الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل استفزازه من الأَرْض ليخرجوه فَإِنَّهُم لَا يلبثُونَ خَلفه إِلَّا قَلِيلا وَلَا تتحول هَذِه السّنة بِأَن يكون هُوَ الْمخْرج وهم اللابثون بل مَتى أَخْرجُوهُ خَرجُوا خَلفه وَلَو مكث لَكَانَ هَذَا اسْتِصْحَاب حَال بِخِلَاف ظُهُور الْكفَّار فَإِنَّهُ كَانَ تبديلا لظُهُور الْمُؤمنِينَ وَظُهُور الْكفَّار إِذْ كَانَ لَا بُد من أَحدهمَا
وَأما أهل الْمَكْر السيء وَالْكفَّار فَهِيَ سنة تَبْدِيل لَا بُد لَهُم من الْعقُوبَة لَا يبدلون بهَا غَيرهَا وَلَا نتحول عَنْهُم إِلَى الْمُؤمنِينَ وَهُوَ عيد لأهل الْمَكْر السيء أَنه لَا يَحِيق إِلَّا بأَهْله وَلنْ يتبدلوا بِهِ خيرا بتضمن نفيا وإثباتا فَلهَذَا نفى عَنهُ التبديل والتحويل
فصل
وَالْقُرْآن قد دلّ على هَذَا الأَصْل فِي مَوَاضِع كَقَوْلِه قل أَرَأَيْتكُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله بَغْتَة أَو جهرة هَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ [سُورَة الْأَنْعَام 47] وَقَوله وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد [سُورَة هود 102] وَقَوله أكفار كم خير من أولئكم [سُورَة الْقَمَر 43] وَمِنْه قَوْله لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب [سُورَة يُوسُف 111] وَقَوله قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا [سُورَة آل عمرَان 13] إِلَى قَوْله إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولى الْأَبْصَار [سُورَة آل عمرَان 13]
فصل
وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنه تَارَة يعاقبهم عقب السَّرَّاء وَتارَة يعاقبهم عقب
الضراء إِذا لم يتضرعوا فَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ إِلَى قَوْله مبلسون [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 76 - 77] فَهُنَا أخبر أَنه بِالْعَذَابِ الْأَدْنَى مَا اسْتَكَانُوا وَمَا تضرعوا حَتَّى أَخذهم بالإهلاك كَمَا قَالَ ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ [سُورَة السَّجْدَة 21] وَقَالَ أَولا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ لَا يتوبون وَلَا هم يذكرُونَ [سُورَة التَّوْبَة 126] وَالضَّمِير يكون عَائِدًا على الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة
وَقَالَ فِي [سُورَة الْأَنْعَام وَلَقَد أرسلنَا إِلَى أُمَم من قبلك فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء إِلَى قَوْله وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين سُورَة الْأَنْعَام 42 - 45] فَهَذِهِ نظيرها فِي الْأَعْرَاف فِي قَوْله وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَبِي إِلَّا أَخذنَا أَهلهَا بالبأساء وَالضَّرَّاء إِلَى قَوْله وهم لَا يَشْعُرُونَ الْآيَات [سُورَة الْأَعْرَاف 94 - 95] فقد ذمهم أَنهم لم يتضرعوا لما أَخذهم بالبأساء وَالضَّرَّاء فَإِنَّهُ بعد هَذَا بدل الْحَالة السَّيئَة بالحالة الْحَسَنَة فَلم يطيعوا فَأَخذهُم بِالْعَذَابِ بَغْتَة فَهُنَا أَخذهم أَولا بالضراء ليضرعوا فَلم يتضرعوا فَابْتَلَاهُمْ الله بالسراء ليطيعوا فَلم يطيعوا فَأَخذهُم بِالْعَذَابِ وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات لَعَلَّهُم يرجعُونَ [سُورَة الْأَعْرَاف 168] فَهَؤُلَاءِ ابتلوا بالضراء أَولا ثمَّ بالسراء ثَانِيًا وَقد أخبر أَنه مَا أرسل فِي قَرْيَة من نَبِي إِلَّا كَانُوا هَكَذَا
وَهَذَا كَمَا ذكره سُبْحَانَهُ فِي حَال قوم فِرْعَوْن وَغَيرهم وَهَذَا ذمّ لمن لم يستقم لَا فِي الضراء وَلَا فِي السَّرَّاء لَا دَعَا بالضراء وَلَا بالسراء وَلَا تضرع فِي الضراء وَلَا شكر وَلَا آمن فِي السَّرَّاء ابْتَلَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَهِي النعم والسيئات وَهِي المصائب فَمَا أطاعوا لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا
وَأما آيَة الْمُؤمنِينَ فأمراؤهم لم يستكينوا وَلم يتضرعوا حَتَّى فتح عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد إِذا هم فِيهِ مبلسون وَهَؤُلَاء قد يكون تقدم لَهُم ابتلاء بِالْحَسَنَاتِ أَولا فَإِنَّهُ قَالَ فِي أول الْكَلَام يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 51] إِلَى قَوْله أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ إِلَى قَوْله حَتَّى إِذا اخذنا مترفيهم بِالْعَذَابِ إِذا هم يجأرون الْآيَة 64 إِلَى قَوْله وَلَو رحمناهم وكشفنا مَا بهم من ضرّ للجوا فِي طغيانهم يعمهون وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم الْآيَتَانِ 75 76
فَهَؤُلَاءِ كَانُوا فِي حَالَة حَسَنَة فَلَمَّا لم يتقوه أَخذ مترفيهم بِالْعَذَابِ ثمَّ أَخذهم بِالْعَذَابِ ليتضرعوا فَلَمَّا لم يتضرعوا ابْتَلَاهُم بِالْحَسَنَاتِ أَولا فَلَمَّا لم يتقوه استحقوا الْعَذَاب فَيعْتَبر الْفرق بَين هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء
آخِره وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا
رِسَالَة فِي قصَّة شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام