الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَو الْعلمَاء أَو الْمَشَايِخ من شَيْء لَا يضيرهم وَلَا يضرهم ثُبُوته فيقدح فِي الرَّسُول أَو فِي الله تَعَالَى وَيُرِيد تَنْزِيه الْأَنْبِيَاء عَمَّا لَا يضرهم ثُبُوته بل هُوَ رفع دَرَجَة لَهُم فيقدح فِي الربوبية فَتدبر هَذَا فَإِنَّهُ نَافِع
بطلَان القَوْل بعصمة الْأَنْبِيَاء من التَّوْبَة من الذُّنُوب
والقائلون بعصمة الْأَنْبِيَاء من التَّوْبَة من الذُّنُوب لَيْسَ لَهُم حجَّة من كتاب الله وَسنة رَسُوله وَلَا لَهُم إِمَام من سلف الْأمة وأئمتها وَإِنَّمَا مبدأ قَوْلهم من أهل الْأَهْوَاء كالروافض والمعتزلة وحجتهم آراء ضَعِيفَة من جنس قَول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض والقاسية قُلُوبهم الَّذين قَالَ الله فيهم ليجعل مَا يلقى الشَّيْطَان فتْنَة للَّذين فِي قُلُوبهم مرض والقاسية قُلُوبهم وَإِن الظَّالِمين لفي شقَاق بعيد [سُورَة الْحَج 53]
وعمدة من وافقهم من الْفُقَهَاء أَن الِاقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَفعاله مَشْرُوع وَلَوْلَا ذَلِك مَا جَازَ الِاقْتِدَاء بِهِ وَهَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ قد تقدم أَنهم لَا يقرونَ بل لَا بُد من التَّوْبَة وَالْبَيَان والاقتداء إِنَّمَا يكون بِمَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر فَأَما الْمَنْسُوخ والمنهي عَنهُ والمتوب مِنْهُ فَلَا قدوة فِيهِ بالِاتِّفَاقِ فَإِذا كَانَت الْأَقْوَال المنسوخة لَا قدوة فِيهَا فالأفعال الَّتِي لم يقر عَلَيْهَا أولى بذلك
تَفْصِيل مَذْهَب أهل السّنة فِي ذَلِك
وَأما مَذْهَب السّلف وَالْأَئِمَّة وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة الْقَائِلين بِمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة من تَوْبَة الْأَنْبِيَاء من الذُّنُوب فقد ذكرنَا من آيَات الْقُرْآن مَا فِيهِ دلالات على ذَلِك
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْت أعلم بِهِ منى اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت
وَأما أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر وَأَنت على كل شَيْء قدير
وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي استفتاح الصَّلَاة اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا شريك لَك أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت واهدني لأحسن الْأَخْلَاق فَإِنَّهُ لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت واصرف عني سيئها فَإِنَّهُ لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت قَالَ ثمَّ يكون من آخر مَا يَقُول بَين التَّشَهُّد التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة إسكاتة فَقلت بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله إسكاتك بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة مَا تَقول قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا كَمَا
ينقي الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي يتَأَوَّل الْقُرْآن
وَفِي الصَّحِيح أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي سُجُوده اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي كُله دقه وجله وأوله وَآخره وعلانيته وسره وقليله وَكَثِيره
وَقد تقدم قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم أَكثر من سبعين مرّة وَقَوله يَا أَيهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى ربكُم فَإِنِّي أَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مائَة مرّة وَقَوله إِنَّه ليغان على قلبِي وَإِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة وَتقدم أَيْضا أَنهم كَانُوا يعدون لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمجْلس الْوَاحِد يَقُول رب اغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الغفور مائَة مرّة
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قفل من غَزْو أَو حج أَو عمْرَة يكبر على كل شرف من الأَرْض ثَلَاث
تَكْبِيرَات ثمَّ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده
وَفِي السّنَن عَن عَليّ أَنه أَتَى بِدَابَّة ليرْكبَهَا فَلَمَّا وضع رجله فِي الركاب قَالَ بِسم الله فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا قَالَ الْحَمد لله سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون ثمَّ قَالَ الْحَمد لله ثَلَاثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت ثمَّ ضحك فَقيل من أَي شَيْء ضحِكت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صنع كَمَا صنعت ثمَّ ضحك فَقلت من أَي شَيْء ضحِكت يَا رَسُول الله فَقَالَ إِن رَبك ليعجب من عَبده إِذا قَالَ رب اغْفِر لي ذُنُوبِي يَقُول يعلم أَن الذُّنُوب لَا يغفرها أحد غَيْرِي
فصل فِي أَن دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد
فصل
قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء ديننَا وَاحِد
قَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات إِلَى قَوْله وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 51 - 52] أَي ملتكم مِلَّة وَاحِدَة كَقَوْلِه إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة [سُورَة الزخرف 22 - 23] أَي على مِلَّة وَقَالَ شرع لكم من الدَّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك الْآيَة [سُورَة الشورى 13]
فدين الْأَنْبِيَاء وَاحِد وَهُوَ دين الْإِسْلَام لِأَن بعض الشَّرَائِع تتنوع فقد يشرع فِي وَقت أمرا لحكمة ثمَّ يشرع فِي وَقت آخر أمرا آخر لحكمة كَمَا شرع فِي أول الْإِسْلَام الصَّلَاة إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ نسخ ذَلِك وَأمر بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَة فتنوعت الشَّرِيعَة وَالدّين وَاحِد وَكَانَ اسْتِقْبَال الشَّام من ذَلِك
الْوَقْت من دين الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ السبت لمُوسَى من دين الْإِسْلَام ثمَّ لما صَار دين الْإِسْلَام هُوَ النَّاسِخ وَهُوَ الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة فَمن تمسك بالمنسوخ فَلَيْسَ على دين الْإِسْلَام وَلَا هُوَ من الْأَنْبِيَاء
وَمن ترك شرع الْأَنْبِيَاء وابتدع شرعا فشرعه بَاطِل لَا يجوز اتِّبَاعه كَمَا قَالَ أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم من الدَّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله [سُورَة الشورى 21] وَلِهَذَا كفرت الْيَهُود وَالنَّصَارَى لأَنهم تمسكوا بشرع مَنْسُوخ
وَالله أوجب على جَمِيع الْخلق أَن يُؤمنُوا بِجَمِيعِ كتبه وَرُسُله وَمُحَمّد خَاتم الرُّسُل فعلى جَمِيع الْخلق اتِّبَاعه وَاتِّبَاع مَا شَرعه من الدَّين هُوَ مَا أَتَى بِهِ من الْكتاب وَالسّنة
فصل فِي الدَّلِيل على فضل الْعَرَب
فصل
الدَّلِيل على فضل الْعَرَب مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن قُريْشًا جَلَسُوا يتذاكرون أحسابهم بَينهم فَجعلُوا مثلك كَمثل نَخْلَة فِي كبوة من الأَرْض فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله خلق الْخلق فجعلني فِي خير فرقهم ثمَّ خير الْقَبَائِل فجعلني فِي خير قَبيلَة ثمَّ خير الْبيُوت فجعلني فِي خير بُيُوتهم فَأَنا خَيرهمْ نفسا وَخَيرهمْ بَيْتا قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن
والكبا بِالْكَسْرِ وَالْقصر والكبة الكناسة وَالْمعْنَى أَن النَّخْلَة طيبَة فِي نَفسهَا وَإِن كَانَ أَصْلهَا لَيْسَ بِذَاكَ
وَعَن سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا سلمَان لَا تبغضني فتفارق دينك قلت يَا رَسُول الله وَكَيف أبغضك وَبِك هَدَانِي الله قَالَ تبغض الْعَرَب فتبغضني قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب
وروى أَبُو جَعْفَر الْحَافِظ الْكُوفِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحبُّوا الْعَرَب لثلاث لِأَنِّي عَرَبِيّ وَالْقُرْآن عَرَبِيّ ولسان أهل الْجنَّة عَرَبِيّ قَالَ الْحَافِظ السلَفِي هَذَا حَدِيث حسن فَمَا أَدْرِي أَرَادَ حسن إِسْنَاده على طَريقَة الْمُحدثين أَو حسن مَتنه على الإصطلاح الْعَام وَأَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ ذكره فِي الموضوعات
وَقَالَ سلمَان يَا معشر الْعَرَب لتفضيل رَسُول الله إيَّاكُمْ لَا ننكح نساءكم وَلَا نؤمكم فِي الصَّلَاة وَإِسْنَاده جيد رَوَاهُ مُحَمَّد بن أبي عمر الْعَدنِي وَسَعِيد فِي سنَنه