الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذا قيل إِن الله سُبْحَانَهُ هُوَ خَالق الْخَيْر وَالشَّر فَالْمُرَاد مَا هُوَ شَرّ من غَيره وَفِيه أَذَى لبَعض النَّاس وَلَكِن خلقه لحكمة وَمَا خلق لحكمة مَطْلُوبَة محبوبة فوجوده خير من عَدمه فَلم يخلق شَيْئا يكون شرا أَي يكون وجوده شرا من عَدمه لَكِن يخلق مَا هُوَ شَرّ من غَيره وَغَيره خير مِنْهُ للحكمة الْمَطْلُوبَة وَمَا فِيهِ أَذَى لبَعض النَّاس للحكمة الْمَطْلُوبَة
لَا يعذب الله أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ
وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يعذب أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ بِمُقْتَضى الْحِكْمَة وَالْعدْل وَفِي تعذيبه أَنْوَاع الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة وَهَذَا ظَاهر فِيمَا يبتلى بِهِ الْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا من المصائب الَّتِي هِيَ جَزَاء سيئاتهم فَإِن فِي ذَلِك من الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة وَالْعدْل مَا هُوَ بَين لمن تَأمله وَلَا يُعَاقب أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ
قَالَ تَعَالَى وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير [سُورَة الشورى 30] ومَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك [سُورَة النِّسَاء 79] ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم [سُورَة الْأَنْفَال 53] فَلَا يسلبهم إِلَّا إِذا غيروا مَا فِي أنفسهم بِالْمَعَاصِي والذنُوب فَلَا يجزى بالسيئات إِلَّا من فعل السَّيِّئَات وَلَا يُوقع النقم ويسلب النعم إِلَّا من أَتَى بالسيئات الْمُقْتَضِيَة لذَلِك كَمَا فعل بِمن خَالف رسله من جَمِيع الْأُمَم كَمَا قَالَ فِي الْعَذَاب كدأب آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم كفرُوا بآيَات الله فَأَخذهُم الله
بِذُنُوبِهِمْ إِن الله قوي شَدِيد الْعقَاب [سُورَة الْأَنْفَال 52] ثمَّ قَالَ ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم الْآيَة وَمَا بعْدهَا إِلَى قَوْله وكل كَانُوا ظالمين [سُورَة الْأَنْفَال 53 - 54] فَذكر تمثيلا لزوَال النعم عَلَيْهِم لما كذبُوا بآياته
وَلِهَذَا قَالَ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ [سُورَة الْأَنْفَال 54] وَذكر الأول تمثيلا لعذابهم بعد الْمَوْت كَمَا قَالَ وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق ذَلِك بِمَا قدمت أَيْدِيكُم وَأَن الله لَيْسَ بظلام للعبيد كدأب آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم كفرُوا بآيَات الله فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ إِن الله قوي شَدِيد الْعقَاب [سُورَة الْأَنْفَال 50 - 52] فَقَالَ هُنَا فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ فَإِن أَخذه يتَضَمَّن أَخذهم ليصلوا بعد الْمَوْت إِلَى الْعَذَاب وَلَفظ الْهَلَاك يَقْتَضِي هلاكهم فِي الدُّنْيَا وَزَوَال النِّعْمَة عَنْهُم فَذكر هلاكهم بِزَوَال النعم وَذكروا أَخذهم بالنقم كَمَا قَالَ وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد [سُورَة هود 102]
وَلَفظ الْمُؤَاخَذَة من الْأَخْذ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا [سُورَة الْبَقَرَة 286] وَقَوله إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد كَقَوْلِه إِن بَطش رَبك لشديد [سُورَة البروج 12] وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد أرسلنَا إِلَى أُمَم من قبلك فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ الْآيَة [سُورَة الْأَنْعَام 42] وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 76] فَهَذَا تَعْذِيب لَهُم فِي الدُّنْيَا ليتضرعوا إِلَيْهِ وليتوبوا وَذكر هُنَا أَنه أَخذهم