الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَعْضِ السَّمَاوَاتِ وَأَمَرَهُ بِسُؤَالِ التَّخْفِيفِ عَنْ أُمَّتِهِ فَرَجَعَ صَاعِدًا مُرْتَفِعًا إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى فَسَأَلَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ» وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ كَلَامِهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قُرْبٍ.
[قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ رحمه الله]
قَالَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الِاهْتِدَاءِ لِأَهْلِ الْحَقِّ وَالِاقْتِدَاءِ مِنْ تَصْنِيفِهِ مِنْ شَرْحِ الْمُلَخَّصِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَالِكٍ " عَنْ " ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْقَى ثُلْثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا تَكْيِيفَ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَدَلِيلُ قَوْلِهِمْ أَيْضًا مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِعِيسَى عليه الصلاة والسلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ - مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ - تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 2 - 4] وَالْعُرُوجُ هُوَ الصُّعُودُ، (وَ) قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكَانٌ يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بِقَوْلِهِ فِي السَّمَاءِ: عَلَى السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] أَيْ: مَنْ عَلَى السَّمَاءِ يَعْنِي عَلَى الْعَرْشِ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: 2] أَيْ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ لِمَالِكٍ:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . كَيْفَ اسْتَوَى، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَائِلِهِ: اسْتِوَاؤُهُ مَعْقُولٌ، وَكَيْفِيَّتُهُ مَجْهُولَةٌ، وَسُؤَالُكَ عَنْ هَذَا بِدْعَةٌ وَأَرَاكَ رَجُلَ سُوءٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] أَيْ: عَلَا، قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَفَوْقَ الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا قَدَّمْتُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْمَجَازِ فِي الِاسْتِوَاءِ، وَأَنَّ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي اللُّغَةِ الْمُغَالَبَةُ وَأَنَّهُ لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ وَمِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا سبحانه وتعالى إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْأَشْهَرِ وَالْأَظْهَرِ مِنْ وُجُوهِهِ مَا
لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ وَلَوْ سَاغَ ادِّعَاءُ الْمَجَازِ لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْءٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ إِلَّا بِمَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ مَعْهُودِ مُخَاطِبَاتِهَا مِمَّا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ. وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ وَالتَّمَكُّنُ فِي الشَّيْءِ.
وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا فِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْرٌ رَفَعُوا وُجُوهَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَغِيثُونَ اللَّهَ رَبَّهُمْ «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وآله وسلم لِلْأَمَةِ الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عِتْقَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: " أَنْتَ " رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . فَاكْتَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْهَا بِرَفْعِ رَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَدَلَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَدَلِيلُ قَوْلِنَا أَيْضًا قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ:
وَسَاجِدُهُمْ لَا يَرْفَعُ الدَّهْرَ رَأْسَهُ
…
يُعَظِّمُ رَبًّا فَوْقَهُ وَيُمَجِّدُ فَسُبْحَانَ
مَنْ لَا يُقَدِّرُ الْخَلْقُ قَدْرَهُ
…
وَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ مَلِيكٌ
عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ
…
لِعِزَّتِهِ تَعْنُوا الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: 36] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ: إِلَهِي فِي السَّمَاءِ وَفِرْعَوْنُ يَظُنُّهُ كَاذِبًا، فَإِنِ احْتَجَّ " أَحَدٌ " عَلَيْنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَشْبَهَ الْمَخْلُوقَاتِ لَأَنَّ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الْأَمْكِنَةُ وَاحْتَوَتْهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، فَشَيْءٌ لَا يَلْزَمُ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يُقَاسُ بِشَيْءٍ مِنْ بَرِّيَّتِهِ " وَ " لَا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ كَانَ قَبْلَ الْأَمْكِنَةِ وَيَكُونُ بَعْدَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَكُلُّ ذِي لُبٍّ أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ كَائِنٌ إِلَّا فِي مَكَانٍ مَا وَمَا لَيْسَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ عَدَمٌ وَقَدْ صَحَّ فِي الْعُقُولِ وَثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ لَا فِي مَكَانٍ وَلَيْسَ بِمَعْدُومٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ؟ أَوْ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ تَمْثِيلٌ أَوْ تَشْبِيهٌ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ) : إِذَا وَصَفْنَا رَبَّنَا تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ لَا فِي مَكَانٍ ثُمَّ خَلَقَ الْأَمَاكِنَ فَصَارَ فِي مَكَانٍ وَفِي ذَلِكَ إِقْرَارٌ مِنَّا بِالتَّغْيِيرِ وَالِانْتِقَالِ إِذْ زَالَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْأَزَلِ وَصَارَ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ.
قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ " زَعَمْتَ " أَنْتَ أَنَّهُ كَانَ لَا فِي مَكَانٍ ثُمَّ صَارَ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَنَقَلَ صِفَتَهُ مِنَ الْكَوْنِ لَا فِي مَكَانٍ إِلَى صِفَةٍ هِيَ الْكَوْنُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَقَدْ تَغَيَّرَ عِنْدَكَ مَعْبُودٌ وَانْتَقَلَ مِنْ لَا مَكَانَ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ فِي كُلِّ مَكَانٍ كَمَا هُوَ الْآنَ فَقَدْ أَوْجَبَ
الْأَمَاكِنَ وَالْأَشْيَاءَ مَوْجُودَةً مَعَهُ فِي أَزَلِيَّتِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ. (فَإِنْ قَالَ) : فَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَكَ أَنْ يَنْتَقِلَ مَنْ لَا مَكَانَ فِي الْأَزَلِ إِلَى مَكَانٍ. قِيلَ لَهُ: أَمَّا الِانْتِقَالُ وَتَغَيُّرُ الْحَالِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الْأَزَلِ لَا يُوجِبُ مَكَانًا وَكَذَلِكَ نَقْلَتُهُ لَا تُوجِبُ مَكَانًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَالْخَلْقِ لِأَنَّ كَوْنَ مَا كَوْنُهُ يُوجِبُ " مَكَانًا " مِنَ الْخَلْقِ وَنَقْلَتُهُ تُوجِبُ مَكَانًا وَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ. . . وَلَكِنَّا نَقُولُ: اسْتَوَى مِنْ لَا مَكَانَ إِلَى مَكَانٍ وَلَا نَقُولُ: انْتَقَلَ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاحِدًا. كَمَا نَقُولُ: لَهُ عَرْشٌ وَلَا نَقُولُ: لَهُ سَرِيرٌ، وَنَقُولُ: هُوَ الْحَكِيمُ وَلَا نَقُولُ: هُوَ الْعَاقِلُ، وَنَقُولُ: خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ وَلَا نَقُولُ: صَدِيقُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاحِدًا لِأَنَّا لَا نُسَمِّيهِ وَلَا نَصِفُهُ وَلَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا نَدْفَعُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ دَفْعٌ لِلْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَلَيْسَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا زَوَالًا وَلَا انْتِقَالًا لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْجَائِيُ جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا نَقْلَةً، وَلَوِ اعْتَبَرْتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ جَاءَتْ فُلَانًا قِيَامَتُهُ، وَجَاءَهُ الْمَوْتُ، وَجَاءَهُ الْمَرَضُ، وَشِبْهُ ذَلِكَ (مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ نَازِلٌ بِهِ وَلَا مَجِيءَ، لَبَانَ لَكَ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَوِيًا عَلَى مَكَانٍ إِلَّا مَقْرُونًا بِالْكَيْفِ قِيلَ لَهُ: قَدْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ وَاجِبًا وَالتَّكْيِيفُ مُرْتَفِعٌ وَلَيْسَ رَفْعُ التَّكْيِيفِ يُوجِبُ رَفْعَ الِاسْتِوَاءِ وَلَوْ لَزِمَ هَذَا لَزِمَ التَّكْيِيفُ فِي الْأَزَلِ " لِأَنَّهُ " لَا يَكُونُ كَائِنًا فِي مَكَانٍ وَلَا مَقْرُونًا بِالتَّكْيِيفِ. فَإِنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ وَلَا مَكَانَ وَهُوَ غَيْرُ مَقْرُونٍ بِالتَّكْيِيفِ وَقَدْ
عَقَلْنَا وَأَدْرَكْنَا بِحَوَاسِّنَا أَنَّ لَنَا أَرْوَاحًا فِي أَبْدَانِنَا وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَلَيْسَ جَهْلُنَا بِكَيْفِيَّةِ الْأَرْوَاحِ يُوجِبُ أَنْ لَيْسَ لَنَا أَرْوَاحٌ وَكَذَلِكَ لَيْسَ جَهْلُنَا بِكَيْفِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عَرْشِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ:«قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تبارك وتعالى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ قَالَ كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ» . قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَمَاءُ: مَمْدُودٌ وَهُوَ السَّحَابُ، وَالْعَمَى مَقْصُورٌ: الظُّلْمَةُ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ فَمَنْ رَوَاهُ بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ كَانَ فِي عَمَاءِ سَحَابٍ مَا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ عَلَى الْعَمَاءِ وَمَنْ رَوَاهُ بِالْقَصْرِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ كَانَ فِي عَمَى عَنْ خَلْقِهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمِيَ عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ أَظْلَمَ عَنْهُ. قَالَ سُنَيْدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ بَيْنَ الْعَرْشِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ لَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ وَحِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَرَوَى أَيْضًا سُنَيْدٌ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى الْأُخْرَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْكُرْسِيِّ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، " وَمَا بَيْنَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ "، وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى الْعَرْشِ وَيَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَيْضًا: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: يُرِيدُ فَوْقَ الْعَرْشِ، لِأَنَّ الْعَرْشَ آخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَ فَوْقَهُ مَخْلُوقٌ وَاللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ دُونَ تَكْيِيفٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا إِلَّا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى سَحَابَةٍ فَقَالَ مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحَابُ، قَالَ: وَالْمُزْنُ. قَالُوا: وَالْمُزْنُ. قَالَ: وَالْعَنَانُ. قَالُوا: وَالْعَنَانُ قَالَ: كَمْ تَرَوْنَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ؟ قَالُوا لَا نَدْرِي، قَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ إِمَّا وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَالسَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ بَيْنَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ