الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ولمَّا كانت الجِنَانُ درجات بعضها فوق بعض، كانت أبوابها كذلك، وباب الجنَّةَ العالية فوق باب الجنَّة التي تحتها، وكلَّما عَلَت الجنَّة اتَّسعت، فعاليها أوسعُ ممَّا دونه، وسَعَة الباب بحسب وسع الجنَّة، ولعلَّ هذا وجه الاختلاف الَّذي جاء في مسافة ما بين مِصْراعي الباب، فإنَّ أبوابها بعضها أعلى من بعض.
ولهذه الأمة بابٌ مختص يدخلون منه دون سائر الأمم، كما في "المسند" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "بابُ أُمَّتي الَّذي يدخلون منه الجنَّة عرضه مسيرة الراكب ثلاثًا، ثمَّ إنَّهم لينْضغِطُون
(1)
عليه حتَّى تكاد مناكبهم تزول"
(2)
.
وفيه: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريلُ، فأخذ بيدي، فأراني باب الجنَّة الَّذي تدخلُ منه أمَّتي"
(3)
(1)
في "أ، ج، هـ": "لَينْضغِطُون"، وفي "د":"ليضطغطون".
(2)
تقدم تخريجه (ص/ 117 - 118)، وهو لا يثبت.
(3)
أخرجه أبو داود برقم (4652)، وعبد اللَّه بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة رقم (258 و 593) وابن شاهين في السنَّة رقم (96) وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم" رقم (30) وغيرهم.
من طريق أبي خالد مولى جعدة عن أبي هريرة فذكره.
وسنده ضعيف فيه أبو خالد مولى جعدة، قال الذهبي:"لا يُعرف".
الميزان: (6/ 360) رقم (10148).
تنبيه: جعل بعضهم هذا الحديث: عن أبي يحيى مولى آل جعدة عن أبي هريرة، وجعله بعضهم عن أبي حازم سليمان الأشجعي عن أبي هريرة =
الحديث.
وسيأتي بتمامه إن شاءُ اللَّهُ تعالى
(1)
.
وقال خَلَفَ بن هشام البزار: حدثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس المُلائي، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "إنَّ أبواب الجنَّة هكذا بعضها فوق بعض، ثمَّ قرأ:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] إذا هم عندها بشجرة في أصلها عينان تجريان، فيشربون من أحَدَيهما، فلا تترك في بطونهم قذًى ولا أذًى إلَّا رمَتْه، ويغتسلون من الأُخرى، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعث رؤوسهم، ولا تغيرُ أبشارهم بعد هذا أبدًا، ثمَّ قرأ:{طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) } [الزمر: 73] فيدخل الرجل، وهو يعرف منزلته، ويتلقاهم الولدان، فيستبشرون برؤيتهم، كما يستبشر الأهلُ بالحميم يقدمُ من الغيبة، فينطلقون
(2)
إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاينتهم، فتقول: أنت رأيتَه؟ فتقوم إلى الباب، فيدخل إلى بيته، فيتكئ على سريره، فينظر إلى أساس بيته، فإذا هو قد أُسِّسَ على اللؤلؤ، ثمَّ ينظر في أخضر وأحمر وأصفر، ثمَّ يرفع رأسه إلى سَمْكِ
(3)
بيته، ولولا أنَّه خُلِقَ له لالْتَمعَ بصره، فيقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
= وكلاهما خطأ، اضطرب فيه عمران بن ميسرة وخالفه جماعة من الثقات فرووه بالوجه المخرَّج وهو المشهور.
(1)
انظر: الباب (26) ص (229).
(2)
في "ب""فيتطلَّعون".
(3)
كذا في جميع النسخ، وفي بعض مصادر التخريج "سقف".
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]
(1)
. واللَّهُ أعلم.
(1)
أخرجه المروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1450)، وابن حبيب في "وصف الفردوس":(122 و 128)، وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب العالية رقم (4601) والطبري في تفسيره (24/ 35)، وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (280، 281) وغيرهم.
وفيه عاصم بن ضمرة صدوق، وله مفاريد ومناكير عن علي، فإن كان حفظه هكذا، فهو ثابت عن علي.
والحديث صححه الحافظ ابن حجر والبوصيري.
الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين البابِ والباب
روِّيْنَا في "معجم الطبراني": حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري، وعبد اللَّه بن الصقر العسكري
(1)
قالا: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحِزَامي، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد اللَّهِ بن خالد بن حِزَام، حدثني
(2)
عبد الرحمن بن عيَّاش الأنصاري، حدثنا دَلْهَم بن الأسود بن عبد اللَّهِ بن حاجب بن المُنْتَفق.
قال دلهم: وحدَّثنيه أيضًا أبو الأسود عن عاصم بن لَقِيط، أنَّ لقيط ابن عامر خرج وافدًا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: قلتُ يا رسول اللَّهِ فما الجنَّة والنَّار؟ قال: لعمر إلهك، إنَّ للنَّار سبعة أبواب ما منهنَّ بابان إلَّا يسير الرَّاكبُ بينهما سبعين عامًا، وإنَّ للجنَّة ثمانية أبواب، ما منهن بابان إلَّا يسير الراكب بينهما سبعين عامًا" وذكر الحديث بطوله
(3)
.
(1)
في "أ، ب، ج، د، هـ": "السكري"، وفي "ب، د": "الصقير" بدل "الصقر". وكلاهما خطأ.
(2)
سقط من "ب".
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 211 - 214) رقم (477) مطوَّلًا، وعبد اللَّه بن أحمد في زوائده على المسند (4/ 13 - 14) مطوَّلًا، وابن أبي عاصم في السنَّة رقم (524) و (636) والبخاري في "تاريخه"(3/ 249 - 250) مختصرًا (في ترجمة دلهم).
وابن خزيمة في التوحيد رقم (271) والدارقطني في الرؤية رقم (191).
وفي سنده دلهم بن الأسود وعبد الرحمن بن عياش والأسود بن عبد اللَّه لم يوثقهم إلَّا ابن حبان في الثقات (4/ 32) و (6/ 291) و (7/ 71). =
وهذا الظاهر
(1)
منه أنَّ هذه المسافة بين الباب والباب؛ لأنَّ ما بين مكة وبُصْرَى لا يحتمل التقدير بـ "سبعين عامًا" ولا يمكن حمله على بابٍ معيَّن، لقوله:"ما منهنَّ بابان"، واللَّهُ أعلم.
= والحديث صححه الحاكم وابن القيم.
وذكر ابن منده أنَّ هذا الحديث "لم ينكره أحد، ولم يتكلم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم. . " زاد المعاد (3/ 678).
وقال ابن كثير: "هذا حديث غريب جدًّا، وألفاظه في بعضها نكارة".
وقال ابن حجر في ترجمة عاصم بن لقيط: "وهو حديث غريب جدًّا".
تهذيب التهذيب (2/ 260) ط: مؤسسة الرسالة.
وقال ابن الملقن في مختصر استدراك الذهبي (7/ 3479): ". . . ولا ينبغي أن يدخل هذا في الصحاح لنكارته، وجهالة دلهم بن الأسود المذكور فيه".
(1)
سقط من "ب"، وجاء في "د":"والظاهر أنَّ هذه".
الباب الثالث عشر في مكان الجنَّة وأين هي؟
قال اللَّهُ تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 13 - 15]. وقد ثبت أنَّ سِدرة المُنتهى فوق السماء، وسميت بذلك؛ لأنَّهُ
(1)
ينتهي إليها ما ينزل من عند اللَّهِ فيُقْبَضُ منها، وما يَصْعَدُ إليه فيقبضُ منها
(2)
.
وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22].
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: "هو الجنَّة"
(3)
.
وكذلك تلقَّاهُ النَّاسُ عنه.
وقد ذكر ابن المنذر في "تفسيره" وغيره أيضًا عن مجاهد قال: "هو الجنَّة والنَّار"
(4)
.
وهذا يحتاج إلى تفسير، فإنَّ النَّارَ في أسفل السافلين ليست في السماء، ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه، وقاله أبو صالح عن ابن عباس:"الخيرُ والشر كلاهما يأتي من السماء"
(5)
.
(1)
في "ب": "لأنَّها".
(2)
قوله: "وما يصعد إليه فيقبض منها" سقط من "ج".
(3)
انظر: تفسير مجاهد ص (619)، والطبري (16/ 206)، وابن المنذر في تفسيره كما في الدر المنثور (6/ 137).
(4)
ذكره السمرقندي في تفسيره بحر العلوم (3/ 277).
(5)
ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (8/ 34).
وعلى هذا المعنى أسباب الجنَّة والنَّار مُقدَّرٌ ثابتٌ في السماء من عند اللَّه.
وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا مَهْدِي بن ميمون، حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ بن أبي يعقوب، عن بِشْر بن شَغَاف قال: سمعت عبد اللَّه بن سلام يقول: "إنَّ أكرمَ خليقة اللَّه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الجنَّة في السماء" رواه أبو نعيم عنه
(1)
.
وقال: ورواه معمر بن راشد، عن محمد بن أبي يعقوب مرفوعًا.
ثمَّ ساقه من طريق ابن منيع، قال: حدَّثنا عمرو النَّاقِد حدثنا عمرو ابن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر به مرفوعًا
(2)
(3)
.
(1)
في صفة الجنَّة رقم (131)، والحارث ابن أبي أسامة في مسنده كما في المطالب العالية (3851).
في سنده عبد العزيز بن أبان هو الأموي الكوفي، وهو متروك، وكذَّبه ابن معين وغيره، التقريب (4083).
وقد توبع عبد العزيز تابعه: موسى بن إسماعيل التبوذكي وعفان ومحمد ابن كثير وخالد بن خداش كلهم عن مهدي بن ميمون به نحوه.
أخرجه البخاري في تاريخه (2/ 76)، والحاكم في المستدرك (4/ 612) رقم (8698).
وقال الحاكم "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه،. . . ".
(2)
من قوله: "ثمَّ ساقه من طريق ابن منيع" إلى "مرفوعًا" سقط من "ج"، وسقط من "ب""مرفوعًا".
(3)
أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (131).
وفيه: عمرو بن عثمان الكلابي قال النسائي والأزدي: متروك، وقال =
ثمَّ ساقَ من طريق محمد بن فُضَيل، حدثنا محمد بن عبيد اللَّه عن عطية، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال:"الجنَّة في السماء السابعة، ويجعلها اللَّهُ حيث شاء يوم القيامة، وجهنَّم في الأرض السابعة"
(1)
.
وقال ابن منده: حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا محمد بن عبد اللَّه، عن سلمة بن كُهيل عن أبي الزَّعْراء، عن عبد اللَّهِ قال: "الجنَّة فوق السَّماء الرَّابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها اللَّهُ حيث يشاء، والنَّار في الأرض السابعة
(2)
، فإذا كان يوم القيامة جعلها اللَّهُ حيث يشاء"
(3)
.
= أبو حاتم: "يتكلمون فيه، كان شيخًا أعمى بالرقة يحدث النَّاس من حفظه بأحاديث منكرة لا يصيبونه في كتابه". انظر: تهذيب الكمال (22/ 148 - 149).
وأيضًا فقد رواهُ ابن المبارك في الزهد (398) عن معمر عمَّن سمع محمد ابن عبد اللَّهِ بن أبي يعقوب بنحوه. والصحيح أنه موقوف.
(1)
أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (132).
وسنده ضعيف جدًّا، فيه محمد بن عبيد اللَّه بن أبي سليمان العَرْزَمي، قال الحاكم في المدخل:"متروك الحديث بلا خلاف أعرفه بين أئمة النقل فيه" تهذيب التهذيب (3/ 638).
(2)
في "هـ" وحاشية "أ""السفلى"، وأيضًا (الزبعرى) بدل (الزعراء).
(3)
أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (134)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (500)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (600).
وفيه أبو الزَّعْراء، واسمه عبد اللَّهِ بن هانئ، قال البخاري:"ولا يتابع في حديثه عن ابن مسعود في الشفاعة". ووثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان.
انظر: الضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 314)، وتهذيب التهذيب (2/ 448).
وقال مجاهد: "قلت لابن عباس أين الجنَّة؟ قال: فوق سبع سماوات، قلتُ: فأين النَّار؟ قال: تحت سبعة أبْحرٍ مطبِقة"
(1)
.
رواه ابن منده، عن أحمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن أبي يحيى، عن مجاهد.
وأمَّا الأثرُ الَّذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعْدان، عن عبد اللَّهِ بن عمرو، قال: "الجنَّة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كلِّ عامٍ مرَّة، وإنَّ أرواح المؤمنين في طير كالزرازير
(2)
يتعارفون يرزقون من ثمر الجنَّة"
(3)
.
فهذا قد يظهر منه التناقض بين أوَّل كلامه وآخره، ولا تناقض فيه؛ فإنَّ الجنَّة المعلقة بقرون الشمس ما يحدثه اللَّهُ سبحانه بالشمس في كلِّ سنة مرَّة من أنواع الثمار والفواكه، والنبات
(4)
جعله اللَّهُ تعالى مذكرًا بتلك الجنَّة، وآية دالَّة عليها، كما جعل هذه النَّار مذكرة بتلك؛ وإلَّا فالجنَّة التي عرضها السماوات والأرضِ ليست معلَّقة بقرون الشمس،
(1)
أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (135).
وفيه: أبو يحيى القتَّات: ليِّن الحديث، انظر: التقريب (8444).
(2)
الزرازير: جمع زَرْزور: وهو طائر، انظر: الصحاح (1/ 548).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 56) رقم (33967)، وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (133) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (228) وغيرهم.
قال الجورقاني في "الأباطيل": (1/ 320 - 321): "هذا حديثٌ باطل،. . وخالد بن معدان لم يسمع من ابن عمرو شيئًا".
(4)
في "ب": "والثمار".
وهي فوق الشمس وأكبر منها.
وقد ثبت في "الصحيحين" عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّ الجنَّة مئة درجة ما بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرضِ"
(1)
.
وهذا يدلُّ على أنَّها في غاية العلوِّ والارتفاع، واللَّهُ أعلم.
والحديث له لفْظان هذا أحدهما.
والثاني: "إنَّ في الجنَّة مئة درجة ما بين كلِّ درجتين كما بينَ السماء والأرضِ أعدَّها اللَّهُ للمجاهدين في سبيله".
وشيخنا يرجح هذا اللفظ
(2)
، وهو لا ينفي أنْ يكون دَرجَ الجنَّة أكثر
(1)
لم أقف عليه في الصحيح بهذا اللفظ.
وإنَّما ورد بهذا اللفظ من حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي: (2531) وأحمد (5/ 316 و 321)، والطبري في تفسيره (16/ 37) وعبد بن حميد المنتخب رقم (182) وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (225) وغيرهم.
من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة.
وهي رواية معلولة فقد وقع في الحديث اختلاف في سنده ومتنه وسيأتي.
(2)
بيان ذلك على وجه الاختصار:
أنَّ الحديث يرويه عطاء بن يسار واختلف عليه:
1 -
فرواه زيد بن أسلم عن عطاء واختلف عليه:
- فرواهُ الدراوردي وهشام بن سعد وحفص بن ميسرة ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير كلهم عن زيد بن أسلم عن عطاء عن معاذ بن جبل فذكره.
ولفظه فيه: ". . . فإنَّ الجنَّة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض. . . ".
أخرجه أحمدُ (5/ 241) والطبراني (20/ رقم 327 - 329) وابن ماجه (4331) وغيرهم. =
من ذلك، ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح:"إنَّ للَّه تسعةً وتسعين اسمًا، مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجنَّة"
(1)
.
= - وخالفهم همام بن يحيي العَوْذي.
فرواه عن زيد عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت فذكره باللفظ الأوَّل تقدم تخريجه.
ورجَّح الترمذي رواية الجماعة فقال: "وهذا عندي أصح من حديث همام. . .، وعطاء لم يدرك معاذ بن جبل. . ".
2 و 3 - ورواه هلال بن علي المدني ومحمد بن جُحادة:
فقالا: عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.
فذكره هلال باللفظ الثاني الَّذي ذكره المؤلف، وذكره ابن جُحادة باللفظ الأوَّل مختصرًا.
ولفظ هلال: هو الصواب؛ لأنَّه مدني، ولم يختلف عليه لفظًا ولا معنًى، وإليه ذهب البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية.
فقد أخرجه البخاري في صحيحه (60) الجهاد، (4)، باب: درجات المجاهدين في سبيل اللَّهِ. (3/ 1028) رقم (2637).
وأحمد في المسند (2/ 292)، والترمذي (2528) وقال:"حسن غريب".
وأيضًا فقد جاء هذا اللفظ الثاني من حديث أبي الدرداء:
عند النسائي (6/ 20)، والبخاري في تاريخه (1/ 203)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 66).
وفيه محمد بن عيسى الشامي، وثَّقه ابن شاهين، وقال ابن عدي:"لا بأس به. .، وهو حسن الحديث. . . ". وقال أبو أحمد الحاكم وابن حبان: مستقيم الحديث. وقال أبو حاتم الرَّازي: "لا يكتب حديثه ولا يحتج به".
انظر: تهذيب الكمال (26/ 254 - 258).
فالسند لا بأس به، واللَّهُ أعلم.
(1)
أخرجه البخاري برقم (6957)، ومسلم برقم (2677) من حديث أبي هريرة =
أي من جملة أسمائه هذا العَدَد، فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين.
ويدل على صحة هذا أنَّ منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم فوق هذا كلِّه، في درجةٍ في الجنَّة ليس فوقها درجة، وتلك المئة ينالها آحاد أُمَّته بالجهاد، والجنَّة مُقَبَّبة أعلاها أوسعها، ووسطها: هو الفردوس، وسقفه العرش، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إذا سألتمُ اللَّه فاسألوه الفِرْدَوس، فإنَّه وسَطُ الجنَّة وأعلى الجنَّة
(1)
، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّرُ أنهار الجنَّة"
(2)
.
قال شيخنا أبو الحجاج المزِّي: "والصواب رواية من رواه "وفوقُه" بِضَمِّ القاف على أنَّه اسمٌ لا ظرف، أي: وسقفه عرش الرحمن"
(3)
.
فإنْ قيل: فالجنَّة جميعها تحت
(4)
العرشِ، والعرش سقفها، فإنَّ الكرسي وَسِعَ السماوات والأرضِ، والعرش أكبر منه.
قيل: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس ممَّا دونه من الجنان،
= رضي الله عنه.
(1)
قوله: "وأعلى الجنَّة" سقط من "أ".
(2)
هو تتمة لحديث أبي هريرة المتقدم: "إنَّ في الجنَّة مائة درجةٍ. . ".
وهذا اللفظ عند البخاري في صحيحه رقم (2987).
(3)
راجع فتح الباري (13/ 414).
(4)
في "أ، ج، هـ": "غير".
بحيث لا جنَّة فوقه دون العرشِ
(1)
= كان سقفًا له
(2)
دون ما تحته من الجنان، ولعظم سعة الجنَّة
(3)
وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئًا فشيئًا، درجة فوق درجة، كما يقال لقارئ القرآن:"اقرأ وارقَ، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تَقْرؤها"
(4)
.
وهذا يحتمل شيئين: أن تكون منزلته عند آخر حِفْظه، وأنْ تكون عند آخر تلاوته لمحفوظه، واللَّهُ أعلم.
(1)
من قوله: "أقرب إلى" إلى "عرش" سقط من "ج".
(2)
ليس في "أ" فقط.
(3)
في "أ""الجنان".
(4)
أخرجه الترمذي رقم (2914)، وأبو داود رقم (1464)، وأحمد (2/ 192)، وابن حبان (3/ 766)، والحاكم (1/ 739) رقم (2030)، وغيرهم.
من طريق عاصم بن أبي النجود عن زرِّ بن حُبَيش عن عبد اللَّه بن عمرو فذكره.
قال الترمذي: "حسن صحيح".
والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وله شواهد: عن أبي هريرة، وأبي سعيد وعائشة موقوفًا عليها بمعناه.
انظر: فضائل القرآن لأبي عبيد (ص/ 37 - 38)، وأخلاق أهل القران للآجري (ص/ 48 - 51).
الباب الرابع عشر في مفتاح الجنَّة
قال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الجنَّة شهادةُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ"
(1)
.
رواه الإمام أحمد في "مسنده" ولفظه: "مفاتيح
(2)
الجنَّة شهادةُ أن لا إله إلَّا اللَّه"
(3)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الدعاء (3/ 1479)، وابن عدي في الكامل (4/ 38 - 39).
من طريق إبراهيم بن العلاء الزبيدي ويحيى الحمَّاني كلاهما عن إسماعيل بن عيَّاش به مثله.
(2)
من "ب" وفي باقي النسخ "مفتاح"، والمثبت هو الصواب، كما في المسند.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (5/ 242)، والبزار في مسنده (7/ 104) رقم (2660)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (189).
من طريق إبراهيم بن مهدي ومحمد بن سلام البيكندي ومحمد بن إسماعيل بن عياش كلهم عن إسماعيل بن عياش به مثله.
قلت: وهذا الاختلاف في المتن "مفتاح""مفاتيح" من اضطراب إسماعيل ابن عياش وهو يرجع إلى ضعف روايته عن غير أهل الشام، وهذا منها، فإنَّ عبد اللَّه بن عبد الرحمن هذا مكِّي.
قال البزار: "شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ بن جبل رضي الله عنه". وكذا أعلَّهُ بالانقطاع الهيثمي وابن رجب.
انظر: مجمع الزوائد (1/ 16)، وكلمة الإخلاص لابن رجب ص (16).
وذكر البخاري في "صحيحه" عن وهب بن منبه أنَّه قيل له: أليس مفتاح الجنَّة
(1)
لا إله إلَّا اللَّه؟ قال: بلى، ولكن ليس من مفتاح إلَّا وله أسنانٌ، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتِحَ لك، وإلَّا لم يفتح
(2)
.
وروى أبو نعيم من حديث أبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال أعرابي يا رسول اللَّهِ، ما مفاتيح
(3)
الجنَّة؟ قال: "لا إله إلَّا اللَّه"
(4)
.
وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن شجرة
(5)
قال: "إنَّ السيوف مفاتيح الجنَّة"
(6)
.
(1)
في "ج" بعد الجنَّة "شهادة ألَّا إله إلَّا اللَّهُ".
(2)
ذكره البخاري في "29" الجنائز، (1) باب: في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلَّا اللَّه (1/ 417)، بلفظ: وقيل لوهب بن منبه.
ووصله في تاريخه الكبير (1/ 95)، وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (191) وغيرهما.
(3)
في "هـ": "مفتاح".
(4)
أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (190).
وفيه أبان بن أبي عياش البصري: وهو متروك الحديث، انظر: التقريب (142).
(5)
من "هـ" ونسخة على حاشية "أ"، وفي باقي النسخ "سخبرة" وهو خطأ.
(6)
أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (192).
وهو موقوف، ويزيد بن شجرة مختلف في صحبته، والصحيح ليست له صحبة كما قال أبو زرعة وابن منده وغيرهما.
انظر: الجرح والتعديل (9/ 271)، وتاريخ دمشق (65/ 226).
وقد رُوِيَ هذا الحديث مرفوعًا عند أبي بكر الشافعي في الغيلانيات رقم (637)، وابن عساكر في تاريخه (65/ 220).
ولا يثبت، فيه محمد بن يونس الكديمي، وهو متَّهم بالكذب. انظر: =
وفي "المسند" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ: "ألَا أدلُّكَ على بابِ من أبواب الجنَّة؟ قلتُ: بلى، قال: "لَا حولَ ولا قوَّة إلَّا باللَّهِ"
(1)
.
وقد جعل اللَّهُ سبحانه لكلِّ مطلوب مفتاحًا يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة: الطهور، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاةِ: الطُّهور
(2)
"
(3)
،
= تهذيب الكمال (27/ 66).
قال ابن حجر: "الكُديمي ضعيف، والمحفوظ عن الأعمش موقوفًا"، الإصابة (6/ 343).
(1)
أخرجه أحمد في مسنده (5/ 228)، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (357)، وعبد بن حميد في مسنده المنتخب رقم (128) وغيرهم.
من طريق أبي رزين مسعود بن مالك الأسدي عن معاذ فذكره.
وأبو رزين لم يسمع من معاذ، فقد كان شعبة ينكر أن يكون سمع من ابن مسعود شيئًا، وابن مسعود توفي سنة 32 هـ، ومعاذ توفي سنة 18 هـ.
وأيضًا الحديث من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، وقد قيلَ سمع حماد من عطاء قبل اختلاطه وبعده.
انظر: تهذيب الكمال (27/ 479)، والكواكب النيرات ص (324 - 335).
(2)
قوله: "مفتاح الصلاة الطهور" سقط من "ب".
(3)
أخرجه الترمذي رقم (3)، وأبو داود رقم (61)، وابن ماجة رقم (275)، وأحمد (1/ 129) وغيرهم.
من طريق عبد اللَّهِ بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي فذكره مرفوعًا.
والحديث فيه ابن عقيل وفيه لين، والحديث عدَّه ابن عدي في الكامل (4/ 129) من منكراته.
قال الترمذي: "هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسن".
والحديث جاء عن غير واحدٍ من الصحابة ولا يثبت عنهم، والثابت عن =
ومفتاح الحج: الإحرام، ومفتاح البِرِّ: الصدق، ومفتاح الجنَّة: التوحيد، ومفتاح
(1)
العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر: الصبر، ومفتاح المزيد: الشكر، ومفتاح الولاية والمحبة: الذكر
(2)
، ومفتاح الفلاح: التقوى، ومفتاح التوفيق: الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة: الدعاء، ومفتاح الرغبة في الآخرة: الزهد في الدنيا، ومفتاح الإيمان: التفكر فيما دعا اللَّه عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الدخول على اللَّهِ: إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحُبِّ والبغض والفعل والتَّرك، ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن، والتضرع بالأسحارِ، وترك الذنوب، ومفتاح حصول الرحمة: الإحسان في عبادة الخالق، والسَّعي في نفع عبيده، ومفتاح الرزق: السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العِزِّ: طاعة اللَّهِ ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة: قِصَرُ الأملِ، ومفتاح كلِّ خيرٍ: الرغبة في اللَّهِ والدار الآخرة، ومفتاح كلِّ شرٍّ: حُب الدنيا، وطول الأمل.
وهذا بابٌ عظيم من أنفع أبواب العلمِ، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يُوَفَّق لمعرفته ومراعاته إلَّا من عَظُمَ حظه وتوفيقه، فإنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جعل لكلِّ خير وشرٍّ مفتاحًا وبابًا يُدْخَل منه إليه، كما
= ابن مسعود موقوفًا.
انظر: الصيام من شرح العمدة لابن تيمية (2/ 633 - 635).
(1)
من قوله: "الطهور" إلى "التوحيد ومفتاح" سقط من "ج".
(2)
في "د": "المحبَّة للذكر" وقوَّمها الناسخ إلى "والمحبة".
جعل الشرك والكبر والإعراض عمَّا بعث اللَّهُ به رسوله، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه = مفتاحًا للنَّار، وكما جعل الخمر: مفتاح كلِّ إثمٍ، وجعل الغناء: مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصُّوَرِ: مفتاح الطلَب والعِشْق، وجعل الكسل والراحة: مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي: مفتاح الكفر، وجعل الكذب: مفتاح النِّفاق، وجعل الشح والحرص: مفتاح البخل وقطيعة الرحم، وأخذ المال من غير حِلِّهِ، وجعل الإعراض عمَّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: مفتاح كل بدعة وضلالة.
وهذه الأمور لا يصدِّق بها إلَّا من له بصيرة صحيحة، وعقلٌ يعرف به ما في نفسه، وما في الوجود من الخير والشرِّ، فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح، وما جُعِلَت مفاتيح له، واللَّهُ من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمدُ، وله النعمة والفضل
(1)
، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
(1)
في نسخةٍ على حاشية "أ""وله الفضل".
الباب الخامس عشر في توقيع الجنَّة، ومنشورها الَّذي يُوَقَّعُ به لأصحابها بعد الموت، وعند دخولها
قال اللَّهُ تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)} [المطففين: 18 - 21].
فأخبر تعالى أنَّ كتابهم كتابٌ مرقوم، تحقيقًا لكونه مكتوبًا كتابة
(1)
حَقِيقية، وخصَّ تعالى كتاب الأبرار بأنَّه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقرَّبين من الملائكة والنَّبيين وسادات المؤمنين، ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب
(2)
الفجار = تنويهًا بكتاب الأبرار، وما وقع لهم به، وإشهارًا له
(3)
، وإظهارًا بين خواصِّ خلقه، كما تكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء، وخواص أهل المملكة تنويهًا باسم المكتوب له
(4)
، وإشادةً بذكره، وهذا نوعٌ من صلاة اللَّه سبحانه وتعالى، وملائكته على عبده.
وروى الإمام أحمد في "مسنده"، وابن حبان، وأبو عوانة الإسفرايني في "صحيحيهما" من حديث المنهال، عن زاذان عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
في "ج": "كأنَّه".
(2)
في "ج": "الكتاب" وهو خطأ.
(3)
في "ج": "وإشهادًا له".
(4)
ليس في "ب".
إلى
(1)
جنازةٍ، فجلس رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على القبرِ وجلسنا حوله كأنَّ على رؤوسنا الطير، وهو يُلْحَد له
(2)
، فقال: "أعوذ باللَّه من عذاب القبر ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ قال: إنَّ المؤمن إذا كان في إقبالٍ من الآخرة وانقطاع من الدنيا؛ تنزلت إليه الملائكة كأنَّ على وجوههم الشمس مع كلِّ واحدٍ منهم كفن وحنوط
(3)
، فجلسوا منه مدَّ بصره، ثمَّ يجيء ملك الموت حتَّى يجلسَ عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرةٍ من اللَّهِ ورضوان، قال: فتخرج تسيلُ كما تسيلُ القطرة مِنْ فِيِّ
(4)
السِّقاءِ فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسكٍ وُجدَت على وجه الأرضِ، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها -يعني
(5)
عَلى ملأٍ من الملائكة- إلَّا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان. بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيُفتح لهم، ويُشَيِّعه من كلِّ سماءٍ مقربوها إلى السماء التي تليها؛ حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها اللَّهُ عز وجل
(6)
، فيقول اللَّهُ عز وجل: اكتبوا
(1)
في "ب": "في"، وقد وردت في بعض الروايات.
(2)
ليس في "ب".
(3)
الحنوط: هو ما يُخْلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصَّة. النهاية (1/ 450).
(4)
ليس في "ب".
(5)
ليس في "أ".
(6)
قوله: "إلى السماء التي فيها اللَّهُ" كذا في جميع النُّسَخ، ولم أقف عليها.
كتاب عبدي في علِّيين، وأعيدوه إلى الأرضِ، فإنِّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارةً أخرى، قال: فتعادُ روحُه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربُّكَ؟ فيقول: ربِّي اللَّه، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الَّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول اللَّهِ، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنت به وصدَّقت، قال: فينادي منادٍ من السمَّاء: أنْ صَدقَ عبدي فأفرشوه من الجنَّة، وألبسوه من الجنَّة
(1)
، وافتحوا له بابًا إلى الجنَّة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفسحُ له في قبره مدَّ بَصَرِهِ، قال: ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجه حسن الثياب طيبُ الريح، فيقولُ: أبشر بالَّذي يسرُّك هذا يومك الَّذي كنتَ تُوْعد، فيقول له
(2)
: من أنتَ فوجهك الوجه الَّذي
(3)
يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقولُ: ربِّ أقم السَّاعة، ربِّ أقم السَّاعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإنَّ العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة
(4)
، نَزَلَ إليه من السماء ملائكةٌ سودُ الوجوه معهم المُسُوْحُ
(5)
(1)
قوله: "وألبسوه من الجنَّة" سقط من "ج".
(2)
ليس في "ب".
(3)
من المطبوعة.
(4)
في "ج": "انقطاع من الآخرة، وإقبال من الدنيا" وهو خطأٌ ظاهر.
(5)
المسوح: جمع كثرة، واحدُهُ: مِسْح، وهو الكساءُ من الشعر، وجمع القِلَّة: أَمْسَاح. انظر: لسان العرب (2/ 596).
فيجلسون منه مدَّ البصرِ
(1)
، ثمَّ يجيءُ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، أخرجي إلى سخطٍ من اللَّهِ وغضب، قال: فتفرَّق في جسده فينتزعها كما ينتزعُ السَّفُّود
(2)
من الصُّوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ حتى يجعلوها في تلك المسوح، وتخرج منها كأنتن ريح جيفةٍ وجدت على وجه الأرضِ، فيصعدون بها فلا يَمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلَّا قالوا: ما هذا الروح الخبيث
(3)
، فيقولون: فلانُ ابن فلان. بأقبح أسمائه التي كان يُسمَّى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى سماء الدنيا
(4)
فيستفتح
(5)
فلا يفتح له، ثمَّ قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]. فيقول اللَّه عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سِجِّينٍ في الأرضِ السفلى. وتُطرَح رُوحُهُ طَرحًا، ثمَّ قرأ رسول اللَّه:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) } [الحج: 31]، فتعاد روحُهُ في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الَّذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي منادٍ من السماء، أن كذب عبدي
(6)
فأَفرشوه
(1)
في "ب، د"، ونسخةٍ على حاشية "أ"(بَصَرِهِ).
(2)
السَّفُّود: الحديدة التي يشوي بها اللحم. انظر: الصحاح (1/ 417).
(3)
في "ب، هـ": "الخبيثة".
(4)
قوله "حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا" سقط "ب".
(5)
في نسخة على حاشية "أ""فيستفتح له".
(6)
ليس في "ب، ج، د".