المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

على أَنه لَيْسَ مثله وَحِينَئِذٍ فَإِذا لم يسْجد طَائِعا حصل - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفِي قنوت الْأَشْيَاء لله عز وجل وإسلامها وسجودها لَهُ وتسبحها لَهُ

- ‌الْقُنُوت فِي الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام

- ‌السُّجُود

- ‌التَّسْبِيح

- ‌الْقُنُوت فِي اللُّغَة

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية هُوَ الطَّاعَة

- ‌فصل

- ‌رِوَايَة ابْن أبي حَاتِم أوجه تَفْسِير لفظ الْقُنُوت

- ‌الْوَجْه الأول الطَّاعَة

- ‌الْوَجْه الثَّانِي الصَّلَاة

- ‌الْوَجْه الثَّالِث الْإِقْرَار بالعبودية

- ‌الْوَجْه الرَّابِع الْقيام يَوْم الْقِيَامَة

- ‌الْوَجْه الْخَامِس قَول الْإِخْلَاص

- ‌أَقْوَال الْمُفَسّرين

- ‌هَل الْقُنُوت خَاص أم عَام

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية

- ‌الْقُنُوت عِنْد ابْن تَيْمِية عَام

- ‌أَنْوَاع الْقُنُوت الَّذِي يعم الْمَخْلُوقَات

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌فصل

- ‌الْكَلَام عَن السُّجُود

- ‌تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا} الْآيَة

- ‌السُّجُود فِي اللُّغَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌لفظ السّنَن فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن

- ‌سنته نصْرَة أوليائه وإهانة أعدائه

- ‌الْآيَة الأولى

- ‌الْأَرْبَعَة الْبَوَاقِي:

- ‌الأولى

- ‌الثَّانِيَة

- ‌الثَّالِثَة

- ‌الرَّابِعَة

- ‌السّنَن الْمُتَعَلّقَة بالأمور الطبيعية ينقضها الله إِذا شَاءَ

- ‌ الأول

- ‌ الثَّانِي

- ‌الْأَدِلَّة على ذَلِك

- ‌الثَّالِث

- ‌سنته تَعَالَى مطردَة فِي الدينيات والطبيعيات

- ‌نقض الْعَادة لاخْتِصَاص معِين

- ‌السّنة هِيَ الْعَادة

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌شيخ مَدين لم يكن شعيبا

- ‌كَانَ شُعَيْب عَرَبيا ومُوسَى عبرانيا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَفْسِير السُّورَة إِجْمَالا

- ‌[الْآيَتَانِ: 1، 2]

- ‌الْآيَة الثَّالِثَة

- ‌الْآيَة الرَّابِعَة

- ‌الْآيَة الْخَامِسَة

- ‌الْآيَة السَّابِعَة

- ‌الْآيَة الثَّامِنَة

- ‌الْآيَة التَّاسِعَة

- ‌الْآيَة الْعَاشِرَة

- ‌الْآيَة: 11

- ‌الْآيَات: 12-20

- ‌الْآيَة: 21

- ‌الْآيَة: 22

- ‌الْآيَتَانِ: 23، 24

- ‌الْآيَتَانِ: 25، 26

- ‌الْآيَة: 27

- ‌الْآيَة: 28

- ‌الْآيَة: 29

- ‌الْآيَة الثَّلَاثُونَ

- ‌فصل فِي التَّوَكُّل

- ‌التَّوَكُّل عِنْد طَائِفَة مُجَرّد عبَادَة لَا يحصل بِهِ جلب مَنْفَعَة وَلَا دفع مضرَّة

- ‌التَّوَكُّل عِنْد الْجُمْهُور يجلب الْمَنْفَعَة وَيدْفَع الْمضرَّة وَهُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين

- ‌توكل الْمُؤمن على الله هُوَ سَبَب كَونه حسبا لَهُ

- ‌التَّوَكُّل سَبَب نعْمَة الله وفضله

- ‌الْأَسْبَاب -وَمِنْهَا التَّوَكُّل- من قدر الله

- ‌نصر الله مَعَ التَّوَكُّل عَلَيْهِ

- ‌توكل الْمُرْسلين يدْفع عَنْهُم شَرّ أعدائهم

- ‌غلط من أنكر الْأَسْبَاب أَو جعلهَا مُجَرّد أَمارَة أَو عَلامَة

- ‌فصل

- ‌فرض الله الدُّعَاء على الْعباد لافتقارهم إِلَى هدايته

- ‌الْمُجبرَة والقدرية والملاحدة لَا يحْمَدُونَ الله وَلَا يشكرونه

- ‌مقَالَة الْمُجبرَة

- ‌مقَالَة الْقَدَرِيَّة النافية

- ‌مقَالَة المتفلسفة

- ‌مقَالَة باطنية الشِّيعَة والمتصوفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ

- ‌كفر باطنية المتصوفة أعظم من كفر الفلاسفة

- ‌كل مَا بالخلق من نعْمَة فَمن الله

- ‌نعْمَة الله على الْكفَّار وَغَيرهم وَلَكِن نعْمَته الْمُطلقَة على الْمُؤمنِينَ

- ‌الْجَهْمِية والمعتزلة يُنكرُونَ محبته تَعَالَى ويقرون بِوُجُوب الشُّكْر

- ‌الْجَهْمِية الْمُجبرَة يضعف شكرهم وخوفهم ويقوى رجاؤهم

- ‌الْمُؤمن يخَاف الله ويرجوه وَيُحِبهُ

- ‌الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود يحبونَ بِدُونِ خوف أَو رَجَاء

- ‌بَيَان مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌تنَازع طوائف الْمُسلمين فِي معنى الظُّلم الَّذِي ينزه الله عَنهُ

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والأشاعرة

- ‌مقَالَة الْمُعْتَزلَة

- ‌مقَالَة أهل السّنة

- ‌فصل

- ‌الْخَيْر بيدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْهِ

- ‌التَّعْلِيق على قَول بَعضهم: الْخَيْر كُله فِي الْوُجُود وَالشَّر كُله فِي الْعَدَم

- ‌الْخَيْر وَالشَّر دَرَجَات

- ‌لَا يعذب الله أحدا إِلَّا بِذَنبِهِ

- ‌الله يفعل الْخَيْر وَالْأَحْسَن

- ‌فصل مُخْتَصر

- ‌بَيَان حَقِيقَة إِرَادَة الله

- ‌الْمُثبت فِي الْقُرْآن لَيْسَ هُوَ الْمَنْفِيّ فِي السّنة

- ‌الْعَمَل سَبَب للثَّواب

- ‌السَّبَب لَا يسْتَقلّ بالحكم

- ‌لَيْسَ جَزَاء الله على سَبِيل الْمُعَاوضَة

- ‌غلط من توهم ذَلِك من وُجُوه

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌الرَّابِع

- ‌الْخَامِس

- ‌لَا بُد من الْعَمَل وَمن رَجَاء رَحْمَة الله

- ‌الله يدْخل الْجنَّة بِالْعَمَلِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَسْبَاب

- ‌نَص السُّؤَال

- ‌هَذِه مقَالَة المتفلسفة والقرامطة والاتحادية

- ‌رد السّلف عَلَيْهِم

- ‌النَّاس فِي الصِّفَات ثَلَاث مَرَاتِب

- ‌مقَالَة أهل السّنة فِي كَلَام الله

- ‌مقَالَة الفلاسفة فِي كَلَام الله

- ‌مُتَابعَة الْغَزالِيّ للفلاسفة

- ‌مقَالَة ابْن عَرَبِيّ فِي الفصوص

- ‌تأثر الْغَزالِيّ بِإِخْوَان الصَّفَا وأمثالهم

- ‌كَلَام الْغَزالِيّ فِي كتاب المضنون

- ‌مقَالَة ابْن حزم

- ‌الرَّد على النفاة

- ‌الرَّد على الْغَزالِيّ

- ‌إِثْبَات ابْن تَيْمِية وَأهل السّنة الْمَاهِيّة لله تَعَالَى

- ‌فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال:

- ‌الأول

- ‌الثَّانِي

- ‌الثَّالِث

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌الْجَواب:

- ‌الحلاج كَانَ زنديقًا:

- ‌بعض أَخْبَار الحلاج:

- ‌أَخْبَار أُخْرَى عَن بعض أَصْحَاب الْأَحْوَال الشيطانية:

- ‌إِخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الدجالين والدجال الْكَبِير:

- ‌كَانَ الحلاج دجالًا وَوَجَب قَتله:

- ‌نَص السُّؤَال:

- ‌{الْجَواب}

- ‌فِرْعَوْن من أعظم الْخلق كفرا:

- ‌لَا يُصَرح بِمَوْتِهِ مُؤمنا إِلَّا من فِيهِ نفاق وزندقة كالاتحادية:

- ‌تَفْضِيل الاتحادية الْوَلِيّ على النَّبِي وَالرَّسُول:

- ‌بطلَان حجتهم على إِيمَان فِرْعَوْن:

- ‌إِخْبَار الله عَن عَذَاب فِرْعَوْن فِي الْآخِرَة:

- ‌فصل

- ‌بعض آيَات التَّوْبَة فِي الْقُرْآن

- ‌بعض الْأَحَادِيث فِي التَّوْبَة

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة نَوْعَانِ وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْوَاجِبَة من ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور

- ‌والمستحبة من ترك المستحبات وَفعل المكروهات

- ‌التَّوْبَة من ترك الْحَسَنَات أهم من التَّوْبَة من فعل السَّيِّئَات

- ‌الغي والضلال يجمعان جَمِيع السَّيِّئَات

- ‌الغي فِي شهوات الرِّئَاسَة وَالْكبر والعلو

- ‌فصل

- ‌الْعِصْيَان يَقع مَعَ ضعف الْعلم

- ‌التَّوْبَة من الاعتقادات أعظم من التَّوْبَة من الإرادات

- ‌الِاعْتِقَاد والإرادة يتعاونان

- ‌فصل

- ‌التَّوْبَة من الْحَسَنَات لَا تجوز عِنْد أحد من الْمُسلمين

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح لعبارة: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين

- ‌الْمَعْنى الْفَاسِد للعبارة

- ‌لم تأت الشَّرِيعَة بِالتَّوْبَةِ من الْحَسَنَات

- ‌أصل هَذِه الْمقَالة هُوَ دَعْوَى الْعِصْمَة فِي الْمُؤمنِينَ

- ‌غلو النَّصَارَى فِي هَذِه الدَّعْوَى

- ‌غلو الشِّيعَة فِي دَعْوَى الْعِصْمَة

- ‌غلو الصُّوفِيَّة

- ‌لَا عصمَة لأحد بعد الرَّسُول

- ‌مَذْهَب السّلف وَأهل السّنة هُوَ القَوْل بتوبة الْأَنْبِيَاء

- ‌الْيَهُود فرطوا فِي حق الْأَنْبِيَاء

- ‌الْإِسْلَام هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم

- ‌عصمَة الْأَئِمَّة تَعْنِي مضاهاتهم للرسول

- ‌الغلو فِي الْبشر يُؤَدِّي إِلَى الشّرك

- ‌بطلَان القَوْل بعصمة الْأَنْبِيَاء من التَّوْبَة من الذُّنُوب

- ‌تَفْصِيل مَذْهَب أهل السّنة فِي ذَلِك

- ‌سَبَب مَا اخْتصَّ بِهِ الْعَرَب من الْفضل

الفصل: على أَنه لَيْسَ مثله وَحِينَئِذٍ فَإِذا لم يسْجد طَائِعا حصل

على أَنه لَيْسَ مثله وَحِينَئِذٍ فَإِذا لم يسْجد طَائِعا حصل فَائِدَة التَّخْصِيص وَهُوَ مَعَ ذَلِك يسْجد كَارِهًا فكلا الْقَوْلَيْنِ صَحِيح وَكَذَلِكَ قَالَ طَائِفَة من الْمُفَسّرين وَاللَّفْظ لِلْبَغوِيِّ قَالُوا وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب بكفرهم وتركهم السُّجُود وهم مَعَ كفرهم تسْجد ظلالهم لله تَعَالَى

وَقَالَ فِي [سُورَة النَّحْل أولم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل سجدا لله وهم داخرون وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة وَالْمَلَائِكَة وهم لَا يستكبرن يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم ويفعلون مَا يؤمرون سُورَة النَّحْل 48 - 50] قَالَ فَلفظ دَابَّة إِن لم يتَنَاوَل بني آدم فالإبل تسْجد طَوْعًا وَإِن تنَاول بني آدم فسجودهم طَوْعًا وَكرها

‌فصل

وَالَّذين فسروا السُّجُود بالخضوع والإنقياد لَهُم فِي سجودها قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كَونهَا مصنوعة مخلوقة منقادة لمشيئة الله واختياره كَمَا قَالُوا فِي تسبيحها مثل ذَلِك وَأَنه شهادتها ودلالتها على الْخَالِق قَالَ أَبُو الْفرج فِي قَوْله وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض [سُورَة الرَّعْد 15] الساجدون على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا من يعقل فسجوده عبَادَة وَالثَّانِي من لَا يعقل فسجوده بَيَان أثر الصَّنْعَة فِيهِ والخضوع الَّذِي يدل على أَنه مَخْلُوق هَذَا قَول جمَاعَة من الْعلمَاء وَاحْتَجُّوا بِالْبَيْتِ الْمُتَقَدّم

* ترى الأكم فِيهِ سجدا للحوافر *

قَالَ وَأما الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب فألحقها جمَاعَة بِمن يعقل قَالَ

ص: 41

أَبُو الْعَالِيَة سجودها حَقِيقَة مَا مِنْهَا غارب إِلَّا خر سَاجِدا بَين يَدي الله عز وجل ثمَّ لَا ينْصَرف حَتَّى يُؤذن لَهُ قَالَ وَيشْهد لقَوْل أبي العاليه حَدِيث أبي ذَر وَذكره قَالَ وَأما النَّبَات وَالشَّجر فَلَا يَخْلُو سُجُوده من أَرْبَعَة أَشْيَاء أَحدهَا أَن يكون سجودا لَا نعلمهُ وَهَذَا إِذا قُلْنَا بردعه فيهمَا وَالثَّانِي أَنه تفيؤ ظلاله وَالثَّالِث بَيَان الصَّنْعَة فِيهِ وَالرَّابِع الإنقياد لما سخر لَهُ

قلت الثَّالِث وَالرَّابِع من نمط وَاحِد وَهُوَ كالمتقدم وَأما السُّجُود الَّذِي لَا نعلمهُ فَهُوَ كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَيْضا فِي قَوْله وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله [سُورَة الْبَقَرَة 74] فَإِن قيل الْحجر لَا يفهم فَكيف يخْشَى قيل الله يفهمها ويلهمها فتخشى بإلهامه قَالَ وَمذهب أهل السّنة أَن لله علما فِي الجمادات وَسَائِر الْحَيَوَانَات سوى الْعُقَلَاء لَا يقف عَلَيْهِ غَيره وَلها صَلَاة وتسبيح وخشية كَمَا قَالَ عز وجل وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَقَالَ تَعَالَى وَالطير صافات كل قد علم صلَاته وتسبيحه وَقَالَ ألم ترأن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم الْآيَة فَيجب على الْمَرْء الْإِيمَان بِهِ ويكل علمه إِلَى الله تَعَالَى وَذكر الحَدِيث الصَّحِيح عَن جَابر بن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنِّي لأعرف حجرا بِمَكَّة كَانَ يسلم عَليّ قبل أَن أبْعث وَإِنِّي لأعرفه الْآن وَذكر حَدِيث حنين الْجذع وطرقه صِحَاح مَشْهُورَة وروى عَن السّديّ

ص: 42

عَن أبي عباد بن أبي يزِيد عَن عَليّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة فخرجنا فِي نَوَاحِيهَا خَارِجا من مَكَّة بَين الْجبَال وَالشَّجر فَلم يمر بشجرة وَلَا جبل إِلَّا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَقَالَ قَالَ مُجَاهِد لَا ينزل حجر من أَعلَى إِلَى أَسْفَل إِلَّا من خشيَة الله وَيشْهد لما قُلْنَا قَوْله تَعَالَى لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعا من خشيَة الله [سُورَة الْحَشْر 21]

قلت وَأما تَفْسِير سجودها وتسبيحها بنفوذ مَشِيئَة الرب وَقدرته فيهمَا ودلالتها على الصَّانِع فَقَط فالإقتصار على هَذَا بَاطِل فَإِن هَذَا وصف لَازم دَائِم لَهَا لَا يكون فِي وَقت دون وَقت وَهُوَ مثل كَونهَا مخلوقة محتاجة فقيرة إِلَى الله تَعَالَى وعَلى هَذَا فالمخلوقات كلهَا لَا تزَال سَاجِدَة مسبحة وَلَيْسَ المُرَاد هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى إِنَّا سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق [سُورَة ص 18] وَقَالَ وَالطير محشورة كل لَهُ أواب [سُورَة ص 19] وَقَالَ كل قد علم صلَاته وتسبيحه [سُورَة النُّور 41] فقد أخبر سبحانه وتعالى عَنهُ أَنه يعلم ذَلِك ودلالتها على الرب يُعلمهُ عُمُوم النَّاس

وَأَيْضًا فقد أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من كَلَام الهدهد والنمل وَأَن سُلَيْمَان

ص: 43

علم منطق الطير بِمَا يدل على الإختصاص وَهَذَا فِي الْحَيَوَان

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جعل الْجَمِيع يسْجد ثمَّ قَالَ وَكثير من النَّاس وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب [سُورَة الْحَج 18] وَهَذَا الْمَعْنى يشْتَرك فِيهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات دَائِما وَهُوَ وصف لَازم لكل مَخْلُوق لَا يزَال مفتقرا إِلَى الْخَالِق وَلَا يزَال دَالا عَلَيْهِ وَلَا يزَال منقادا لما يَشَاء الرب

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قسم السُّجُود إِلَى طوع وَكره وانفعالها لمشيئة الرب وَقدرته لَا يَنْقَسِم إِلَى طوع وَكره وَلَا يُوصف ذَلِك بطوع مِنْهَا وَلَا كره فَإِن دَلِيل فعل الرب فِيهَا لَيْسَ هُوَ فعل مِنْهَا أَلْبَتَّة

وَالْقُرْآن يدل على أَن السُّجُود وَالتَّسْبِيح أَفعَال لهَذِهِ الْمَخْلُوقَات وَكَون الرب خَالِقًا لَهَا إِنَّمَا هُوَ كَونهَا مخلوقة للرب لَيْسَ فِيهِ نِسْبَة أَمر إِلَيْهَا يبين ذَلِك أَنه خص الظل بِالسُّجُود بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال والظل مَتى كَانَ وَحَيْثُ كَانَ مَخْلُوق مربوب وَالله تَعَالَى جعل الظُّلُمَات والنور وَالْقَوْل الَّذِي ذكره الْبَغَوِيّ أقرب من القَوْل الَّذِي ذكره أَبُو الْفرج وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَارَة يَجْعَلهَا آيَات لَهُ وَتارَة يَجْعَلهَا سَاجِدَة مسبحة وَهَذَا نوع غير هَذَا

وعَلى هَذَا القَوْل الْجَمِيع وَاحِد لَيْسَ فِي كَونهَا سَاجِدَة مسبحة إِلَّا كَونهَا آيَة دَالَّة وشاهدة للخالق تَعَالَى بصفاته لكَونهَا مفعولة لَهُ وَهَذَا معنى ثَابت فِي الْمَخْلُوقَات كلهَا لَازم لَهَا وَهِي آيَات للرب بِهَذَا الإعتبار وَهِي شَوَاهِد وَدَلَائِل وآيات بِهَذَا الإعتبار لَكِن ذَاك معنى آخر كَمَا يفرق بَين كَون الْإِنْسَان مخلوقا وَبَين كَونه عابدا لله فَهَذَا غير هَذَا هَذَا يتَعَلَّق بربوبية الرب لَهُ وَهَذَا يتَعَلَّق بتألهه وعبادته للرب

وَالْبَيْت الَّذِي اسْتشْهدُوا بِهِ وَهُوَ قَوْله

* ترى الأكم فِيهَا سجدا للحوافر *

ص: 44

فَإِنَّمَا ذكر سُجُود الأكم للحوافر وَذَلِكَ خضوعها وانخفاضها لَهَا فَهَذَا خضوع جماد لجماد وَلَا يلْزم أَن يكون سَائِر أَنْوَاع الخضوع مثل هَذَا وَإِنَّمَا يشْتَرك فِي نوع الخضوع وَلَيْسَ خضوع الْمَخْلُوقَات للخالق مثل هَذَا وَإِن قيل هُوَ انفعالها لمشيئته وَقدرته بل ذَاك نوع أبلغ من هَذَا فَلَا يجب أَن يكون سجودها بِغَيْر خضوع مِنْهَا وَطَاعَة وَلَكِن هَذَا الْبَيْت يَقْتَضِي أَنه لَا يجب أَن يكون سُجُود كل شَيْء وَضعه رَأسه بِالْأَرْضِ وَهَذَا حق بل هُوَ خضوع للرب يُنَاسب حَاله وَقد قيل لسهل بن عبد الله أيسجد الْقلب قَالَ نعم سَجْدَة لَا يرفع رَأسه مِنْهَا أبدا وَأهل الْجنَّة فِي الْجنَّة قد ألهموا التَّسْبِيح كَمَا ألهموا النَّفس فِي الدُّنْيَا وكما يلهم أهل الدُّنْيَا النَّفس وهم خاضعون للرب مطيعون لَهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ سُجُود بِوَضْع رَأس فِي الأَرْض فَهَذَا أَمر بِهِ فِي الدُّنْيَا لحَاجَة النَّفس إِلَيْهِ فِي خضوعها لله تَعَالَى فَلَا تكون خاضعة إِلَّا بِهِ بِخِلَاف حَالهَا فِي الْجنَّة فَإِنَّهَا قد زكتْ وصلحت

آخِره وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا

ص: 45

رِسَالَة فِي لفظ السّنة فِي الْقُرْآن

ص: 47