المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكذلك قول من قال: المخضود الَّذي لا يَعْقِر اليد، ولا - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: وكذلك قول من قال: المخضود الَّذي لا يَعْقِر اليد، ولا

وكذلك قول من قال: المخضود الَّذي لا يَعْقِر اليد، ولا يرد اليد منه شوك ولا أذى فيه، فسَّره بلازم المعنى، وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة، وفردًا من أفراده تارة، ومثالًا من أمثلته فيحكيها الجمَّاعون للغثِّ والسَّمين أقوالًا مختلفة، ولا اختلاف بينها.

‌فصل

وأمَّا الطَّلحُ: فأكثر المفسرين قالوا: إنَّه شجر الموز.

قال مجاهد: "أعجبهم طلح وَجٍّ وحُسْنه، فقيل لهم: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)} "

(1)

.

وهذا قول علي بن أبي طالب، وابن عبَّاس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم

(2)

.

وقالت طائفة أخرى: "بل هو شجرٌ عظامٌ طوالٌ، وهو من شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب. قال حَاديهم:

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (27/ 181 و 182)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (304).

وسنده صحيح.

(2)

انظر: تفسير عبد الرزاق (2/ 218) رقم (3126 و 3128)، والزهد لهناد بن السري رقم (1/ 111 و 112)، وصفة الجنَّة لابن أبي الدنيا رقم (64)، وتفسير الطبري (27/ 181)، والبعث للبيهقي رقم (305، 306، 308)، وتفسير ابن كثير (4/ 309).

ص: 345

بَشَّرَهَا دَلِيْلُهَا وقَالَا

غدًا ترينَ الطَّلحَ والجِبَالا

(1)

ولهذا الشجر نورٌ ورائحة طيبة، وظلٌّ ظليل، وقد نضد بالحمل والثَّمر مكان الشوك.

قال ابن قتيبة: "هو الَّذي نُضِدَ بالحمل أو بالورق والحمل من أوَّله إلى آخره، فليس له ساق بارز"

(2)

.

وقال مسروق: "ورق الجنَّة نُضِدَ

(3)

من أسفلها إلى أعلاها، وأنهارها تجري في غير أخدود"

(4)

.

وقال الليث: "الطلح: شجر أم غيلان له شوك أحجن، من أعظم العضاة شوكًا، وأصلبه عودًا، وأجوده صَمْغًا".

قال أبو إسحاق: "يجوز أنْ يُعْنى به شجر أم غيلان؛ لأنَّ له نَوْرًا طيبَ الرائحة جدًّا، فَوُعِدُوا بما يحبون مثله، إلَّا أنَّ فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنَّة على سائر ما في الدنيا

(5)

، فإنَّه ليس

(1)

انظر: مجاز القرآن (2/ 250)، ونقله عنه الطبري في تفسيره (27/ 181)، ونسبه القرطبي (17/ 208) للجعدي.

(2)

انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (448)، وفيه ". . . له سوق بارزة".

(3)

في "ج، هـ": "نضيد".

(4)

أخرجه هناد في الزهد رقم (95 و 103 و 104)، وابن أبي شيبة (7/ 53 - 54)، رقم (33948)، وابن صاعد في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1489 و 1490).

وسنده صحيح.

(5)

من قوله: "قال الليث. . . " إلى "الدنيا" عند الأزهري في تهذيب اللغة (3/ 2202).

وعنه ابن منظور في لسان العرب (2/ 532 - 533) ط - دار صادر.

ص: 346

ما في الجنَّة ممَّا في الدنيا إلَّا الأسامي.

والظَّاهر أنَّ من فسَّر الطَّلح المنضود: بالموز، إنَّما أراد التمثيل به لحسن نضده، وإلَّا فالطلح في اللغة: هو الشَّجر العظام من شجر البوادي واللَّه أعلم

(1)

.

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة شجرةً يسير الرَّاكبُ في ظلها مئة عامٍ لا يقطعها فاقرؤوا إنْ شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) } [الواقعة: 30] ".

وفي "الصحيحين"

(3)

أيضًا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة لشجرةً يسيرُ الرَّاكبُ في ظلها مئة عامٍ لا يقطعها".

قال أبو حازم: فحدثْتُ به النعمان بن أبي عيَّاش الزُّرقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة لشجرةً يسيرُ الرَّاكبُ الجوادُ المضمَّر السريعُ

(4)

مئة عامٍ لا يقطعها"

(5)

.

(1)

لعلها لغة عند بعض أهل اليمن، قال ابن زيد في قوله "وطلحٍ منضود"، قال:"اللَّه أعلم، إلَّا أنَّ أهل اليمن يُسمُّون الموز: الطَّلح".

أخرجه الطبري في تفسيره (27/ 182) وسنده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3080، 4599)، ومسلم رقم (2826).

(3)

البخاري رقم (6186)، ومسلم رقم (2827).

(4)

في البخاري زيادة "في ظلها" وهي ليست في جميع النسخ.

(5)

أخرجه البخاري رقم (6186)، ومسلم رقم (2828).

ص: 347

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضَّحَّاك سمعتُ أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة شجرةً يسير الرَّاكبُ في ظلِّها سبعين أو مئة سنة، هي شجرة الخلد"

(1)

.

وقال وكيع: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إنَّ في الجنَّة شجرةً يسيرُ الرَّاكبُ في ظلها مئة عام اقرؤوا إنْ شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) } [الواقعة: 30] ". فبلغ ذلك كعبًا فقال: صدق، والَّذي أنزل التوراة على لسان موسى،

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 462)، والطبري في تفسيره (27/ 183)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 244) رقم (403).

ورواهُ غندر وحجاج والطيالسي وعبد الصمد وسعيد بن الربيع وغيرهم كلهم عن شعبة به نحوه.

أخرجه أحمد (2/ 455)، والطيالسي في مسنده رقم (2670)، وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب" رقم (1445) والدارمي رقم (2881)، وابن أبي الدنيا رقم (43 و 63) وغيرهم.

والحديث مداره على أبي الضحاك، قال أبو حاتم:"لا أعلم روى عنه غير شعبة". وقال الذهبي: "لا يُعرف. . . ".

والحديث فيه نكارة، وهو لفظة "شجرة الخلد":

فإنَّ الحديث رواهُ عن أبي هريرة جماعة: كالمقبري والأعرج ومحمد بن زياد وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهم كلهم عن أبي هريرة، ليس فيه "شجرة الخلد".

وكذلك رواه أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد، وليس فيه "شجرة الخلد".

وهذا يدل على ضعف حديث أبي الضحاك هذا، واللَّهُ أعلم.

ص: 348

والفرقان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لو أنَّ رجلًا ركب جذعةً أو جذعًا، ثمَّ دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرمًا، إنَّ اللَّه غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه

(1)

، وإنَّ أفنانها من وراء سور الجنَّة، ما في الجنَّة نهرٌ إلَّا وهو يخرج

(2)

من أصل تلك الشجرة"

(3)

.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زمعة

(4)

بن صالح عن سلمة بن وَهْرَام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الظِّلُّ الممدود: شجرةٌ في الجنَّة على ساقٍ، قدر ما يسير الرَّاكب المُجِدُّ في ظلها مئة عام في كلَّ نواحيها، فيخرج إليها أهل الجنَّة: أهل الغرف وغيرهم فيَتَحدَّثون في ظلها، قال: فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا، فيرسل اللَّه ريحًا من

(1)

قوله "من روحه" لفظ ابن المبارك وعبدة كما سيأتي، وليست في النُّسَخ.

(2)

في "ب" ونسخةٍ على حاشية "أ""يجري"، وهي ليست في مصادر التخريج.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (44).

ورواهُ ابن المبارك وجرير وعبدة وغيرهم، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به نحوه.

أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (44)، وابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم- رقم (267)، وهنَّاد في الزهد رقم (114) وغيرهم.

والحديث مداره عن زياد مولى بني مخزوم قال ابن معين: "لا شيء" الجرح والتعديل (3/ 549).

- ورواهُ ابن إسحاق عن زياد مولى بني مخزوم عن كعب أنَّه قال: "غرسها اللَّهُ بيده. . . من وراء سور الجنَّة".

أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (91).

(4)

في "د": "زعمة" وهو خطأ.

ص: 349

الجنَّة فتحرِّك تلك الشجرة بكل لهوٍ كان في الدنيا"

(1)

.

وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنَّة شجرة إلَّا وساقها من ذهب"

(2)

.

قال: "هذا حديث حسن"

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (45).

ورواه الكديمي والحسن بن أبي الربيع كلاهما عن أبي عامر العقدي به مثله.

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير (4/ 310)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (404).

قال ابن كثير: "هذا أثرٌ غريب، وإسناده جيد قوي حسن".

قلتُ: فيه زمعة بن صالح: ضعيف، انظر: تهذيب الكمال (9/ 386 - 389).

وأيضًا رواية زمعة عن سلمة منكرة، ولهذا قال ابن حبان -في سلمة بن وهرام- "يعتبر بحديثه من غير رواية زمعة بن صالح عنه".

انظر: تهذيب الكمال (11/ 328 - 329).

(2)

أخرجه الترمذي برقم (2524)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (48)، وابن أبي داود في البعث رقم (65)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7410) وغيرهم.

من طريق زياد بن الحسن بن الفرات عن أبيه عن جدِّه عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره بمثله.

والحديث مداره على زياد بن الحسن هذا، قال فيه أبو حاتم الرَّازي:"منكر الحديث"، وقال فيه الدارقطني:"لا بأس به، ولا يحتج به".

انظر: تهذيب الكمال (9/ 453)، والجرح والتعديل (3/ 329 - 530).

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي تحفة الأشراف للمزي (10/ 87) وقال: "حسن =

ص: 350

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يقول اللَّهُ: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إنْ شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } [السجدة: 17]، وفي الجنَّة شجرة يسير الرَّاكبُ في ظلها مئة عامٍ لا يقطعها، واقرؤوا إنْ شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) } [الواقعة: 30]، وموضع سوط من الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إنْ شئتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] "

(1)

.

رواهُ بهذا اللفظ والسِّياق الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصَدْرُهُ

= غريب".

(1)

أخرجه الترمذي برقم (3292) مطوَّلًا، وبرقم (3013) مختصرًا، والنسائي في الكبرى (6/ 317 - 318) رقم (11085)، وابن ماجه برقم (4335)، وأحمد في المسند (2/ 438) مطوَّلًا، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7417)، والحاكم (2/ 327) رقم (3170) مختصرًا على جملة "موضع السوط"، والبغوي في شرح السنة (15/ 209 - 210) رقم (4372) مطوَّلًا، وغيرهم.

من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره مطوَّلًا، واختصره بعضهم.

قال الترمذي: "حسن صحيح".

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وقال البغوي: "حديث صحيح".

وأصل الجملتين الأولتين في الصحيحين وغيرهما، والجملة الثالثة عند أحمد (2/ 315).

ص: 351

في الصحيحين

(1)

.

وفي "صحيح البخاري"

(2)

من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة لشجرةً يسير الرَّاكب في ظلِّها مئة عام لا يقطعها، وإنْ شئتم فاقرؤوا:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) } [الواقعة: 30 - 31].

وقال ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث أنَّ درَّاجًا أبا السَّمْحِ حدَّثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسول اللَّهِ، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنَّة مسيرة مئة سنة، ثيابُ أهل الجنَّة تخرج من أكمامها"

(3)

.

(1)

البخاري رقم (3072)، ومسلم رقم (2724).

(2)

رقم (3079).

(3)

أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (67)، والطبري في تفسيره (13/ 149)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7413)، والآجري في الشريعة رقم (624) وغيرهم.

من طريق سليمان بن داود وابن سلم ويزيد بن خالد الرَّملي عن ابن وهب به نحوه.

- ورواهُ حرملة عن ابن وهب به كما ذكره المؤلف.

أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7230).

- ورواهُ ابن لهيعة عن درَّاج أبي السمح به نحوه.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 71) وغيره.

والحديث مداره على رواية أبي السمح درَّاج عن أبي الهيثم، وقد تقدم الكلام عليها في الباب (10).

ص: 352

وقد رواه عنه حرْمَلَة بزيادة

(1)

، فقال: أخبرني ابن وهب، أخبرني عمرو أنَّ درَّاجًا حدثه أنَّ أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال: يا رسول اللَّهِ، طوبَى لمن رآكَ وآمن بكَ؟ فقال: طُوبى لمن رآني وآمن بي، ثمَّ طوبى، ثمَّ طوبى، ثمَّ طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال رجلٌ: يا رسول اللَّهِ، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنَّة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنَّة تخرج من أكمامها".

قلتُ: وأوَّل هذا الحديث في "المسند" ولفظه: "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطُوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرَّاتٍ"

(2)

.

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ""بن زيادة" وهو خطأ.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 248 و 257 و 264)، والبخاري في تاريخه (2/ 27)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7233)، والطبراني في الكبير (7/ رقم 8009).

عن عفان ويزيد بن هارون وعبد الصمد وموسى بن داود وعبيد اللَّه بن موسى وموسى بن إسماعيل وسهيل بن بكَّار كلهم عن همام بن يحيى العوذي عن قتادة عن أيمن بن مالك الأشعري عن أبي أُمامة الباهلي فذكره.

- ورواهُ أبو عامر العقدي عن همام عن قتادة عن أيمن عن أبي هريرة فذكره مثله.

أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7232).

وهذا خطأ ووهم، وادَّعى ابن حبان أنَّ أيمن الأشعري سمعه من أبي أُمامة وأبي هريرة، وفيه نظر، فقد قال البخاري:"ولم يذكر قتادة سماعه من أيمن، ولا أيمن من أبي أُمامة".

- ورواهُ هدبة بن خالد عن همام وحماد بن الجعد عن قتادة عن أيمن عن أبي أمامة فذكره.

أخرجه أحمد (5/ 248) وغيره.

والحديث كما قال البخاري، وأيضًا أيمن مجهول، لم يرو عنه إلَّا قتادة.

ص: 353

وقال ابن المبارك: حدثنا سفيان عن حمَّاد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نخلُ الجنَّة جذوعها من زُمرد أخضر، وكربها ذهبٌ أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنَّة، منها مُقطَّعاتهم وحللهم

(1)

، وثمرها أمثال القِلالِ والدِّلاءِ، أشدُّ بياضًا من الَّلبن، وأحلى من العسلِ، وألينُ من الزُّبْد، ليس فيه عَجَمٌ"

(2)

.

(1)

في "أ، ج": "وحلاهم"، والمثبت من باقي النسخ، والزهد لابن المبارك.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (51).

ورواهُ عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وقبيصة والحسين بن حفص وغيرهم عن سفيان به نحوه.

أخرجه ابن الصاعد في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1488)، وهناد في الزهد رقم (99 و 102)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ رقم 33950)، والبيهقي في البعث رقم (311) وغيرهم.

- ورواه مسعر بن كدام عن حماد به بلفظ "نخل الجنَّة خشبها ذهبٌ أحمر، وكربها زمرد أخضر. . . ".

أخرجه أبو الشيخ في العظمة رقم (574)، والسرقسطي في الدلائل كما في حاشية النسخة "د"(104 ق).

- وخالفهما محمد بن جابر بن سيار "وهو يخطئ على حماد" فرواهُ عن حماد به فرفعه.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (406).

أخطأ فيه ابن سيار فإنَّ له مناكير عن حماد وهذا منها.

والصحيح موقوف، لكن مداره على حماد بن أبي سليمان، وفي حفظه مقال؛ لكنه هنا حفظه.

فقد توبع: تابعه أشعث بن أبي الشعثاء عن حماد به مثله موقوفًا وفيه زيادة. =

ص: 354

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنَّه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه يقول: جاء أعرابي إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض، وذكر الجنَّة، ثمَّ قال الأعرابي: فيها فاكهة، قال: نعم، وفيها شجرةٌ تُدْعَى طُوبى، فذكر شيئًا لا أدري ما هو؟ فقال: إنَّ

(1)

شجر أرضنا تشبهه، قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك

(2)

، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أتيت الشام؟ قال: لا، قال: تشبه شجرة بالشام تُدعى الجَوْزة، تنبتُ على ساق واحدٍ، وينفرشُ أعلاها، قال: ما عِظَمُ أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطتْ بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا، قال: فيها عنبٌ؟ قال: نعم، قال: فما عِظَمُ العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر، قال: فما عِظَمُ الحَبَّة؟ قال: هل ذبح أبوك تيسًا -من غنمه قطُّ- عظيمًا؟ قال:

= أخرجه السلمي في وصف الفردوس رقم (97).

وعليه فالأثر ثابتٌ، وقد جوَّده المنذري.

- وقد ثبت عن الحسن البصري أنَّه قال: "نخل الجنَّة جذوعها ذهب، وكرمها زمرد وياقوت، وسعفها حُلَل، يخرج الرطب أمثال القلال، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ رقم 34101) بسند صحيح عنه.

تنبيه: قال ناسخ "د" في الحاشية: "هذا الأثر رواهُ قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل على غير هذه الصورة -فذكره- ثمَّ قال: كرب الجنَّة: أصل منابت السعف، وذلك العريض. والعجم: النوى، واحدها: عجمة. . . ".

(1)

في "ب، هـ": "أي" استفهامية.

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ""أرضكم".

ص: 355

نعم، قال: فسلخ أهابه فأعطاهُ أمَّك، فقال: اتخذي لنا منه دلوًا؟ قال: نعم، قال الأعرابي: فإنَّ تلك الحبَّة لتشبعني وأهل بيتي، قال: نعم، وعامة عشيرتك"

(1)

.

وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن بُكَير عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه ابن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وذكر سدرة المنتهى فقال:"يسيرُ في ظلِّ الفَنَنِ منها الرَّاكبُ مئة سنة، أو قال: يستظلُ في الفَنَنِ منها مئة راكب، فيها فراش الذهب كأنَّ ثمرها القلالُ"

(2)

.

ورواهُ الترمذي وقال: "شك يحيى، وهو حديث حسن غريب".

وقال عبد اللَّه بن المبارك: أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 183 - 184)، وقد تقدم الكلام عليه في باب (32) و (44) ص (273 - 274، 343).

(2)

أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير وليس المطبوع، والترمذي برقم (2541)، وهناد في الزهد رقم (115)، والطبري في تفسيره (27/ 54 - 55)، والطبراني في الكبير (24/ 87 - 88) رقم (234)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (435)، والحاكم في المستدرك (2/ 510) رقم (3748).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم".

والحديث سنده حسن، وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع من يحيى، كما عند هنَّاد في الزهد.

ص: 356

مجاهد قال: "أرضُ

(1)

الجنَّة من ورق، وترابها مسك، وأصول أشجارها ذهبٌ ووَرق، وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت، والورق والثمر تحتَ ذلك، فمن أكَل قائمًا لم يؤذهِ، ومن أكل جالسًا لم يؤذه، ومن أكل مضطجعًا لم يؤذه، {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) } [الإنسان: 14]

(2)

.

وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: نزلنا الصَّفاح، فإذا رجلٌ نائم تحتَ شجرة قد كادتِ الشمسُ أنْ تبلغه، قال: فقلتُ للغلام: انطلق بهذا النِّطع فأظله، قال: فانطلق فأظلَّهُ، فلما استيقظَ إذا هو سلمان فأتيته أُسلِّمُ عليه

(3)

، فقال: يا جريرُ، تواضع للَّه، فإنَّهُ من تواضع للَّه في الدنيا رفعه اللَّهُ يوم القيامة، يا جرير، هل تدري ما الظلماتُ يوم القيامة؟ قلتُ: لا أدري، قال: ظلمُ النَّاسِ بينهم، ثمَّ أخذ عويدًا، لا أكادُ أراهُ بين أصبعيه، فقال: يا جرير، لو طلبت في الجنة مثل هذا لم تجده، قلتُ: يا أبا عبد اللَّهِ، فأينَ النخلُ والشجرُ؟ قال: أصولها اللؤلؤ والذهبُ وأعلاها الثمر"

(4)

.

(1)

في الزهد لابن المبارك "إنَّ أرض".

(2)

تقدم الكلام عليه في الباب (34) ص (286).

(3)

قوله: "أسلم عليه" ليس في "ب، د".

(4)

أخرجه أحمد في الزهد رقم (810) مختصرًا، وهناد في الزهد رقم (98)، والبيهقي في البعث رقم (316) وغيرهم.

- ورواهُ وكيع وابن نمير عن الأعمش به نحوه.

أخرجه وكيع في الزهد رقم (215)، والبيهقي في البعث رقم (317)، وأحمد في الزهد (810).

وسنده صحيح.

ص: 357

الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعدُد أنواعها وصفاتها وريحانها

قال اللَّهُ تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25].

وقولهم: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25]: أي شبيهه ونظيره لا عَيْنَهُ، وهل المراد أنَّ هذا الَّذي رُزقنا في الدنيا نظيره من الفواكه والثمارِ، أو هذا نظيرُ الَّذي رزقنا في الجنة قبلُ؟

قيل: فيه قولان: ففي "تفسير السُّدي" عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالح: عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود: وعن ناس من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم قالوا: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أنَّهم أُتُوا بالثمرة في الجنَّة، فلمَّا نظروا إليها قالوا: هذا الَّذي رزقنا من قبل

(1)

في الدنيا"

(2)

.

(1)

قوله: "من قبل" سقط من "ب".

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 385 - 386) رقم (512)(ط: دار المعارف).

وسنده ضعيف. وهي سلسلة فيها غرابة؛ لأنَّها من رواية أسباط بن نصر، ولعلَّه لهذا السبب، لم يخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره.

قال الخليلي: ". . . لكن التفسير الَّذي جمعه رواه أسباط بن نصر، وأسباط لم يتفقوا عليه، غير أنَّ أمثل التفاسير تفسير السدي. . " الإرشاد (1/ 398).

ص: 358

قال مجاهد: "ما أشبهه به"

(1)

.

وقال ابن زيد: " {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: في الدنيا، {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}: يعرفونه"

(2)

.

وقال آخرون: هذا الَّذي رُزِقْنَا من قبل من ثمار الجنَّة، من قبل هذا، لشدة مشابهة بعضه بعضًا في الَّلون والطَّعم

(3)

.

واحتجَّ أصحاب هذا القول بحُجَجٍ:

أحَدُها: أنَّ المشابهة التي

(4)

بين ثمار الجنَّة بعضها لبعض أعظمُ من المشابهة التي بينها وبين ثمار الدنيا، ولشدة المشابهة قالوا: هذا

(5)

هو.

الحجة الثانية: ما حكاه ابن جرير عنهم قال: "ومن عِلَّة قائلي هذا القول أنَّ ثمار الجنَّة كلمَّا نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله، كما حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن مَهْدِي، حدثنا سفيان سمعتُ عمرو بن مُرَّة يحدِّث عن أبي عُبَيْدة، وذكر ثمر الجنَّة، قال: "كُلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى"

(6)

.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 386) رقم (514 و 515).

وسنده حسن.

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 386) رقم (516). وسنده صحيح.

(3)

انظر: تفسير الطبري (1/ 386).

(4)

في "ب": "الَّذي".

(5)

من "أ".

(6)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 386) رقم (517).

وسيأتي الكلام عليه وأنَّه من قول مسروق في ص (388 - 389).

ص: 359

الحجَّة الثالثة: قوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25] وهذا كالتعليل والسبب

(1)

الموجب لقولهم: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25].

الحجة الرابعة: أنَّ من المعلوم أنَّه ليس كل ما في الجنَّة من الثمار قد رزقوه في الدنيا، وكثير من أهلها لا يعرفون ثمار

(2)

الدنيا ولا رأوها.

ورجحت طائفة منهم: ابن جرير وغيره القول الآخر، واحتجَّت بوجوه.

قال ابن جرير: "والَّذي يحقق صحة قول القائلين: إنَّ معنى ذلك {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25] في الدنيا، أنَّ اللَّهَ جلَّ ثناؤه قال:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا} [البقرة: 25] يقولون: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25] ولم يُخَصِّص أنَّ ذلك من قِيْلهم في بعضٍ دون بعض

(3)

، فإنْ كان قد أخبر جلَّ ذكره عنهم أنَّ ذلك من قيلهم كلما رزقوا ثمرة، فلا شكَّ أنَّ ذلك من قيلهم في أوَّل رزقٍ رُزِقُوْهُ من ثمارها أُتُوا به بعد دخولهم الجنَّة، واستقرارهم فيها، الَّذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة، فإذ

(4)

كان لا شك أنَّ ذلك من قيلهم

(1)

في "أ، جـ، هـ": "والمسبَّب".

(2)

في "ب": "أثمار".

(3)

قوله "دون بعض" سقط من "ج".

(4)

في "هـ": "فإذا".

ص: 360

في أوَّله، كما هو من قيلهم في أوسطه

(1)

، وما يتلوه؛ فمعلوم أنَّه محال أنْ يقولوا لأوَّل رزق رزقوه من ثمار الجنَّة: هذا الَّذي رزقنا من قبل هذا من ثمار الجنَّة، وكيف يجوز أنْ يقولوا لأوَّل رزق رزقوه

(2)

من ثمارها ولمَّا يتقدمه عندهم غيره منها: هذا

(3)

الَّذي رزقناه قبل

(4)

، إلَّا أنْ ينسبهم ذو غَيَّةٍ وضلالٍ إلى قيل الكذب، الَّذي قد طهَّرهم اللَّهُ منه، أو يدفعَ دافعٌ أنْ يكون ذلك من قِيْلهم لأوَّل رزقٍ يرزقونه من ثمارها، فيدفع صحة ما أوجب اللَّهُ صحته من غير نصب دلالةٍ على أنَّ ذلك في حال من أحوالهم دون حال، فقد تبين أنَّ معنى الآية: كلما رزقوا

(5)

من ثمرة من ثمار الجنَّة في الجنَّة رزقًا، قالوا: هذا الَّذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا"

(6)

.

قلتُ: أصحاب القول الأول يخصُّون هذا العام بما عدا الرزق الأوَّل، لدلالة العقل والسياق عليه، وليس هذا ببدع من طريقة القرآن، وأنت مضطر إلى تخصيصه ولا بد بأنواع من التخصيصات:

أحدها: أنَّ كثيرًا من ثمار الجنَّة وهي التي لا نظير لها في الدنيا، لا

(1)

من "ب": والطبري، وفي باقي النسخ "وسطه".

(2)

سقط من "ب، ج".

(3)

في "ج، د، هـ": "هذا هو".

(4)

في الطبري "من قبل".

(5)

في "ب": "رزقوا منها من ثمرة. . . "، وفي الطبري "كلما رزق الَّذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار. . . ".

(6)

انظر: تفسير الطبري (1/ 386 - 388).

ص: 361

يُقال فيها ذلك.

الثاني: أنَّ كثيرًا من أهلها لم يُرْزَقُوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنَّة.

الثالث: أنَّهُ من المعلوم أنَّهم لا يستمرون على هذا القول أَبَدَ الآباد، كلَّما أكلوا ثمرةً واحدة قالوا: هذا الَّذي رزقناه في الدنيا، ويستمرون على هذا الكلام دائمًا إلى غير نهاية، والقرآن العزيز لم يقصد إلى هذا المعنى، ولا هو ممَّا يُعْتنى به من نعيمهم ولذتهم، وإنَّما هو كلام مبين خارجٌ على

(1)

المعتاد المفهوم من المخاطب.

ومعناه: إنَّه يشبه

(2)

بعضه بعضًا، ليس أوَّله خَيْرًا من آخره، ولا هو ممَّا يَعْرض له ما يَعْرض لثمر الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها من نقصان حملها، وصغر ثمرها وغير ذلك، بل أوَّله مثلُ آخره، وآخره مثل أوَّله، وهو خيار كله يشبه بعضه بعضًا، فهذا وجه قولهم. ولا يلزم مخالفه ما نصَّه اللَّهُ سبحانه وتعالى، ولا نِسْبَة أهل الجنَّة إلى الكذب بوجهٍ، والَّذي يلزمهم من التَّخصيص يلزمك نظيره وأكثر منه، واللَّهُ أعلم.

وأمَّا قوله عز وجل: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25].

(1)

وقع في "أ، ب""عن".

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "أنَّ شَبَهَ".

ص: 362

فقال الحسن: "خيارٌ كله لا رَذْل فيه، ألم

(1)

تروا إلى ثمر الدنيا كيف يسترذلون بعضه، وأنَّ ذلك ليس فيه رذل"

(2)

.

وقال قتادة: "خيارٌ لا رَذْلَ فيه، وإنَّ ثمار الدنيا ينفى

(3)

منها، ويرذل منها"

(4)

".

وكذلك قال ابن جريج وجماعة

(5)

.

وعلى هذا، فالمراد بالمُتَشَابه المُتَوافِق والمُتَماثِل.

وقالت طائفة أخرى: منهم ابن مسعود، وابن عباس، وناس من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"متشابهًا في الَّلون والمرأى، وليس يُشْبِهُ الطعمُ الطعمَ"

(6)

.

قال مجاهد: "متشابهًا لونه مختلفًا طعمه"

(7)

، وكذلك قال الربيع ابن أنس

(8)

، وقال يحيى بن أبي كثير: "عشب الجنَّة الزعفران،

(1)

في "ب": "ألا".

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 389) رقم (520)، وسنده صحيح.

(3)

عند الطبري: "ينقى".

(4)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 389 - 390) رقم (522) وسنده صحيح.

(5)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 390) رقم (523) عن ابن جريج.

وسنده صحيح.

(6)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 390) رقم (524) وسنده ضعيف.

قال ابن كثير: "هذا الإسناد يروى به السُّدِّي أشياء فيها غرابة".

انظر: الإتقان للسيوطي (2/ 534).

(7)

أخرجه الطبري (1/ 390) رقم (525، 528) وغيره، وهو صحيح عنه.

(8)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ص (9) البقرة، والطبري في تفسيره =

ص: 363

وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة، فيأكلونها، ثمَّ يأتونهم بمثلها فيقولون: هذا الَّذي جئتمونا به آنفًا، فيقول لهم الخدم

(1)

: كلوا فإنَّ اللون واحد، والطعم

(2)

مختلف، فهو قوله عز وجل:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25] "

(3)

.

وقال طائفة: معنى الآية: أنَّه يشبه ثمر الدنيا، غيرَ أنَّ ثمر الجنَّة أفضل وأطيب. قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا: التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان

(4)

، قالوا في الجنَّة: هذا الَّذي رزقنا من قبل، وأُتوا به متشابهًا: يعرفونه، وليس هو مثله في الطعم"

(5)

.

واختار ابن جرير هذا القول، قال: "وقد دلَّلنا على فساد قول من قال: إنَّ معنى الآية: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25] أي: في

= (1/ 39) رقم (527).

وسنده حسن.

(1)

عند ابن أبي حاتم "الولدان".

(2)

في "ج": "والمطعم".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (262)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (353). وسنده صحيح. وأخرجه الطبري (1/ 387) رقم (518) بغير هذا اللفظ، وفيه ضعف.

(4)

في "ب": "التفاح والرمان" بدلًا من "التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان".

(5)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 392) رقم (536)، وسنده صحيح.

ص: 364

الجنَّة، وتلك الدلالة على فساد ذلك القول

(1)

، هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله:{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25] لأنَّ

(2)

اللَّهَ سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى الَّذي من أجله قال القوم {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} بقوله

(3)

{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} .

قلتُ: وهذا لا يدل على فساد قولهم لما تقدم.

وقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) } [ص: 50 - 51]، وقال تعالى:{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) } [الدخان: 55].

وهذا يدلُّ على أمنهم

(4)

من انقطاعها ومضرتها.

وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) } [الزخرف: 72 - 73]. وقال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) } [الواقعة: 32 - 33].

أي لا تكون في وقتٍ دون وقتٍ، ولا تُمْنَع مِمَّن أرادها.

وقال تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) } [الحاقة: 21 - 23].

(1)

في "د": "وتلك الدلالة فساد، وذلك القول".

(2)

في جميع النسخ "أن"، والمثبت من الطبري.

(3)

قوله "بقوله" من تفسير الطبري (1/ 392 - 393).

(4)

في "ب": "أنهم" وهو خطأ.

ص: 365

والقطوف: جمع قِطْف، وهو ما يُقْطف. والقَطْف -بالفتح- الفِعْل، أي ثمارها دانية: قريبة ممَّن يتناولها، فيأخذها كيف يشاء، قال البراء بن عازب:"يتناول الثمرة وهو نائم"

(1)

.

وقال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا هَمَّ أنْ يتناول من ثمارها تدلَّتْ

(2)

إليه حتَّى يتناول ما يريد"

(3)

.

وقال غيره: "قُرِّبت إليهم مُذلَّلة كيف شاؤوا، فهم يتناولوها قيامًا وقعودًا ومضطجعين"

(4)

، فيكون كقوله:{قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23]

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (29/ 61)، وابن صاعد في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1454)، والواحدي في الوسيط (4/ 346 - 347) وغيرهم.

من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء فذكره.

وله طرق عن أبي إسحاق ستأتي.

- ورواهُ أبو الضُّحى عن البراء، فذكره، وزاد "وهم جلوس، وعلى أي حال شاؤوا".

أخرجه هناد في الزهد برقم (101) وسنده حسن.

(2)

في "ب": "تذلَّلت"، وفي "د""تدلَّلت".

(3)

ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 403)، وابن الجوزي في زاد المسير (8/ 436).

وأخرج الطبري (27/ 150) عن ابن عباس قال في قوله {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)} [الرحمن: 54]، قال: ثمارها دانية. وسنده حسن.

(4)

انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 360)، وزاد المسير لابن الجوزي (8/ 436).

ص: 366

ومعنى تذليل القطف: تسهيل تناوله. وأهل المدينة يقولون: ذَلِّلِ النخل، أي سَوِّى عذوقه وأخرجها من السَّعف، حتَّى يسهل تناولها.

وفي نصب {دَانِيَةٌ (23) } وجهان

(1)

:

أحدهما: أنَّه على الحال عطفًا على قوله {مُتَّكِئِينَ} .

والثاني: أنَّه صفة لـ {جَنَّةٍ} .

وقال تعالى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) } [الرحمن: 52]، وفي الجنتين الأخريين:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) } [الرحمن: 68].

وخصَّ النخل والرُّمَّان من بين الفاكهة بالذِّكْرِ لفضلهما وشرفهما، كما نصَّ على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ، إذ هما من أفضل أنواع الفواكه، وأطيبها وأحلاها.

وقال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 15].

وقال الطبراني: حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عبَّاد

(2)

بن منصور، عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماءَ عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجلَ إذا نزعَ ثمرةً من الجنَّة عادتْ مكانها أخرى"

(3)

.

(1)

انظر: تفسير الطبري (29/ 214).

(2)

في "ج": "عبادة" وهو خطأ.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 102) رقم (1449)، والبزار في مسنده (10/ 123) رقم (4187)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (345).

كلهم من طريق ريحان بن سعيد عن عبَّاد بن منصور به مثله. =

ص: 367

وقال عبد اللَّه بن الإمام أحمد: حدثني عُقبة بن مُكرم العمي، حدثنا رِبْعِي بن إبراهيم بن عُليَّة حدثنا عوف، عن قسامة بن زُهَير عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اهبط اللَّهُ آدم من الجنَّة، وعلَّمه صنعةَ كل شيءٍ، وزوَّده من ثمار الجنَّة، فثماركم هذه من ثمار الجنَّة، غير أنَّها تغيَّر، وتلك لا تغيَّر"

(1)

.

وقد تقدَّم: أنَّ سدرة المنتهى نبقها مثل القلال

(2)

.

وفي "صحيح مسلم"

(3)

من حديث أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت عليَّ الجنَّة حتى لو تناولت منها قطفًا

= وهو حديث منكر بهذا الإسناد، لتفرد عباد بن منصور به عن أيوب، وفيه ضعف، وكان قد تغيَّر. انظر: تهذيب الكمال (14/ 56 - 161).

- ورواهُ إسحاق بن إدريس "كذَّاب يضع الحديث" عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة به بنحوه.

أخرجه البزار في مسنده (10/ 123) رقم (4188)، والحاكم في المستدرك (4/ 496) رقم (8390) مطوَّلًا جدًّا.

وقال الحاكم: "هذا الحديث عن ثوبان لا نعلمه يروى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ متصل عنه بأحسن من هذا الإسناد، ولا نعلم روى حديث أيوب إلَّا عبَّاد بن منصور، ولا رواهُ عن عباد إلَّا ريحان، ولا نعلمُ روى حديث يحيى ابن أبي كثير إلَّا إسحاق بن إدريس عن أبان".

قال البرديجي: "فأمَّا حديث ريحان عن عباد عن أيوب عن أبي قلابة فهي مناكير".

(1)

تقدم الكلام عليه في ص (64). والصواب فيه موقوف.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3035) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

رقم (904).

ص: 368

أخذته".

وفي لفظ: "فتناولت منها قطفًا فقصرت عنه يدي"

(1)

.

وقال أبو خيثمة: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثنا عبيد اللَّه، حدثنا ابن عقيل، عن جابر رضي الله عنه قال: بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتقدمنا، ثم تناول شيئًا ليأخذه ثم تأخر، فلمَّا قضى الصلاة قال له أُبي بن كعب: يا رسول اللَّه، صنعت اليوم في الصلاة شيئًا، ما كنت تصنعه؟ قال:"إنه عرضت عليَّ الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفًا من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه"

(2)

.

(1)

انظر: المصدر السَّابق، وهو من شك أحد الرواة.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 352) و (5/ 137)، وعبد بن حميد برقم (1036).

من طريق زكريا بن عدي والحسين المروزي وأحمد بن عبد الملك كلهم عن عبيد اللَّه بن عمرو عن ابن عقيل عن جابر فذكره.

- ورواهُ أحمد بن عبد الملك والعلاء الرقي عن عبيد اللَّه بن عمرو عن ابن عقيل عن الطفيل عن أبيه أُبي بن كعب فذكره.

أخرجه أحمد في المسند (5/ 138)، والحاكم في المستدرك (4/ 647) رقم (8788) مطوَّلًا.

والحديث تفرَّد به ابن عقيل بهذا اللفظ، والسِّياق فيه غرابة، وابن عقيل في حفظه ضعف.

- فقد رواهُ أبو الزبير -كما تقدَّم- وعطاء عن جابر ولم يذكر ما ذكره ابن عقيل.

أخرجه مسلم برقم (904)، وأحمد (3/ 317 و 335) وغيرهما.

ص: 369

وقال ابن المبارك: أنبأنا سفيان، عن حماد، عن

(1)

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "ثمرُ الجنَّة أمثال القلال والدلاء، أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وألينُ من الزُّبْدِ، ليس فيه عَجَم"

(2)

.

وقال سعيد بن منصور: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "إنَّ أهل الجنَّة يأكلون من ثمار الجنَّة قيامًا وقعودًا، ومضطجعين على أيِّ حالٍ شاؤوا"

(3)

.

وقال البزار في "مسنده": حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال: حدثني كريب أنَّه سمع أُسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألَا مُشمرٌ للجنَّة، فإنَّ الجنَّة لا خطر لها، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتزُّ، وقصرٌ مشيدٌ، ونهرٌ مطردٌ، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناءُ جميلة، وحلَلٌ كثيرة في مقام أبدٍ، في دارٍ سليمة، وفاكهة وخضرةٍ، وحِبَرةٍ ونعمةٍ في محلَّةٍ عاليةٍ بهيَّة، قالوا: نعم

(1)

في "ب""بن" وهو خطأ.

(2)

تقدم في الباب (44) ص (354)، بلفظ "نخل الجنة. . . ".

(3)

أخرجه البيهقي رقم (313)، وابن المبارك في الزهد -رواية نُعَيم- رقم (67) وغيرهما.

وقد توبع شريك القاضي: تابعه شعبة وإسرائيل والثوري وزكريا.

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ رقم 34074)، وهناد في الزهد رقم (100)، والطبري في تفسيره (29/ 61) وغيرهم.

انظر: فتح الباري (6/ 321).

ص: 370

يا رسول اللَّه، نحن المشمرون لها: قال: قولوا: إنْ شاء اللَّهُ، قال: القوم: إنْ شاء اللَّه"

(1)

.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمُ من رواهُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلَّا أسامة، ولا نعلم له طريقًا عن أسامة إلَّا هذا الطريق، ولا نعلم رواهُ عن الضحاك المعافري إلَّا هذا الرجل محمد بن مهاجر".

وفي حديث لَقِيْط بن صَبِرَة

(2)

الَّذي رواه عبد اللَّه بن أحمد في "مسند أبيه" وغيره: قلتُ: يا رسول اللَّهِ على ما نطَّلع من

(3)

الجنَّة؟ قال: على أنهار من عسلٍ مصفَّى، وأنهار من كأس ما بها صُدَاع، ولا نَدامة، وأنهار من لبنٍ لم يتغير طعمه، وماءٍ

(4)

غير آسن، وبفاكهة، لعَمْر إلهك ممَّا تعلمون، وخير من

(5)

مثله معه"

(6)

.

وأمَّا الرَّيْحَانة: فهو كل نبت طيِّب الرَّائحة.

قال الحسن وأبو العالية: "هو ريحاننا هذا، يؤتى بِغُصْنٍ من

(7)

ريحان الجنَّة فنشمُّه"

(8)

.

(1)

تقدم تخريجه في ص (291).

(2)

في "ب": "عامر" وهو خطأ.

(3)

وقع في "هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ""في".

(4)

وقع في "ب، د": "وأنَّهار من ماء".

(5)

سقط من "ب".

(6)

تقدم الكلام عليه في ص (126 - 127).

(7)

سقط من "ج".

(8)

أخرجه الطبري في تفسيره (27/ 212) وسنده إلى الحسن: صحيح.

وسنده إلى أبي العالية: ضعيف.

ص: 371

الباب السادس والأربعون في زرع الجنَّة

قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ

(1)

الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف: 71].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث -وعنده رجلٌ من أهل البادية-: "أنَّ رجلًا من أهل الجنَّة استأذنَ ربَّهُ عز وجل في الزرع فقال له: أولستَ فيما اشتهيت؟ فقال: بلى، ولكن

(2)

أحبُّ أنْ أزرع، فأسرع وبذرَ فبادر الطَّرْف نباته واستواؤُهُ واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول اللَّهُ عز وجل: دونك يا ابنَ آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ، فقال الأعرابي: يا رسول اللَّه لا نجدُ هذا إلَّا قُرَشيًّا أو أنصاريًّا، فإنَّهم أصحاب زرعٍ، فأمَّا نحنُ فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"

(3)

.

رواهُ البخاري في كتاب التوحيد في باب كلام الربِّ تعالى مع أهل الجنَّة، وخرَّجه في غيره أيضًا

(4)

.

(1)

هي قراءة ابن كثير وغيره، راجع (ص/ 11).

(2)

في "ب، ج، د، هـ": "ولكنِّي".

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه في (100) التوحيد، (38) باب: كلام الرب تعالى مع أهل الجنَّة (6/ 2733) رقم (7081).

(4)

في (46) الحرث والمزارعة (16)، باب: كِراء الأرضِ بالذهب والفضة (2/ 826) رقم (2221).

ص: 372

وهذا يدلُّ على أنَّ في الجنَّة زرعًا، وذلك البَذْرُ منه، وهذا أحسنُ أنْ تكون الأرض معمورةً بالشَّجر والزرع.

فإنْ قيل: فكيف استأذن هذا الرجل ربَّه في الزرع، فأخبره أنَّه

(1)

في غنْيةٍ عنه؟

قيل: لعلَّه استأذن في زرع يباشره ويبذره بيده، وقد كان في غُنيةٍ عن ذلك وقد كُفِي مؤونته، ولا أعلم ذكر الزرع في الجنَّة إلَّا في هذا الحديث، واللَّهُ أعلم.

وروى إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة قال: بينما رجل في الجنَّة، فقال في نفسه: لو أنَّ اللَّهَ يأذن لي لزرعتُ، فلا يعلمُ إلَّا والملائكة على أبوابه فيقولون: سلامٌ عليك، يقول لك ربُّك: تَمَنَّيْتَ في نفسك شيئًا فقد علمته، وقد بُعِثَ معنا البذرُ، فيقول: ابذروا فيخرج أمثال

(2)

الجبال، فيقول له الربُّ من فوق عرشه: كلْ يا ابنَ آدمَ فإنَّ ابن آدم لا يشبع"

(3)

. واللَّهُ أعلم.

(1)

سقط من "ج".

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "مثل".

(3)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 334) مطوَّلًا، وموفق الدَّين بن قدامة المقدسي في إثبات صفة العلو رقم (69) مطوَّلًا.

وفيه: إبراهيم بن الحكم العدني وهو في الأصل لم يكن به بأس، ثمَّ زاد في الأحاديث المرسلة ووصلها حتى اتفقوا على ضعفه.

انظر: تهذيب الكمال (2/ 74 - 76).

قال الذهبي في العلو (1/ 895): "إسناده ليس بذاك".

ص: 373

الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنَّة وعيونها وأصنافها ومجراها الَّذي تجري عليه

وقد تكرَّر في القرآن في عدَّة مواضع قوله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25]، وفي موضع:{جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا} [التوبة: 100]، وفي موضع:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [يونس: 9].

وهذا يدلُّ على أمور:

أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقة.

الثاني: أنَّها جارية لا واقفة.

الثالث: أنَّها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم، كما هو المعهود في أنهار الدنيا.

وقد ظنَّ بعض المفسرين أنَّ معنى ذلك جريانها بأمرهم، وتصريفهم لها كيف شاؤوا، وكأنَّ الَّذي حملهم على ذلك أنَّه لمَّا سمعوا أنَّ أنهارها تجري في غير أخدودٍ، فهي جارية على وجه الأرض حملوا قوله:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} على أنَّها تجري بأمرهم، إذْ لا يكون فوق المكان تحته.

وهؤلاء أُتُوا من ضعف الفَهم، فإنَّ أنهار الجنَّة وإنْ جَرَتْ في غير أخدود؛ فهي تحت القصور والمنازل والغرف، وتحت الأشجار، وهو سبحانه وتعالى لم يقل: من تحتِ أرضها، وقد أخبر سبحانه عن

ص: 374

جريان الأنهار تحت النَّاس في الدنيا، فقال:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} [الأنعام: 6]، فهذا على المعهود المتعارف، وكذلك ما حكاهُ من قولِ فرعون:{وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51].

وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) } [الرحمن: 66].

قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن يمان عن أشعث عن جعفر عن

(1)

سعيد قال: "نضَّاختان بالماءِ والفواكه"

(2)

.

وحدثنا ابن يَمَان عن أبي إسحاق عن أبان عن أنس رضي الله عنه قال: "نضَّاختان: بالمسكِ والعنبر، تنضخان على دُوْرِ أهل الجنَّة، كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا"

(3)

.

(1)

في "ب": "ابن" وهو خطأ.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 65) رقم (34044) وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (71)، والطبري في تفسيره (27/ 156).

وخولف أشعث:

فرواهُ يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد قال: "نضَّاختان بألوان الفاكهة".

أخرجه الطبري (27/ 156)، وابن صاعد في زياداته على الزهد لابن المبارك رقم (1535)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 287).

وهذا اللفظ أصح، ولعلَّ يحيى بن اليمان لم يضبطه.

وعليه فالأثر سنده حسن.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (72)، وابن أبي حاتم في تفسيره، =

ص: 375

وحدثنا عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: "اللتان تجريان أفضل من النَّضَّاختين"

(1)

.

وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 15].

فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كلِّ واحدٍ منها الآفة التي تعرض له في الدنيا، فآفة الماء أنْ يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وأنْ يصير قارصًا، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذَّة شربها، وآفة العسلِ عدم تصفيته.

وهذا من آيات الرب تعالى أنْ يُجري أنهارًا من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها، ويُجْرِيْها في غير أخدود، وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللَّذة بها، كما نفى عن خمر الجنَّة جميع آفات خمر الدنيا، من الصداع والغَوْلِ والَّلغوِ والإنزافِ وعدم الَّلذة.

= كما في الدر المنثور (6/ 209). وسنده ضعيف جدًّا، فيه أبان بن أبي عياش البصري: متروك الحديث. التقريب رقم (142).

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (73)، وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما كما في الدر المنثور (6/ 209).

وسنده صحيح.

وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (6/ 209) بلفظ: "ما النضاختان بأفضل من الَّلتين تجريان".

ص: 376

فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا: تغتال العقل، وتكثر الَّلغو على شربها؛ بل لا يطيب لشرابها ذلك إلَّا بالَّلغو، وتنزف في نفسها، وتنزف المال، وتصدِّع الرَّأس، وهي كريهة المذاق. وهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاءِ بين النَّاسِ، وتصُد عن ذكر اللَّهِ وعن الصلاة، وتدعو إلى الزِّنا، وربما دعتْ إلى الوقوع على البنت والأُخت وذوات المحارم، وتُذْهِب الغَيْرة، وتورث الخِزْي والنَّدامة والفضيحة، وتُلْحِق شاربها بأنقص نوع الإنسان: وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماءِ والسماتِ، وتكسوهُ أقبح الأسماء والصفاتِ، وتسهِّل قتل النَّفس، وإفشاء السرِّ الَّذي في إفشائه مضرَّته أو هلاكه، ومؤاخاة الشياطين في تبذير المالِ، الَّذي جعله اللَّهُ قيامًا له، ولمن

(1)

تلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدلُّ على العورات، وتهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومُدْمِنها كعابدِ وثنٍ، وكم أهاجت من حرْبٍ، وأفقرتْ من غنيٍّ، وأذلَّتْ من عزيز، ووضعتْ من شريفِ، وسلبتْ من نعمة، وجلبتْ من نقمة، ونسختْ مودَّة، ونسجتْ عداوة، وكم فرَّقتْ بين رجلٍ وحِبِّهِ فذهبت بقلبه، وراحت بلُبِّهِ، وكم أورثتْ من حسرةٍ وأجرتْ من عَبْرة، وكم أغلقتْ في وجه شَاربها بابًا من الخير، وفتحت له بابًا من الشرِّ، وكم أوقعت في بليَّه، وعجَّلت من منية، وكم أورثت من خزية، وجرَّت على صاحبها

(2)

من محنة، وجرأت عليه من سَفَلةٍ، فهي جماع

(1)

في "ب، ج، د": "ولم".

(2)

في "ب، ج، د، هـ" ونسخة على حاشية "أ": "شاربها".

ص: 377

الإثم، ومفتاح الشرِّ، وسلَّابة النِّعم، وجالبة النقم، ولو لم يكن من قبائحها

(1)

إلَّا أنَّها لا تجتمع هي وخمرة الجنَّة في جوف عبدٍ، كما ثبت عنه

(2)

صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"

(3)

.

وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وكلها منتفية عن خمر الجنَّة.

فإنْ قيل: فقد وصفَ سبحانه الأنهارَ بأنَّها جارية، ومعلوم أنَّ الماء الجاري لا يأسن، فما فائدة قوله:{غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15]؟

قيل: الماء الجاري وإنْ كان لا يأسَن، فإنَّه إذا أُخِذَ منه شيء وطال مكثه أسن، وماء الجنَّة لا يَعْرض له ذلك، ولو طال مكثه ما طال.

وتأمَّل اجتماع هذه الأنهار الأربعة، التي هي أفضل أشربة النَّاس، فهذا لريِّهم وطهورهم، وهذا لقوَّتهم وغذائهم، وهذا للذَّتهم وسرورهم، وهذا لشفائهم ومنفعتهم.

(1)

في "أ، ب، ج، د، هـ": "فضائلها" وهو خطأ، والمثبت قاله ناسخ "هـ"، ووقع في المطبوع "رذائلها".

(2)

في "هـ"، ونسخة على حاشية "أ""عنه ذلك".

(3)

أخرجه البخاري برقم (5253)، ومسلم رقم (2003) من حديث ابن عمر، واللفظ لمسلم مختصرًا وعند البخاري "حرمها" بدل "لم يشربها".

تنبيه: وقع في المطبوعة بعد الحديث زيادة: "لكفى".

ص: 378