الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرِهِ بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنْتُمْ زَيَّنْتُمْ لَنَا الْكُفْرَ وَدَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ وَحَسَّنْتُمُوهُ لَنَا، وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ قَوْلُ الْأُمَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أَنْتُمْ شَرَعْتُمْ لَنَا تَكْذِيبَ الرُّسُلِ وَرَدَّ مَا جَاءُوا بِهِ وَالشِّرْكَ بِاللَّهِ سبحانه وتعالى، وَبَدَأْتُمْ بِهِ وَتَقَدَّمْتُمُونَا إِلَيْهِ فَدَخَلْتُمُ النَّارَ قَبْلَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ، أَيْ: بِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ وَالْمَنْزِلُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا. ضَمِيرُ الْعَذَابِ وَصِلِيِّ النَّارِ، وَالْقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ، وَهُمَا حَقٌّ.
وَأَمَّا الْقَائِلُونَ: {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} [ص: 61] فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَتْبَاعُ دَعَوْا عَلَى سَادَتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلَيْهِ وَدَعَوْهُمْ إِلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّارِ سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَزِيدَ مَنْ سَنَّ لَهُمُ الشِّرْكَ وَتَكْذِيبَ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ضِعْفًا، وَهُمُ الشَّيَاطِينُ.
[فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ النَّاسِ فِي الْهُدَى الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ قَبِلُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِهِ ظَاهِرًا وَجَحَدُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ بَاطِنًا]
فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ " مِنْ أَقْسَامِ النَّاسِ فِي الْهُدَى الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم ":
الَّذِينَ قَبِلُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِهِ ظَاهِرًا وَجَحَدُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ بَاطِنًا وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ هَذَانِ الْمَثَلَانِ بِمُسْتَوْقَدِ النَّارِ وَبِالصَّيِّبِ وَهُمْ أَيْضًا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ أَبْصَرَ ثُمَّ عَمِي، وَعَلِمَ ثُمَّ جَهِلَ، وَأَقَرَّ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَآمَنَ ثُمَّ كَفَرَ، فَهَؤُلَاءِ رُءُوسُ
أَهْلِ النِّفَاقِ وَسَادَاتُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ، وَمَثَلُهُمْ مَثَلُ مَنِ اسْتَوْقَدَ نَارًا ثُمَّ حَصَلَ بَعْدَهَا عَلَى الظُّلْمَةِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: ضُعَفَاءُ الْبَصَائِرِ الَّذِينَ أَعْشَى بَصَائِرَهُمْ ضَوْءُ الْبَرْقِ فَكَادَ أَنْ يَخْطِفَهَا لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ، وَأَصَمَّ آذَانَهُمْ صَوْتُ الرَّعْدِ فَهُمْ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ وَلَا يَقْرَبُونَ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ ; بَلْ يَهْرُبُونَ مِنْهُ وَيَكُونُ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ يَسْمَعُ الرَّعْدَ الشَّدِيدَ، فَمِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ مِنْهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَهَذِهِ حَالُ كَثِيرٍ مِنْ خَفَافِيشِ الْبَصَائِرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ مُخَالِفَةً لِمَا تَلَقَّاهُ عَنْ أَسْلَافِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ، وَمَنْ يُحْسِنُ بِهِ الظَّنَّ وَرَآهَا مُخَالِفَةً لِمَا عِنْدَهُ عَنْهُمْ هَرَبَ مِنَ النُّصُوصِ وَكَرِهَ مَنْ يُسْمِعُهُ إِيَّاهَا، وَلَوْ أَمْكَنَهُ لَسَدَّ أُذُنَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِهَا وَيَقُولُ: دَعْنَا مِنْ هَذِهِ وَلَوْ قَدَرَ لَعَاقَبَ مَنْ يَتْلُوهَا وَيَحْفَظُهَا وَيَنْشُرُهَا وَيُعَلِّمُهَا، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ مَا عِنْدَهُ مَشَى فِيهَا وَانْطَلَقَ فَإِذَا جَاءَتْ بِخِلَافِ مَا عِنْدَهُ أَظْلَمَتْ عَلَيْهِ فَقَامَ حَائِرًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، ثُمَّ يَعْزِمُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِرُؤَسَائِهِ وَسَادَتِهِ عَلَى اتِّبَاعِ مَا قَالُوهُ دُونَهَا، وَيَقُولُ مِسْكِينُ الْحَالِ: هُمْ أَخْبَرُ بِهَا مِنِّي وَأَعْرَفُ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ! أَوَلَيْسَ أَهْلُهَا وَالذَّابُّونَ عَنْهَا وَالْمُنْتَصِرُونَ لَهَا وَالْمُعَظِّمُونَ لَهَا وَالْمُخَالِفُونَ لِأَجْلِهَا آرَاءَ الرِّجَالِ، الْمُقَدِّمُونَ لَهَا عَلَى مَا خَالَفَهَا، أَعْرَفَ بِهَا أَيْضًا مِنْكَ وَمِمَّنِ اتَّبَعْتَهُ فَلِمَ كَانَ مَنْ خَالَفَهَا وَعَزَلَهَا عَنِ الْيَقِينِ وَزَعَمَ أَنَّ الْهُدَى وَالْعِلْمَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا وَأَنَّهَا أَدِلَّةٌ لَفْظِيَّةٌ لَا تُفِيدُ شَيْئًا مِنَ الْيَقِينِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَيُسَمِّيهَا الظَّوَاهِرَ النَّقْلِيَّةَ، وَيُسَمِّي مَا خَالَفَهَا الْقَوَاطِعَ الْعَقْلِيَّةَ، فَلِمَ كَانَ هَؤُلَاءِ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ أَنْصَارُهَا وَالذَّابُّونَ عَنْهَا وَالْحَافِظُونَ لَهَا هُمْ أَعْدَاؤُهَا وَمُحَارِبُوهَا؟ ! .