المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْأَشْيَاء فِي غير رموضعها فَلَا يظلم مِثْقَال ذرة وَلَا يجزى - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفِي قنوت الْأَشْيَاء لله عز وجل وإسلامها وسجودها لَهُ وتسبحها لَهُ

- ‌الْقُنُوت فِي الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام

- ‌السُّجُود

- ‌التَّسْبِيح

- ‌الْقُنُوت فِي اللُّغَة

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية هُوَ الطَّاعَة

- ‌فصل

- ‌رِوَايَة ابْن أبي حَاتِم أوجه تَفْسِير لفظ الْقُنُوت

- ‌الْوَجْه الأول الطَّاعَة

- ‌الْوَجْه الثَّانِي الصَّلَاة

- ‌الْوَجْه الثَّالِث الْإِقْرَار بالعبودية

- ‌الْوَجْه الرَّابِع الْقيام يَوْم الْقِيَامَة

- ‌الْوَجْه الْخَامِس قَول الْإِخْلَاص

- ‌أَقْوَال الْمُفَسّرين

- ‌هَل الْقُنُوت خَاص أم عَام

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية عَام

- ‌أَنْوَاع الْقُنُوت الَّذِي يعم الْمَخْلُوقَات

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌فصل

- ‌الْكَلَام عَن السُّجُود

- ‌تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا} الْآيَة

- ‌السُّجُود فِي اللُّغَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌لفظ السّنَن فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن

- ‌سنته نصْرَة أوليائه وإهانة أعدائه

- ‌الْآيَة الأولى

- ‌الْأَرْبَعَة الْبَوَاقِي:

- ‌الأولى

- ‌الثَّانِيَة

- ‌الثَّالِثَة

- ‌الرَّابِعَة

- ‌السّنَن الْمُتَعَلّقَة بالأمور الطبيعية ينقضها الله إِذا شَاءَ

- ‌ الأول

- ‌ الثَّانِي

- ‌الْأَدِلَّة على ذَلِك

- ‌الثَّالِث

- ‌سنته تَعَالَى مطردَة فِي الدينيات والطبيعيات

- ‌نقض الْعَادة لاخْتِصَاص معِين

- ‌السّنة هِيَ الْعَادة

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌شيخ مَدين لم يكن شعيبا

- ‌كَانَ شُعَيْب عَرَبيا ومُوسَى عبرانيا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَفْسِير السُّورَة إِجْمَالا

- ‌[الْآيَتَانِ: 1، 2]

- ‌الْآيَة الثَّالِثَة

- ‌الْآيَة الرَّابِعَة

- ‌الْآيَة الْخَامِسَة

- ‌الْآيَة السَّابِعَة

- ‌الْآيَة الثَّامِنَة

- ‌الْآيَة التَّاسِعَة

- ‌الْآيَة الْعَاشِرَة

- ‌الْآيَة: 11

- ‌الْآيَات: 12-20

- ‌الْآيَة: 21

- ‌الْآيَة: 22

- ‌الْآيَتَانِ: 23، 24

- ‌الْآيَتَانِ: 25، 26

- ‌الْآيَة: 27

- ‌الْآيَة: 28

- ‌الْآيَة: 29

- ‌الْآيَة الثَّلَاثُونَ

- ‌فصل فِي التَّوَكُّل

- ‌التَّوَكُّل عِنْد طَائِفَة مُجَرّد عبَادَة لَا يحصل بِهِ جلب مَنْفَعَة وَلَا دفع مضرَّة

- ‌التَّوَكُّل عِنْد الْجُمْهُور يجلب الْمَنْفَعَة وَيدْفَع الْمضرَّة وَهُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين

- ‌توكل الْمُؤمن على الله هُوَ سَبَب كَونه حسبا لَهُ

- ‌التَّوَكُّل سَبَب نعْمَة الله وفضله

- ‌الْأَسْبَاب -وَمِنْهَا التَّوَكُّل- من قدر الله

- ‌نصر الله مَعَ التَّوَكُّل عَلَيْهِ

- ‌توكل الْمُرْسلين يدْفع عَنْهُم شَرّ أعدائهم

- ‌غلط من أنكر الْأَسْبَاب أَو جعلهَا مُجَرّد أَمارَة أَو عَلامَة

- ‌فصل

- ‌فرض الله الدُّعَاء على الْعباد لافتقارهم إِلَى هدايته

- ‌الْمُجبرَة والقدرية والملاحدة لَا يحْمَدُونَ الله وَلَا يشكرونه

- ‌مقَالَة الْمُجبرَة

- ‌مقَالَة الْقَدَرِيَّة النافية

- ‌مقَالَة المتفلسفة

- ‌مقَالَة باطنية الشِّيعَة والمتصوفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ

- ‌كفر باطنية المتصوفة أعظم من كفر الفلاسفة

- ‌كل مَا بالخلق من نعْمَة فَمن الله

- ‌نعْمَة الله على الْكفَّار وَغَيرهم وَلَكِن نعْمَته الْمُطلقَة على الْمُؤمنِينَ

- ‌الْجَهْمِية والمعتزلة يُنكرُونَ محبته تَعَالَى ويقرون بِوُجُوب الشُّكْر

- ‌الْجَهْمِية الْمُجبرَة يضعف شكرهم وخوفهم ويقوى رجاؤهم

- ‌الْمُؤمن يخَاف الله ويرجوه وَيُحِبهُ

- ‌الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود يحبونَ بِدُونِ خوف أَو رَجَاء

- ‌بَيَان مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌تنَازع طوائف الْمُسلمين فِي معنى الظُّلم الَّذِي ينزه الله عَنهُ

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والأشاعرة

- ‌مقَالَة الْمُعْتَزلَة

- ‌مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌الْخَيْر بيدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْهِ

- ‌التَّعْلِيق على قَول بَعضهم: الْخَيْر كُله فِي الْوُجُود وَالشَّر كُله فِي الْعَدَم

- ‌الْخَيْر وَالشَّر دَرَجَات

- ‌لَا يعذب الله أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ

- ‌الله يفعل الْخَيْر وَالْأَحْسَن

- ‌فصل مُخْتَصر

- ‌بَيَان حَقِيقَة إِرَادَة الله

- ‌الْمُثبت فِي الْقُرْآن لَيْسَ هُوَ الْمَنْفِيّ فِي السّنة

- ‌الْعَمَل سَبَب للثَّواب

- ‌السَّبَب لَا يسْتَقلّ بالحكم

- ‌لَيْسَ جَزَاء الله على سَبِيل الْمُعَاوضَة

- ‌غلط من توهم ذَلِك من وُجُوه

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌لَا بُد من الْعَمَل وَمن رَجَاء رَحْمَة الله

- ‌الله يدْخل الْجنَّة بِالْعَمَلِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَسْبَاب

- ‌نَص السُّؤَال

- ‌هَذِه مقَالَة المتفلسفة والقرامطة والاتحادية

- ‌رد السّلف عَلَيْهِم

- ‌النَّاس فِي الصِّفَات ثَلَاث مَرَاتِب

- ‌مقَالَة أهل السّنة فِي كَلَام الله

- ‌مقَالَة الفلاسفة فِي كَلَام الله

- ‌مُتَابعَة الْغَزالِيّ للفلاسفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ فِي الفصوص

- ‌تأثر الْغَزالِيّ بِإِخْوَان الصَّفَا وأمثالهم

- ‌كَلَام الْغَزالِيّ فِي كتاب المضنون

- ‌مقَالَة ابْن حزم

- ‌الرَّد على النفاة

- ‌الرَّد على الْغَزالِيّ

- ‌إِثْبَات ابْن تَيْمِية وَأهل السّنة الْمَاهِيّة لله تَعَالَى

- ‌فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال:

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌الْجَواب:

- ‌الحلاج كَانَ زنديقًا:

- ‌بعض أَخْبَار الحلاج:

- ‌أَخْبَار أُخْرَى عَن بعض أَصْحَاب الْأَحْوَال الشيطانية:

- ‌إِخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الدجالين والدجال الْكَبِير:

- ‌كَانَ الحلاج دجالًا وَوَجَب قَتله:

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌{الْجَواب}

- ‌فِرْعَوْن من أعظم الْخلق كفرا:

- ‌لَا يُصَرح بِمَوْتِهِ مُؤمنا إِلَّا من فِيهِ نفاق وزندقة كالاتحادية:

- ‌تَفْضِيل الاتحادية الْوَلِيّ على النَّبِي وَالرَّسُول:

- ‌بطلَان حجتهم على إِيمَان فِرْعَوْن:

- ‌إِخْبَار الله عَن عَذَاب فِرْعَوْن فِي الْآخِرَة:

- ‌فصل

- ‌بعض آيَات التَّوْبَة فِي الْقُرْآن

- ‌بعض الْأَحَادِيث فِي التَّوْبَة

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة نَوْعَانِ وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْوَاجِبَة من ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور

- ‌والمستحبة من ترك المستحبات وَفعل المكروهات

- ‌التَّوْبَة من ترك الْحَسَنَات أهم من التَّوْبَة من فعل السَّيِّئَات

- ‌الغي والضلال يجمعان جَمِيع السَّيِّئَات

- ‌الغي فِي شهوات الرِّئَاسَة وَالْكبر والعلو

- ‌فصل

- ‌الْعِصْيَان يَقع مَعَ ضعف الْعلم

- ‌التَّوْبَة من الاعتقادات أعظم من التَّوْبَة من الإرادات

- ‌الِاعْتِقَاد والإرادة يتعاونان

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة من الْحَسَنَات لَا تجوز عِنْد أحد من الْمُسلمين

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح لعبارة: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين

- ‌الْمَعْنى الْفَاسِد للعبارة

- ‌لم تأت الشَّرِيعَة بِالتَّوْبَةِ من الْحَسَنَات

- ‌أصل هَذِه الْمقَالة هُوَ دَعْوَى الْعِصْمَة فِي الْمُؤمنِينَ

- ‌غلو النَّصَارَى فِي هَذِه الدَّعْوَى

- ‌غلو الشِّيعَة فِي دَعْوَى الْعِصْمَة

- ‌غلو الصُّوفِيَّة

- ‌لَا عصمَة لأحد بعد الرَّسُول

- ‌مَذْهَب السّلف وَأهل السّنة هُوَ القَوْل بتوبة الْأَنْبِيَاء

- ‌الْيَهُود فرطوا فِي حق الْأَنْبِيَاء

- ‌الْإِسْلَام هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم

- ‌عصمَة الْأَئِمَّة تَعْنِي مضاهاتهم للرسول

- ‌الغلو فِي الْبشر يُؤَدِّي إِلَى الشّرك

- ‌بطلَان القَوْل بعصمة الْأَنْبِيَاء من التَّوْبَة من الذُّنُوب

- ‌تَفْصِيل مَذْهَب أهل السّنة فِي ذَلِك

- ‌سَبَب مَا اخْتصَّ بِهِ الْعَرَب من الْفضل

الفصل: الْأَشْيَاء فِي غير رموضعها فَلَا يظلم مِثْقَال ذرة وَلَا يجزى

الْأَشْيَاء فِي غير رموضعها فَلَا يظلم مِثْقَال ذرة وَلَا يجزى أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ وَلَا يخَاف أحد ظلما وَلَا هضما لَا يهضم من حَسَنَاته وَلَا يظلم فيزاد عَلَيْهِ فِي سيئاته لَا من سيئات غَيره وَلَا من غَيرهَا بل من يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره وَأَنه لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى أَي لَا يملك ذَلِك وَلَا يسْتَحقّهُ وَإِن كَانَ قد يحصل لَهُ نفع بِفضل الله وَرَحمته وبدعاء غَيره وَعَمله فَذَاك قد عرف أَن الله يرحم كثيرا من النَّاس من غير جِهَة عمله لكنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سعى قَالَ الله تَعَالَى أمل لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى [سُورَة النَّجْم 36 - 41] وَقَوله أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى يَقْتَضِي أَن المنبأ بذلك يجب عَلَيْهِ تَصْدِيق ذَلِك وَالْإِيمَان بِهِ فَكَانَ هَذَا مِمَّا أخبر بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم مُصدقا لإِبْرَاهِيم ومُوسَى كَمَا قَالَ فِي آخر سبح إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى [سُورَة الْأَعْلَى 18 - 19]

‌فصل

وَمِمَّا يتَبَيَّن عدل الرب وإحسانه وَأَن الْخَيْر بيدَيْهِ وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ عليه السلام يثني على ربه بذلك فِي مناجاته لَهُ فِي دُعَاء الإستفتاح

ص: 126

وَأَنه سُبْحَانَهُ لَا يظلم مِثْقَال ذرة بل مَعَ غَايَة عدله فَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ وَهُوَ أرْحم من الوالدة بِوَلَدِهَا كَمَا أخبر بذلك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ سُبْحَانَهُ أحكم الْحَاكِمين كَمَا قَالَ نوح فِي مناجاته وَأَنت أحكم الْحَاكِمين [سُورَة هود 45] وَأَن الظُّلم قد ذكرنَا فِي غير مَوضِع أَن للنَّاس فِي تَفْسِيره ثَلَاثَة أَقْوَال قيل هُوَ التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه أَو مُخَالفَة الْآمِر الَّذِي تجب طَاعَته وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فِي حق الله تَعَالَى وَهَذَا تَفْسِير الْمُجبرَة الْقَدَرِيَّة من الْجَهْمِية وَغَيرهم وَكثير مِمَّن ينتسب إِلَى السّنة وَهُوَ تَفْسِير الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه وَمن وافقهم كَالْقَاضِي أبي يعلى وَأَتْبَاعه وَأبي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهم

وَالثَّانِي أَنه إِضْرَار غير مُسْتَحقّ وَهَذَا أَيْضا مُنْتَفٍ عَن الله تَعَالَى وَهَذَا تَفْسِير الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم

وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ لَو قدر الذُّنُوب وعذب عَلَيْهَا لَكَانَ إِضْرَار غير مُسْتَحقّ وَالله منزه عَنهُ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ الظُّلم مُمْتَنع لذاته غير مُمكن وَلَا مَقْدُور بل كل مَا يُمكن فَهُوَ عدل غير ظلم وَإِذا عذب جَمِيع الْخلق بِلَا

ص: 127

ذَنْب أصلا لم يكن ظلما عِنْد هَؤُلَاءِ وَإِذا فعل مَا يَشَاء بِمُقْتَضى حكمته وَقدرته كَانَ ظلما عِنْد أُولَئِكَ فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ ظلمه من جنس ظلم الْعباد وعدله من جنس عدلهم وهم مشبهة الْأَفْعَال

وَالسَّيِّد إِذا ترك مماليكه يظْلمُونَ ويفسدون مَعَ قدرته على مَنعهم كَانَ ظَالِما وَإِذا كَانَ قد أَمرهم ونهاهم وَهُوَ يعلم أَنهم يعصونه وَهُوَ قَادر على مَنعهم كَانَ ظَالِما وَإِذا قَالَ مقصودي أَن أعرضهم لثواب الطَّاعَة وَلذَلِك اقتنيتهم وَقد علم أَنهم لَا يطيعونه كَانَ سَفِيها ظَالِما وهم يَقُولُونَ إِن الرب خلق الْخلق وَلَيْسَ مُرَاده إِلَّا أَن يَنْفَعهُمْ وَأمرهمْ وَلَيْسَ مُرَاده إِلَّا نفعهم بالثواب مَعَ علمه أَنهم يعصونه وَلَا يَنْتَفِعُونَ

وَلِهَذَا طَائِفَة مِنْهُم نفت علمه وَآخَرُونَ قَالُوا مَا يُمكنهُ أَن يجعلهم مُطِيعِينَ وَهُوَ قَول جمهورهم فنفوا قدرته وَإِن أثبتوه عَالما قَادِرًا وَلم يفعل مَا أَرَادَهُ من الْخَيْر جَعَلُوهُ غير حَكِيم وَلَا رَحِيم بل وَلَا عَادل

وَأما الطَّائِفَة الْأُخْرَى فهم معطلة فِي الْأَفْعَال كَمَا أَن أُولَئِكَ مشبهة الْأَفْعَال فَإِنَّهُم يعطلون فعل العَبْد وَيَقُولُونَ لَيْسَ بفاعل وَلَا قَادر على الْفِعْل وَلَا لَهُ قدرَة مُؤثرَة فِي الْمَقْدُور وَأما الرب فَيَقُولُونَ خلق مَا خلق لَا لحكمة أصلا فعطلوا حكمته وَقَالَ إِنَّه يجوز أَن يعذب جَمِيع الْخلق بِلَا ذَنْب فعطلوا عدله وَالْعدْل هُوَ فعله وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَائِم بِالْقِسْطِ فَمن نفى عدله وحكمته فإمَّا أَن يَنْفِي فعله وَإِمَّا أَن يصفه بضد ذَلِك من الظُّلم والسفه كَمَا أَن الْكَلَام على الطَّائِفَتَيْنِ فِي غير هَذَا الْموضع

ص: 128

وَالصَّوَاب القَوْل الثَّالِث وَهُوَ أَن الظُّلم وضع الْأَشْيَاء فِي غير موَاضعهَا وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وَغَيره من أهل اللُّغَة وَذكروا على ذَلِك عدَّة شَوَاهِد كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْموضع

وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْوُجُود ظلم من الله سُبْحَانَهُ بل قد وضع كل شَيْء مَوْضِعه مَعَ قدرته على أَن يفعل خلاف ذَلِك فَهُوَ سُبْحَانَهُ يفعل بِاخْتِيَارِهِ ومشيئته وَيسْتَحق الْحَمد وَالثنَاء على أَن يعدل وَلَا يظلم خلاف قَول الْمُجبرَة الَّذين يَقُولُونَ لَا يقدر على الظُّلم وَقد وافقهم بعض الْمُعْتَزلَة كالنظام لَكِن الظُّلم عِنْده غير الظُّلم عِنْدهم فَأُولَئِك يَقُولُونَ الظُّلم هُوَ الْمُمْتَنع لذاته وَهَذَا يَقُول هُوَ مُمكن لَكِن لَا يقدر عَلَيْهِ والقدرية النفاة يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْوُجُود ظلم من الله لِأَنَّهُ عِنْدهم لم يخلق شَيْئا من أَفعَال الْعباد وَلَا يقدر على ذَلِك فَمَا نزهوه عَن الظُّلم إِلَّا بسلبه الْقُدْرَة وَخلق كل شَيْء كَمَا أَن أُولَئِكَ مَا أثبتوا قدرته وخلقه كل شَيْء حَتَّى قَالُوا إِنَّه لَا ينزه أَن يفعل مَا يُمكن كتعذيب الْبَراء بِلَا ذَنْب فَأُولَئِك أثبتوا لَهُ حمدا بِلَا ملك وَهَؤُلَاء أثبتوا لَهُ ملكا بِلَا حمد وَأهل السّنة أثبتوا مَا أثْبته لنَفسِهِ لَهُ الْملك وَالْحَمْد فَهُوَ على كل شَيْء قدير وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَهُوَ خَالق كل شَيْء وَهُوَ عَادل فِي كل مَا خلقه وَاضع للأشياء موَاضعهَا وَهُوَ قَادر على أَن يظلم لكنه سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك لَا يَفْعَله لِأَنَّهُ السَّلَام القدوس الْمُسْتَحق للتنزيه عَن السوء وَهُوَ سُبْحَانَهُ سبوح قدوس يسبح لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَسُبْحَان الله كلمة كَمَا قَالَ مَيْمُون بن مهْرَان هِيَ كلمة يعظم بهَا الرب ويحاشى بهَا من السوء

ص: 129

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس وَغير وَاحِد من السّلف إِنَّهَا تَنْزِيه الله من السوء وَقَالَ قَتَادَة فِي اسْمه المتكبر إِنَّه الَّذِي تكبر عَن السوء وَعنهُ أَيْضا إِنَّه الَّذِي تكبر عَن السَّيِّئَات

فَهُوَ سُبْحَانَهُ منزه عَن فعل القبائح لَا يفعل السوء وَلَا السَّيِّئَات مَعَ أَنه سُبْحَانَهُ خَالق كل شَيْء أَفعَال الْعباد وَغَيرهَا وَالْعَبْد إِذا فعل الْقَبِيح الْمنْهِي عَنهُ كَانَ قد فعل سوءا وظلما وقبيحا وشرا والرب قد جعله فَاعِلا لذَلِك وَذَلِكَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عدل وَحِكْمَة صَوَاب وَوضع للأشياء موَاضعهَا فخلقه سُبْحَانَهُ لما فِيهِ نقص أَو عيب للحكمة الَّتِي خلقه لَهَا هُوَ مَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْهُ عدل وَحِكْمَة وصواب وَإِن كَانَ فِي الْمَخْلُوق عَيْبا وَمثل هَذَا مفعول فِي الفاعلين المخلوقين فَإِن الصَّانِع إِذا أَخذ الْخَشَبَة المعوجة وَالْحجر الردى واللبنة النَّاقِصَة فوضعها فِي مَوضِع يَلِيق بهَا ويناسبها كَانَ ذَلِك مِنْهُ عدلا واستقامة وصوابا وَهُوَ مَحْمُود وَإِن كَانَ فِي تِلْكَ عوج وعيب هِيَ بِهِ مذمومه مذمومة وَمن أَخذ الْخَبَائِث فَجَعلهَا فِي الْمحل الَّذِي يَلِيق بهَا كَانَ ذَلِك حِكْمَة وعدلا وَإِنَّمَا السَّفه وَالظُّلم أَن يَضَعهَا فِي غير موضعهَا وَمن وضع الْعِمَامَة على الرَّأْس والنعلين فِي الرجلَيْن فقد وضع كل شَيْء مَوْضِعه وَلم يظلم النَّعْلَيْنِ إِذْ هَذَا مَحلهمَا الْمُنَاسب لَهما فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يضع شَيْئا إِلَّا مَوْضِعه فَلَا يكون إِلَّا عدلا وَلَا يفعل إِلَّا خيرا فَلَا يكون إِلَّا محسنا جوادا رحِيما وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَكَمَا أَنه فِي أمره لَا يَأْمر إِلَّا بأرجح الْأَمريْنِ وَيَأْمُر بتحصيل الْمصَالح وتكميلها وبتعطيل الْمَفَاسِد وتقليلها وَإِذا تعَارض امران رجح أحسنهما وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَة أَمر بِفعل إِلَّا ووجوده للْمَأْمُور خير من عَدمه وَلَا نهي عَن فعل إِلَّا وَعَدَمه خير من وجوده وَهُوَ فِيمَا يَأْمر بِهِ قد أَرَادَهُ إِرَادَة دينية شَرْعِيَّة وأحبه ورضيه فَلَا يحب ويرضى شَيْئا إِلَّا ووجوده خير من عَدمه وَلِهَذَا أَمر عباده أَن يَأْخُذُوا

ص: 130