الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ قَول الْمُعْتَزلَة والنجارية والضرارية والشيعة وَنَحْوهم مِمَّن يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق بل هُوَ شَرّ من قَول هَؤُلَاءِ فَإِن هَؤُلَاءِ متفقون على أَنه خلق فِي غَيره كلَاما وَأَنه مُتَكَلم بذلك الَّذِي خلقه فِي غَيره وَأَن مُوسَى وَالْمَلَائِكَة يسمعُونَ ذَلِك الْكَلَام الْمَخْلُوق الَّذِي هُوَ كَلَام الله عِنْد هَؤُلَاءِ المبتدعة
قَالُوا إِنَّه لَا يكون متكلما إِلَّا بِكَلَام يقوم بِهِ وَإِن الْكَلَام إِذا قَامَ بِمحل كَانَ صفة لذَلِك الْمحل لَا لغيره كَسَائِر الصِّفَات من الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَنَحْوه فَيُقَال عَالم وقادر وَسميع وبصير وَنَحْو ذَلِك
رد السّلف عَلَيْهِم
وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من السّلف من قَالَ إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا [سُورَة طه 14] مَخْلُوق فَهُوَ بِمَنْزِلَة من صدق فِرْعَوْن فِي قَوْله
أَنا ربكُم الْأَعْلَى [سُورَة النازعات 24] لِأَنَّهُ لَو كَانَ قَوْله إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا مخلوقا لَكَانَ كلَاما للمحل الَّذِي خلق فِيهِ إِمَّا الشَّجَرَة وَإِمَّا الْهَوَاء فَيكون الشَّجَرَة أَو الْهَوَاء هُوَ الْقَائِل إِنَّنِي أَنا الله وَمن جعل هَذَا رَبًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَة من جعل فِرْعَوْن رَبًّا وَإِن كَانَ الله خَالق ذَلِك الْكَلَام فِي الشَّجَرَة والهواء فقد ثَبت بِالْحجَّةِ أَنه خَالق أَفعَال الْعباد وَأَنه أنطق كل شَيْء فَكل نَاطِق فِي الْوُجُود هُوَ أنطقه وَخلق نطقه فَيجب أَن يكون كل نطق فِي الْوُجُود كَلَامه حَتَّى قَول فِرْعَوْن أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَحِينَئِذٍ فَلَا فرق بَين قَوْله إِنَّنِي أَنا الله وَبَين خلقه على لِسَان فِرْعَوْن أَنا ربكُم الْأَعْلَى
وَهَذَا اللَّازِم تَفِر مِنْهُ الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم إِذْ هم لَا يقرونَ بِأَن الله خَالق أَفعَال الْعباد لَكِن يلْزمهُم بِالْحجَّةِ مَا يخلقه الله من الْكَلَام مثل إنطاق الْجُلُود وتسبيح الْحَصَى وَتَسْلِيم الْحجر عليه السلام وَشَهَادَة الْأَلْسِنَة وَالْأَيْدِي والأرجل فَإِن هَذَا لَيْسَ من أَفعَال الْعباد بل ذَلِك خلق الله فيلزمهم أَن يَقُولُوا ذَلِك كُله كَلَام الله وَهُوَ بَاطِل وهم لَا يلتزمونه
وَإِنَّمَا الْتزم مثل هَذَا الإتحادية والحلولية الَّذين يَقُولُونَ إِنَّه وجود الْمَخْلُوقَات أَو هُوَ سَار فِي جَمِيع الْمَخْلُوقَات كَمَا قَالَ قَائِلهمْ وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه
…
سَوَاء علينا نثره ونظامه
وَمن هَؤُلَاءِ من يفرق بَين قَول الحلاج وَأَمْثَاله أَنا الْحق وَبَين قَول فِرْعَوْن أَنا ربكُم الْأَعْلَى بِأَن الحلاج وَأَمْثَاله قَالُوا ذَلِك وهم فانون فَالْحق نطق على ألسنتهم لغيبتهم عَن شُهُود أنفسهم وَأما فِرْعَوْن وَأَمْثَاله مِمَّن هم فِي شُهُود أنفسهم فقالوه مَعَ رُؤْيَتهمْ أنفسهم وَحَاصِله أَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي نطق على لِسَان الحلاج وَأَمْثَاله
وَهَذَا شَرّ من قَول من يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق خلقه الله فِي الْهَوَاء وَنَحْوه لِأَن الجماد لَيْسَ لَهُ نطق يُضَاف إِلَيْهِ فوجود الْكَلَام فِيهِ شُبْهَة توجب جعله كلَاما لغيره أما الْإِنْسَان الْحَيّ إِذا وجد مِنْهُ مثل هَذَا الْكَلَام مُضَافا إِلَى نَفسه وَجعل الْمُتَكَلّم بِهِ هُوَ الله فَهَذَا صَرِيح بحلول الْحق فِيهِ واتحاده بِهِ كَمَا تَقوله النَّصَارَى فِي الْمَسِيح
وَمَعْلُوم أَن النَّصَارَى أكفر من الْمُعْتَزلَة وَمَعْلُوم بالإضطرار من الْعقل وَالدّين أَن الله لم يتَكَلَّم على لِسَان بشر كَمَا يتَكَلَّم الجنى على لِسَان المصروع وَلَكِن يبْعَث الرُّسُل فيبلغون كَلَامه والمرسل يَقُول لرَسُوله قل على لساني كَذَا وَيَقُول كَلَامي على لِسَان رَسُولي فلَان أَي كَلَامي الَّذِي بلغه عني
وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله قَالَ على لِسَان نبيه سمع الله لمن حَمده أَي هَذَا من الْكَلَام الَّذِي بلغه الرَّسُول عَن الله كَمَا قَالَ تَعَالَى