الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِعِلْمِنَا، قَالَ وَأَمَّا الْوَجْهُ فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالَتْ فِيهِ قَوْلَيْنِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: - وَهُوَ أَبُو الْهُذَيْلِ - وَجْهُ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أَيْ: وَيَبْقَى رَبُّكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ وَجْهًا، يُقَالُ: إِنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيهِ، وَالْأَشْعَرِيُّ إِنَّمَا حَكَى تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَصَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ تَابِعًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
[قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيِّ الْأَشْعَرِيِّ]
(قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيِّ الْأَشْعَرِيِّ) قَالَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ كُتُبِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟ قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَكَانَ فِي جَوْفِ الْإِنْسَانِ وَفِي فَمِهِ وَفِي الْحُشُوشِ وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ الْأَمْكِنَةِ إِذَا خَلَقَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ، وَيَنْقُصَ بِنُقْصَانِهَا إِذَا بَطَلَ (مِنْهَا) مَا كَانَ، " وَلَصَحَّ " أَنْ يُرْغَبَ إِلَيْهِ نَحْوَ الْأَرْضِ وَإِلَى وَرَاءِ ظُهُورِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا
وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَهَذَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخْطِئَةِ قَائِلِهِ. ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] الْمُرَادُ: أَنَّهُ إِلَهٌ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَإِلَهٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ نَبِيلٌ مُطَاعٌ فِي الْمُصْرَيْنِ أَيْ عِنْدِ أَهْلِهِمَا وَلَيْسَ يَعْنُونَ أَنَّ ذَاتَ الْمَذْكُورِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَوْجُودَةٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] يَعْنِي: بِالْحِفْظِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ ذَاتَهُ مَعَهُمْ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] يَعْنِي: أَنَّهُ عَالِمٌ بِهِمْ وَبِمَا خَفِيَ مِنْ سِرِّهِمْ وَنَجْوَاهُمْ وَهَذَا إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قِيَاسًا عَلَى هَذَا: إِنَّ اللَّهَ بِالْبَرْدَيْنِ مَدِينَةِ السَّلَامِ وَدِمَشْقَ، وَأَنَّهُ مَعَ الثَّوْرِ وَالْحِمَارِ وَأَنَّهُ مَعَ الْفُسَّاقِ وَالْمُجَّانِ وَمَعَ الْمُصْعَدِينَ إِلَى حُلْوَانَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل: 128] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ اسْتِيلَاؤُهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ
لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَالْقَهْرُ وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قَادِرًا قَاهِرًا عَزِيزًا مُقْتَدِرًا وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَوَى) يَقْتَضِي اسْتِفْتَاحُ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ، ثُمَّ قَالَ: بَابُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفَصِّلُوا لِي صِفَاتَ ذَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ لِأَعْرِفَ ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: صِفَاتُ ذَاتِهِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا وَهِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْغَضَبُ
وَالرِّضَا ; وَصِفَاتُ فِعْلِهِ هِيَ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ وَالْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ وَالتَّفَضُّلُ وَالْإِنْعَامُ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْحَشْرُ وَالنَّشْرُ وَكُلُّ صِفَةٍ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ فِعْلِهِ لَهَا. ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ.
وَقَالَ فِي جَوَابَاتٍ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا أَهْلُ بَغْدَادَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا اتِّفَاقَ الْحَنَابِلَةِ وَالْأَشَاعِرَةِ قَدْ عَرَفْتُ انْزِعَاجَكُمْ، وَاسْتِيجَاشَكُمْ، وَاهْتِمَامَكُمْ بِمَا أَفْشَاهُ قَوْمٌ مِنْ عَامَّةِ الْمُسَجِّلِينَ لِلسُّنَّةِ، وَأَتْبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُطَهَّرِينَ الْمُتَخَصِّصِينَ بِمَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِنِ ادِّعَائِهِمْ مُخَالَفَةَ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا يُضِيفُونَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ فِي إِكْفَارِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْبُخَارِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَلَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ أَبِي الْحَسَنِ الَّذِي سَطَّرَهُ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ الْكِبَارِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ هُوَ مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ وَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَمَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّالِحُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَلَا مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ: إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي جَمِيعِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الرِّوَايَةُ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَجْهِ لَهُ، وَالْيَدَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ نَطَقَ بِهِمَا الْكِتَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] . وَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] . وَقَالَ لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وَقَالَ تَعَالَى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]، وَقَالَ تَعَالَى:
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، وَقَالَ تَعَالَى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]، فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ فِي نَصِّ كِتَابِهِ: الْوَجْهَ وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ. وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ وَأَنَّهُ أَعْوَرُ. وَقَالَ:" إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» "، فَأَثْبَتَ لَهُ الْعَيْنَيْنِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ. وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ: فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ: " «وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» " ; يَعْنِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِإِحْدَاهُمَا مَا يَأْتِي بِالْأُخْرَى كَالَّذِي يَتَعَذَّرُ عَلَى الْأَيْسَرِ مَا يَأْتِي بِيَمِينِهِ، وَنَقُولُ أَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ، وَأَنَّهُ عز وجل يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ:«هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى؟ ، أَوْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ؟» ، الْحَدِيثَ.
وَأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وَقَالَ:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ دِينَنَا وَدِينَ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ، وَلَا تَجْسِيمٍ، وَلَا تَصْوِيرٍ، بَلْ كَمَا جَاءَ بِهَا الْحَدِيثُ، وَكَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ إِمْرَارِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ. وَرَوَى الثِّقَاتُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.