الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِخْبَار الله عَن عَذَاب فِرْعَوْن فِي الْآخِرَة:
وإخباره سبحانه وتعالى عَن تَكْذِيب فِرْعَوْن وَغير ذَلِك من أَنْوَاع كفره كثير فِي الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ إخْبَاره عَن عَذَابه فِي الْآخِرَة. فَإِن هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة يَزْعمُونَ أَنه لَيْسَ فِي الْقُرْآن آيَة تدل على عَذَابه، وَيَقُولُونَ إِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:{يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود} [سُورَة هود: 98]، قَالُوا: فَأخْبر أَنه يوردهم، وَلم يذكر أَنه دخل مَعَهم. قَالُوا: وَقد قَالَ: {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} [سُورَة غَافِر: 46] ، فَإِنَّمَا يدْخل النَّار آل فِرْعَوْن لَا فِرْعَوْن.
وَهَذَا من أعظم جهلهم وضلالهم، فَإِنَّهُ حَيْثُ ذكر فِي الْكتاب وَالسّنة آل فلَان كَانَ فلَان دَاخِلا فيهم، كَقَوْلِه:{إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين} [سُورَة آل عمرَان: 33]، وَقَوله:{إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} [سُورَة الْقَمَر: 34]، وَقَوله:{سَلام على إل ياسين} [سُورَة الصافات: 130] . وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى"، وَقَوله:"لقد أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد".
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ نجيناكم من آل فِرْعَوْن يسومونكم سوء الْعَذَاب} [سُورَة الْبَقَرَة: 49]، {كدأب آل فِرْعَوْن} [سُورَة آل عمرَان: 11] ، {وَلَقَد جَاءَ آل فِرْعَوْن النّذر * كذبُوا بِآيَاتِنَا كلهَا فأخذناهم أَخذ عَزِيز مقتدر} [سُورَة الْقَمَر: 41]- 42] .
وَقَوله: {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} [سُورَة غَافِر: 46] متناول لَهُ وَلَهُم بِاتِّفَاق الْمُسلمين، وبالعلم الضَّرُورِيّ من دين الْمُسلمين.
وَهَذَا بعد قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مُؤمن من آل فِرْعَوْن يكتم إيمَانه: {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} [سُورَة غَافِر: 28] ، وَالَّذِي طلب قَتله هُوَ فِرْعَوْن، فَقَالَ الْمُؤمن بعد ذَلِك:{مَالِي أدعوكم إِلَى النجَاة وتدعونني إِلَى النَّار * تدعونني لأكفر بِاللَّه وأشرك بِهِ} [سُورَة غَافِر: 41]- 42] ، والداعي إِلَى الْكفْر هُوَ كَافِر كفرا مغلظا، فَهَذَا فِيهِ.
ووصفهم أَيْضا بالْكفْر إِلَى قَوْله: {فوقاه الله سيئات مَا مكروا وحاق بآل فِرْعَوْن سوء الْعَذَاب * النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} [سُورَة غَافِر: 45]- 46] ، فَأخْبر أَنه حاق بآل فِرْعَوْن سوء الْعَذَاب، وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب. ثمَّ قَالَ: {وَإِذ يتحاجون فِي النَّار فَيَقُول الضُّعَفَاء للَّذين استكبروا إِنَّا كُنَّا لكم تبعا فَهَل أَنْتُم مغنون عَنَّا نَصِيبا من النَّار * قَالَ الَّذين استكبروا إِنَّا
كل فِيهَا إِن الله قد حكم بَين الْعباد} [سُورَة غَافِر: 47]- 48] وَمَعْلُوم أَن فِرْعَوْن هُوَ أعظم الَّذين استكبروا، ثمَّ هامان وَقَارُون، وَأَن قَومهمْ كَانُوا لَهُم تبعا، وَفرْعَوْن هُوَ متبوعهم الْأَعْظَم الَّذِي قَالَ: مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي، وَقَالَ: أَنا ربكُم الْأَعْلَى.
وَقد قَالَ: {واستكبر هُوَ وَجُنُوده فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ * فأخذناه وَجُنُوده فنبذناهم فِي اليم فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمين * وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار وَيَوْم الْقِيَامَة لَا ينْصرُونَ * وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين} [سُورَة الْقَصَص: 39]- 42] .
وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ نبذه وَقَومه فِي اليم عُقُوبَة الَّذِي هُوَ الْكفْر، وَأَنه أتبعه وَقَومه فِي الدُّنْيَا لعنة، وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين هُوَ وَقَومه جَمِيعًا، وَهَذَا مُوَافق لقَوْله:{وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وسلطان مُبين * إِلَى فِرْعَوْن وملئه فاتبعوا أَمر فِرْعَوْن وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد * يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود * وأتبعوا فِي هَذِه لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة بئس الرفد المرفود} [سُورَة هود: 96]- 99] .
فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنهم اتبعُوا أمره، وَأَنه يقدمهم لِأَنَّهُ إمَامهمْ، فَيكون قادما لَهُم لَا سائقا لَهُم، وَأَنه يوردهم النَّار. فَإِذا كَانَ التَّابِع قد ورد النَّار فمعلوم أَن القادم الَّذِي يقدمهُ وَهُوَ متبوعه ورد قبله، وَلِهَذَا قَالَ بعد ذَلِك:{وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين} [سُورَة الْقَصَص: 42] .
وَالتَّابِع والمتبوع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي تِلْكَ السُّورَة عَن فِرْعَوْن وَقَومه: {وأتبعوا فِي هَذِه لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة بئس الرفد المرفود} [سُورَة هود: 99] .
وَالْكَلَام فِي هَذَا مَبْسُوط، لم تحْتَمل هَذِه الورقة إِلَّا هَذَا، وَالله أعلم.
وَالْحَمْد لله وَحده، وصلوات الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
تمّ وكمل.
رِسَالَة فِي التَّوْبَة