المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ وصف الأصول المعتمدة

- ‌ نماذج من النسخ الخطية

- ‌ زيارة قبور المؤمنين

- ‌ الصلاةَ عند القبور

- ‌لا يستغني القلب إلا بعبادة الله تعالى

- ‌ مبدأ عبادة الأوثان: العكوف على قبور الأنبياء والصالحين

- ‌زيارة القبور جائزةٌ على الوجه المأذون فيه

- ‌ أصل النذر مكروه منهيٌّ عنه

- ‌لا ثوابَ على إعانة العاكفين على القبور والمجاورين عندها بصدقةٍ ولا غيرِها

- ‌ إنشاد الشعر الفراقي في المأتم من النياحة

- ‌ زيارة القبور على وجهين:

- ‌الزيارة الشرعية

- ‌ الزيارة البدعية

- ‌ الشيوخ الذين يَستحقُّون أن يَكُونوا قدوةً

- ‌ إخبارُ الله في القرآن أنه مع عبادِه جاءَ عامًّا وخاصًّا

- ‌الجواب الرابعأن الناس متفقون على أنه لا يَسُوغُ كل تأويل

- ‌ الثاني: أن يقولوا بالتأويل الذي قام عليه دليلٌ شرعي

- ‌ الثالث: أن يُسلِّموا أن كل تأويل قام عليه دليلٌ سمعي أو عقليٌّ فإنه يجب قبولُه

- ‌ هذا التصور باطلٌ

- ‌منشأ الضلال أن يظنّ أن صفاتِ الربّ كصفاتِ خلقِه

- ‌الناس في ذلك ثلاثة أصنافٍ:

- ‌ ذكر لفظ "الجسم" في أسماء الله وصفاتِه بدعة

- ‌ مسألة أطفال المشركين

- ‌ الخامسة دار التكليف

- ‌ السادسةأن غير المكلَّف قد يُرحَم

- ‌لابد من حصول الألم لكل نفسٍ

- ‌ المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب

- ‌ التسبيح مقرون بالتحميد

- ‌ التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات

- ‌التهليل يمنع أن يُعبَد غيرُه

- ‌الحمد مفتاح الكلام

- ‌ليس المراد أن الحمد غير التسبيح، بل نفس تسبيح الله هو حمد الله

- ‌ الناسُ مأمورون أن يقرأوا القرآن على الوجه المشروع

- ‌عدمُ الشرط هل يدلُّ على عدم المشروط

- ‌ الصلاة مؤلفة من أقوالٍ وأفعالٍ

- ‌أعظم أقوالها القرآن، وأعظمُ أفعالِها الركوعُ والسجودُ

- ‌الركوع مع السجود تقدمةٌ وتوطئةٌ وبابٌ إليه

- ‌متى انتقض عهدُهم جاز أخذُ كنائس الصلح منهم فضلًا عن كنائس العنوة

- ‌ليس ليومِ عيدِهم مزيةٌ على غيرِه

- ‌ليس لأحدٍ أن يعتدي على أحدٍ سواء كان شريفًا أو لم يكن

- ‌ ذكر هذه الروايات

- ‌ لا حضانةَ لفاسقٍ

- ‌ جعلُ البنت المميزة عند الأب- أرجح

الفصل: ‌ المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب

مسألة

في قوله عز وجل (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)) الآية

(1)

.

الجواب

الحمد لله.‌

‌ المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب

، كما في قوله تعالى (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

(2)

، وقال تعالى:(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)

(3)

، (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ)

(4)

، وقال تعالى عن قوم فرعون:(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)

(5)

.

وهذه الآية نزلت في سياق الأمر بالجهاد وذمّ المنافقين، فقال تعالى:(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78))

(6)

. كانوا إذا أصابهم نصرٌ ورزقٌ ونحو ذلك قالوا: هذا، من الله، وإذا أصابهم خوفٌ وقحطٌ ونحو ذلك قالوا: هذا من

(1)

سورة النساء: 78.

(2)

سورة الأعراف: 168.

(3)

سورة آل عمران: 120.

(4)

سورة التوبة: 50.

(5)

سورة الأعراف: 131.

(6)

سورة النساء: 78.

ص: 265

محمدٍ بسبب الدين الذي جاء به، كما قال قوم فرعون في حق موسى، فقال الله تعالى:(فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78))، فإن محمدًا إنَّما جاءهم بالهدى والحق، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر.

ثم قال

(1)

: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) من نصرِ ورزقٍ ونحو (فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) من خوفِ وجَدْبِ وغير ذلك (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي بذنوبك، وكان ذلك بقضاء الله وقدره، ولكن القدر نؤمن به ولا نحتج به، فليس للعبد على الله حجة، بل لله الحجة البالغة.

ونظير هذا قوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30))

(2)

، وقوله:(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36))

(3)

وقوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)

(4)

.

وفي الصحيح

(5)

: "إن الله يقول: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إياها، فمن وَجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه". وفي سيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهُمَّ أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أَبُوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأَبُوءُ بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". مَن قال ذلك إذا أصبحَ موقنًا به فماتَ من يومِه دخل الجنة، ومن قاله إذا

(1)

سورة النساء: 79.

(2)

سورة الشورى: 30.

(3)

سورة الروم: 36.

(4)

سورة آل عمران: 165.

(5)

مسلم (2577) عن أبي ذر.

ص: 266

أمسى موقنًا به فماتَ من ليلتِه دخل الجنة. رواه البخاري

(1)

.

وقوله "أبوءُ لك بنعمتك عليَّ" أي أَعترِف وأُقِرُّ بنعمتك، وأعترف وأُدرُّ بذنوبي. فمن قال: إنه لا يُؤاخَذ، أو إنه لم يُذنِب ولم يُخطِئْ، أو إنّ من شَهِدَ الحقيقةَ سقطَ [عنه] الأمرُ والنهيُ والعقابُ والثوابُ-: فهو مشركٌ أكفر من اليهود والنصارى، ومن قال: إن الله لم يُقدِّرْ ذلك ولم يَقضِه، فهو من مجوس هذه الأمة القدرية. ومن آمنَ بأن كلَّ شيء بقضاءِ الله وقدره، وعَلِمَ أن القدرَ يُؤمَن به ولا يُحتَجُّ به على الله، وأنه ليس للعبد على ربّه حُجَّة، بل لله الحجة البالغة، فإذا عَمِلَ حسنةً شكَرَ الله عليها، وإذا عَمِلَ سيئةً استغفر الله منها-: فهو موحِّد.

ومن قال: إن الحسنات والسيئات في هذه الآية المراد بها الطاعات والمعاصي، كما في قوله (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)

(2)

فهو مخطئٌ غالط، فإنّ هذا يَلزم منه تناقضُ القرآن، فإنه قد أخبرَ أن كُلاًّ من عند الله، وأخبر أن الحسنة من الله والسيئة من نفسك. وأيضًا فإنه قال "ما أصابك"، ولم يقل "ما أصبتَ"، فلو أراد أفعالَ العباد لقال:"ما أصبت" أو "ما كسبتَ" أو "ما فعلتَ" ونحو ذلك. ولكن أرادَ النِّعَم والمصائب، وهي جميعُها من عند الله، لكن النعم من إنعامه وإحسانه، والمصائب بسبب ذنوب العباد، ولهذا قال:(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33))

(3)

. والله أعلم. أجاب به أحمد بن تيمية أيَّده الله تعالى.

(1)

برقمي (6306، 6323) عن شداد بن أوس.

(2)

سورة الأنعام: 160.

(3)

سورة الأنفال: 33.

ص: 267

قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات وبيان اقتران التهليل بالتكبير والتسبيح بالتحميد

ص: 269