المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاسم الأول: الجنة: - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌الاسم الأول: الجنة:

الباب الحادي والعشرون في أسماء الجنَّة ومعانيها واشتقاقها

ولها عِدَّةُ أسماءٍ باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذَّات، فهي مترادفة من هذا الوجه، وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه، وهكذا أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه، وأسماء رسوله، وأسماء اليوم الآخر، وأسماء النَّار.

‌الاسم الأوَّل: الجنَّة:

وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار، وما اشتملت عليه من أنواع النَّعيم والَّلذة والبهجة والسرور وقرَّة الأعين.

وأصل اشتقاق هذه اللفظة من السِّتر والتغطية. ومنه الجنين: لاستتاره في البطن، والجان: لاستتاره عن العيون، والمِجَن: لستره، ووقايته الوجه، والمجنون: لاستتار عقله وتواريه عنه، والجانّ: وهي الحية الصغيرة الدقيقة، ومنه قول الشاعر:

فَدَقَّتْ وَجَلَّتْ واسْبَكرَّتْ

(1)

وأكملت

فلوجُنَّ إنسانٌ من الحُسن

(2)

جُنَّت

(3)

أي لو غُطِّي وسُتِرَ عن العيون لفُعِلَ بها ذلك، ومنه سمِّي البستان جَنَّة؛ لأنَّه يستر داخله بالأشجار ويغطِّيه، فلا يستحق هذا الاسم إلَّا

(1)

في "ج": "واستكبرت"، وفي "هـ":"واستكرت".

(2)

في "ب": "البَيْن"، وفي "أ، هـ": "الجِنِّ".

(3)

البيت للشاعر الجاهلي الشَّنْفَرَى الأزدي، كما في المفضليات ص (109).

ص: 191

موضع كثير الشَّجَر مختلف الأنواع، والجُنَّة -بالضَّمِّ- ما يُسْتَجَنُّ به من تُرْسٍ أو غيره.

ومنه قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16] أي: يَتَترَّسُونَ

(1)

بها من إنكار المؤمنين عليهم.

ومنه الجِنَّة

(2)

: -بالكسر- وهو الجِنُّ، كما قال تعالى:{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) } [الناس: 6]، وذهبت طائفة من المفسرين إلى أنَّ الملائكة يسمون جِنَّة، واحتجوا بقوله تعالى:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] قالوا: وهذا النسب قولهم: الملائكة بناتُ اللَّهِ، ورجحوا هذا القول بوجهين:

أحدهما: أنَّ النَّسب الَّذي جعلوه إنَّما زعموا أنَّه بين الملائكة وبينه، لا بين الجِنّ وبينه.

الثاني: قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) } [الصافات: 158]. أي: قد علمت الملائكة أنَّ الَّذين قالوا هذا القول محضرون العذاب

(3)

.

والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء، وأنَّ الجِنَّة هم الجن أنفسهم كما قال تعالى:{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) } [الناس: 6].

(1)

في "هـ": "يستترون".

(2)

في "ج": "وصفة الجنَّة".

(3)

في "هـ، د": "للعذاب".

ص: 192

وعلى هذا ففي الآية قولان:

أحدهما: قول مجاهد، قال:"قالت كفار قريش: الملائكة بناتُ اللَّهِ، فقال لهم أبو بكر: فمن أمهاتهم؟ فقالوا: سَرَوات الجن"

(1)

.

وقال الكلبي: "قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة"

(2)

.

وقال قتادة: "قالوا: صاهر الجِن"

(3)

.

والقول الثاني: قول الحسن قال: "أشركوا الشياطين في عبادة اللَّهِ، فهو النسب الَّذي جعلوه"

(4)

.

والصحيح قول مجاهد وغيره، وما احتج به أصحاب القول الأوَّل ليس بمستلزم لصحة قولهم؛ فإنَّهم لمَّا قالوا الملائكة بناتُ اللَّهِ، وهم من الجِنِّ عقدوا بينه وبين الجنِّ نسبًا بهذا الإيْلاد، أو جَعَلُوا

(5)

هذا النَّسَبَ متولِّدًا بينه وبين الجِنَّة. وأمَّا قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} فالضمير يرجعَ إلى الجِنَّة، أي: قد علمت الجِنَّة أنَّهم

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 108) وعنده (بنات سروات الجن).

وسنده حسن إلى مجاهد، وفيه انقطاع بينه وبين أبي بكر الصديق.

"وسروات الجِنِّ": أي: أشرافهم. النهاية: (2/ 363).

(2)

ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط (3/ 534).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 128) رقم (2560). وسنده صحيح.

(4)

ذكره الماوردي في تفسيره النكت والعيون (5/ 70).

(5)

في "ب": "وجعلوا".

ص: 193