المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه وهو: أنَّ الجنَّة إنما - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌ ‌فصل وها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه وهو: أنَّ الجنَّة إنما

‌فصل

وها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه وهو: أنَّ الجنَّة إنما تُدْخَلُ برحمة اللَّه، وليس عمل العبد مستقلًّا بدخولها وإن كان سببًا، ولهذا أثبت اللَّه تعالى دخولها بالأعمال في قوله:{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} [العنكبوت: 8]، ونفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخلوها بالأعمال في قوله:"لنْ يدخل أحدٌ منكم الجنَّة بعملهِ"

(1)

.

ولا تنافي بين الأمرين لوجهين:

أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال: "كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو اللَّه، ودخول الجنَّة برحمتهِ، واقتسام المنازل والدرجاتِ بالأعمال"

(2)

.

ويدل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه الَّذي سيأتي إنْ

(1)

أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (4/ 239)، والطبراني في "الكبير":(7/ 239 و 370) وأبو نعيم في "المعرفة" رقم (3734) وغيرهم.

من طريق زياد بن علاقة عن شريك بن طارق فذكره.

والحديث إلى زياد بن علاقة ثابت، لكن شريك مختلفٌ في صحبته.

انظر: "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة": (1/ 284 - 285)، و"الإصابة":(3/ 206 - 207).

وأصح منه ما جاء عند مسلم رقم (2816) من حديث أبي هريرة وفيه ". . . واعلموا أنه لن ينجوَ أحدٌ منكم بعمله. . . ".

(2)

لم أقف عليه، وذكر ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين":(3/ 110): ". . . أنَّهُ قد روي في بعض الأحاديث أنَّ نفسَ دخول الجنَّة بالرحمة، واقتسام الدرجات بالأعمال. . ".

ص: 176

شاء اللَّهُ

(1)

، "أنَّ أهل الجنَّة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم"

(2)

، رواه الترمذي.

والثاني: أنَّ الباء التي نَفَتِ الدخول هي باء المعاوضة التي يكون

(1)

في الباب (60) ص (571 - 573).

(2)

أخرجه الترمذي برقم (2549)، وابن ماجه برقم (4336)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير":(3/ 41)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (585)، وابن حبان في صحيحه (16/ 7438) وغيرهم.

من طريق هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره مطولًا.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه".

قلت: وسبب ضعفه تفرَّد عبد الحميد بن أبي العشرين -وهو صدوقٌ يخطئ- عن الأوزاعي بهذا الإسناد، والمحفوظُ عن الأوزاعي ما رواه أبو المغيرة عبد القدوس، والوليد بن مزيد، والهقل بن زياد عن الأوزاعي قال: أنبئتُ أنَّ سعيد بن المسيب به فذكره.

أخرجه الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود ص (294)، وابن عساكر في تاريخه (34/ 52 - 53)، وابن حبيب في "وصف الفردوس" رقم (171)، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" رقم (256)، وسيأتي في الباب رقم (60).

وهذا هو الصحيح.

وهناك اختلافاتٌ أخرى في هذا الحديث. راجع: تاريخ دمشق لابن عساكر (34/ 51 - 55).

وعلل الدارقطني (7/ 275 - 276)، وفوائد تمام (الروض البسام (5/ 236 - 241) والضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 42).

وعليه فالحديث ضعيف الإسناد لجهل الواسطة بين الأوزاعي وسعيد بن المسيب.

ص: 177

فيها أحد العِوَضين مقابلًا للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السَّببية التي تقتضي سَبَبِيَّة ما دخلت عليه لغيره، وإنْ لم يكن مستقلًّا بحصوله، وقد جمع النَّبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين في قوله:"سدِّدوا وقاربوا وابشروا، واعلموا أنَّ أحدًا منكم لن ينجوَ بعمله. قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: ولا أنا إلَّا أنْ يتغمدني اللَّه برحمته"

(1)

.

ومن عرف اللَّه سبحانه، وشَهِدَ مَشْهد حقِّه عليه، ومشهد

(2)

تقصيره وذنوبه، وأبصرَ هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به

(3)

، واللَّه سبحانه وتعالى المستعان.

(1)

أخرجه مسلم برقم (2816) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

في "ب، د": "وشهد".

(3)

وقع في "ب": "وخبره وجزم به".

ص: 178

الباب العشرون في طلب أهل الجنَّة لها من ربِّهم، وطلبها لهم، وشفاعتها فيهم إلى ربها عز وجل

قال تعالى حكايةً عن أولي الألباب من عباده قولهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 193 - 194].

والمعنى: وآتنا ما وعدتنا على ألسنةِ رُسُلِكَ من دخول الجنَّة.

وقالت طائفة: معناه، وآتنا ما وعدتنا

(1)

على الإيمان برسلك. وليس يسهل حذف الاسم والحرف معًا، إلَّا أنْ يُقدَّر على تصديق رسلك وطاعة رسلك، وحينئذٍ فيتكافأ التقديران، ويترجَّح الأوَّل بأنَّه قد تقدَّم

(2)

قولهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193]. وهذا صريح في الإيمان بالرسول والمُرْسِل، ثمَّ توسلوا إليه بإيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على ألسُنِ

(3)

رسله، فإنهم إنَّما سمعوا وعده لهم

(4)

بذلك من الرسل، وذلك أيضًا يتضمن التصديق بهم، وأنَّهم بلَّغوهم وَعْدَهُ فصدَّقوا به، وسألوه أن

(1)

من قوله: "وعدتنا على ألسنة" إلى قوله "ما وعدتنا" سقط من "ج".

(2)

في "ب": "بأنَّهم تقدم" بدلا من "بأنَّه قد تقدم".

(3)

في "هـ": "ألسنة".

(4)

ليس في "ب".

ص: 179

يؤتيهم إيَّاهُ، وهذا هو الَّذي ذكره السلف والخلف في الآية.

وقيل: المعنى وآتنا ما وعدتنا من النَّصر والظَّفَر على ألسنة الرسل.

والأوَّل أعمُّ وأكمل.

وتأمَّل: كيف تضمَّن إيمانهم به الإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده، وأسمائه وصفاته وأفعاله، وصِدق وَعْدِه، والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره، فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم تعالى، فبذلك صحَّ لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه.

وقد أشكلَ على بعض النَّاس سؤالهم أن ينجز لهم وعده، مع أنَّه فاعل لذلك ولا بُدَّ.

وأجاب: بأنَّ هذا تعبُّدٌ مَحْضٌ، كقوله:{رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]، وقول الملائكة:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7]، وخفيَ على هؤلاء أنَّ الوعد معلَّقٌ بشروطٍ منها:

- الرغبة إليه سبحانه وسؤاله أنْ ينجزه لهم.

- كما أنَّه مُعَلَّقٌ بالإيمان وموافاتهم به.

- وأنْ لا يلحقه ما يحبطه.

فإذا سألوه سبحانه أنْ ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده، وكان هذا

ص: 180

الدعاءُ من أهمِّ الأدعية وأنفعها، وهم أحوجُ إليه من كثير من الأدعية.

وأمَّا قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]، فهذا سؤال له سبحانه أن ينصرهم على أعدائهم، فيحكم لهم عليهم بالنَّصر والغلبة.

وكذلك سؤال الملائكة ربهم أنْ يغفر للتَّائبين، هو من الأسباب التي توجب بها لهم المغفرة، فهو سبحانه نَصَبَ الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه

(1)

وأعدائه، وجعلها أسبابًا لإرادته، كما جعلها أسبابًا لوقوع مراده، فمنه السَّبَبُ والمُسَبَّبُ.

وإنْ أشكل عليك ذلك، فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه، فهو يحب ويرضى، ويغضب ويسخط عن

(2)

الأسباب التي خلقها وشاءها، فالكل منه وبه، فهو مبتدئٌ من مشيئته، وعائدٌ إلى حكمته وحمده

(3)

.

وهذا بابٌ عظيمٌ من أبواب التوحيد لا يَلِجُهُ إلَّا العالمون باللَّهِ.

ونظيرُ هذه الآية في سؤاله ما وعد به

(4)

قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} [الفرقان: 15 - 16]،

(1)

في "ج": "وأوليائه" وهو خطأ.

(2)

في "أ، ج، هـ، د": "غير"، ولعلَّ المثبتَ هو الصواب.

(3)

في المطبوعة "وحده".

(4)

في "ب، ج، د، هـ": "به في".

ص: 181

يسألهُ إيَّاهُ عباده المؤمنون، ويسأله إيَّاهُ ملائكته لهم، فالجنَّةُ تسأل ربها أهلها، وأهلها يسألونه إيَّاها، والملائكة تسألها لهم، والرسل يسألونه إيَّاها لهم

(1)

ولأتباعهم، ويوم القيامة يُقِيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين، وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وإعطائه ما سُئِلَ = ما هو من لوازم أسمائه وصفاته

(2)

، واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها، فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها، فالربُّ تعالى جوادٌ له الجُوْد كله، يحب أنْ يُسْأَل ويُطْلَبُ منه ويُرْغبُ إليه، فَخَلَقَ مَنْ يسأله وألْهَمه سؤاله، وخلق له ما يسأله إيَّاهُ، فهو خالق السائل وسؤاله ومَسْؤوله، وذلك لمحبته لسؤال

(3)

عباده له، ورغبتهم إليه، وطلبهم منه، وهو يغضبُ إذا لم يُسْأل

(4)

.

وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالًا، وهو يُحب المُلِحِّين

(5)

في الدعاء، وكلَّما ألحَّ العبد عليه في السؤال أحبَّهُ وأعطاهُ.

وفي الحديث: "مَنْ لم يسأل اللَّه يغضب عليه"

(6)

.

(1)

قوله "والرسل يسألونه إيَّاها لهم" من "ب، ج، د، هـ".

(2)

في "أ": "وصفاتها".

(3)

في "ب": "سؤال".

(4)

جاء في نسخة على حاشية "د" ما نصه:

لا تسألنَّ بنيَّ آدم حاجةً

وَسَل الَّذِي أبوابه لا تُحْجَبُ

اللَّهُ يغضبُ إنْ تَرَكتَ سُؤاله

وبني آدم حين يُسْأَلُ يغضبُ

وانظر: "المستطرف" للأبشيهي (2/ 301).

(5)

في نسخة على حاشية "أ، هـ": "الملحِّين له".

(6)

أخرجه الترمذي برقم (3373) وابن ماجه (3827)، والبخاري في الأدب =

ص: 182

فلا إله إلَّا اللَّهُ، أيُّ جنايةٍ جَنَتْ القواعد الفاسدة على الإيمان، وحالتْ بين القلوب وبين معرفة ربَّها وأسمائه، وصفات كماله ونعوت جلاله و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].

قال أبو نعيم الفضل: حدثنا يونس -هو ابن أبي إسحاق- حدثنا بُرَيد ابن أبي مريم قال: قال أنس بن مالك: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمٍ يسألُ اللَّهَ الجنَّة ثلاثًا إلَّا قالت الجنَّةُ: الَّلهم أدخلهُ الجنَّة، ومن استجارَ باللَّهِ من النَّار ثلاثًا قالت النَّارُ: اللهم أجِرْهُ من النَّار"

(1)

.

= المفرد رقم (658)، وأحمد في المسند (2/ 442 و 477) وغيرهم.

من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة فذكره.

وهو حديثٌ منكرٌ تفرد به أبو صالح الخوزي وهو متكلمٌ فيه، وعدَّه ابن عدي من مفاريده.

راجع "جلاء الأفهام" ص (419).

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 262، 141، 155) وابن أبي شيبة رقم (29799)، وابن حبان في صحيحه (3/ رقم 1014)، والطبراني في الدعاء رقم (1312)، والبيهقي في الدعوات الكبير رقم (269) وغيرهم.

كلهم من طريق يونس عن بُريد به فذكره.

- ورواه أبو الأحوص وإسرائيل كلهم عن أبي إسحاق السَّبيعي عن بُريد عن أنس فذكره.

أخرجه الترمذي (2567) وابن ماجه (4340) والنسائي (5521)، وأحمد (3/ 117)، والطبراني في الدعاء (1310، 1311)، وابن حبان (3/ رقم 1034)، والحاكم (1/ 717) رقم (1960) وغيرهم.

قال الترمذي: "وقد روي عن أبي إسحاق عن بُريد عن أنس بن مالك قوله". =

ص: 183

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن هناد بن السري، عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن بُرَيد به

(1)

.

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن خَبَّاب عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما سأل اللَّه عبدٌ الجنَّة في يومٍ سبع مرَّات إلَّا قالت الجنَّة: يا ربِّ إنَّ عبدكَ فلانًا سألني فأدخلنيه"

(2)

.

= والحديث صححه ابن حبان والحاكم والضياء في المختاره (4/ رقم 1557).

(1)

في جميع النسخ "يزيد" وهو خطأ، وسقط "به" من "أ، ج".

(2)

هذا الحديث والَّلذان بعده يرويها أبو علقمة واختلف عليه:

- فرواه شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبي علقمة، "قال شعبة ولم يرفعه يعلى إلى أبي هريرة" يعني: مقطوعًا، ويحتمل أنه أراد موقوفًا.

أخرجه الطيالسي في مسنده (4/ رقم 2702).

- ورواه يونس بن خبَّاب -رافضي ضعيف- واضطرب فيه.

- فرواه جرير بن عبد الحميد وليث بن أبي سليم عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره، كما ساقه المؤلف.

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده رقم (213)، وأبو نعيم في "صفة الجنَّة" رقم (68)، والبيهقي في الدعوات رقم (270).

وهذا خطأٌ، أخطأ فيه يونس بن خباب فقال: عن أبي حازم، وهذا من اضطرابه، والصحيح عن أبي علقمة.

هكذا رواه شعبة ومنصور بن المعتمر وشعيب بن صفوان وغيرهم كلهم عن يونس عن أبي علقمة عن أبي هريرة فذكره.

رواه بعضهم موقوفًا، وبعضهم مرفوعًا.

أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (2702)، وابن عدي في الكامل =

ص: 184

وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما استجارَ عبدٌ من النَّار سَبْعَ مرَّاتٍ إلَّا قالت النَّارُ: يا رب إنَّ عبدك فلانًا استجار منِّي فأجِرْهُ، ولا يسأل عبدٌ الجنَّة سبع مرَّاتٍ إلَّا قالت الجنَّة: يا ربَّ إنَّ عبدَك فلانًا سألني فأدخله الجنَّة". وإسناده على شرط الصحيحين.

وقال أبو داود في "مسنده": حدثنا شعبة: حدثني يونس بن خباب: سمع أبا علقمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قال: أسألُ اللَّهَ الجنَّة سبعًا، قالتِ الجنَّة: الَّلهم أدخله الجنَّة".

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا المُقَدَّمي عمر بن علي، عن يحيى ابن عبيد اللَّه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أكثروا مسألةَ اللَّهِ الجنَّة واستعيذوا به من النَّارِ؛ فإنَّهما شافعتانِ

= (7/ 174) وغيرهما.

وهذا هو الصحيح عن يونس.

راجع تفصيل ذلك علل الدارقطني (11/ 189 - 190).

والصحيح في حديث أبي هريرة أنَّه موقوفٌ عليه أو مقطوع من قول أبي علقمة على الاختلاف في المراد بعبارة شعبة.

وذهب البوصيري إلى أنَّه موقوف أو مقطوع، فقال:"وإسناد الطيالسي الأوَّل: على شرط مسلم، والثاني فيه يونس بن خباب قال فيه البخاري: منكر الحديث، واتفقوا على ضعفه".

إتحاف الخيرة المهرة (6/ 506).

ص: 185

مشفعتان

(1)

، وإنَّ العبدَ إذا أكثر من مسألةِ اللَّهِ الجنَّة

(2)

، قالت الجنَّة: يا ربَّ عبدُك هذا الَّذي سألنيك فأسكنه إياي، وتقول النار: يا ربِّ عبدُكَ هذا الَّذي استعاذ بك منِّي فأعذْهُ"

(3)

.

وقد كان جماعةٌ من السلفِ لا يسألون اللَّهَ الجنَّة ويقولون: حسبنا أن يُجِيرنا من النَّار.

- فمنهم أبو الصَّهباء صِلَة بن أَشْيَم

(4)

: صلَّى ليلةً إلى السَّحَرِ، ثمَّ رفعَ يديه وقال:"الَّلهمَّ أجرني من النَّار: أَوَ مِثْلِي يَجْتَرِئُ أنْ يسألك الجنَّة؟ "

(5)

.

(1)

ليست في "ب، د".

(2)

من قوله: "واستعيذوا به من النار" إلى "اللَّه الجنَّة" سقط من "ج".

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (70)، والديلمي في مسند الفردوس رقم (213) مختصرًا.

وسنده ضعيف، فيه يحيى بن عبيد اللَّه -لعلَّهُ- ابن موهب القرشي المدني فيه ضعف، وله عن أبيه عن أبي هريرة مناكير.

قال الحاكم: "روى عن أبيه عن أبي هريرة بنسخة أكثرها مناكير".

قلتُ: ولعلَّ هذا منها.

وفيه أيضًا عمر بن علي المقدمي: ثقة؛ لكنَّه يدلس تدليس السكوت، ولم يُبَيَّن هنا السَّماع.

انظر: تهذيب الكمال (31/ 449 - 453).

(4)

هو البصري العابد الزاهد، زوج معاذة العدوية، قُتِلَ هو وابنه في إحدى المعارك سنة (162 هـ)، انظر: السير (3/ 497 - 500).

(5)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/ 240)، وفيه قصة.

وسنده لا بأس به.

ص: 186

- ومنهم عطاء السُّليمي

(1)

: كان لا يسأل الجنَّة، فقال له صالح المُرِّي: إنَّ أبانَ حدثني عن أنس أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقولُ اللَّهُ عز وجل: انظروا في ديوانِ عبدي، فمن رأيتموه سألني الجنَّة أعطيتُهُ، ومن استعاذني من النَّارِ أعذته"

(2)

. فقال عطاء: كفاني أنْ يُجيرني من النَّارِ. ذكرهما أبو نعيم.

وقد روى أبو داود في "سننه" من حديث جابر في قصة معاذ وتطويله بهم، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لفتى -يعني الَّذي شكاه- "كيفَ تصنعُ يا ابن أخي إذا صليتَ؟ قال: أقرأُ بفاتحة الكتاب وأسألُ اللَّهَ الجنَّة وأعوذُ به من النَّار، وإنِّي لا أدري ما دندنتُكَ ودندنة

(3)

معاذ؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنِّي ومعاذًا حولها ندندن"

(4)

.

(1)

في "ب، د" ونسخةِ على حاشية "أ": "السلمي" وهو خطأ.

وعطاء السليمي هو البصري العابد، أدرك أنس بن مالك، وتوفي بعد سنة 140 هـ، انظر: السير (6/ 86 - 88).

(2)

أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء": (6/ 175 - 176 و 226)، وفي صفة الجنَّة رقم (71).

وسنده ضعيف جدًّا، فيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث، وفيه صالح بن بشير المُرِّي ضعيف الحفظ.

انظر: التقريب رقم (142، 2845).

(3)

الدَّنْدنة: أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يُفْهَمُ، وهو أرفع من الهيْمَنَة قليلًا. انظر: النهاية (2/ 137).

(4)

أخرجه أبو داود برقم (793)، وابن خزيمة (1634)، والبيهقي في السنن (3/ 116 - 117) وغيرهم.

والحديث صححه ابن خزيمة. =

ص: 187

وفي "سنن أبي داود" من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يُسْألُ بوجهِ اللَّهِ إلَّا الجنَّة"

(1)

.

رواهُ أحمد بن عمرو العُصْفُرِي حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره.

وقد تقدَّم في أوَّل الكتاب

(2)

حديث الليث عن معاوية بن صالح عن عبد الملك بن أبي بشير يرفع الحديث: "ما من يومٍ إلَّا والجنَّة والنَّار تسألانِ، تقول الجنَّة: يا ربِّ قد طابت ثماري، واطَّردت أنهاري،

= وللحديث شاهد عن بعض أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود (792)، وأحمد (3/ 473) بمثله.

وسنده صحيح.

(1)

أخرجه أبو داود برقم (1671) وابن مندة في الرد على الجهمية رقم (89)، وابن عدي في الكامل (3/ 257)، والبيهقي في الأسماء والصفات برقم (661) وغيرهم.

من طريق سليمان بن قرم عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره.

وهذا الحديث تفرَّد به سليمان بن معاذ وهو ابن قرم، وهو ليَّن الحديث، وجعل ابن عدي هذا الحديث من منكراته.

وقال: "وهذا الحديث لا أعرفه عن محمد بن المنكدر إلَّا من رواية سليمان بن قرم. . . ".

وقال أبو حفص بن شاهين: ". . هو حديث غريب".

انظر: تهذيب الكمال (34/ 21)، والمقاصد الحسنة للسخاوي رقم (1323).

(2)

ص (42 - 43).

ص: 188

واشتقت إلى أوليائي، فعجِّل إليَّ بأهلي" الحديث.

فالجنَّة تطلب أهلها بالذَّات، وتجذبهم إليها جذبًا، والنَّار كذلك، وقد أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ لا نزال نذكرهما ولا ننساهما.

كما روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن شبيب الصنعاني

(1)

قال: كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد اللَّه بن بَحِيْر

(2)

سمعت عبد الرحمن بن يزيد

(3)

يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمر يقول: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تنسُوا العظيمتين" قلنا: وما العظيمتان يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: "الجنَّة والنَّار"

(4)

.

وذكر أبو بكر الشافعي من حديث كُلَيب بن حَزْن قال: سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "اطلبُوا الجنَّة جُهدكم، واهربوا من النَّار جهدكم، فإنَّ الجنَّة لا ينامُ طالبُها، وإنَّ النَّارَ لا ينامُ هاربُها، وإنَّ الآخرة

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "الصاغاني".

(2)

في جميع النسخ "نُمير" وهو خطأ.

(3)

وقع في جميع النسخ "زيد" وهو خطأ.

(4)

أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (1/ 417)، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 164)، وأبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية رقم (3318)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (66).

وفيه أيوب بن شبيب روى عنه رجلان، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 125) وقال:"يخطئ".

وعليه فالإسناد ضعيف.

ص: 189

اليوم محفوفةٌ بالمكاره وإنَّ الدنيا محفوفةٌ بالَّلذات تقرَّب المسافة والشهوات، فلا تلهينَّكم عن الآخرة"

(1)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 200) رقم (449)، وفي الأوسط رقم (3643)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (30) وفي معرفة الصحابة (5/ رقم 5871) وغيرهما.

قال الهيثمي: "وفيه يعلى الأشدق، وهو ضعيفٌ جدًّا". وقال الحافظ ابن حجر: "ويعلى متروك".

انظر: مجمع الزوائد (10/ 31)، والإصابة (5/ 313).

ص: 190