الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114))
(1)
. وذلك أن بعض المسلمين احتِج بأن إبراهيم وعدَ أباه بالاستغفار، واستغفرَ له بقوله (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41))
(2)
، فأجاب الله عن ذلك، وأمرنا أن نتأسَّى بإبراهيم في موعده بالاستغفار لأبيه، فقال تعالى:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) الآيات
(3)
. فذكر سبحانَه أن المؤمنين لهم أسوة حسنة في إبراهيم والمؤمنين معه إذ تبرَّءوا من المشركين وما يعبدون من دون الله، إلا في هذا القول الذي قاله إبراهيم لأبيه، فإنهم ليس لهم في ذلك أسوة.
وأما
زيارة قبور المؤمنين
من الأنبياء والصالحين وغيرهم فإنها من جنس الصلاة على جنائزهم، قال الله تعالى في المنافقين:(وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84))
(4)
، فنهى نبيه عن الصلاة على المنافقين وعن القيام على قبورهم لأجل أنهم كفار، وكان ذلك دليلاً على أن المؤمنين يُصلَّى عليهم ويُقامُ على قبورِهم. وهذه كانت سنة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في
(1)
سورة التوبة: 113 - 114.
(2)
سورة إبراهيم: 41.
(3)
سورة الممتحنة: 4 وما بعدها.
(4)
سورة التوبة: 84.
المؤمنين، فإن الصلاة على المسلمين مشروعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة بإجماع المؤمنين، وهي فرض على الكفاية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من صلى على جنازة فله قيراطٌ، ومن اتبعها حتى يُدفَن فله قيراطانِ أدناهما مثلُ أُحُد"
(1)
.
وكذلك بعد الدفن يُستَحبّ أن يُزارَ فيُسَلَّم عليه ويُدعَى له بالمغفرة والرحمة ونحو ذلك. ويُستحبُّ حينَ الدفنِ أن يُدعَى له أيضًا، كما ثبت في سنن أبي داود
(2)
عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دفنَ الميِّتَ أصحابُه: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيتَ، فإنه الآن يُسأل". أي اسألوا له أن يُثبِّتَه الله بالقول الثابت، كما قال تعالى:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27))
(3)
، وقد ثبت في الصحيحين
(4)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية نزلتْ في عذاب القبر حينَ يُسأَلُ الميِّتُ: مَن ربُّك وما دينُك ومن نبيُّك؟
وأما بعد الدفن، فكما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر أصحابَه إذا زاروا القبورَ أن يقولوا:"سلامٌ عليكم أهلَ دارِ قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تَحرِمْنا أجرَهم ولا تَفتِنَّا بعدَهم، واغفر لنا ولهم"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (1325) ومسلم (945) عن أبي هريرة.
(2)
برقم (3221).
(3)
سورة إبراهيم: 27.
(4)
البخاري (1369، 4699) ومسلم (2871) عن البراء بن عازب.
(5)
أخرجه مسلم (975) عن بريدة.
وثبت أيضًا في الصحيح أنه كان يخرج إلى أهل البقيع، فيدعو لهم ويستغفر لهم
(1)
. وثبت أيضًا في الصحيح أنه خرج إلى شهداء أُحد قبل موته، فصلَّى عليهم ودعا لهم
(2)
.
فهذان أمران مشروعان: السلام على الميت والدعاء له. وقد قال ابن عبد البر
(3)
: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجلٍ يَمُرُّ بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا، فيُسَلِّم عليه، إلا ردّ الله عليه روحَه حتى يَرُدَّ عليه السلام"
(4)
.
وفي سنن أبي داود
(5)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجلٍ يُسَلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام".
وفيه أيضًا أنه قال: "أكثروا عليَّ من الصلاة يومَ الجمعة وليلةَ الجمعة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ "، فقالوا: كيف تُعرَض صلاتُنا عليك وقد أَرِمتَ؟ فقال: "إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء"
(6)
.
وأما الدعاء حين الزيارة فمن جنس الدعاء في صلاة الجنازة، كلُّ ذلك حقّ للميت وعملٌ صالح من الحيّ، مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه أحمد (6/ 252) عن عائشة. وأخرجه مسلم (974) عنها مطولاً.
(2)
أخرجه البخاري (1344 ومواضع أخرى) ومسلم (2296) عن عقبة بن عامر.
(3)
في "الاستذكار"(1/ 234).
(4)
أخرجه ابن عبد البر في المصدر السابق. وصححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"(1/ 345) و"الأحكام الوسطى"(2/ 152، 153).
(5)
برقم (2041). وأخرجه أيضًا أحمد (2/ 527).
(6)
أخرجه أحمد (4/ 8) وأبو داود (1047، 1531) والنسائي (3/ 91) وابن ماجه (1085، 1636) عن أوس بن أوس.
والسلام عليه، وسؤال الله له الوسيلةَ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة وغيرها. قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}
(1)
. وقد ثبت في الصحيح
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلَّى عليَّ مرةً صلى الله عليه عشرًا". وثبت في الصحيح
(3)
أنه قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكونَ أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلةَ حلَّتْ عليه شفاعتي يوم القيامة".
وثبت في الصحيح
(4)
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجلٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكَّلَ الله به ملَكًا كلَّما دعا لأخيه بدعوةٍ قال الملكُ به: آَمين، ولك مثل ذلك".
فأمَّا [ما] يُسمِّيه كثيرٌ من الناس زيارةً هي من جنس الإشراكِ بالله وعبادة غيرهِ، مثل السجود لبعض المقابر التي يُقال إنها من قبور الأنبياء والصالحين وأهل البيت أو غيرهم ويسمُّونها المشاهد، أو الاستعانة بالمقبور ودعائِه ومسألتِه قريبًا من قبره أو بعيدًا منه، مثل ما يفعل كثير من الناس-: فهذا كلُّه من أعظم المحرَّمات بإجماع المسلمين، وهو من جنس الإشراك بالله تعالى، فإن المسلمين
(5)
متفقون على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يدعوَ أحدًا ويتوكَّلَ عليه ويرغبَ
(1)
سورة الأحزاب: 56.
(2)
مسلم (408) عن أبي هريرة.
(3)
مسلم (384) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(4)
مسلم (2732).
(5)
في الأصل: "المسلمون".
إليه في المغفرة والرحمةِ وتفريج الكُرباتِ وإعطاءِ الطلباتِ إلا الله وحده لا شريك له، ولا يسجد لغَيرِ الله لا لحيٍّ ولا لميّتٍ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أمتَه عن اتخاذ القبور مساجدَ لئلاّ يُفضِي ذلك إلى الشرك. ففي صحيح مسلم
(1)
عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموتَ بخمسٍ: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبورَ مساجدَ، إلا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، فإني أنهاكم عن ذلك". وفي الصحيحين
(2)
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يُحذر ما فَعَلوا. قالت عائشة
(3)
: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدًا.
وفي الصحيحين
(4)
أيضًا أنّ أم سلمة وأم حبيبة ذكرتَا النبي صلى الله عليه وسلم كنيسةً رأينَها بأرض الحبشة، وذكرتَا حُسنَها وتصاويرَ فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أولئك إذا ماتَ فيهم الرجل الصالح بَنَوا على قبره مسجدًا وصوَّروا فيه تلك الصُّور، أولئك شرُّ الخلق عند الله يوم القيامة".
وفي مسند الإمام أحمد
(5)
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ من شِرار الناس مَن تُدرِكهم الساعةُ وهم أحياءٌ، الذين يتخذون القبور مساجد".
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَعن الله زوَّاراتِ القبور
(1)
برقم (532) عن جندب بن عبد الله لا عن جابر.
(2)
البخاري (435 ومواضع أخرى) ومسلم (531).
(3)
أخرجه البخاري (1330، 1390، 4441) ومسلم (529).
(4)
البخاري (427، 434، 1341) ومسلم (528) عن عائشة.
(5)
1/ 405، 435. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (789).
والمتخذين عليها المساجد والسُّرُجَ". رواه أهل السنن
(1)
، وصححه الترمذي أو حسَّنَه.
فلَعَن النبي صلى الله عليه وسلم من يتخذ القبور مساجد ويُسرج عليها سُرُجًا كالشمع والقناديل ونحو ذلك، مثل ما يفعله كثير من الناس، وهذا ما اتفقَ عليه أهلُ العلم، فلم يتنازعوا في أنَّ ذلك غيرُ مشروع، بل يُنهَى عنه، حتى قال العلماء: من نَذَر لنبي أو غيرِ نبيّ شمعًا أو زيتًا أو نحو ذلك فإنَّه نذرُ معصيةٍ لا يجوزُ الوفاءُ به، لكن منهم من يَجعلُ عليه كفَّارةَ يمينٍ، ومنهم من يقول: لا شيء. وإذا صَرَفَ ذلك إلى مسجدٍ يُعبَد الله فيه وحده لا شريك له، أو صَرَفه إلى فقراء المسلمين المؤمنين الذين يَستعينونَ به على عبادةِ الله كان حسنًا. وقد ثبت في صحيح البخاري
(2)
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نَذَر أن يُطيعَ الله فليُطِعْه، ومَن نَذَر أن يَعصِيَ اللهَ فلا يَعصِه".
وأما اعتقادُ بعض الجهّال أن حاجتَه قُضِيتْ بسبب هذه النذور فهذا جهلٌ وضلالٌ، فإن نذرَ الطاعة الذي يجب الوفاءُ به لا يُفيد في قضاء الحوائج، ولا يُستَحبّ بل يُكرَه، فكيف نذرُ المعصية؟ وقد ثبتَ في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من غيرِ وجهٍ أنه نَهَى عن النذر وقال:"إنه لا يأتي بخيرٍ، وإنما يُستَخرج به من البخيل"
(3)
. وقال: "إنّ النذر يَرُدُّ ابنَ آدمَ إلى القدر، فيعطي على النذر ما لم يُعطه على غيره"
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3236) والترمذي (320) والنسائي (4/ 94) وابن ماجه (1575). وتكلم عليه الألباني في "الضعيفة"(225).
(2)
برقم (6696، 6700).
(3)
البخاري (6608، 6692، 6693) ومسلم (1639) عن ابن عمر.
(4)
أخرجه البخاري (6694) ومسلم (1640) عن أبي هريرة.
لكن إذا كان المنذور طاعة لله تعالى -مثل الصلاة المشروعة والصوم المشروعِ والحج المشروع والصدقة المشروعة ونحو ذلك- فهذا يجب أن يُوفَى، وإن كان عَقْدُه مكروهًا، لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم:"من نَذَر أن يُطيع الله فليُطِعْه، ومن نَذَر أن يَعصِيَ الله فلا يَعْصِه"
(1)
.
وأما إذا كان المنذورُ ليس طاعة لله فلا يجب الوفاء به، بل عليه كفّارةُ يمينٍ لتركِه عند طائفة من أهل العلم، لما ثبتَ في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كفارةُ النذر كفارةُ يمين"
(2)
. وفي السنن عنه أنه قال: "لا نذرَ في معصية، وكفارتُه كفارةُ يمين"
(3)
.
وأما إذا كان المنذور معصيةً، مثل أن ينذرَ لوثنٍ من الأوثان: كالنذر للأصنام التي كانت تَعبُدها العرب، والبُدود التي تعبدها الهند والزُّطُّ
(4)
، والنذر لكنيسةٍ أو بيْعةٍ، أو النذر لغير نبي أو رجلٍ صالح أو غير ذلك، فهذا كلُّه لا يجوَز الوفاءُ به بإجماعِ المسلمين.
وإن كان في المنذور طاعة ومعصية أُمِرَ بفعل الطاعة ونُهِيَ عن فِعل المعصية، وإن كان الناذرُ يَعتقد أنها طاعة، كما في صحيح البخاري
(5)
عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجلٍ قائم، فسألَ عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ نَذَر أن يقومَ في الشمس، فلا يقعدَّ وَلا يَستظلّ ولا يتكلَّم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرُوهُ فلْيتكلمْ
(1)
سبق تخريجه.
(2)
أخرجه مسلم (1645) عن عقبة بن عامر.
(3)
أخرجه أبو داود (3290 - 3292) والترمذي (1524، 1525) والنسائي (7/ 26، 27) وابن ماجه (2125) عن عائشة.
(4)
في الأصل: "الخطا"، وهو تحريف.
(5)
برقم (6704).
ولْيستظِلَّ ولْيقعدْ ولْيُتمَ صومَه".
وهكذا حكمُ جميع العقود والعهود التي يأخذها المشايخ وغيرهم على الناس، يُوفى منها ما كان طاعةً الله عزَّوجلّ، ولا يُوفَى منها بدينٍ لم يَشرعْه الله.
وكذلك لا يُشْرَعُ بإجماع المسلمين أن يَبنيَ مسجدًا على قبرٍ من القبور، بل هذا يُنْهَى عنه باتفاق المسلمين، وهو محرَّمٌ نَهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولَعنَ من يفعل ذلك.
والمساجدُ المبنيةُ على القبور يُشرَعُ باتفاق المسلمين إزالتُها ويَجب ذلك، فإن كان المسجد قِبَلَ القبر فإنه ينبغي أن يُسَاوَى القبرُ ويُزالَ أَثَرُه، أو يُعادَ المسجدُ إلى ما كان. وإن كان المسجدُ يُبني على القبر فيُهدَم المسجدُ ويُزَال، كما هُدِمَ مسجدُ الضرار الذي قال الله تعالى فيه:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110))
(1)
.
ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرون بهدمِ مثلِ ذلك، كما روى حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابنًا له ماتَ، فاشترى غلامٌ له جَضًا وآجُرًّا لِيَبنيَ على القبر، فقال له زيد: حفرتَ وكفرتَ، أتُريد أن
(1)
سورة التوبة: 107 - 110.