الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما
الزيارة البدعية
فهي من جنس الشرك به من جنس النصارى، مثل: دعاءِ الميِّت والاستغاثة به، والإقسام به على الله تعالى، وتقبيل قبره والتسمح به، والسجود له، وتعفير الخدِّ عنده، ونحو ذلك ممَّا يتضمن طلب الحاجات منه أو بسببه. فليس شيء من هذا من جنس دين المسلمين، ولم يَشرعْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا، ولا فَعَلَه أصحابُه، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين، بل قد نَهَوْا عنه. حتى قد اتفق أئمةُ المسلمين على أنّ قبرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لا يُقَبَّل ولا يُتمسَّحُ به ولا يُسْجَد عنده. فإذا كان هذا قبره فكيف يكون قبرُ غيرِه؟ وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله، وأقربهم إليه وسيلةً، وأعظمهم عنده جاهًا.
والحديث الذي يرويه بعض الناس عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي" حديث موضوع
(1)
، لم يَروِه أحدٌ من أهل العلم، ولا ذُكِرَ في شيء من كتب المسلمين المعروفة.
وكذلك إيقادُ المصابيح وتعليقُ الستورِ على قبور الأنبياء والصالحين من أهلِ البيت وغيرِهم ليس شيءٌ من ذلك مشروعًا باتفاق المسلمين جميعًا، ولم يفعل ذلك أحدٌ من الأمَّة ولا أئمتُها، ولا استحبَّه أحدٌ من أئمة الدين. بل في السنن
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعنَ الله زوّاراتِ القبور والمتخذين عليها السُّرُجَ والمساجدَ". قال الترمذي: حديث حسن.
(1)
تكلم عليه المؤلف في مواضع من "مجموع الفتاوى"(1/ 319، 346، 24/ 335، 27/ 126)، وذكر أنه لا أصل له.
(2)
لأبي داود (3236) والترمذي (320) والنسائي (4/ 94) وابن ماجه (1575) عن ابن عباس.
ومن نَذَر لقبرٍ زيتًا أو شمعًا أو قناديلَ أو سِتْرًا أو نحو ذلك لم يكن هذا نَذْرَ طاعةٍ، ولم يكن على أحدٍ أن يوفيَ به، وما أعلمُ في هذا نزاعًا بين العلماء. ولكن هل عليه كفّارة يمينٍ أم لا؟ فيه قولان.
وكذلك الاجتماع عند قبرٍ من القبور لقراءةِ ختمةٍ أو دعاءٍ أو ذكرٍ أو عَملِ سَماع أو غيرِ ذلك هو من البدع المنهيِّ عنها؟ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عِيدًا"، رواه أهلَ السنن كأبي داود وغيره
(1)
. فإذا كان قد نُهِيَ عن اتخاذِ قبرِه عيدًا، فقَبْرُ غيرِه أولى بالنهي عن ذلك. والمكان الذي يتخذ عيدًا هو أن يعتاد الناسُ للاجتماع فيه في وقتٍ معيَّنٍ، كما يعتادون الاجتماع فيه بعرفةَ ومزدلفةَ ومِنَى، وكذلك الزمان الذي يُتَّخذ عِيدًا هو الزمان الذي يعتادون الاجتماع فيه، كيومَي الفِطر والنحر.
والمشركون الذين كفَّرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقاتَلَهم واستباحَ دماءَهم وأموالَهم من العرب لم يكونوا يقولون: إنَّ آلهتَهم شاركتِ اللهَ في خلق السماوات والأرض والعالم، بل كانوا يُقِرُّون بأن الله وحدَه خالق السماوات والأرض والعالم، كما قال الله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ)
(2)
، وقال تعالى:(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)
(3)
الآيات إلى قوله (تُسْحَرُونَ (89)) وقد قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106))
(4)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سورة لقمان: 25 وسورة الزمر: 38.
(3)
سورة المؤمنين: 84 - 89.
(4)
سورة يوسف: 106.
قال طائفة من السلف: يسألهم مَن خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم يعبدون غيره. وإنما كانت عبادتهم إيَّاهم أنهم يدعونهم ويتخذونهم وسائطَ ووسائلَ وشُفعاءَ لهم، فمن سلكَ هذا السبيلَ فهو مشرك بحسب ما فيه من الشرك.
وهذا الشركُ إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ، وَجَبَ قتلُه كقتلِ أمثالِه من المشركين، ولم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين، ولم يُصَلَّ عليه. وإمَّا إذا كان جاهلًا لم يَبلُغْه العلمُ، ولم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه، ولاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر.
والواجبُ على المسلمين عمومًا وعلى وُلاةِ الأمور خصوصًا النهيُ عن هذه الأمور، والزَّجْرُ عنها بكلِّ طريق، وعقوبةُ مَن لم ينتهِ عن ذلك العقوبةَ الشرعيةَ، والله أعلم.
فصل
والواجب على المشايخ أن يأمروا أتباعَهم بطاعةِ الله ورسوله، فيفعلوا ما أمر الله ورسولُه به، ويتركوا ما نَهى الله ورسولُه عنه، ويَتَبعوا كتابَ الله وسنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المقصود بذلك دعوتهم إلى عبادة الله وحدَه لا شريك له وطاعة رسوله. والشيوخُ يبلِّغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر به أمته من الدين الذي أمر الله به، ويتبعون لخلفائه الراشدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، تَمسَّكوا بها
وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإنّ كلَّ بدعةٍ ضلالة"
(1)
.
والوصية الجامعة من وصية الله التي وَصَّى بها عبادَه حيث قال. (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
(2)
. ولما بعثَ النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن وصَّاه ثلاثَ وَصايا، فقال:"اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأَتْبعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ"
(3)
.
وأما كتابة الإجازات فهي بمنزلة الشهادة للرجلِ أنه أهلُ المَشْيَخةِ، وبمنزلةِ أمرِ الناس بمتابعتِه وطاعتِه، وليس لأحدٍ أن يَفعلَ هذا إلا أن يكونَ عالمًا بمن يَصْلُح للقدوة والاتباع، ومن لا يَصْلُح أن يكون عدلًا فيما يقوله ويأمُر به. فمن كان جاهلًا بطريقِ الله الذي بَعثَ به رسولَه، أو كان صاحبَ غرضٍ يكتب الإجازةَ لمن يُعطِيه مالًا ويَخدِمُه، إن لم يكن مستحقًّا لذلك لم يكن لمثل هذا أن يكتب إجازة، ولا حرمةَ لمن كتبَ له مثلُ هذا إجازة، لاسيَّما إذا كان مضمون الإجازة أن يُعطوه أموالَهم. فهذه إجازةُ الشحَّاذين والسُّوَّال،
(1)
أخرجه أحمد (4/ 126) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (43 - 44) عن العرباض بن سارية.
(2)
سورة النساء: 131.
(3)
اختلفت الروايات في أنّ هذه الوصايا وصَى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر أو معاذًا، وقد أخرجها أحمد (5/ 153، 158، 177) والدارمي (2794) والترمذي (1987).
قال وكيع: وقال سفيان مرةً "عن معاذ"، فوجدتُ في كتابي "عن أبي ذر" وهو السماع الأول. قال أحمد: وكان حدثنا به وكيع عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ، ثم رجع. وقال محمود بن غيلان بعدما رواه من حديث معاذ: والصحيح حديث أبي ذر.