الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57))
(1)
. قال طائفة من السلف: كان قومٌ يدعون العُزَير والمسيح والملائكة، فقال الله تعالى: هؤلاء الأنبياء والملائكة الذين تدعونهم يرجون رحمتي ويخافون عذابي، كما ترجون رحمتي وتخافون عذابي، ويتقرَّبون إليَّ كما تتقرَّبون إليَّ، وأخبر أنهم لا يملكون كشفَ الضرَّ عنهم ولا تحويلًا.
فإذا كان هذا في الملائكة والنبيين فكيف بمن دونهم؟ كمريم وغيرها من الصالحين الرجال والنساء. فمن دعا غيرَ الله تعالى أو عَبَدَه فهو مشركٌ بالله العظيم، وإن كان ذلك رجلًا صالحًا
(2)
أو امرأةً صالحة.
وكذلك التزيُّن يومَ عيد النصارى من المنكرات، وصنعة الطعام الزائد عن العادة، وتكحيل الصبيان، وتحمير الدوابِّ. والشجر بالمغرة وغيرها، وعمل الولائم وجمع الناس على الطعام في عيدهم. ومن فعلَ هذه الأمور يتقرب بها إلى الله تعالى راجيًا بركتَها فإنه يُستتاب، فإن تابَ وإلاّ قُتِل، فإن هذا من إخوان النصارى. كما لو عَظَّمَ الرجلُ الصليبَ، وصَلَّى إلى المشرق، وتَعَمَّد بالمعمودية، فإنّ من فعلَ هذا فهو كافر مرتدٌّ يجبُ قتلُه شرعًا وإن أظهرَ مع ذلك الإسلامَ.
وكذلك صَبْغ البيض فيه. وأما القمار فيه فإنه حرامٌ في كل وقتٍ، فيه وفي غيره. وكذلك البخور فيه ونحو ذلك.
وبالجملة ف
ليس ليومِ عيدِهم مزيةٌ على غيرِه
، ولا يُفعَل فيه شيء
(1)
سورة الإسراء: 56 - 57.
(2)
في الأصل: "رجل صالح".
مما يُميِّزونه هم به. ولكن لو صامَه الرجلُ قصدًا لمخالفتهم فقد كرهه كثيرٌ من العلماء، كما رُوِي عن أنس بن مالك والحسن البصري وأحمد بن حنبل وغيرهم رضي الله عنهم، لأنَّ في
(1)
تخصيصِ أعيادِ الكفار بالصومِ نوعَ تعظيمٍ لها، وإن كانوا هم لا يصومونه، فكيف إذا كان التعظيم من جنس ما يفعلونه؟
إلا ترى أن اليهود كانوا يتخذون يومَ عاشوراءَ عيدًا، فيصومونَه ويُظهِرون السرورَ فيه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامِه مرَّةً واحدةً قبلَ أن يُفرَض رمضان، فلما فُرِض رمضانُ سَقَطَ وجوبُه
(2)
وبَقِيَ صومُه مستحبًّا. ثمَّ إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن اليهود والنصارى يتخذونه عيدًا قال: "لئنْ عِشْتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسعَ"
(3)
. فقال أكثر أهل العلم: مرادُه صوم التاسع والعاشر، لئلا يُخَصَّ يومُ عاشوراء بالصوم، كما نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم
(4)
، وكان يقول:"صوموا يومًا قبلَه أو يومًا بعدَه"
(5)
. وهو صلى الله عليه وسلم فَعَلَ هذا في عاشوراءَ بعد أن كان أمرَ بصيامه ليُخالِفَ اليهودَ، ولا يشارِكهم في إفرادِ تعظيمه.
هذا مع أن عاشوراء لم يُشرَع فيه غيرُ الصوم باتفاقِ علماء المسلمين، فكل ما يُفعَل فيه غيرُ ذلك من الاختضاب والكحل والتزين والاغتسال والتوسُّع على العيال غير العادة فيه من حبوب أو غيرها هو من البدع المحدثة في الدين، لم يستحبَّها أحدٌ من العلماء
(1)
في الأصل: "من".
(2)
أخرجه البخاري (2001، 2002 ومواضع أخرى) ومسلم (1125) عن عائشة.
(3)
أخرجه مسلم (1134) عن ابن عباس.
(4)
أخرجه البخاري (1984) ومسلم (1143) عن جابر بن عبد الله.
(5)
أخرجه البخاري (1985) ومسلم (1144) عن أبي هريرة.
ولا السلف، بل كلُّ ما رُوِي فيها من الأحاديث المرفوعة فهي أحاديث موضوعة.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كَرِه نوعًا من التشبُّه بهم في عاشوراء، فكيف بالمياليد والشعانين والخميس وغير ذلك من أعياد الكافرين؟ وقد ذهب طائفة مِن العلماء إلى كفرِ من يفعل خصائصَ عيدِهم، وقال بعضهم: مَنْ ذبَح فيه بطِّيخةً فكأنما ذَبَحَ خِنزيرًا.
فالواجب على ولاةِ الأمور نهيُ الناس عن هذه المنكرات المحرَّمة، وأَمْرُهم بملازمة شعائر الإسلام الذي لا يَقبل الله غيرَه، فـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ)
(1)
، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85))
(2)
. آخرها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمدِ وآله وصحبه وسلَّم).
(1)
سورة آل عمران: 19.
(2)
سورة آل عمران: 85.
فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فصل
قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110))
(1)
. قال بعض السلف: هم خير أمة إذا قاموا بهذا الشرط، فمن لم يقم بهذا الشرط فليس من خير أمة.
قال: واتفق أئمة الدين على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرٌ واجبٌ على الناس، لكنه فرضٌ على الكفاية كالجهاد وتعلُّم العلم ونحو ذلك، فإذا قام به من يُستكفَى به سقطَ عن الناس، وكان الأجر والدرجة لمن قام به. ومن كان عاجزًا عمّا أمر الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأَرَاد أن يقوم به وجبَ على غيره أن يعاونَه، حتى يحصل المقصود الذي أمر الله به ورسولُه، كما قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
(2)
.
فكلُّ رسولٍ أرسلَه الله وكلُّ كتابٍ أنزلَه الله يتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمعروف اسمَ جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه، والمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه ويَسخَطُه. وتَركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لعقوبة الدنيا قبل الآخرة، فلا يَظُن الظانُ أنها تُصيبُ الظالمَ الفاعلَ للمعصية دونَه مع سكوتِه عن الأمر والنهي، بل تعمُّ الجميعَ.
(1)
سورة آل عمران: 110.
(2)
سورة المائدة: 2.
وينبغي أن يكون الآمر فقيهًا فيما يأمر به، فقيهًا فيما ينهى عنه، [رفيقًا فيما يأمر به] رفيقًا فيما ينهى عنه، حكيمًا فيما يأمر به، حكيمًا فيما ينهى عنه، رفيقًا [عالمًا] قبل الأمر والنهي، رفيقًا [عالمًا] حين الأمر والنهي، حليمًا صبورًا بعد الأمر والنهي، كما قال تعالى في قصة لقمان:(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17))
(1)
، فإن الآمر إنما هو مجاهد في سبيل الله، إذ
(2)
.......... أن يفعل ذلك عبادةً لله، وطاعةً لله ورسوله، وطلبًا للنجاة من عقاب الله، ونصحًا لعباد الله، لا يفعله لطلب العلوّ والرئاسة على الناس، ولا لعداوة أو حقد في نفسه على المأمور والمنهي، ولا لغرضٍ ينالُه بذلك، يكون أمره بالمعروف معروفًا غيرَ منكرٍ، ونهيُه أيضًا معروف غيرُ منكرٍ. وإلاّ فمتى أراد أن يُزِيلَ منكرًا بمنكرٍ كان كمن يريد غَسْلَ الخمر بالبول، ومن فعل ذلك فقد يكون خسرانُه أكثر من ربحه، وقد يكون أقلَّ أو أكثر. والله أعلم.
***
(1)
سورة لقمان: 17.
(2)
ما بعدها لم يظهر في التصوير عن الأصل.
مسألة في تلاوة القرآن والذكر، أيهما أفضل
الحمد لله. سُئِلتُ أيُّ الأمرين أفضلُ: تلاوة القرآن أو الذكر؟
فأجبتُ قائلًا: الظاهر أن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال، فإن كان الشخص ممن أُوتيَ فهمًا في كتاب الله تعالى، إذا تلا متدبِّرًا لآياته ازداد في الحِكَم والأحكام، وتجلَّت له معانٍ وحقائق في أصولِ الدين وفروع الحلال والحرام، كانت التلاوة في حقّه أفضل، كيف وتلاوة القرآن من أفضل الأذكار، والنظر في أحكام الله تعالى من أفضل أعمال الأبرار. وكان عطاءٌ لا رحمه الله تعالى يقول: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تبيع وتشتري وتصلي وتصوم وتحج وتطلق ونحو ذلك.
وإن لم يكن الرجل ممن له أهلية الفهم عن كلام الله تعالى، وكان الذكر أجمع لهمته وأصفى لخاطره، كان اشتغاله بالذكر أفضل والحالة هذه.
وينبغي للسالك وطالب الزيادة من الخير أن لا يترك حطه منهما، فيذكر الله تعالى إلى أن يجد عنده سأَمةً مَّا، فينتقل إلى الذكر بتلاوة القرآن متدبِّرًّا بترتيل وتفكُّرٍ، وتعظيمٍ عند آيات التوحيد والتنزيه، وسؤالِ عند آيات الوعد والرجاء، وتضرُّع واستعاذة عند آيات الخوف والوعيد، واعتبارٍ عند آيات القصص. فإن القرآن الكريم لا يَسأمُ قارئه، لاختلاف المعاني الواردة فيه.
وعند اشتغاله بالذكر ينبغي أن لا يفوته دقيقة نبَّه عليها بعض المحققين، وهي أن يقصد مثلًا عند ذكر "لا إله إلا الله" تلاوةَ قوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
(1)
لتُثْمِرَ له هذه
(1)
سورة محمد: 19.
الكلمة المباركة ثمرة الذكر والتلاوة، فيكون جامعًا بين الفضيلتين.
ولكلٍّ من التلاوة والذكر آدابٌ وشروط ذكرها العلماء، فينبغي له أن يتحرى في المحافظة عليها، وإن كان له شيخ يُرَبِّيه ألقَى زِمامَ أمرِه إليه، ليشير بما هو الأولى له عليه. والله أعلم.
***
فتوى في السماع
ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين- هل السماع بالقضيب على المخادّ
(1)
مباح وحلالٌ أو حرام؟ لأنه عُدِل به عن الدفّ والشبابة، وما هو ذلك؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله تعالى.
أجاب سيدنا وشيخنا الشيخ تقي الدين ابن، تيمية- أطال الله في عمره-:
الضرب بالقضيب على المخاد هو التغبير الذي قال فيه الشافعي: خلفتُ ببغداد شيئًا أحدثتْه الزنادقة يُسمونَه التغبيرَ يَصُدُّون به الناس عن القرآن. ويذكر فيه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، ونهوا الناس عن الحضور معهم. وكان الذين يحضرونه أهل زهد وعبادة ودين، يحضرونه لما فيه من التزهيد والترقيق وتحريك القلوب بالحبّ والحزن والخوف ونحو ذلك، فعدَّه الأئمة من البدع المحدثة في الإسلام، لأن الله إنما شرع للمسلمين سماعَ القرآن، فهو سماعُ النبيين والعالِمين والعارفين والمؤمنين، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه.
ولم يَحضُر هذا التغبيرَ أعيانُ الشيوخ المعروفين، كالفُضيل بن عِياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسرِيّ السقطى، بل ولا الشيخ العارف عبد القادر الكيلاني ولا الشيخ عديّ والشيخ أبي مَدْيَن والشيخ أبي البيان والشيخ حيا، وأمثال هؤلاء من شيوخ المسلمين، والله سبحانه أعلم. وكتبه أحمد ابن تيمية عفا الله عنه.
(1)
جمع مخدَّة: حديدة تُشَقّ بها الأرض.
مسألة في رجلٍ شتَم شريفًا
مسألة
في رجلٍ من أهل العلم شَتَمه شريفٌ وقال له: يا جاهل! فقال هو للشريفِ: الجاهلُ جَدُّك، ولم يعلم أنه شريف، فقال له الشريف: كَفَرتَ لأنك شَتمتَ جَدِّي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب
لا يَحِلُّ تكفيرُ المسلم بمثلِ ذلك، ومَن عُرِفَ إيمانُه لا يَقصِد بمثل هذا اللفظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ادَّعى على معروفٍ بالخير والدين أنه قصدَ بذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإنه يُعزَّر هذا المفتري على أهل الخير والدين، كما لو ادعى على أحدٍ أنه سَرَق مالَه أو قَطَعَ الطريقَ عليه ونحو ذلك من دعاوي التُّهَم التي يعلم براءة المتَّهم فيها، فإنه يُعزَّر في قولَي العلماء من يفتري على أهل الخير بمثل ذلك.
وسواء كان المتكلم بهذا يعلم أن المخاطبَ شريفٌ أو لم يكن يعلم لا يُحمل ذلك على مرادِه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون هناك قرينة تدلُّ على ذلك، مثل أن يكون القائل معروفًا بالنفاق والاستهزاء بالرسالة والقرآن ودينِ الإسلام ونحو ذلك، فمتى ظهرتْ هذه الكلمة ممن هو معروف بالنفاق كان ذلك قرينةً تُقَوِّي إرادتَه النبي صلى الله عليه وسلم، فيُحبَس حينئذ المتَّهَم، ويُكشَف عن بقية أحوالِه، ويُعاقَب إما بالقتل وإما بدونه، لئلاّ يجترئ أهل النفاق والزندقة على انتهاكِ حرمة الرسالة.
والجدّ المطلق يتناول أبا الأب، وقد يتناول من هو أعلى منه بقرينة، ومن الأشراف العالم والجاهل والبرُّ والفاجر والصادق