الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كبّرنا، وإذا هبطنا سبَّحنا". فوُضِعت الصلاة على ذلك، والمصلي في ركوعه وسجوده يُسبِّح، ويكبِّر في الخفض والرفع، كما جاءت الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن اقتران التهليل بالتكبير قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "يا عديّ! ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم مِن إلهٍ إلا الله؟ ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟ ". رواه أحمد والترمذي
(1)
وغيرهما.
فنقول:
التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات
، نَفْي المعائب وإثبات المحامد، وذلك يتضمن التعظيم، ولهذا قال:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1))
(2)
، وقال:(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74))
(3)
. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا هذه في ركوعكم، وهذه في سجودكم"
(4)
. وقال: "أما الركوع فعظِّموا فيه الرب"
(5)
. فالتسبيح يتضمن التنزيه المستلزم للتعظيم، والحمد يتضمن إثبات المحامد المتضمن لنفي نقائصها.
وأما التهليل والتكبير فالتهليل يتضمن اختصاصَه بالإلهية، وما يستلزم الإلهيةَ فهذا لا يكون لغيره، بل هو مختصّ به، والتكبير
(1)
أخرجه أحمد (4/ 378) والترمذي (2953، 2954) من طريق سماك بن حرب عن عبَّاد بن حبيش عن عديّ.
(2)
سورة الأعلى: 1.
(3)
سورة الواقعة: 74، 96 وسورة الحاقة:52.
(4)
أخرجه أحمد (4/ 155) وأبو داود (869) وابن ماجه (887) عن عقبة بن عامر الجهني.
(5)
أخرجه مسلم (479) عن ابن عباس.
يتضمن أنه أكبر من كل شيء، فما يَحصُلُ لغيره من نوع صفات الكمال -فإنّ المخلوقَ متصفٌ بأنه موجود وأنه حيٌّ وأنه عليم قدير سميع بصير إلى غير ذلك- فهو سبحانَه أكبر من كل شيء، فلا يساويه شيء في شيء من صفات الكمال، بل هي نوعان: نوع يختصُّ به ويمتنع ثبوته لغيره، مثل كونه ربّ العالمين، وإله الخلق أجمعين، الأول الآخر الظاهر الباطن القديم الأزلي الرحمن الرحيم مالك الملك عالم الغيب والشهادة، فهذا كله هو مختصٌّ به، وهو مستلزم لاختصاصه بالإلهية، فلا إله إلا هو، ولا يجوز أن يُعبَد إلا هو، ولا يُتوكل إلاّ عليه، ولا يُرغَب إلا إليه، ولا يُخشَى إلا هو. فهذا كلُّه من تحقيق "لا إله إلا الله".
وأما "الله أكبر" فكل اسم يتضمن تفضيله على غيره، مثل قوله:(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3))
(1)
، وقوله:(فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14))
(2)
، وقوله:(وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151))
(3)
و (وَأَنتَ خَيرُ الغَافِرينَ (155))
(4)
، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعديّ بن حاتم:"أيُفِرُّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟ ".
وأما قول بعض النحاة إن "أكبر" بمعنى كبير، فهذا غلط مخالفٌ لنصّ الرسول صلى الله عليه وسلم ولمعنى الاسم المنقول بالتواتر. وكذلك قول بعض الناس إنه أكبرُ مما يُعلَم ويُوصَف ويُقَال، جَعَلوا معنى "أكبر" أنه أكبر مما في القلوب والألسنة من معرفته ونَعْته، أي هو فوق معرفةِ
(1)
سورة العلق: 3.
(2)
سورة المؤمنون: 14.
(3)
سورة الأعراف: 151، وسورة الأنبياء:83.
(4)
سورة الأعراف: 155.
العارفين، وهذا المعنى صحيح، لكن ليس بطائل، فإن الأنبياء والرسل والملائكة والجنة والنار وما شاء الله من مخلوقاته هي أكبر مما يعرفه الناس، قال الله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)
(1)
، وقال تعالى:"أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خَطَر على قلبِ بشر"
(2)
.
فبعض مخلوقاته هي أكبر في معرفة الخلق من البعض، بخلاف ما إذا قيل إنه أكبر من كل شيء، فهذا لا يشركه فيه غيرُه. وبذلك فَسَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة في مخاطبته لعدي بن حاتم حيث قال:"أيُفِرّك أن يقال الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟ ".
وعلى هذا فعِلمُه أكبر من كل علم، وقدرتُه أكبر من كل قدرة، وهكذا سائر صفاته، كما قال تعالى:(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)
(3)
. فشهادته أكبر الشهادات.
فهذه الكلمة تقتضي تفضيلَه على كل شيء مما تُوصف به الأشياء من أمور الكمالات التي جعلَها هو سبحانه لها. وأما التهليل فيتضمن تخصيصَه بالإلهية، ليس هناك أحد يتصف بها حتى يقال إنه أكبر منه فيها، بل لا إله إلا الله. وهذه تضمنت معنى نفي الإلهية عمّا سواه وإثباتها له، وتلك تضمنت أنه أكبر مطلقًا، فهذه تخصيص وهذه تفضيل لما تضمنه التسبيح والتحميد من النفي والإثبات، فإنّ كل ذلك إما أن يكون مختصًّا به، أو ليس كمثله أحدٌ فيه.
(1)
سورة السجدة: 17.
(2)
أخرجه البخاري (4780) ومسلم (2824) عن أبي هريرة.
(3)
سورة الأنعام: 19.