الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَاعِدَة
فِي معنى كَون الرب عادلا وَفِي تنزهه عَن الظُّلم
وَفِي إِثْبَات عدله وإحسانه
تأليف شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدَّين ابْن تَيْمِية مِمَّا أَلفه فِي محبسه الْأَخير بالقلعة بِدِمَشْق قدس الله روحه
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله أجميعن وَسلم تَسْلِيمًا
فصل
اتّفق الْمُسلمُونَ وَسَائِر أهل الْملَل على أَن الله تَعَالَى عدل قَائِم بِالْقِسْطِ لَا يظلم شَيْئا بل هُوَ منزه عَن الظُّلم
تنَازع طوائف الْمُسلمين فِي معنى الظُّلم الَّذِي ينزه الله عَنهُ
ثمَّ لما خَاضُوا فِي الْقدر تنازعوا فِي معنى كَونه عدلا فِي الظُّلم الَّذِي هُوَ منزه عَنهُ
مقَالَة الْجَهْمِية والأشاعرة
فَقَالَت طَائِفَة الظُّلم لَيْسَ بممكن الْوُجُود بل كل مُمكن إِذا قدر وجوده مِنْهُ فَإِنَّهُ عدل وَالظُّلم هُوَ الْمُمْتَنع مثل الْجمع بَين الضدين وَكَون الشَّيْء مَوْجُودا مَعْدُوما فَإِن الظُّلم إِمَّا التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر وكل مَا سواهُ ملكه وَإِمَّا مُخَالفَة الْآمِر الَّذِي تجب طَاعَته وَلَيْسَ فَوق الله تَعَالَى آمُر تجب عَلَيْهِ طَاعَته
وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ مهما تصور وجوده وَقدر وجوده فَهُوَ عدل وَإِذا قَالُوا كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل فَهَذَا أَمر أوهم
وَهَذَا قَول الْمُجبرَة مثل جهم وَمن اتبعهُ وَهُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ وَأَمْثَاله من أهل الْكَلَام وَقَول من وافقهم من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث والصوفية
وَقد روى عَن بعض الْمُتَقَدِّمين كَلِمَات مُطلقَة تشبه هَذَا الْمَذْهَب مثل قَول إِيَاس بن مُعَاوِيَة مَا ناظرت بعقلي كُله إِلَّا الْقَدَرِيَّة قلت لَهُم مَا الظُّلم قَالُوا أَن تَأْخُذ مَا لَيْسَ لَك قلت فَللَّه كل شَيْء وَمثل قَول أبي الْأسود لعمران بن حُصَيْن لما سَأَلَهُ فَقَالَ عمرَان أَرَأَيْت مَا يكدح النَّاس الْيَوْم ويعملون فِيهِ أَشَيْء قضى عَلَيْهِم وَمضى من قدر قد سبق أَو فِيمَا يستقبلون فِيمَا أَتَاهُم بِهِ نَبِيّهم فاتخذت بِهِ عَلَيْهِم الْحجَّة قَالَ قلت بل شَيْء قد قضى عَلَيْهِم وَمضى عَلَيْهِم قَالَ فَهَل يكون ذَلِك ظلما قَالَ فَفَزِعت من ذَلِك فَزعًا شَدِيدا وَقلت لَهُ إِنَّه لَيْسَ شَيْء إِلَّا وَهُوَ خلق الله وَملك يَده وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون فَقَالَ سددك الله إِنِّي وَالله مَا سَأَلتك إِلَّا لأحرز عقلك
وَهَذَا قَول كثير من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَالْقَاضِي أبي يعلى