الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد تنَازع النَّاس فِي أول مَا أنعم الله على العَبْد فَقيل هُوَ خلقه حَيا أَو خلق الْحَيَاة كَمَا قَالَ ذَلِك من قَالَه من الْمُعْتَزلَة وَقيل بل إِدْرَاك اللَّذَّات ونيل الشَّهَوَات كَمَا يَقُوله الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه من الْفُقَهَاء من أَصْحَاب أَحْمد وَغَيره كَالْقَاضِي أبي يعلى فِي أحد قوليه وَمن أَصْحَاب أَحْمد وَغَيرهم من قَالَ بل أَولهَا هُوَ الْإِيمَان وَلم يَجْعَل مَا قبل الْإِيمَان نعْمَة بِنَاء على أَن تِلْكَ لَا تصير نعما إِلَّا بِالْإِيمَان وَأَن الْكَافِر لَيْسَ عَلَيْهِ نعْمَة وَهَذَا أحد قولي الْأَشْعَرِيّ وَأحد الْقَوْلَيْنِ لمتأخري أَصْحَاب أَحْمد وَغَيرهم كَأبي الْفرج
نعْمَة الله على الْكفَّار وَغَيرهم وَلَكِن نعْمَته الْمُطلقَة على الْمُؤمنِينَ
وَالصَّحِيح أَن نعْمَة الله على كل أحد على الْكفَّار وَغَيرهم لَكِن النِّعْمَة الْمُطلقَة التَّامَّة هِيَ على الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ الَّذين أمرنَا أَن نقُول فِي صَلَاتنَا اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم فَإِن جعلت غير صفة لَا اسْتثِْنَاء فِيهَا لم يدْخل المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضالون فِي الْمُنعم عَلَيْهِم وَإِن جعلت اسْتثِْنَاء فقد دخلُوا فِي الْمُنعم عَلَيْهِم لَكِن رجحوا الأول فَقَالُوا وَاللَّفْظ لِلْبَغوِيِّ غير هَهُنَا بِمَعْنى لَا وَلَا بِمَعْنى غير وَلذَلِك جَازَ الْعَطف عَلَيْهَا كَمَا يُقَال فلَان يغر محسن وَلَا مُجمل فَإِذا كَانَ غير بِمَعْنى سوى فَلَا يجوز الْعَطف عَلَيْهَا بِلَا لَا يجوز فِي الْكَلَام عِنْدِي سوى عبد الله وَلَا زيد وَقد روى عَن عمر أَنه قَرَأَ صِرَاط من أَنْعَمت عَلَيْهِم غير
المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَّالّين
وَهَذَا قد ذكره غير وَاحِد من أهل الْعَرَبيَّة ومثلوه بقول الْقَائِل إنى لأقر بالصادق غير الْكَاذِب قَالُوا وَغير هُنَا صفة لَيست للإستثناء وأصل غير أَن تكون صفة وَهِي فِي الْآيَة صفة وَلِهَذَا خفضت كَأَنَّهُ قيل صِرَاط الْمُنعم عَلَيْهِم المغايرين لهَؤُلَاء وَهَؤُلَاء
هَذِه هِيَ النِّعْمَة الْمُطلقَة التَّامَّة وَالْقُرْآن مَمْلُوء من ذكر نعمه على الْكفَّار وَقد قَالَ تَعَالَى كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم [سُورَة الْبَقَرَة 28] فالحياة نعْمَة وَإِدْرَاك اللَّذَّات نعْمَة وَأما الْإِيمَان فَهُوَ أعظم النعم وَبِه تتمّ النعم
فالإنسان بجبلته يطْلب مَا يُوَافقهُ ويتنعم بِهِ من الْغذَاء وَغَيره على هَذَا فطر فَيعرف النِّعْمَة فَيعرف الْمُنعم فيشكره فَلهَذَا كَانَ الْحَمد هُوَ الإبتداء فَإِن شعوره بِنَفسِهِ وَبِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويتنعم بِهِ قبل شعوره بِكُل شَيْء وَهُوَ من حِين خرج من بطن أمه شعر بِاللَّبنِ الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ ويتنعم بِهِ وَبِمَا يخرج مِنْهُ وَهُوَ الثدي فَلهَذَا تعرف الله إِلَيْهِ بِالنعَم ليشكره وشكره ابْتِدَاء مَعْرفَته بِاللَّه فَإِذا عرف الله أحبه فعبده وتنعم بِعِبَادَتِهِ وَحده لَا شريك لَهُ وَعرف مَا فِي التأله لَهُ من اللَّذَّة الْعَظِيمَة الَّتِي لَا يعد لَهَا لَذَّة فَلهَذَا كَانَ التَّوْحِيد نهايته أَوله الْحَمد وَآخره إياك نعْبد
وَكَذَلِكَ فِي الْجنَّة كَمَا فِي صَحِيح مُسلم عَن صُهَيْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم