الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْآصَال [سُورَة الرَّعْد 15] وَقَالَ السّديّ هَذَا يَوْم الْقِيَامَة دَلِيله وعنت الْوُجُوه للحي القيوم [سُورَة طه 111] وَقيل قانتون مذللون مسخرون لما خلقُوا لَهُ
تَعْلِيق ابْن تَيْمِية
قلت من قَالَ بالخصوص فَإِنَّهُ قد ينظر إِلَى سَبَب الْآيَة وَهُوَ أَنهم قَالُوا اتخذ الله ولدا وَهَذَا إِنَّمَا قَالُوهُ فِي الْمَلَائِكَة والأنبياء كالمسيح والعزير فَبين سُبْحَانَهُ أَن الَّذين قيل فيهم إِنَّه اتخذهم أَوْلَادًا هم عباد قانتون لَهُ كَمَا ذكر فِي الْأَنْبِيَاء وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى وهم من خَشيته مشفقون [سُورَة الْأَنْبِيَاء 26 - 28] فَإِن الضَّمِير فِي قَوْله وَقَالُوا عَائِد على الْمُشْركين وهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الْمَلَائِكَة وَأما الْمَسِيح وعزير فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فيهمَا أهل الْكتاب وَسِيَاق الْآيَة يبين ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق إِلَى قَوْله سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون [سُورَة الْأَنْبِيَاء 16 - 26]
وَقَوله تَعَالَى وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين وَقَوله لهوا قد فسر بِالْوَلَدِ وَالْمَرْأَة وَفسّر باللعب فَإِن هَذِه الْآيَة نَظِير قَوْله وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ الْآيَة الدُّخان 38 39 وَنَظِير قَوْله وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا ذَلِك ظن الَّذين كفرُوا الْآيَة [سُورَة ص 27] وَنَظِير قَوْله وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِن السَّاعَة لآتية فاصفح الصفح الْجَمِيل [سُورَة الْحجر 85] وَمثله قَوْله تَعَالَى أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا الْآيَة [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 115]
فَقَوله وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين [سُورَة الْأَنْبِيَاء 16]
فنزه نَفسه أَن يكون فعله كَفعل اللاعب العابث الَّذِي لَا يقْصد غَايَة محمودة يُرِيد سوق الْوَسَائِل إِلَيْهَا فَإِن هَذَا فعل الجاد الَّذِي يَجِيء بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم لما آتَاهُ الله رشده من قبل التَّوْرَاة وَالْقُرْآن إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين إِلَى قَوْله أم أَنْت من اللاعبين قَالَ بل ربكُم رب السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطرهن وَأَنا على ذَلِكُم من الشَّاهِدين [سُورَة الْأَنْبِيَاء 52 - 56] فَهُوَ لما قَالَ مَا قَالَ قَالُوا جئتنا بِالْحَقِّ أم أَنْت من اللاعبين الْآيَة 55 فَالَّذِي يَأْتِي بِالْحَقِّ خلاف اللاعب فَإِنَّهُ يقْصد أَن يخبر بِصدق وَيَأْمُر بِمَا ينفع وَهُوَ الْعدْل بِخِلَاف اللاعب العابث فَإِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُوده هَذَا بل اللَّهْو واللعب
وَلِهَذَا قد يشْتم الْإِنْسَان على وَجه اللّعب وَيفْعل بِهِ أَفعَال مُنكرَة فَلَا يُنكر ذَلِك كَمَا يُنكره من الجاد المحق وَلِهَذَا كَانَ عَامَّة اللَّهْو بَاطِلا لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَة كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كل لَهو يلهو بِهِ الرجل لَهو بَاطِل إِلَّا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امْرَأَته فَإِنَّهُ من الْحق فَالْحق ضد الْبَاطِل وَاللَّهْو بَاطِل وَلِهَذَا تنزه سُبْحَانَهُ عَن أَن يخلقهما بَاطِلا
وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين فاللاعب صَاحب بَاطِل لَا صَاحب حق وَلِهَذَا لما دخل عمر على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعِنْده الْأسود بن سريع ينشده فأسكته مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ من هَذَا الَّذِي تسكتني لَهُ قَالَ هَذَا رجل لَا يحب الْبَاطِل فَإِن عمر كَانَ لَا يُحِبهُ وَلَا يصبر على صَاحبه وَالنَّبِيّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أحلم وأصبر من عمر فَهُوَ أَيْضا لَا يحب الْبَاطِل لكنه يصبر وَيحْتَمل مِنْهُ مَا لم يكن محرما وَلَكِن هُوَ لَا مَنْفَعَة فِيهِ لفَاعِله فَإِذا فعله احتمله عَلَيْهِ فَهَذَا بَيَان قَول من فسر اللاعب بالعابث وَله نَظَائِر
وَالَّذين فسروا بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجَة قَالُوا ذَلِك لِأَن من الْمُشْركين من جعل لله ولدا وصاحبة وَقَالُوا إِنَّه ضاهى الْحق وهم يسمون الْمَرْأَة لهوا وَالْولد لهوا وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة أصل اللَّهْو الْجِمَاع وكنى عَنهُ باللهو كَمَا كنى عَنهُ بالسر
وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد يَجْعَل ملاعبة الرجل امْرَأَته من اللَّهْو الَّذِي لَيْسَ بباطل والرب تَعَالَى منزه عَن اللّعب مُطلقًا فَإِن الَّذِي يلاعب امْرَأَته إِنَّمَا يفعل ذَلِك لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمَرْأَة وَحِكْمَة ذَلِك بَقَاء النَّسْل وَالله تَعَالَى منزه عَن الْولادَة فتضمنت هَذِه الْآيَة تنزيهه عَن الْخلق عَبَثا لَا لحكمة فَإِن ذَلِك لعب وعبث وتضمنت تنزيهه عَن أَن يتَّخذ مَا يلهى بِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالْولد وَلِهَذَا بَين بعد ذَلِك أَنه إِنَّمَا خلق ذَلِك بِالْحَقِّ وَأَنه منزه عَن الْأَوْلَاد وَقَالَ بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه وَاللَّهْو كُله بَاطِل فِي حق الله تَعَالَى وَإِن كَانَ بعضه من الْحق فِي حق الْعباد
وَهُوَ سبحانه وتعالى قَالَ لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا فَإِن مَا يلهو بِهِ اللاهي يكون عِنْده لَا يكون بَعيدا عَنهُ وَنحن
خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فَكيف يكون هَذَا لعبا بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق وَلكم الويل مِمَّا تصفون ثمَّ قَالَ وَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته وَلَا يستحسرون يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون [سُورَة الأنبياءي 19 - 20] ثمَّ رد على من أشرك بِهِ ثمَّ حكى قَول الْمُشْركين الَّذين قَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا قَالَ سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى وهم من خَشيته مشفقون وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم كَذَلِك نجزي الظَّالِمين [سُورَة الْأَنْبِيَاء 26 - 29] فَهَذِهِ صفة الْمَلَائِكَة والمسيح والعزير وَنَحْوهمَا أَيْضا هم بِهَذِهِ الصّفة فَإِنَّهُم عباد مكرمون قَالَ تَعَالَى عَن الْمَسِيح إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ [سُورَة الزخرف 59] وَقَالَ لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكن عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون [سُورَة النِّسَاء 172]
فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى فِي الْبَقَرَة وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ بل لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كل لَهُ قانتون وَالَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا جعله إِمَّا من الْمَلَائِكَة وَإِمَّا من الْآدَمِيّين كالمسيح والعزير فَقَوله تَعَالَى كل لَهُ قانتون يبين أَن هَؤُلَاءِ الَّذين قيل فيهم إِنَّهُم أَوْلَاد هم عباد لَهُ مطيعون كَمَا ذكر فِي الْأَنْبِيَاء وَغَيرهَا وكما قَالَ قل ادعوا الَّذين زعمتم من دونه فَلَا يملكُونَ كشف الضّر عَنْكُم وَلَا تحويلا أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب ويرجون رَحمته وَيَخَافُونَ عَذَابه إِن عَذَاب رَبك كَانَ محذورا [سُورَة الْإِسْرَاء 56 - 57] فَبين أَن هَؤُلَاءِ المعبودين هم يعْبدُونَ الله تَعَالَى وَمثله قَوْله قل لَو كَانَ مَعَه