِ فَسَاد قَول الْقَدَرِيَّة فَردُّوا بَاطِلا بباطل وَقَابَلُوا بِدعَة ببدعة كرد الْيَهُود على النَّصَارَى وَالنَّصَارَى على الْيَهُود مقاتلهم فِي الْمَسِيح وكلا المقالتين بَاطِلَة وَكَذَلِكَ تقَابل الْخَوَارِج والشيعة فِي عَليّ كِلَاهُمَا بَاطِل على بَاطِل ونظائر مُتعَدِّدَة

‌فصل

‌فرض الله الدُّعَاء على الْعباد لافتقارهم إِلَى هدايته

وَإِن مَا فرض عَلَيْهِ من الدُّعَاء الرَّاتِب الَّذِي يتَكَرَّر فِي الصَّلَوَات بل الرَّكْعَات فَرضهَا ونفلها هُوَ الدُّعَاء الَّذِي تضمنته أم الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين لِأَن كل عبد فَهُوَ مُضْطَر دَائِما إِلَى مَقْصُود هذاالدعاء وَهُوَ هِدَايَة الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَإِنَّهُ لَا نجاة من الْعَذَاب إِلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَة وَلَا وُصُول

ص: 98

إِلَى السَّعَادَة إِلَّا بِهِ فَمن فَاتَهُ هَذَا الْهدى فَهُوَ إِمَّا من المغضوب عَلَيْهِم وَإِمَّا من الضَّالّين

وَهَذَا الإهتداء لَا يحصل إِلَّا بهدى الله فَمن يهده الله فَهُوَ الْمُهْتَدي وَمن يضلل فَلَنْ تَجِد لَهُ وليا مرشدا [سُورَة الْكَهْف 17] وَهَذِه الْآيَة مِمَّا يتَبَيَّن بهَا فَسَاد مَذْهَب الْقَدَرِيَّة الَّذين يَزْعمُونَ أَن العَبْد لَا يفْتَقر فِي حُصُول هَذَا الإهتداء إِلَى الله بل كل عبد عِنْدهم مَعَه مَا يحصل بِهِ الإهتداء وَالْكَلَام عَلَيْهِم مَبْسُوط فِي مَوضِع آخر

وَالْمَقْصُود هُنَا أَن كل عبد فَهُوَ مفتقر دَائِما إِلَى حُصُول هَذِه الْهِدَايَة وَأما سُؤال من يَقُول فقد هدَاهُم إِلَى الْإِيمَان فَلَا حَاجَة إِلَى الْهدى وَجَوَاب من يُجيب بِأَن الْمَطْلُوب دوَام الْهدى فَكَلَام من لم يعرف حَقِيقَة حَال الْأَسْبَاب وَمَا أَمر بِهِ فَإِن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم أَن تفعل فِي كل وَقت مَا أمرت بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت من علم وَعمل وَلَا تفعل مَا نهيت عَنهُ وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كل وَقت إِلَى أَن يعلم مَا أَمر بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت وَمَا نهى عَنهُ وَإِلَى أَن يحصل لَهُ إِرَادَة جازمة لفعل الْمَأْمُور وَكَرَاهَة جازمة لترك الْمَحْظُور وَهَذَا الْعلم الْمفصل والإرادة المفصلة لَا يتَصَوَّر أَن تحصل للْعَبد فِي وَقت وَاحِد بل فِي كل وَقت يحْتَاج أَن يَجْعَل الله فِي قلبه من الْعُلُوم والإرادات مَا يهدى بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت نعم حصل لَهُ هدى مُجمل فَإِن الْقُرْآن حق وَدين الْإِسْلَام حق وَالرَّسُول وَنَحْو ذَلِك وَلَكِن هَذَا الْهدى الْمُجْمل لَا يُعينهُ إِن لم يحصل لَهُ هدى مفصل فِي كل مَا يَأْتِيهِ ويدبره من الجزئيات الَّتِي يحار فِي كثير مِنْهَا أَكثر عقول الْخلق ويغلب الْهوى أَكثر الْخلق لغَلَبَة الشُّبُهَات والشهوات على النُّفُوس

ص: 99

وَالْإِنْسَان خلق ظلوما جهولا فَالْأَصْل فِيهِ عدم الْعلم وميله إِلَى مَا يهواه من الشَّرّ فَيحْتَاج دَائِما إِلَى علم مفصل يَزُول بِهِ جَهله وَعدل فِي محبته وبغضه وَرضَاهُ وغضبه وَفعله وَتَركه وإعطائه وَمنعه وكل مَا يَقُوله ويعمله يحْتَاج فِيهِ إِلَى عدل يُنَافِي ظلمه فَإِن لم يمن الله عَلَيْهِ بِالْعلمِ الْمفصل وَالْعدْل الْمفصل وَإِلَّا كَانَ فِيهِ من الْجَهْل وَالظُّلم مَا يخرج بِهِ عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَقد قَالَ تَعَالَى لنَبيه بعد صلح الْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطا مُسْتَقِيمًا وينصرك الله نصرا عَزِيزًا [سُورَة الْفَتْح 1 - 3] فَأخْبر أَنه فعل هَذَا ليهديه صراطا مُسْتَقِيمًا فَإِذا كَانَ هَذَا حَاله فَكيف حَال غَيره

والصراط الْمُسْتَقيم قد فسر بِالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَام وَطَرِيق الْعُبُودِيَّة وكل هَذَا حق فَهُوَ مَوْصُوف بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ فحاجته إِلَى هَذِه الْهِدَايَة ضَرُورِيَّة فِي سعادته ونجاته بِخِلَاف الْحَاجة إِلَى الرزق والنصر فَإِن الله يرزقه وَإِذا انْقَطع رزقه مَاتَ وَالْمَوْت لَا بُد مِنْهُ فَإِن كَانَ من أهل الْهِدَايَة كَانَ سعيدا وَإِن كَانَ بعد الْمَوْت وَكَانَ الْمَوْت موصلا لَهُ إِلَى السَّعَادَة الدائمة الأبدية فَيكون رَحْمَة فِي حَقه وَكَذَلِكَ النَّصْر إِذا قدر أَنه قهر وَغلب حَتَّى قتل فَإِذا كَانَ من أهل الْهِدَايَة إِلَى الإستقامة مَاتَ شَهِيدا وَكَانَ الْقَتْل من تَمام نعْمَة الله عَلَيْهِ فَتبين أَن حَاجَة الْعباد إِلَى الْهَدْي أعظم من حَاجتهم إِلَى الرزق بل لَا نِسْبَة بَينهمَا فَلهَذَا كَانَ هَذَا الدُّعَاء هُوَ الْمَفْرُوض عَلَيْهِم

وَأَيْضًا فَإِن الدُّعَاء يتَضَمَّن الرزق والنصر لِأَنَّهُ إِذا هدي الصِّرَاط الْمُسْتَقيم كَانَ من الْمُتَّقِينَ وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَكَانَ مِمَّن ينصر الله وَرَسُوله وَمن نصر الله نَصره وَكَانَ من جند الله وجند الله هم الغالبون فالهدى التَّام يتَضَمَّن حُصُول أعظم مَا يحصل بِهِ الرزق والنصر

ص: 100

رِسَالَة فِي تَحْقِيق الشُّكْر

ص: 101