الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت وَهَذَا من جنس وصفهَا بِالسُّجُود لَهُ وَالتَّسْبِيح قَالَ تَعَالَى ألم تَرَ أَن الله يسبح لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالطير صافات كل قد علم صلَاته وتسبيحه [سُورَة النُّور 41] لَكِن قد يُقَال فَالصَّلَاة صَلَاة الْمَخْلُوقَات وَالْمُؤمنِينَ وَلم يرد أَن الْكَافرين يصلونَ فَتكون الْآيَة خَاصَّة وَلِهَذَا حكى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ هِيَ خَاصَّة
الْوَجْه الثَّالِث الْإِقْرَار بالعبودية
قَالَ وَالْوَجْه الثَّالِث ثمَّ روى بِالْإِسْنَادِ الْمَرْوِيّ عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن أَبِيه عَن يزِيد النَّحْوِيّ عَن عِكْرِمَة كل لَهُ قانتون قَالَ مقرون بالعبودية قَالَ وروى عَن أبي مَالك نَحوه
قلت وَهَذَا إِخْبَار عَمَّا فطروا عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بِأَن الله رَبهم كَمَا قَالَ وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى الْآيَة [سُورَة الْأَعْرَاف 172] فَإِن هَذِه الْآيَة بَينه فِي إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم بالمعرفة الَّتِي فطروا عَلَيْهَا أَن الله رَبهم وَقَالَ صلى الله عليه وسلم كل مولولد مولد على الْفطْرَة
وَطَائِفَة من الْعلمَاء جعلُوا هَذَا الْإِقْرَار لما اسْتخْرجُوا من صلب آدم وَأَنه أنطقهم وأشهدهم لَكِن هَذَا لم يثبت بِهِ خبر صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْآيَة لَا تدل عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الْمَعْرُوفَة أَنه استخرجهم وأراهم لآدَم وميز بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار مِنْهُم فعرفوا من يَوْمئِذٍ هَذَا فِيهِ مأثور من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد جيد وَهُوَ أَيْضا من حَدِيث عمر بن الْخطاب الَّذِي رَوَاهُ أهل السّنَن وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ يصلح للإعتضاد
وَأما إنطاقهم وإشهادهم فروى عَن بعض السّلف وَقد روى عَن أبي وَابْن عَبَّاس وَبَعْضهمْ رَوَاهُ مَرْفُوعا من طَرِيق ابْن عَبَّاس وَغَيره وروى ذَلِك الْحَاكِم فِي صَحِيحه لَكِن هَذَا ضَعِيف وللحاكم مثل هَذَا يرْوى أَحَادِيث
مَوْضُوعَة فِي صَحِيحه مثل حَدِيث زريب بن برثملي وَهَامة بن الهيم وَغير ذَلِك وَبسط هَذَا لَهُ مَوضِع آخر
لَكِن كَون الْخلق مفطورين على الْإِقْرَار بالخالق أَمر دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ مَعْرُوف بدلائل الْعُقُول كَمَا قد بسط فِي مَوَاضِع وَبَين أَن الْإِقْرَار بالخالق فطري ضَرُورِيّ فِي جبلات النَّاس لَكِن من النَّاس من فَسدتْ فطرته فَاحْتَاجَ إِلَى دَوَاء بِمَنْزِلَة السفسطة الَّتِي تعرض لكثير من النَّاس فِي كثير من المعارف الضرورية كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْموضع
وَهَؤُلَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى النّظر وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور النَّاس أَن أصل الْمعرفَة قد يَقع ضَرُورِيًّا فطريا وَقد يحْتَاج فِيهِ إِلَى النّظر والإستدلال
وَكثير من أهل الْكَلَام يَقُول إِنَّه لَا يجوز أَن تقع الْمعرفَة ضَرُورِيَّة بل لَا تقع إِلَّا بِنَظَر وَكسب قَالُوا لِأَنَّهَا لَو وَقعت ضَرُورَة لارتفع التَّكْلِيف والإمتحان وَمِنْهُم من ادّعى انْتِفَاء ذَلِك فِي الْوَاقِع وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الإمتحان والتكليف الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل كَانَ بِأَن يعبدوا الله وَحده لَا يشركُونَ بِهِ إِلَى هَذَا دَعَا عَامَّة الرُّسُل وَمن كَانَ من النَّاس جاحدا دَعوه إِلَى الإعتراف
بالصانع كفرعون وَنَحْوه مَعَ أَنه كَانَ فِي الْبَاطِن عَارِفًا وَإِنَّمَا جحد ظلما وعلوا كَمَا قَالَ تَعَالَى وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [سُورَة النَّمْل 14] وَقَالَ لَهُ مُوسَى لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض بصائر [سُورَة الْإِسْرَاء 102]
وَخَاتم الرُّسُل دَعَا النَّاس إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ فَقَالَ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَقَالَ لِمعَاذ فِي الحَدِيث الصَّحِيح إِنَّك تَأتي قوما أهل كتاب فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك فأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَإِن هم أطاعوا لَك فأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد فِي فقرائهم
وَلِهَذَا قَالَت الرُّسُل لقومهم مَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ فِي قَوْله عز وجل ألم يأتكم نبأ الَّذين من قبلكُمْ قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم إِلَى قَوْله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ [سُورَة إِبْرَاهِيم 9 - 11]
وَأَيْضًا فَإِن المعارف لَا بُد أَن تَنْتَهِي إِلَى مُقَدمَات ضَرُورِيَّة وهم لَا يؤمرون بتحصيل الْحَاصِل بل يؤمرون بِالْعَمَلِ بموجبها وبعلوم أُخْرَى يكتسبونها بهَا
وَأَيْضًا فَإِن أَكثر النَّاس غافلون عَمَّا فطروا عَلَيْهِ من الْعلم فَيذكرُونَ بِالْعلمِ الَّذِي فطروا عَلَيْهِ وأصل الْإِقْرَار من هَذَا الْبَاب وَلِهَذَا تُوصَف الرُّسُل بِأَنَّهُم يذكرُونَ ويصف الله تَعَالَى آيَاته بِأَنَّهَا تذكرة وتبصرة كَمَا فِي قَوْله تبصرة وذكرى لكل عبد منيب [سُورَة ق 8]
فَإِذا كَانَ من المعارف مَا هُوَ ضَرُورِيّ بالِاتِّفَاقِ وَلم يكن ذَلِك مَانِعا من الْأَمر وَالنَّهْي إِمَّا بتذكرة وَإِمَّا بالإستدلال فَيُؤْمَر النَّاس تَارَة بالتذكرة وَتارَة بالتبصرة ثمَّ يُؤمر النَّاس أَن يقرُّوا بِمَا علموه ويشهدوا بِهِ فَلَا يعاندوه وَلَا يجحدوه وَأكْثر الْكفَّار جَحَدُوا مَا علموه
والإعتراف بِالْحَقِّ الَّذِي يعلم وَالشَّهَادَة بِهِ والخضوع لصَاحبه لَا بُد مِنْهُ فِي الْإِيمَان وإبليس وَفرْعَوْن وَغَيرهمَا كفرُوا للعناد والإستكبار كَمَا ذكر الله تَعَالَى ذَلِك فِي كِتَابه
وَلَكِن الْجَهْمِية لما ظنت أَن مُجَرّد معرفَة الْقلب هِيَ الْإِيمَان أَرَادوا أَن يجْعَلُوا ذَلِك مكتسبا وَزَعَمُوا أَن من كفره الشَّرْع كإبليس وَفرْعَوْن لم يكن فِي قلبه من الْإِقْرَار شَيْء كَمَا زَعَمُوا أَنه يُمكن أَن يقوم بقلب العَبْد إِيمَان تَامّ مَعَ كَونه يعادي الله وَرَسُوله ويسب الله وَرَسُوله فِي الظَّاهِر من غير إِكْرَاه