الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكاذب، ويجب عليهم طاعةُ اللهِ ورسوله كما يجب على سائر الأمة، ويجب أن تُقامَ عليهم الحدود كما تُقامُ على غيرِهم، فإن في الصحيحين
(1)
أن امرأةً كانت ذاتَ شَرَفٍ سَرَقت على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدِهما، فشقَّ ذلك على أهلها، وقالوا: من يُكلِّم فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامةَ بن زيد، فكلَّمه فيها أسامةُ، فغَضِبَ النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"يا أسامة! أتَشفَعُ في حدٍّ من حدود الله تعالى؟ إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشريف تركوه، وإذا سَرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ. والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها".
و
ليس لأحدٍ أن يعتدي على أحدٍ سواء كان شريفًا أو لم يكن
، ومتى اعتدى الشريف أو غيره على الناس كان لهم أن يعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليهم، فإن قال لمسلم: يا كلب يا خنزير! كان له أن يقول له: يا كلب يا خنزير!، ولو قال له: لعنَك الله، كان له أن يقول له: لعنك الله، وإن ضربَه بغير حق ضَرَبَ كما ضَربه، وإن أَخذ ماله بغير حق أَخذ من ماله بقدر ما أخذ من ماله. فإن المسلمين متفقون على أن القصاص ثابت بين الشريف وغير الشريف في الدماء ونحوها. ولو قذفَ الشريفُ رجلًا محصنًا أقيم عليه حدُّ القذف كما يقام على غيره.
وليس لأحدٍ أن يَسُبَّ من لا يَسبَّ، سواء كان شريفًا أو لم يكن، بل له أن يعاقب من ظلمه ولا يتعدى إلى غيره. وفي الصحيحين
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أكبر الكبائر أن يَسُبَّ الرجل والدَيْه"،
(1)
البخاري (3475) ومسلم (1688) عن عائشة.
(2)
البخاري (5973) ومسلم (90) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قالوا: وكيف يَسُبُّ والديه؟ قال: "يَسُبُّ أبا الرجلِ فيسبُّ أباه، ويَسُبُّ أمَّه فيسبّ أمّه". ومن يسبَّ من لم يَسُبَّه من الأشراف أو غيرِهم عُزِّر. ولا يُقتَل أحدٌ إلا بسَبّ نبيّ من الأنبياء، فمن يسَبَّ نبيًّا من الأنبياء وجبَ قتلُه. وفي الرافضة الذين يَسُبُّون الصحابةَ تفصيل ونزاعٌ. والله أعلم.
(هذا جواب الشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية، أثابه الله ورضي عنه، وجزاه عن هذه الأمة كل خير في الدنيا والآخرة).
***
قاعدة في حضانة الولد
قال الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحرَّاني رضي الله عنه:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما.
فصل
في مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء في حضانة الصغير المميز: هل هو للأب أو للأم؟ أو يُخير بينهما؟.
فإن عامة كتب أصحاب أحمد إنما فيها أن الغلام إذا بلغ سبعَ سنين خُيِّر بين أبويه، أما الجارية فالأب أحقُّ بها، وأكثرهم لم يذكروا في ذلك نزاعًا.
وهؤلاء الذين ذكروا هذا بلغهم بعضُ نصوص أحمد في هذه المسألة، ولم يبلغهم سائرُ نصوصِه، فإن كلام أحمد كثير منتشر جدًّا، وقَلَّ من يَضبط جميعَ نصوصه في كثير من المسائل، لكثرة كلامه وانتشاره، وكثرةِ من كان يأخذ عنه العلم. فأبو بكر الخلاّل قد طاف بالبلاد، وجمع من نصوصِه في مسائل الفقه نحو أربعين مجلدًا
(1)
، وفاتَه أمورٌ كثيرة ليست في كتبه. وأما ما جَمعه من نصوصه في أصولِ
(1)
ذكر الذهبي في "السير"(14/ 297) وابن القيم في "إعلام الموقعين"(1/ 28) أنها في عشرين مجلدًا أو أكثر. ولم يصل إلينا منها إلا مجلدان.