الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْوَصَايَا
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
(الْوَصِيَّة) مَأْخُوذَة من قَوْلهم: وصيت الشَّيْء أوصيته: إِذا وصلته لِأَن الْمُوصي يصل مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاته بِمَا بعد مماته
وَالْأَصْل فِي ثُبُوت الْوَصِيَّة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين}
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا حق امرىء مُسلم عِنْده شَيْء يوصى فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه) وَرُوِيَ (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما قدم الْمَدِينَة سَأَلَ عَن الْبَراء بن معْرور فَقيل لَهُ: إِنَّه هلك
ووصى لَك بِثلث مَاله
فَقبله النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ رده على ورثته)
وَأما الْإِجْمَاع: فَروِيَ أَن أَبَا بكر وصّى بالخلافة إِلَى عمر
ووصى عمر بالخلافة إِلَى أهل الشورى وهم سِتَّة: عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص
وَظهر ذَلِك فِي الصَّحَابَة وَلم يخالفهما أحد
بل عمِلُوا بِهِ
وَمَا يُوصي بِهِ الْإِنْسَان ضَرْبَان وَصِيَّة بِالنّظرِ فِيمَا كَانَ لَهُ النّظر فِيهِ
وَوَصِيَّة بِثلث مَاله
فَأَما الْوَصِيَّة بِالنّظرِ: فَإِن من ثبتَتْ لَهُ الْخلَافَة على الْأمة
فَلهُ أَن يُوصي بهَا إِلَى
رجل تُوجد فِيهِ شُرُوط الْخلَافَة لما ذَكرْنَاهُ من حَدِيث أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما
وَأما الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ: فَكل من ملك التَّصَرُّف فِي مَاله بِالْبيعِ وَالْهِبَة ملك الْوَصِيَّة بِثلث مَاله فِيمَا فِيهِ قربَة
لقَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَلما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِن الله أَعْطَاكُم ثلث أَمْوَالكُم فِي آخر آجالكم زِيَادَة فِي حسناتكم) وَرُوِيَ عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ: مَرضت بِمَكَّة عَام الْفَتْح مَرضا أشرفت مِنْهُ على الْمَوْت
فَدخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
فَقلت: يَا رَسُول الله إِن لي مَالا كثيرا وَإِنَّمَا يَرِثنِي ابْنة لي أفأتصدق بِمَالي كُله قَالَ: (لَا)
قلت: أفأتصدق بِثُلثي مَالِي قَالَ: (لَا)
قلت: فبالشطر قَالَ: (فبالثلث فَقَالَ: (الثُّلُث وَالثلث كثير) وَرُوِيَ (كَبِير إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) فَلم يَنْهَهُ عَن الثُّلُث وَإِنَّمَا قَالَ: (هُوَ كثير) فَدلَّ على جَوَاز التَّصَدُّق بِهِ
و (العالة) الْفُقَرَاء
قَالَ الله تَعَالَى: {ووجدك عائلا فأغنى} وَقَوله: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) مَعْنَاهُ يسْأَلُون النَّاس بأكفهم
فَإِن كَانَ ورثته فُقَرَاء: فالمستحب لَهُ أَن لَا يُوصي بِجَمِيعِ الثُّلُث لقَوْله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) وَإِن كَانُوا اسْتحبَّ لَهُ أَن يُوصي بِجَمِيعِ الثُّلُث لِأَنَّهُ لما كره اسْتِيفَاء الثُّلُث إِذا كَانُوا فُقَرَاء دلّ على أَنه يسْتَحبّ لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الثُّلُث إِذا كَانُوا أَغْنِيَاء
وَيشْتَرط فِي الْمُوصي التَّمْيِيز فَلَا تصح وَصِيَّة الْمَجْنُون والمغمي عَلَيْهِ وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ
وَفِي الْمُمَيز قَولَانِ
أظهرهمَا: الْمَنْع
وَيشْتَرط التَّكْلِيف فِي الْمُوصي
وَالصَّحِيح: صِحَّتهَا من السَّفِيه والمحجور عَلَيْهِ
وتلغى وَصِيَّة الرَّقِيق
وَفِيمَا إِذا أعتق ثمَّ مَاتَ: وَجه وَتَصِح وَصِيَّة الْكَافِر
ثمَّ إِن كَانَت الْوَصِيَّة لجِهَة عَامَّة: فَالشَّرْط أَن لَا تكون لجِهَة مَعْصِيّة
فَلَا تصح لعمارة البيع وَبِنَاء بَيت لبَعض الْمعاصِي
وَإِن كَانَت لشخص معِين فَيَنْبَغِي أَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك
فَتجوز الْوَصِيَّة للْحَمْل وَينفذ إِذا انْفَصل حَيا وَأَن يكون مَعْلُوم الْوُجُود عِنْد الْوَصِيَّة بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر
فَإِذا انْفَصل لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا وَالْمَرْأَة فرَاش زوج أَو سيد فَلَا حق لَهُ
وَإِذا أوصى لعبد إِنْسَان
فَإِن اسْتمرّ رقّه: فَالْوَصِيَّة لسَيِّده وَإِن أعتق قبل موت الْمُوصي: فالاستحقاق لَهُ
وَلَا تصح الْوَصِيَّة للدابة على قصد تَملكهَا وَكَذَا لَو أطلق الْوَصِيَّة وَلَو قَالَ: ليصرف فِي عَلفهَا فَالظَّاهِر الصِّحَّة
وَلَو أوصى لعمارة مَسْجِد صَحَّ وتنزل على عِمَارَته ومصالحه
وَتجوز الْوَصِيَّة للذِّمِّيّ وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ
وَتجوز الْوَصِيَّة للْقَاتِل فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَالْوَصِيَّة للْوَارِث لاغية نَافِذَة بِإِجَازَة الْوَرَثَة
وَلَو أوصى لِأَخِيهِ وَلَا ولد للْمُوصي ثمَّ ولد لَهُ ولد قبل مَوته: صحت الْوَصِيَّة وَلم يخرج على الْخلاف
فَإِن الِاعْتِبَار بِكَوْن الْمُوصى لَهُ وَارِثا يَوْم الْمَوْت لَا يَوْم الْوَصِيَّة
وَتَصِح الْوَصِيَّة بِالْحملِ وَالشّرط أَن ينْفَصل لوقت يعلم وجوده عِنْد الْوَصِيَّة وَأَن ينْفَصل حَيا
وَتَصِح أَيْضا بالمنافع
وَكَذَا بالثمار الَّتِي ستحدث وَالْحمل الَّذِي سيوجد
وَتَصِح الْوَصِيَّة بِأحد الْعَبْدَيْنِ
وَيصِح بِمَا يحل بِهِ الانتفاعات من النَّجَاسَات كَالْكَلْبِ الْمعلم والزبل وَالْخمر المحترمة
وَلَو أوصى بكلب من كلابه وَله كلاب يحل الِانْتِفَاع بهَا أعْطى وَاحِدًا مِنْهَا وَإِن لم يكن لَهُ كلاب لغت الْوَصِيَّة
وَمن لَهُ مَال وكلاب
فأوصى بهَا أَو بِبَعْضِهَا
فَالْأَظْهر نُفُوذ الْوَصِيَّة وَإِن كثرت وَقل المَال
وَلَو أوصى بطبل وَكَانَ الطبل يصلح للحرب والحجيج حملت الْوَصِيَّة على مَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ وَلَو أوصى بطبل لَهو لم تصح الْوَصِيَّة
وَلَا يَنْبَغِي أَن يُوصي بِأَكْثَرَ من ثلث المَال ول فعل ورد الْوَارِث ارْتَدَّت الْوَصِيَّة فِي الزِّيَادَة
فَإِن أجَاز نفذت فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا تبرع تبرعات منجزة فِي مرض الْمَوْت كالوقف وَالْهِبَة وَالْعِتْق وَالْإِبْرَاء
وَلم يَفِ الثُّلُث بهَا فَأخذ الْقَوْلَيْنِ: أَنه يقدم الْعتْق
وَالأَصَح: التَّسْوِيَة بَين الْعتْق وَغَيره
ويقسط الثُّلُث عَلَيْهَا بِاعْتِبَار الْقيمَة
فَإِن تمحض الْعتْق فيقرع وَإِن تمحض غَيره فيقسط
وَإِن اجْتمع تبرعات فَصَاعِدا منجزات
فَإِن ترتبت قدم الأول فَالْأول إِلَى أَن يتم الثُّلُث إِن وجدت دفْعَة وَاحِدَة
فَإِن اتَّحد الْجِنْس كَمَا لَو أعتق عبيدا وَأَبْرَأ جمَاعَة فَلَا يقدم بَعْضهَا على بعض بل يقرع فِي الْعتْق ويقسط الثُّلُث فِي غَيره
وَإِن اخْتلف الْجِنْس وصدرت التَّصَرُّفَات من وكلاء
فَإِن لم يكن فِيهَا عتق فيقسط الثُّلُث وَإِن كَانَ فِيهَا فَيقدم الْعتْق أَو يقسط فِيهِ الْقَوْلَانِ
وَلَو كَانَ لَهُ عَبْدَانِ سَالم وغانم
فَقَالَ: إِن أعتقت غانما فسالم حر ثمَّ أعتق غانما فِي مرض مَوته فَلَا يقرع وَيتَعَيَّن لِلْعِتْقِ غَانِم
وَإِذا أوصى بِعَين حَاضِرَة هِيَ ثلث مَاله وَبَاقِي مَاله غَائِب لم يدْفع إِلَى الْمُوصى لَهُ فِي الْحَال
وَإِذا ظننا أَن الْمَرَض مخوف لم ينفذ التَّصَرُّف فِيمَا زَاد على الثُّلُث
فَإِن برأَ تبين خلاف مَا ظنناه وَنفذ التَّبَرُّع
وَإِن ظننا غير مخوف وَمَات فَإِن كَانَ يحمل على الْفجأَة نفذ التَّبَرُّع
وَإِلَّا تبين أَنه مخوف
وَإِن شككنا فِي الْمَرَض أهوَ مخوف أم لَا فالرجوع فِيهِ إِلَى الْأَطِبَّاء
وَإِنَّمَا يعْتَمد قَول من يجمع الْإِسْلَام والتكليف وَالْعَدَالَة وَالْحريَّة
وَيشْتَرط الْعدَد أَيْضا فِي الْأَمْرَاض المخوفة وَهُوَ القولنج وَذَات الْجنب والرعاف الدَّائِم والإسهال الْمُتَوَاتر وَخُرُوج الطَّعَام غير مُسْتَحِيل أَو كَانَ يخرج بِشدَّة أَو وجع وَمَعَهُ دم
وَمِنْهَا: الدق وَابْتِدَاء الفالج والحمى المطبقة وَكَذَا غير المطبقة كالورد وَالْغِب إِلَّا الرّبع
وَالْأَظْهَر: أَنه يلْتَحق بالأمراض المخوفة: الْوُقُوع فِي أسر كفار اعتادوا قتل