المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاسم الحادي عشر والثاني عشر: مقعد الصدق، وقدم الصدق - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌الاسم الحادي عشر والثاني عشر: مقعد الصدق، وقدم الصدق

فصل

‌الاسم الحادي عشر والثاني عشر: مَقْعَدُ الصدق، وقَدَمُ الصدق

.

قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 54 - 55]، فسمَّى الجنَّة مقعد صِدْقٍ، لحصول كل ما يُراد من المقعد الحسن فيها، كما يقال: مودَّة صادقة: إذا كانت ثابتة تامَّة، وحلاوة صادقة، وحملة صادقة، ومنه الكلام الصَّدق، لحصول

(1)

مقصوده منه.

وموضوع هذه اللفظة في كلامهم: الصِّحة والكمال، ومنه الصَّدق في الحديث، والصدق في العمل، والصَّديق الَّذي يصدَّق قوله بالعمل، والصَّدق -بالفتح- الصُّلب من الرِّماح، ويقال للرجل الشجاع: إنَّه لذو مِصْدق أي صادق الحَمْلَة.

وهذا مِصْداق هذا: أي ما يُصدِّقه، ومنه الصَّداقة؛ لصفاء المودَّة والمُخالَّة، ومنه صَدَقَنِي القتال، وصَدَقَنِي المودَّة، ومنه قدم الصِّدْق، ولسان الصَّدق، ومدخل الصدق، ومخرج الصَّدق، وذلك كله للحقَّ الثابت المقصود الَّذي يرغب فيه، بخلاف الكذب الباطل، الَّذي لا شيءَ تحته، ولا يتضمن أمرًا ثابتًا، وفُسِّرَ قدم الصَّدق: بالجنَّة، وفُسِّر بالأَعمال التي تنال بها الجنَّة، وفُسِّر بالسَّابقة التي سبقت لهم من اللَّه،

(1)

في "ج": "المحصول"، وفي "د":"لمحصول".

ص: 204

وفُسِّر بالرسول الَّذي على يده وهدايته نالوا ذلك.

والتَّحقيق أنَّ الجميع حقَّ؛ فإنَّهم سبقت لهم من اللَّه بذلك السابقة بالأسباب التي قدَّرها لهم على يد رسوله، وادَّخر لهم جزاءها يوم لقائه

(1)

، ولسان الصَّدق هو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال، وجميل الطرائق، وفي كونه لسان صِدْق إشارة إلى مطابقته للواقع، وأنَّه ثناء بحقًّ لا بباطل، ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الَّذي يكون صاحبه فيه ضامنًا على اللَّهِ، وهو دخوله وخروجه باللَّه وللَّه، وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد، فإنَّه لا يزال داخلًا في أمرٍ وخارجًا من أمرٍ، فمتى كان دخوله للَّه وباللَّه وخروجه كذلك، كان قد أُدْخِل مدخل صدق وأُخْرِجَ مخرج صدق.

(1)

في "ب، د، هـ": "القيامة".

ص: 205

الباب الثاني والعشرون: في عدد الجنَّات، وأنَّها نوعان: جنتان من ذهب، وجنتان من فضة

الجنَّة: اسمٌ

(1)

شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدًّا، كما روى البخاري في "صحيحه"

(2)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن

(3)

سراقة- أتت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي اللَّه ألا تحدِّثني عن حارثة؟ -وكان قُتِل يوم بدرٍ أصابه سهمُ غَرْبٍ

(4)

-، فإنْ كان في الجنَّة صبرتُ، وإنْ كان غيرَ ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: "يا أمَّ حارثة، إنَّها جنان في الجنَّة

(5)

، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى".

وفي "الصحيحين"

(6)

من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهبٍ آنيتهما وحليتهما وما فيهما،

(1)

في "أ": "اسم الجنَّة شامل".

(2)

رقم (2654).

(3)

في "أ""بنت" وهو خطأ.

(4)

"سهم غرب": أي لا يُعْرف راميه. انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 350).

(5)

قوله "في الجنَّة" ليس في "ب"، ووقع في "هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ""جنَّات" بدلًا من "جِنَان".

(6)

البخاري رقم (4597)، ومسلم رقم (180).

تنبيه: قوله "وحليتهما" ليس في الصحيحين.

ص: 206

وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أنْ ينظروا إلى ربِّهم إلَّا رداء الكبرياء على وجهه في جنَّة عدنٍ".

وقد قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) } [الرحمن: 46] فذكرهما ثمَّ قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) } [الرحمن: 62] فهذه أربع. وقد اختلف في قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا} هل المراد به أنَّهما فوقهما، أو تحتهما على قولين:

فقالت طائفة: من دونهما أي: أقرب منهما إلى العرش، فيكونان فوقهما.

وقالت طائفة: بل معنى من دونهما: تحتهما.

قالوا: وهذا المنقول في لُغة العرب إذا قالوا: هذا دون هذا، أي دونه في المنزلة، كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك.

وفي "الصحاح": "دون: نقيض

(1)

فوق، وهو تقصيرٌ عن الغاية، ثمَّ قال: ويقال: هذا دون هذا

(2)

أي أقرب منه"

(3)

.

والسِّياق يدلُّ على تفضيل الجنتين الأولتين من عشرة أوجه:

أحدها: قوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) } [الرحمن: 48] وفيه قولان:

(1)

في "د، هـ": "يقتضي"، والمثبت من الصحاح وباقي النسخ.

(2)

سقط من "ج"، وفي الصحاح "ذاك" بدلًا من "هذا".

(3)

انظر: الصحاح للجوهري (2/ 1554).

ص: 207

أحدهما: أنَّه جمع فَنَن، وهو الغصن. والثاني: أنَّه جمع فَنٍّ، وهو الصِّنْف: أي ذواتا أصنافٍ شتَّى من الفواكه وغيرها، ولم يذكر ذلك في الَّلتين بعدهما.

الثاني: قوله: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) } [الرحمن: 50]، وفي الأُخْرَيَيْنِ:{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) } [الرحمن: 66]، والنَّضاخة: هي الفوَّارة، والجارية: السَّارحة، وهي أحسن من الفوَّارة، فإنَّها تتضمن الفوران والجريان.

الثالث: أنَّه قال: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) } [الرحمن: 52] وفي الأخريين: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) } [الرحمن: 68]، ولا ريب أنَّ وصف الأولتين أكمل.

واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنَّهما صِنْفان.

فقالت طائفة: الزوجان: الرَّطب واليابس الَّذي لا يقصر في فضله وجودته عن

(1)

الرَّطْب، وهو مُتَمَتَّع به كما يُتَمَتع باليابس.

وفيه نظرٌ لا يَخْفى.

وقالت طائفة: الزوجان صنفٌ معروف، وصنف من شكله غريب.

وقالت طائفة: نوعان. ولم تزد.

والظَّاهر واللَّه أعلم: أنَّه الحلو والحامض، والأبيض والأحمر؛

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "على".

ص: 208

وذلك لأنَّ اختلاف أصناف الفاكهة أعجب وأشهى، وألذ لِلْعَيْنِ والفَمِ.

الرَّابع: أنَّه قال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، وهذا تنبيهٌ عن فضل الظَّهائر وخطرها، وفي الآخرتين قال:{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) } [الرحمن: 76]، وفُسِّرَ الرَّفْرَف: بالمحابس والبُسُط، وفُسِّر: بالفُرُش، وفُسِّر: بالمحابس فوقها. وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوَّلتين.

الخامس: أنَّه قال: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) } [الرحمن: 54] أي قريب سهل يتناولونه كيف شاؤوا، ولم يذكر ذلك في الآخرتين.

السَّادس: أنَّه قال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: 56] أي قد قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ على أزواجهنَّ، فلا يُردْنَ غيرهم لرضاهنَّ بهم

(1)

، وتحببهنَّ

(2)

لهم، وذلك يتضمن قصرهنَّ لطرف أزواجهنَّ عليهنَّ، فلا يدعهم حسنهنَّ أن ينظروا إلى غيرهنَّ، وقال في الآخرتين:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) } [الرحمن: 72]، ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل ممَّن قصرت بغيرها.

السَّابع: أنَّهُ وَصَفَهُنَّ بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون، وإشراقه وحسنه، ولم يذكر ذلك في التي بعدها.

الثامن: أنَّه سبحانه قال في الجنتين الأَوَّلتين: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) } [الرحمن: 60] وهذا يقتضي أنَّ أصحابهما من أهل

(1)

سقط من "ج".

(2)

في "ب، د": "ومحبتهنَّ".

ص: 209

الإحسان المطلق الكامل، فكان جزاؤهم بإحسان كامل.

التاسع: أنَّه بدأ بوصف الجنتين

(1)

الأوَّلتين، وَجَعَلَهُمَا جزاءً لمن خاف مقامه، وهذا يدل على أنَّهما أعلى جزاء الخائف لمقامه، فرتَّب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسبَّب على سببه، ولما كان الخائفون نوعين: مُقَرَّبين وأصحاب يمين، ذكر جَنَّتَي المقربين، ثمَّ ذكر جنَّتي أصحاب اليمين.

العاشر: أنَّهُ قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) } [الرحمن: 62] والسِّياق يدل على أنَّه نقيض

(2)

فوق، كما قال الجوهري.

فإنْ قيل: فكيف انقسمت هذه الجِنَان الأربع على من خاف مقام ربه؟

قيل: لمَّا كان الخائفون نوعين كما ذكرنا، كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان، ولأصحاب اليمين الجنتان اللتان دونهما.

فإنْ قيل: فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما، أم لكلِّ واحد جنتان وهما البستانان؟

قيل

(3)

: هذا فيه قولان للمفسرين، ورُجِّح القول الثاني بوجهين: أحدهما: من جهة النقل. والثاني: من جهة المعنى.

(1)

من "ب، ج، د، هـ".

(2)

في "ب، ج، د، هـ": "يقتضي".

(3)

من قوله: "فهل الجنتان لمجموع" إلى "قيل" سقط من "ج".

ص: 210

فأمَّا الَّذي من جهة النقل

(1)

، فإنَّ أصحاب هذا القول رَووا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"هما بستانان في رياض الجنَّة"

(2)

.

وأمَّا الَّذي من جهة المعنى فإنَّ إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر، والثانية جزاء اجتناب المحارم.

فإنْ قيل: فكيف قال في ذكر النساء {فِيهِنَّ} في الموضعين، ولمَّا ذكر غيرهنَّ قال {فِيْهِمَا} ؟

قيل

(3)

: لما ذكر الفرش قال بعدها: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70] ثمَّ أعاده في الجنتين الآخرتين بهذا اللفظ، ليتشاكل

(4)

الَّلفظ والمعنى. واللَّهُ أعلم.

(1)

من قوله: "والثاني من جهة" إلى "النقل" سقط من "ج".

(2)

ذكره الثعلبي في تفسيره (9/ 189) بدون سند، وكذا ذكره الهروي كما في التذكرة للقرطبي ص (382)، والجامع لأحكام القرآن (17/ 177).

وأخرج ابن مردويه (6/ 203 - الدر)، عن عياض بن تميم أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلا {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن/ 46]، قال:"بستانان عرض كل واحد منهما مسيرة مائة عام. . . . ".

(3)

من قوله: "فكيف قال في ذكر النساء" إلى قوله "قيل" سقط من "ج".

(4)

في "ب، ج، د": "ليشاكل".

ص: 211

الباب الثالث والعشرون في خلق الرَّبِّ تبارك وتعالى بعض الجِنَان بيده وغرسها بيده تفضيلًا لها على سائر الجنَّات

(1)

وقد اتخذ الرب تعالى من الجنَّات

(2)

دارًا اصطفاها لنفسه، وخصها بالقرب من عرشه، وغرسها بيده، فهي سيدة الجنان، واللَّهُ سبحانه يختار من كلِّ نوع أعلاه وأفضله، كما اختار من الملائكة: جبريل، ومن البشر: محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن السماوات: العُليا، ومن البلاد: مكة، ومن الأشهر: الحُرُم، ومن الليالي: ليلة القَدْر، ومن الأيام: يوم الجمعة، ومن الليل: وسطه، ومن الأوقات: أوقات الصلوات، إلى غير ذلك، فهو سبحانه {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68].

قال الطبراني في "معجمه": حدثنا مُطَّلب بن شعيب الأزدي حدثنا عبد اللَّه بن صالح حدثني الليث. قال الطبراني: وحدثنا أبو الزِّنْباع رَوْح ابن الفَرَج حدثنا يحيى بن بُكَير، حدثنا الليث عن زيادة

(3)

بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القُرَظي عن فَضَالة بن عُبيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ينزلُ اللَّهُ تعالى في آخر ثلاث ساعاتٍ يَبْقيْنَ من الليل، فينظرُ اللَّهُ في الساعة الأولى منهنَّ

(1)

في "د، هـ": "الجنان".

(2)

في "ب، د، هـ": "الجنان".

(3)

في "ج": "زياد" وهو خطأ.

ص: 212

في الكتاب الَّذي لا ينظر فيه غيرُهُ، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثمَّ ينظر في الساعة الثانية في جنَّة عدنٍ وهي مسكنُهُ

(1)

الَّذي يسكن، لا يكون معه فيها أحدٌ إلَّا الأنبياء والشهداء والصدِّيقون، وفيها ما لم يره أحد، ولا خطرَ على قلب بشر، ثمَّ يهبطُ آخر ساعة من الليل، فيقول: ألَا مستغفر يستغفرني فأغفر له؟ ألا سائلٌ يسألني فأعطيه؟ ألا داع يدعوني فأستجيب له؟ حتَّى يطلعَ الفجرُ، قال تعالى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. فيشهده اللَّهُ تعالى وملائكته"

(2)

.

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السَّرْح قال: حدثني خالي

(3)

عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن داود بن أبي هند، عن أنس بن مالك رضي

(1)

في "ب": "مستكنَّه".

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (8635)، وفي الدعاء رقم (135)، وابن أبي شيبة في العرش رقم (86)، وابن خزيمة في التوحيد رقم (199)، والطبري في تفسيره (15/ 139)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 93) وغيرهم.

وهو حديث منكر، فيه زيادة بن محمد الأنصاري وهو منكر الحديث كما قاله البخاري والنسائي وأبو حاتم.

قال العقيلي: "والحديث في نزول اللَّه عز وجل إلى السماء الدنيا ثابت، فيه أحاديث صحاح، إلَّا أنَّ زيادة هذا جاء في حديثه بألفاظ لم يأتِ بها النَّاس، ولا يتابعه عليها أحدٌ منهم".

وذكره الذهبي في الميزان (3/ 145)، وقال:"فهذه ألفاظ منكرة لم يأتِ بها غير زيادة. . . ".

(3)

ليس في "أ، ج".

ص: 213

اللَّهُ عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّه بَنَى الفردوس بيده، وحَظَرَهَا على كلِّ

(1)

مشركٍ، وكلِّ مدمنِ خَمْرٍ

(2)

سِكِّيرٍ"

(3)

.

وقد ذكر الدارمي والنَّجاد وغيرهما من حديث أبي معشر: نجيح بن عبد الرحمن -مُتَكَلَّمٌ فيه- عن عون بن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن أخيه عبد اللَّه بن عبد اللَّه عن أبيه عبد اللَّه بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خلق اللَّه تبارك وتعالى ثلاثة أشياء بيده:

(1)

ليس في "ج".

(2)

في "أ، ج، هـ": "الخمر".

(3)

أخرجه تمام في فوائده رقم (56، 57 - الروض البسَّام)، وابن منده في الرد على الجهمية رقم (51)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 94 - 95)، وفي صفة الجنَّة رقم (61) وغيرهم.

قال أبو نعيم: "غريب من حديث داود عن أنس، لم يروه عنه إلَّا يحيى ابن أيوب المعافري المصري، تفرَّد به عنه أبو رجاء".

قلتُ: أبو رجاء هذا الَّذي تفرَّد بهذا الحديث هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري مع أنَّه وثقه أبو داود إلَّا أنَّ ابن يونس -في تاريخ مصر- قال: ". . . وكان قد عمي فكان يحدِّث حفظًا، فأحاديثه مضطربه".

وأيضًا داود بن أبي هندٍ لم يسمع من أنس بن مالك قاله ابن حبان.

انظر: تهذيب التهذيب (2/ 528)، والثقات لابن حبان (6/ 278).

وقد خولف أبو رجاء، خالفه سعيد بن كثير بن عفير المصري.

فرواه سعيد عن يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أنس بن مالك بمثله.

أخرجه ابن منده في الرَّدِّ على الجهمية رقم (52).

وهذا هو الصواب، وعليه فالإسناد منقطع سعيد بن أبي هلال لم يسمع من أنس. تهذيب الكمال (11/ 95).

ص: 214

خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده" ثمَّ قال:"وعزَّتي وجلالي لا يدخلها مُدمنُ خمرٍ ولا الدُّيوثُ". قالوا: يا رسول اللَّه، قد عرفنا مدمن الخمر، فما الدَّيُّوث؟ قال:"الَّذي يُقِرُّ السُّوء في أهله"

(1)

.

قلتُ: المحفوظ أنَّه موقوف.

قال الدَّارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عبيد بن مهران حدثنا مجاهد قال: قال عبد اللَّه بن عمر: "خَلَقَ اللَّهُ أربعة أشياء بيدهِ: العرشَ، والقلمَ، وعَدن، وآدم، ثمَّ قال لسائِرِ الخلقِ كُنْ فكان"

(2)

.

وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السَّائب عن مَيْسرة قال: إنَّ اللَّهَ لم يمسَّ شيئًا من خلقه غير ثلاثٍ: "خلق آدم

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (41)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة رقم (1117) مختصرًا، والدارقطني في الصفات رقم (28)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (23).

والحديث مرسل ضعيف الإسناد، فإنَّ عبد اللَّه بن الحارث قال العلائي:"حديثه مرسل قطعًا"، نجيح بن عبد الرحمن هو السندي ضعيف الحديث.

انظر: جامع التحصيل للعلائي رقم (345)، والتقريب رقم (7100).

(2)

أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي رقم (44 و 112)، والَّلالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (729 و 730)، والحاكم (2/ 350) رقم (3244)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (213 و 1018)، والطبري في تفسيره (23/ 185).

من طرق عن عبيد المكتب به.

قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وهو كما قال.

ص: 215

بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنَّة عدنٍ بيده"

(1)

.

وحدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال: "لم يخلق اللَّهُ بيده غير ثلاث: خلقَ آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنَّة عدْنٍ بيده. ثمَّ قال لها: تكلمي، قالت:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1 )}

(2)

.

(1)

أخرجه الدَّارمي في النقض على بشر المريسي رقم (45)، وهناد في الزهد رقم (44)، والطبري في تفسيره (1/ 18).

من طريق أبي عوانة وأبي الأحوص وجرير كلهم عن عطاء به.

ولفظُ أبي الأحوص "خلق اللَّهُ تبارك وتعالى بيده أربعة خلق: آدم بيده، واللوح والقلم بيده، وغرس جنَّة عدن بيده، ثمَّ قال: قد أفلح المؤمنون. وقال -يعني أبا الأحوص- والرَّابعة أغفلها. ولفظ جرير بنحوه.

ولعلَّ لفظ أبي عوانة أصح، فقد ذكر بعض أهل العلم أنَّه سمع من عطاء قبل اختلاطه وبعد ما اختلط، وأمَّا جرير فجزموا بأنَّه سمع منه بعد الاختلاط ورواية جرير توافق رواية أبي الأحوص ورواية أبي عوانة تخالفهما فلعلَّ رواية أبي عوانة هذه من صحيح حديثه عن عطاء، انظر: الكواكب النيرات ص (323) وص (328).

وميسرة هو أبو صالح الكندي تابعي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: تهذيب الكمال (29/ 197).

وعليه فالأثر الَّذي ساقه المؤلف حسن.

(2)

أخرجه الدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (46)، والآجري في الشريعة رقم (759).

ورواه عبد الواهاب الثقفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: بلغنا أنَّ كعبًا قال فذكر نحوه.

أخرجه المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك رقم (1458)، =

ص: 216

وقال أبو الشيخ: حدثنا أبو يعلى، حدثنا أبو الربيع، حدثنا يعقوب القُمِّي حدثنا حفص بن حميد عن شِمْر بن عطية قال:"خلق اللَّهُ جنَّة الفردوس بيده، فهو يفتحها كل يوم خميس، فيقول: ازدادي طيبًا لأوليائي، ازدادي حسنًا لأوليائي"

(1)

.

وذكر الحاكم عن مجاهد قال: "إنَّ اللَّهَ تعالى غرس جنات عدن بيده، فلمَّا تكاملت أُغلقت فهي تفتح في كلِّ سَحَرٍ، فينظر اللَّهُ إليها فيقول:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1)}

(2)

.

= والبيهقي في البعث والنشور رقم (234).

ورواه معمر وغيره عن قتادة أنَّ كعبًا قال فذكره.

أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 1)، وابن حبيب في وصف الفردوس رقم (5) وغيرهما.

وفي الحديث اختلافٌ آخر سيأتي ص (219)، ولعلَّ الطريق الَّذي ساقه المؤلف أصحها، فالإسناد صحيح إلى كعب الأحبار.

(1)

أخرجه حرب في مسائله ص (407)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة برقم (181).

وسنده حسن إلى شِمْر بن عطية الكوفي وهو من أتباع التابعين.

(2)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (237) من طريق جابر الجعفي عن مجاهد فذكره.

وجابر متكلمٌ فيه فوثقه بعضهم واتهمه آخرون، لكنه لم ينفرد به.

فرواه عبد العزيز بن رفيع والقاسم بن أبي بزَّة عن مجاهد بنحوه.

أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 1)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (18).

وفي إسناديهما مقال.

ص: 217

وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد اللَّه

(1)

البصري حدثنا عدي بن الفضل عن الجُرَيري

(2)

، عن أبي نَضْرَة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ أحاط حائط الجنَّة لبنةً من ذهب ولبنةً من فضة، وغرس غرْسها بيده، ثمَّ قال لها: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) } [المؤمنون: 1]، فقال: طوبى لك منزل الملوك"

(3)

.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن المثنى البزاز، حدثنا محمد ابن زياد الكلبي حدثنا بشر

(4)

بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ اللَّهُ جنَّة عدنٍ بيده، لَبنَةً من درَّةٍ بيضاءَ، ولبنةً من ياقوتةٍ حمراء، ولبنةً من زَبرجَدةٍ خضراءَ، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثمَّ قال لها: انطقي، فقالت:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) } ، فقال اللَّه عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل، ثمَّ تلا رسول اللَّه

(1)

في نسخة على حاشية "أ""عبد اللَّه".

(2)

في "هـ": "الجوهري" وهو خطأ.

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (140، 237) وفي الحلية (6/ 204)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (236).

وعدي بن الفضل هو البصري متروك الحديث، وقد خولف:

خالفه وهيب، فرواه وهيب عن الجريري به موقوفًا.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (237)، والبزار كما سيأتي عند المؤلف.

ورجح المنذري والمؤلف في ص (592)، الموقوف، وهو كما قالا.

(4)

في جميع النسخ "بشير" وهو خطأ.

ص: 218

-صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) } [الحشر: 9]

(1)

.

وتأمَّل هذه العناية كيف جعل الجنَّة

(2)

التي غرسها بيديه

(3)

لمن خلقه بيديه ولأفضل ذريته = اعتناءً وتشريفًا وإظهارًا لفضل ما خلقه بيديه

(4)

وشرفه، وتمييزه

(5)

بذلك عن غيره، وباللَّه التوفيق، فهذه الجنَّة في الجنان؛ كآدم في نوع الحيوان.

وقد روى مسلم في "صحيحه"

(6)

عن المغيرة بن شعبة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألَ موسى ربه: ما

(7)

أدنى أهل الجنَّة منزلةً؟ قال: رجلٌ يجيء بعدما دخل أهل الجنَّة الجنَّة، فيقال له: أدخلِ الجنة، فيقول: ربِّ كيف وقد نزل النَّاس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له: أترضى أنْ يكون لك مثل مَلِكٍ

(8)

من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربِّ، فيقول له: لك ذلك ومِثْلُه ومِثْله ومثله ومثله، فقال في الخامسة:

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (20)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (17) مختصرًا.

وهو حديث باطل وخطأ، فإنَّ محمد بن زياد الكلبي ضعيف جدًّا، وبشر ابن حسين متروك، وهو خطأ على سعيد بن أبي عروبة.

وصوابه عن سعيد عن قتادة عن أنس عن كعب الأحبار كما تقدم ص (217).

(2)

في "ب، د""وتأمَّل كيف هذه العناية كيف جعل الجنة".

(3)

في "د، هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ""بيده" وكذا بعده.

(4)

في نسخةٍ على حاشية "أ""بيده".

(5)

في "هـ": "وتميزه".

(6)

رقم (189).

(7)

في نسخة على حاشية "أ""من".

(8)

في مسلم: "مثل مُلْكِ مَلِكٍ".

ص: 219

رضيت رب. قال: رب، فأعلاهم منزلةً، قال: أولئك الَّذين أردت، غرست كرامتهم بيديَّ، وختمت عليها، فلم ترَ عينٌ ولم تسمع أذُنٌ، ولم يخطر على قلب بشر"، ومصداقه من كتاب اللَّهِ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].

ص: 220

الباب الرَّابع والعشرون في ذكر بوَّابِيْ الجنَّة وخزنتها، واسم مُقدَّمهم ورئيسهم

قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر: 73].

والخَزَنَة: جمع خازن، مثل حَفَظَة وحَافِظ، وهو المُؤْتَمَن على الشيء الَّذي قد استحفظه.

وروى مسلمٌ في "صحيحه"

(1)

من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "آتي بابَ الجنَّة يومَ القيامة فأستفتح، فيقول الخازنُ: من أنتَ؟ فأقول محمدٌ، فيقول: بك أمرتُ أنْ لا أفتح لأحدٍ قبلَكَ".

وقد تقدَّم حديث أبي هريرة المتفق عليه

(2)

: "من أنفق زوجين في سبيل اللَّه دعاهُ خزنةُ الجنَّة كلُّ خزنة باب: أي فُلُ هلُمَّ". قال أبو بكر: يا رسول اللَّه، ذاك الذي لا تَوَى عليه، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"إنِّي لأرجو أنْ تكون منهم".

وفي لفظٍ: هل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم، وأرجو أنْ تكون منهم".

(1)

برقم (197).

(2)

تقدم ص (110).

ص: 221

لمَّا سَمَتْ هِمَّةُ الصِّدَّيق إلى تكميل مراتب الإيمان، وطمعت نفسه أنْ يُدْعَى من تلك الأبواب كلَّها، فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من النَّاس، ليسعى في العمل الَّذي ينال به ذلك، فأخبره بحصوله وبشَّره بأنَّه من أهله، فكأنَّهُ قال: هل يكمل أحد هذه المراتب فيُدعى يوم القيامة من أبوابها كلها؟

فلِلَّهِ ما أعلى هذه الهمَّة، وأكبر هذه النَّفس.

وقد سمَّى اللَّهُ سبحانه وتعالى كبير الخزنة رِضْوان

(1)

. وهو اسمٌ مشتقٌّ من الرِّضا، وسمَّى خازن النَّارِ مالكًا

(2)

، وهو اسمٌ مشتقٌّ من الملك، وهو القوَّة والشِّدَّة حيث تَصَرَّفت حُرُوفُه.

(1)

جاء ذلك في حديث أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (332) والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 293 - 296) رقم (3421): من طريق الضحاك عن ابن عباس.

وسنده ضعيفٌ جدًّا.

وفي حديث عن أنس عند الدارقطني في الرؤية رقم (64) وغيره.

وهو حديثٌ منكر، وسيأتي ص (393).

وفي الباب أحاديث عن أُبي بن كعب وعن أبي سعيد الخدري وعائشة، ولا يصح في هذا الباب شيء واللَّه أعلم.

(2)

في قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77].

ص: 222

الباب الخامس والعشرون في ذكر أوَّل من يقرع باب الجنَّة

قد تقدم في حديث أنس

(1)

، ورواه الطبراني بزيادة فيه قال:"فيقومُ الخازنُ، فيقولُ: لا أفتحُ لأحدٍ قبلَك، ولا أقومُ لأحدٍ بعدك"

(2)

.

وذلك أنَّ قيامه إليه صلى الله عليه وسلم خاصة إظهار لمزِيَّته ومرتبته، ولا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنَّة يقومون في خدمته، وهو كالملك عليهم، وقد أقامه اللَّهُ في خدمة عبده ورسوله حتى مشى إليه وفتح له الباب.

وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أوَّلُ من يُفْتَحُ له باب الجنَّة، إلَّا أنَّ امرأة تبادرني، فأقول لها مالَكِ أو ما أنتِ؟ فتقول: أنا امرأةٌ قعدتُ على يتاماي

(3)

"

(4)

.

(1)

ص (121).

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (83)، والخليلي في مشيخته كما في كنز العمَّال (11/ 32047).

وفيه عند أبي نعيم محمد بن يونس الكديمي وهو متهم بالكذب.

(3)

في "ب، هـ": "يتامى"، وفي مسند أبي يعلى "أيتام لي".

(4)

أخرجه أبو يعلى في مسنده (2/ 7) رقم (6651) والأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 2025).

من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن عبد السلام بن عجلان عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة فذكره.

خالفه سهل بن بكَّار.

فرواه عن عبد السلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة رفعه =

ص: 223

وفي الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جلسَ ناسٌ من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه، قال: فخرج حتَّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عَجَبًا إنَّ اللَّه من خلقه خليلًا، اتخذ إبراهيم خليلًا، وقال آخر: ماذا بأعجب من كلامه موسى

(1)

كلَّمه تكليمًا، وقال آخر: فعيسى كلمة اللَّهُ وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاهُ اللَّهُ، فخرج عليهم، فسلَّم وقال: سمعتُ كلامكم وعجبكم، إنَّ إبراهيم خليلُ اللَّه وهو كذلك، وموسى نجيُّ اللَّهِ، وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته، وهو كذلك، وآدم اصطفاهُ اللَّهُ، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب اللَّه ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوَّل شافعٍ وأوَّل مشفَّع يوم القيامة ولا فخر

(2)

، وأنا أوَّل

= بلفظ "حرَّم اللَّهُ على كلِّ آدمي الجنَّة يدخلها قبلي غير أنِّي انظر عن يميني فإذا بامرأة تبادرني إلى باب الجنَّة. . . " بنحوه.

أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق رقم (691).

قلتُ: الحديث مداره على عبد السلام بن عجلان وقد اضطرب فيه -وهو لين- قال أبو حاتم: "شيخ بصري يكتب حديثه". وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 127) وقال: "يخطئ ويخالف".

والحديث ضعفه البوصيري فقال: "رواه أبو يعلى بسندٍ ضعيف، لضعف عبد السلام بن عجلان".

وحسنه المنذري وقال ابن حجر: "رواته لا بأس بهم".

انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 349)، والفتح (10/ 436)، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري رقم (5073).

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "لموسى".

(2)

قوله "ولا فخر" سقط من "ب".

ص: 224

من يحرِّك حَلَقَ الجنَّة فيفتح لي فأدخلها، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر"

(1)

.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنا أوَّل النَّاسِ خروجًا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وقائدهم إذا وفدوا، وشافعهم إذا حُبِسوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا

(2)

، لواء الحمد بيدي، ومفاتيح الجنَّة يومئذٍ بيدي، وأنا أكرمُ ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر، يطوف عليَّ ألف خادم كأنَّهم اللؤلؤ المكنون" رواه الترمذي

(3)

، والبيهقي واللفظ له

(4)

.

(1)

أخرجه الترمذي برقم (3616) والدارمي برقم (48).

من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس فذكره.

والحديث ضعفه الترمذي وابن كثير وفيه زمعة وهو ضعيف، وسلمة فيه مقال.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب".

وقال ابن كثير: "وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها".

(2)

في "أ، هـ": "يئسوا".

(3)

أخرجه الترمذي برقم (3610)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 483 - 484).

قال الترمذي: "حسن غريب".

والحديث مداره على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف لسوء حفظه، واختلاطه في آخر عمره، وقد اضطرب في هذا الحديث. انظر: تهذيب الكمال (24/ 279 - 288).

(4)

قوله: "واللفظ له" ليس في "ب".

ص: 225

وفي "صحيح مسلم"

(1)

من حديث المختار بن فلفل عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر النَّاس تبعًا يوم القيامة، وأنا أوَّل من يقرع بابَ الجنَّة".

(1)

رقم (196) - (331).

ص: 226

الباب السادس والعشرون في ذكر أوَّل الأمم دخولًا الجنَّة

وفي "الصحيحين"

(1)

من حديث همَّام بن مُنَبِّهٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نحنُ السَّابقون الأوَّلون يوم القيامة، بَيْدَ أنَّهم أوتوا الكتابَ من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم".

أي: لم يسبقونا إلَّا بهذا القدر، فمعنى:"بَيْدَ" معنى سِوَى وغير وإلَّا أنَّ، ونحوها.

وفي "صحيح مسلم"

(2)

من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نحنُ الآخرون الأوَّلون يومَ القيامة، ونحنُ أوَّل من يدخل الجنَّة، بيدَ أنَّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فاختلفوا فهدانا اللَّهُ لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه

(3)

".

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث طاووس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "نحنُ الآخرون الأوَّلون يومَ القيامة، نحنُ أوَّلُ النَّاسِ دخولًا الجنَّة، بيدَ أنَّهم أوتوا الكتابَ من قبلنا، وأوتيناه من

(1)

أخرجه البخاري رقم (6630)، ومسلم رقم (855) - (21) وفيهما "الآخرون السابقون" بدل "السابقون الأولون".

(2)

رقم (855) - (20).

(3)

من "ب، ج، د، هـ"، وليست في مسلم ولا "أ".

(4)

البخاري رقم (856)، ومسلم رقم (849) واللفظ للبخاري وعنده "السابقون" بدل "الأوَّلون".

ص: 227

بعدهم".

وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد ابن عَقِيل، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الجنَّة حُرِّمت على الأنبياء كلَّهم حتى أدخلها، وحُرِّمت على الأمم حتى تدخلها أمتي"

(1)

.

قال الدَّارقطني: "غريب عن الزهري، ولا أعلمُ رُوي عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن الزهري غير هذا الحديث، ولا رواهُ إلَّا عمرو بن أبي سلمة [التِّنِّيسي عن صدقة السَّمين]

(2)

عن زهير".

فهذه الأمة أسبق الأمم خروجًا من الأرضِ وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف، وأسبقهم إلى ظل العرش، وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم، وأسبقهم إلى الجواز على الصراط، وأسبقهم إلى دخول الجنَّة، فالجنَّة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها محمد صلى الله عليه وسلم ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته.

(1)

أخرجه الدَّارقطني في الأفراد كما في أطراف الغرائب (1/ 103)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 227) رقم (2167)، والطبراني في الأوسط رقم (942)، وابن عدي في الكامل (4/ 129).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلَّا عن ابن عقيل، ولا عن ابن عقيل إلَّا زهير، ولا عن زهير إلَّا صدقة، تفرَّد به عمرو".

قال أبو زرعة الرَّازي: "ذا حديث منكر لا أدري كيف هو".

والحديث جعله ابن عدي من منكرات عبد اللَّه بن محمد بن عقيل.

(2)

ما بين المعقوفتين ليس في النسخ واستدركته من أطراف الغرائب.

ص: 228

وأمَّا

(1)

أوَّل الأمة دخولًا: فقال أبو داود في "سننه" حدثنا هنَّاد بن السَّريِّ، عن عبد الرحمن بن محمد المُحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدَّالاني عن أبي خالد مولى آل جَعْدة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأخذ بيدي، فأراني باب الجنَّة الَّذي تدخلُ منه أمتي". فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه، وددتُ لئن

(2)

كنتُ معك حتى أنظر إليه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أما إنَّك يا أبا بكر أوَّل من يدخل الجنَّة من أمتي"

(3)

.

وقوله: "وددت لئن كنت معك

(4)

". حرصًا منه على زيادة اليقين، وأن يصير الخبر عيانًا، كما قال إبراهيم الخليل {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].

وأمَّا الحديث الَّذي رواهُ ابن ماجه في "سننه": حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي، أنبأنا داود بن عطاء المديني، عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أوَّل من يصافحه الحق عمر وأوَّل من يسلِّم عليه، وأوَّل من يأخذ بيده فيدخله الجنَّة"

(5)

.

(1)

في "ب، ج، د، هـ": "وأنا" وهو خطأ.

(2)

كذا في جميع النسخ، وكذلك ما بعدها، وجاء في سنن أبي داود "أني" بدل "لئن".

(3)

تقدم في الباب الحادي عشر ص (123).

(4)

من قوله: "حتى أنظر إليه" إلى "معك" سقط من "ج".

(5)

أخرجه ابن ماجه برقم (104) وابن أبي عاصم في السنة برقم (1280)، =

ص: 229

فهو حديثٌ منكر جدًّا، قال الإمام أحمد:"داود بن عطاء ليس بشيءٍ"، وقال البخاري:"منكر الحديث"

(1)

.

= والقطيعي في زوائد فضائل الصحابة برقم (630)، والحاكم في المستدرك (3/ 90) رقم (4489) وغيرهم.

قال الذهبي: "موضوع في سنده كذَّاب".

وقال أيضًا في الميزان (3/ 20): "هذا منكرٌ جدًّا".

وقال ابن كثير: "هذا الحديث منكر جدًّا، وما أبعد أنْ يكون موضوعًا، والآفة فيه من داود بن عطاء هذا".

انظر: جامع المسانيد (1/ 72) رقم (40).

(1)

انظر: أقوال أئمة الجرح والتعديل في داود هذا، في تهذيب الكمال (8/ 419 - 420).

ص: 230

الباب السابع والعشرون في ذكر السَّابقين من

(1)

هذه الأمة إلى الجنَّة وصفتهم

في "الصحيحين"

(2)

من حديث همَّام بن مُنَبِّه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أوَّل زُمرة تَلجُ الجنَّة صُوَرُهم على صورة القمرِ ليلة البَدْرِ، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون فيها، ولا يتغوطون فيها، آنيتهم وأمشاطهم الذهبُ والفضة، ومجامرهم الأُلُوَّة

(3)

، ورشحهم المسك، ولكلِّ واحدٍ منهم زوجتان يُرى مُخُّ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبُهم على قلب واحد

(4)

، يسبحون اللَّهَ بُكْرَةً وعَشيًّا".

وفي "الصحيحين"

(5)

أيضًا من حديث أبي زُرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أوَّل زُمرةٍ يدخلون الجنَّة على صورة القمر ليلةَ البدرِ، والَّذين يلونهم على ضوءِ أشدِّ كوكبٍ دُريٍّ في السماء إضاءةً، لا يبولون ولا يتغوَّطون، ولا يتفُلون ولا يَمْتخِطون، أمشاطهم الذهبُ ورشحهم المسكُ، ومجامرهم الأُلُوَّةُ، وأزواجهم الحورُ العينُ، أخلاقُهم على خَلْقِ رجلٍ واحدٍ، على صورة أبيهم آدم

(1)

في "ب، د": "في".

(2)

البخاري رقم (3073)، ومسلم رقم (2834) - (17).

(3)

الأُلُوَّة: هو العود الَّذي يتبخر به، وتُفْتح همزته وتُضَم، انظر: النهاية (1/ 63).

(4)

عند البخاري "قلوبهم قلبُ رجلٍ واحدٍ" وعند مسلم "قلوبهم قلبٌ واحد".

(5)

البخاري رقم (3149)، ومسلم رقم (2834) - (15).

ص: 231

ستون ذراعًا في السَّماءِ".

وروى شُعْبة وقيس عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه

(1)

صلى الله عليه وسلم: "أوَّل من يُدعى إلى الجنَّة يومَ القيامة الحمَّادون الَّذين يحمدون اللَّهَ في السَّرَّاء والضَّراء"

(2)

.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدسْتوائي عن يحيى بن كثير عن عامر العُقَيلي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ عليَّ أوَّل ثلاثةٍ من أُمَّتي يدخلون الجنَّة وأوَّل ثلاثةٍ يدخلون النَّار، فأمَّا أوَّل ثلاثة يدخلون الجنَّة: فالشهيدُ، وعبدٌ مملوكٌ لم

(3)

يشغله رِقّ الدنيا عن طاعة ربِّه،

(1)

قوله "رسول اللَّه" من "ب، ج، د، هـ".

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 19)، والبزار في مسنده (11/ 247) رقم (5028)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (82)، والبغوي في شرح السنة (5/ 49 - 50) رقم (1270) وغيرهم.

من طرق عن شعبة وقيس بن الربيع والمسعودي كلهم عن حبيب عن سعيد عن ابن عباس فذكره.

قلتُ: طريق شعبة لا يصح عنه فقد رواهُ عنه نصر بن حمَّاد وهو متَّهمٌ بالكذب، وقيس بن الربيع فيه ضعف خاصة بعدما كبر.

والمسعودي كان قد اختلط.

- ورواهُ مسعر عن حبيب عن سعيد قوله مقطوعًا.

أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (206) وهو الصحيح.

(3)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "لا".

ص: 232

وفقير مُتَعَفِّف ذو عِيَال، وأوَّل ثلاثة يدخلون النَّار: فأميرٌ مُسَلَّطٌ، وذو ثروةٍ من مالٍ لا يؤدِّي حقَّ اللَّه في ماله، وفقيرٌ فخور"

(1)

.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" واللفظ له من حديث أبي عُشَّانة المعافري أنَّه سمع عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون أوَّل من يدخل الجنَّة؟ قالوا: اللَّهُ ورسوله أعلمُ، قال: فقراء المُهاجرين الَّذين تُتَّقى بهم المكاره، ويموتُ أحدهم وحاجته في صَدْرِهِ لا يستطيع لها قضاءً، تقول الملائكة: ربَّنا نحنُ ملائكتك وخزنتك وسُكَّان سماواتك لا تدخلهم، الجنَّة قبلنا، فيقول: عبادي لا يُشْركون بي شيئًا، تُتَّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاءً، فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كلِّ بابٍ، سلامٌ عليكم بما صبرتم

(2)

فنعمَ عُقبى الدَّارُ"

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 425)، والترمذي برقم (1641) مختصرًا، والطيالسي في مسنده رقم (2690)، وابن خزيمة برقم (2249) وابن حبان رقم (4312)، والحاكم (1/ 544 - 545) رقم (1429) وغيرهم.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن".

والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان.

قلتُ: في السند عامر العقيلي وأبوه فيهما جهالة. انظر: تهذيب الكمال (14/ 70).

(2)

قوله: "بما صبرتم" سقط من "ب".

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 168)، والطبراني في المعجم الكبير "الجزء المفقود" رقم (151) وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم 352) وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7421)، والحاكم (2/ 81) رقم (2393) =

ص: 233

ولمَّا ذكر اللَّهُ تعالى أصناف بني آدم سَعيدهم وشقيهم، قسم سُعَداءهم إلى قسمين: سابقين وأصحاب يمين فقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) } [الواقعة: 10].

واختلف في تقديرها على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنَّه من باب التَّوكيد الَّلفظي، ويكون خبره قوله تعالى:{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) } [الواقعة: 11].

والثاني: أنْ يكون السَّابقون الأوَّل مبتدأ، والثاني خَبَرًا له على حدِّ قولك: زيد زيد، أي زيد الَّذي سمعت به هو زيد كما قال:

أنا أبو النَّجم وَشِعْري شِعْري

(1)

وكقول الآخر:

إذا النَّاسُ ناسٌ والنَّهارُ نهارُ

(2)

= وغيره.

من طريق عبد اللَّه بن وهب وابن لهيعة ومعروف بن سويد كلهم عن أبي عشانة به فذكره.

ولفظُ ابن وهب: "إنَّ أوَّل ثلَّةٌ تدخل الجنَّة الفقراء المهاجرون الَّذي تُتَّقى بهم المكاره، إذا أُمروا سمعوا وأطاعوا وإنْ كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره. . . ".

وقال الحاكم عن حديث ابن وهب: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

(1)

البيت لأبي النجم العجلي، انظر: الكامل للمبرد (1/ 62)، وخزانة الأدب للبغدادي (1/ 418).

(2)

كذا في جميع النسخ، وفي مغني اللبيب ص (863) رقم (1117) "والزمان =

ص: 234

قال ابن عطية: وهذا قول سيبويه

(1)

.

والثالث: أنْ يكون السَّبقُ الأوَّل غيرَ الثاني، ويكون المعنى: السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنَّات، والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان

(2)

.

وهذا أظهر، واللَّهُ أعلم.

فإنْ قيل: فما تقولون في الحديث الَّذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصحَّحه من حديث بريدة بن الحصيب قال: أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا، فقال:"يا بلالُ، بمَ سبقتني إلى الجنَّة، فما دخلتُ الجنَّة قط إلَّا سمعت خَشْخَشَتَكَ أمَامي. دخلتُ البارحة فسمعتُ خَشْخَشَتَكَ أَمامي، فأتيت على قصر مُرَبَّع مشرفٍ من ذهب، فقلتُ: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجلٍ عربيٍّ، قلتُ: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، قلتُ: أنا قرشي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجلٍ من أُمَّة محمدٍ، قلت: أنا محمد، لمن هذا القَصْر؟ قالوا: لعمرَ بن الخطاب" فقال بلال: يا رسول اللَّهِ ما أَذَّنتُ قط إلَّا صليتُ ركعتين، وما أصابني حَدَثٌ قطُّ إلَّا توضأتُ عندها، ورأيتُ أنَّ للَّهِ عليَّ ركعتين

(3)

، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بهما"

(4)

.

= زمان" بدل "النهار نهار".

(1)

انظر: المحرر الوجيز (15/ 359).

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ""الجنات".

(3)

من قوله: "وما أصابني حدث" إلى "ركعتين" سقط "ج".

(4)

تقدم تخريجه ص (44).

ص: 235

قيل: نتلقَّاه بالقبول والتصديق، ولا يدل على أنَّ أحدًا يسبق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الجنَّة، وأمَّا تقدُّم بلال بين يديه صلى الله عليه وسلم في الجنَّة؛ فلأنَّ بلالًا كان يدعو إلى اللَّهِ أوَّلًا في الأذان فيتقدم أذانه بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيتقدَّم

(1)

دخوله بين يديه كالحاجب والخادم.

وقد رُوِيَ في حديثٍ: "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم يبعثُ يوم القيامة وبلالٌ بين يديه ينادي بالأذان"

(2)

.

فتقدَّمه بين يديه صلى الله عليه وسلم كرامةً لرسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإظهارًا لشرفه وفضله، لا سَبْقًا من بلالٍ له، بل هذا السَّبق من جنس سبقه إلى الوضوء، ودخول المسجد ونحوه، واللَّهُ تعالى أعلم.

(1)

في نسخة على حاشية "أ""فتقدُّم".

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير رقم (2629) وفي الصغير رقم (1122)، والخطيب في تاريخه (3/ 357).

قال ابن الجوزي: "موضوع. . ".

وقال الذهبي: "إسناده مظلمٌ، ما أدري من وضعه. . . ".

وورد عن بُريدة وعلي وأنس، وكلها أحاديث موضوعة.

انظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 446 - 447).

والسلسلة الضعيفة رقم (771 - 775).

وزوائد تاريخ بغداد (2/ 420 - 423).

ص: 236

الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء للأغنياء

(1)

إلى الجنَّة

قال الإمام أحمدُ: حدَّثنا عفَّان، حدَّثنا حمَّاد بن سلمة، عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"يدخلُ فقراء المسلمين الجنَّة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسُ مئة عام"

(2)

.

قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسن صحيح".

ورجال إسناده احتجَّ بهم مسلم في "صحيحه".

(1)

في "ب، هـ": "الأغنياء".

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 296 و 342)، والترمذي برقم (2353)، وابن ماجه برقم (4122)، وابن حبان برقم (676) وغيرهم.

من طرق عن محمد بن عمرو به مثله.

والحديث تفرَّد به محمد بن عمرو -وهو صدوق- عن أبي سلمة به.

قال الترمذي: "حسن صحيح".

والحديث صحَّحه الترمذي وابن حبان والمؤلف.

ورواهُ أبو صالح وأبو حازم وشتير بن نهار عن أبي هريرة نحوه؛ وفي ثبوتها نظر.

أخرجه أحمد (2/ 513 و 519)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 307) و (7/ 99).

وقال أبو نعيم عن حديث "أبي حازم وأبي صالح": "غريب. . . . ".

قلتُ: وشتير مجهول. وأخشى أن يعارض هذا المتن قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} [الفرقان: 24]، وأيضًا سيأتي سبقهم (بأربعين خريفًا) وهو أصح إسنادًا واللَّه أعلم.

ص: 237

وروى الترمذي من حديث عبَّاس الدُّوري، عن المُقْرِيء

(1)

عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو

(2)

بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد اللَّه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "يدخلُ فقراءُ أُمَّتي

(3)

الجنَّة قبلَ الأغنياء بأربعين خريفًا"

(4)

.

وفي "صحيح مسلم"

(5)

من حديث عبد اللَّه

(6)

بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يومَ القيامة

(7)

بأربعين خريفًا".

(1)

في "ب، هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ""المقبري" وهو خطأ.

(2)

في "أ، هـ""عمر" وهو خطأ.

(3)

في الترمذي وغيره "المسلمين".

(4)

أخرجه الترمذي برقم (4355)، وأحمد في المسند (3/ 324) وعبد بن حميد رقم (117)، والبيهقي في البعث رقم (454).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن".

قلتُ: في سنده عمرو بن جابر الحضرمي، قال أبو حاتم:"صالح الحديث عنده نحو عشرين حديثًا"، ووثَّقه العجلي، وقال النسائي والجوزجاني: ليس بثقة. وقال الإمام أحمد: "بلغني أنَّ عمرو بن جابر كان يكذب، روى عن جابر أحاديث مناكير" وقال ابن حبان: "كان سحابيًّا، يزعم أنَّ عليًّا في السحاب، كأنَّه جالس الكوفيين فأخذ عنهم، ومع ذلك ينفرد عن جابر بأشياء ليست من حديثه، لا يحل الاحتجاج بخبره ولا الرواية عنه. . . ".

انظر: تهذيب الكمال (21/ 559 - 562).

(5)

رقم (2979).

(6)

في "ج""أبي عبد اللَّه" وهو خطأ.

(7)

في مسلم زيادة "إلى الجنَّة".

ص: 238

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا دُوَيْد عن سلم

(1)

ابن بشير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "التقى مؤمنان على باب الجنَّة، مؤمنٌ غنيٌ، ومؤمنٌ فقيرٌ، كانا في الدنيا، فأُدْخِلَ الفقيرُ الجنَّة، وحُبسَ الغني ما شاء اللَّهُ أنْ يُحْبس، ثمَّ أُدْخِلَ الجنَّة، فلقيه الفقيرُ فيقول: أي أخي وماذا حبسك؟ واللَّه لقد احْتبَستَ حتى خفت

(2)

عليك

(3)

، فيقول: أي أخي إنِّي حبستُ بعدك محبسًا فظيعًا

(4)

كريهًا، وما وصلتُ إليك حتى سال منِّي العَرَق

(5)

، ما لو وَرَدَهُ ألفُ بعيرٍ كلها آكلة حمضٍ لصدرتْ عنه رواء

(6)

"

(7)

.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الحضرمي، وعلي ابن سعيد الرَّازي قالا: حدثنا علي بن بهرام

(8)

العطار، حدثنا

(1)

في "ب، د، هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ""سليم"، والمثبت هو الصواب، وقيل في اسمه غير ذلك، وهذا التنوع في الاسم يرجع إلى اختلاف النَّاقلين في اسم هذا الرجل.

انظر: تعجيل المنفعة لابن حجر (1/ 564، 606).

(2)

في "هـ": "خشيت".

(3)

من قوله "فيقول: أي أخي" إلى "عليك" سقط من "ج".

(4)

في "ب، د""قطيعًا"، وفي نسخةٍ على حاشية "أ""مضيقًا".

(5)

في "ب، ج""مني من العرق".

(6)

من المسند.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 304).

وسنده ضعيف، فيه دُوَيْد مجهول، قاله الحسيني.

وانظر: تعجيل المنفعة (1/ 564) رقم (356).

(8)

في جميع النسخ "مهران" وهو خطأ، انظر: تاريخ بغداد (11/ 353) وغيره.

ص: 239

عبد الملك بن أبي كريمة، عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ فقراء المؤمنين يدخلون الجنَّة قبل أغنيائهم بنصف يومٍ، وذلك خمس مائة عام" وذكر الحديث بطوله

(2)

.

والَّذي في الصحيح أنَّ سبقهم لهم "بأربعين خريفًا".

فإمَّا أنْ يكون هو المحفوظ، وإمَّا أنْ يكون كلاهما محفوظان، وتختلف مُدَّة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء، فمنهم من يسبق بأربعين، ومنهم من يسبق بخمس مئة كما يتأخر مكث العُصاة من الموحدين في النَّار بحسب جرائمهم واللَّهُ أعلم.

ولكن ها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه، وهو أنَّه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم، بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة؛ وإن سَبَقَهُ غيره في الدخول، والدليل على هذا أنَّ من الأمة من يدخل الجنَّة بغير حساب، وهم السَّبعون ألفًا

(3)

، وقد يكون بعض من

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ""حاتم" وهو خطأ.

(2)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (7/ 99 - 100) عن الطبراني به.

قال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من حديث الثوري عن محمد بن زيد، ويقال: هو العبدي، تفرَّد به عبد الملك".

والحديث منكر، لم يروه أحدٌ من أصحاب الثوري عن الثوري إلَّا هو، وعلي بن بهرام فيه جهالة.

انظر: تاريخ بغداد (11/ 353)، وتاريخ مصر لابن يونس (2/ 150) جَمْع وتحقيق ودراسة: د: عبد الفتاح فتحي.

(3)

يشير المؤلف إلى حديث ابن عباس وفيه ". . . فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: =

ص: 240

يُحَاسب أفضل من أكثرهم، والغني إذا حوسب على غِنَاهُ، فوجد قد شكر اللَّه تعالى فيه، وتقرَّب إليه بأنواع البِرِّ والخير والصَّدقة والمعروف، كان أعلى درجة من الفقير الَّذي سبقه في الدخول، ولم تكن له تلك الأعمال، ولا سيِّما إذا شاركه الغني في أعماله هو

(1)

وزاد عليه فيها، واللَّهُ لا يضيع أجرَ من أحسن عملًا.

فالمزيَّة مزيَّتان؛ مزية سبق، ومزية رِفْعة، وقد يجتمعان وينفردان، فيحصل لواحد السبق والرِّفعة، ويعدمهما آخر، ويحصل لآخر السبق دون الرِّفعة، ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المتقضي للأمرين، أو لأحدهما وعدمه، وباللَّه التوفيق.

= هذه أُمتك، ويدخل الجنَّة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير حساب. . . ".

أخرجه البخاري رقم (5378)، ومسلم رقم (220).

(1)

من "أ، ج، هـ".

ص: 241

الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجنَّة الَّذين ضمنت لهم دون غيرهم

قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} [آل عمران: 133 - 136].

فأخبر أنه أعدَّ الجنَّة للمتقين دون غيرهم، ثم ذكر أوصاف المتقين، فذكر بذلهم للإحسان في حالتي العسر واليسر، والشدة والرخاء، فإنَّ من النَّاس من يبذل في حال اليسر والرخاء، ولا يبذل في حال العسر والشدة، ثم ذكر كف أذاهم للنَّاس

(1)

بحبس الغيظ بالكظم، وحبس الانتقام بالعفو، ثمَّ ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم، وأنَّها إذا صدرت منهم قابلوها بذكر اللَّه، والتوبة والاستغفار، وترك الإصرار، فهذا حالهم مع اللَّهِ، وذاك حالهم مع خلقه.

وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100].

(1)

في المطبوعة: "عن الناس".

ص: 242

فأخبر تعالى أنَّه أعدَّها للمهاجرين والأنصار، وأتباعهم بإحسان، فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها.

وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) } [الأنفال: 2 - 4].

فوصفهم بإقامة حقه باطنًا وظاهرًا، وبأداء حق عباده.

وفي "صحيح مسلم"

(1)

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يومُ خيبر أقبل نفرٌ من صحابة النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلانٌ شهيد، وفلانٌ شهيد، حتى مروا على رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهيد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كلَّا إنَّي رأيته في النَّار في بُرْدةٍ غَلَّها أو عباءةٍ، ثمَّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا ابنَ الخطاب، اذهب فنادِ في النَّاسِ إنَّهُ لا يدخل الجنَّة إلَّا المؤمنون، قال: فخرجتُ فناديتُ: ألا

(2)

إنَّهُ لا يدخل الجنَّة إلَّا المؤمنون". وللبخاري معناه

(3)

.

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرَ بلالًا أنْ يناديَ في النَّاسِ: "إنَّه لا يدخلُ الجنَّة إلَّا نفسٌ

(1)

رقم (114).

(2)

من "صحيح مسلم".

(3)

رقم (3967) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

البخاري رقم (2897)، ومسلم رقم (111).

ص: 243

مسلمةٌ"، وفي بعض طرقه "مؤمنة"

(1)

وفي الحديث قصة.

وفي "صحيح مسلم"

(2)

من حديث عِيَاض بن حِمَار المجاشعي أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ذات يومٍ في خطبته: "ألا إنَّ ربي أمرني أنْ أُعَلِّمَكم ما جهلتم ممَّا علمني يومي هذا، كلُّ مالٍ نحلته عبدًا حلالٌ، وإنِّي خلقتُ عبادِي حنفاء كلَّهم، وإنَّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم

(3)

عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أنْ يشركوا بي ما لم أُنْزل به سُلطانًا، وإنَّ اللَّهَ نظر إلى أهل الأرضِ فمقتهم عربهم وعجمهم إلَّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنَّما بعثتُك لأبتليكَ، وأبتلي بكَ، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسلهُ الماءُ، تقرأهُ نائمًا ويقظان. وإنَّ اللَّهَ أمرني أن أُحرَّق قريشًا، فقلتُ: ربِّ إذًا يثغلوا رأسي، فيدعوه خُبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك

(4)

واغزهم نُعِنْكَ

(5)

، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعثْ خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك مَنْ عصاكَ، قال: وأهل الجنَّة ثلاثةٌ: ذو سلطان مقسطٌ متصدقٌ

(1)

في "هـ""إلَّا مؤمنة"، وهو عند البخاري رقم (3967 و 6232) بلفظ "إلَّا مؤمن".

(2)

رقم (2865).

(3)

في حاشية "أ": "فاجتالتهم أي استخفتهم، أي فجالوا معهم في الضلال، وروى بالحاء المهملة. أي: نقلتهم من حال إلى حال".

انظر: النهاية (1/ 317).

(4)

في المطبوعة لصحيح مسلم "أستخرجوك"، والمثبت من جميع النسخ، ورواية العذري لصحيح مسلم.

(5)

في "ج، هـ""نعينك" وهو خطأ، وفي صحيح مسلم "نغزِك".

ص: 244

موفق

(1)

ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب لكلِّ ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعفف ذو عيال. وأهل النَّار خمسة: الضعيف الَّذي لا زَبْر

(2)

له الَّذين هم فيكم تبعًا، لا يبغون

(3)

أهلًا ولا مالًا. والخائن الَّذي لا يخفى له طمعٌ وإنْ دقَّ إلَّا خانه. ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلَّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذَكَرَ البخل والكذب

(4)

، والشِّنظير الفحَّاشُ "وإنَّ اللَّهَ أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحد".

وفي "الصحيحين"

(5)

من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنَّة، كلُّ ضعيف متضعَّفٍ لو أقسم على اللَّهِ لأبرَّهُ، ألا أخبركم بأهل النَّار؟ كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُتكبر

(6)

".

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق قال: أنبأنا عبد اللَّه أنبأنا موسى بن عُلَي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث عن عبد اللَّه بن عمرو

(1)

في "ب""منفق".

(2)

جاء في حاشية "أ" من النهاية: "لا زبر له، أي: لا عقل له يزبره وينهاه عن الإقدام على ما لا ينبغي". انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 293).

(3)

كذا في جميع النسخ، وعند مسلم "لا يَتْبعُون".

(4)

في "ج": "أو الكذب".

(5)

البخاري رقم (4634)، ومسلم رقم (2853).

(6)

في نسخة على حاشية "أ""مستكبر"، وهي عند البخاري.

ص: 245

ابن العاص رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل النَّار كلُّ جَعْظَريٍّ

(1)

جوَّاظ

(2)

مُسْتَكبر، جمَّاعٍ منَّاعٍ، وأهل الجنَّة الضعفاء المغلوبون"

(3)

.

وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا

(4)

أخبركم برجالكم من أهل الجنَّة: النَّبي في الجنَّة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والرجل يزور أخاه ناحية المِصْر لا يزوره إلَّا للَّه

(5)

= في الجنة، ونساؤكم من أهل الجنَّة: الودود الولود التي إذا غَضِبَ أو غضِبتْ جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها، ثمَّ تقول: لا أذوق

(1)

الجعظري: الفظُّ الغليظ المتكبر، وقيل هو: الَّذي ينتفخ بما ليس عنده، وفيه قِصَر. انظر: النهاية (1/ 276).

(2)

الجوَّاظ: الجَموع المَنوع، وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: القصيرِ البطين. انظر: النهاية (1/ 316).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 499 و 169) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (كما في بغية الباحث رقم 1105)، والحاكم في المستدرك (2/ 541 - 542) رقم (3844).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقه،. . . ".

وقال البوصيري: "ورواته ثقات". انظر: إتحاف الخيرة المهرة (8/ 214). قلتُ: والحديث صححه الحاكم والمؤلف كما سيأتي.

(4)

سقط من "ب".

(5)

وقع في "ج""لا يزوره إلَّا يزوره إلَّا اللَّه".

ص: 246

غُمْضًا

(1)

حتى ترضى"

(2)

.

(1)

غُمْضًا: أي نومًا. انظر: اللسان (7/ 199).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخوان رقم (103) والنسائي في الكبرى (5/ 361) رقم (9139)، والطبراني في الكبير (12/ 59) رقم (12468)، وتمام في فوائده "الروض البسام، رقم 747"، وأبو نعيم في الحلية (4/ 303)، والشجري في أماليه (2/ 151) وابن عساكر في تاريخه (5/ 361).

من طريق الفضل بن زياد الدقاق والعلاء وأحمد بن إبراهيم الموصلي ويحيى بن أيوب المقابري وشريح بن النعمان وابن يونس كلهم عن خلف بن خليفة به فذكره.

- ورواه إسماعيل بن أبي مسعود ومحمد بن صالح وعيسى بن سلمان كلهم عن خلف بن خليفة سمع أبان بن بشير المكتب عن أبي هاشم عن سعيد بن عباس فذكره، اختصره بعضهم.

أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (1/ 453)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (8612 و 8358).

قلت: وهذا الاضطراب في ذكر الواسطة "أبان المكتب" من خلف بن خليفة؛ لأنَّه تغير جدًّا بعدما كبر، وأبان هذا مجهول.

وأيضًا قال البخاري: "لا أدري سمع منه أم لا" قال المعلمي: "يريد فيما يظهر "أسمع أبان من أبي هاشم أم لا".

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "رواه غيره عن خلف بن خليفة ولم يذكر أبان المكتب، فإنْ كان حفظه فهو غريب جدًّا".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث سعيد، تفرَّد به عنه أبو هاشم وهو يحيى بن دينار الواسطي. . . ".

وعليه فالحديث ضعيفٌ جدًّا، وقد ورد عن علي وكعب بن عجرة وأنس وكلها واهية.

ص: 247

أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة، وباقي الحديث على شرطه.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيح عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل النَّار كلُّ جعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مستكبر جمَّاعٍ منَّاعٍ، وأهل الجنَّة الضعفاء المغلوبون"

(1)

.

وقال ابن ماجه في "سننه": حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخزم قالا: حدثنا مسلم

(2)

بن إبراهيم حدثنا هلال الرَّاسبي، حدثنا عُقْبة بن أبي ثُبَيْت الراسبي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنَّة من ملأ أُذنيه من ثناء النَّاس خيرًا وهو يسمع، وأهل النَّار من ملأ أذنيه من ثناء النَّاس شرًّا وهو يسمع"

(3)

.

(1)

هذا مكررٌ، تقدم قبل الحديث السابق، ولهذا كتب ناسخ "أ" بما يلي:"مكرر وقع في أوَّل هذه الصفحة".

(2)

في "أ، ج، هـ": "سَلْم" وهو خطأ.

(3)

أخرجه ابن ماجه برقم (4224) والطبراني في الكبير (12/ 170) وفي شعب الإيمان (12/ رقم 6618)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 80).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي الجوزاء لم يرفعه ولم يسنده إلَّا مسلم عن أبي هلال".

قلت: في سنده أبو هلال الراسبي المكفوف واسمه محمد بن سليم البصري، وهو صدوق في الأصل، ووقعت له مناكير وغرائب بسبب أنَّه لم يكن له كتاب فكان يحدث من حفظه، وقد ذكر أبو نعيم هذا الحديث واستغربه.

انظر: تهذيب الكمال (25/ 293 - 296). =

ص: 248

وفي "الصحيحين"

(1)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مُرَّ بجنازة فأُثنيَ عليها خيرٌ

(2)

، فقال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وجبتْ وجبتْ وجبتْ، ومُرَّ بجنازةٍ فأُثني عليها شرٌ

(3)

فقال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبتْ وجبتْ، فقال عمر رضي الله عنه: فداك أبي وأمي، مُرَّ بجنازةٍ فأثُني عليها خيرٌ فقلتَ: وجبت وجبت وجبت: ومُرَّ بجنازةٍ فأثني عليها شرٌّ، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرًا وجبتْ له الجنَّة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النَّارُ، أنتم شهداء اللَّهِ في الأرضِ، أنتم شهداء اللَّهِ في الأرضِ

(4)

".

وفي الحديث الآخر: "يوشكُ أنْ تعلموا أهل الجنَّة من أهل النَّارِ، قالوا: كيف يا رسول اللَّهِ؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيء"

(5)

.

= وقد ورد عن أنس وفي ثبوته نظر.

(1)

البخاري رقم (1301)، ومسلم رقم (949).

(2)

في نسخة على حاشية "أ" و"هـ""خيرًا".

(3)

في نسخةٍ على حاشية "أ" و"هـ""شرًّا".

(4)

قوله "أنتم شهداء اللَّه في الأرض" سقط من "ب".

(5)

أخرجه البزار في مسنده "البحر الزخار"(3/ 337) رقم (1134) من حديث سعد بن أبي وقاص.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلَّا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه عن سعد إلَّا عامر، ولا عن عامر إلَّا هاشم بن هاشم، ولا عن هاشم بن هاشم إلَّا شجاع، ولم نسمعه إلَّا من الحسن بن عرفة".

قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن عرفة وهو ثقة" مجمع الزوائد (10/ 271).

وقد ورد من حديث أبي زهير الثقفي. =

ص: 249

= أخرجه ابن ماجه رقم (4221) وأحمد في المسند (3/ 416) وابن حبان رقم (7384)، والدارقطني في الأفراد كما في أطراف الغرائب (4/ 60 - 61) رقم (4674) وغيرهم من طريق نافع بن عمر عن أمية بن صفوان عن أبي بكير بن أبي زهير عن أبيه فذكر نحوه وزاد "أنتم شهدا اللَّه بعضكم على بعض". قال الدارقطني:"غريب من حديث أبي بكر بن أبي زهير عن أبيه، تفرَّد به أمية بن صفوان عنه، وتفرَّد به نافع بن عمر عن أمية".

وفي سنده أمية بن صفوان المكي الأصغر وأبو بكر بن أبي زهير لم يوثقهما معتبر.

انظر: تهذيب الكمال (3/ 333).

والحديث صححه ابن حبان والحاكم.

وقال الحافظ ابن حجر: "بسند حسن غريب" الإصابة (7/ 75).

(1)

قوله "بمنه وكرمه" ليس في "د".

ص: 250

الباب الثلاثون في أنَّ أكثر أهل الجنَّة هم أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم

في "الصحيحين" من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أما ترضون أنْ تكونوا رُبُعَ أهلِ الجنَّة؟ فكبرنا

(1)

، ثمَّ قال: أما ترضون أنْ تكونوا ثلثَ أهل الجنَّة؟ فكبرنا، ثمَّ قال: إنِّي لأرجو أنْ تكونوا شطرَ أهلِ الجنَّة، وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفار إلَّا كشعرةِ بيضاءِ في ثورٍ أسودَ، أو كشعرةٍ سوداء في ثورٍ أبيض" هذا لفظ مسلم

(2)

.

وعند البخاري

(3)

: "وكشعرةٍ سوداء"

(4)

بغير ألف.

وعن بُرَيدة بن الحصيب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنَّة عشرون ومئة صفٍ، هذه الأمة منها ثمانون صفًّا"

(5)

.

(1)

في "ب، د": "فكبر"، وكذا مثله ما بعده، والمثبت من بقية النسخ.

(2)

في صحيحه رقم (221).

(3)

رقم (6163) وفيه ". . . وما أنتم في أهل الشرك إلَّا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر".

(4)

في "ج، د": "كشعرة بيضاء في ثور أسود".

(5)

أخرجه الترمذي برقم (2546)، وأحمد (5/ 347)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ رقم 31704)، وابن أبي الدنيا في حسن الظن باللَّه برقم (74)، وابن حبان في صحيحه برقم (7459)، والحاكم في المستدرك (1/ 155) رقم (273) وغيرهم.

من طريق ضرار بن مرة عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه فذكره.

ورواهُ الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بنحوه =

ص: 251

رواه الإمام أحمد والترمذي، وإسناده على شرط الصحيح.

ورواه الطبراني في "معجمه"

(1)

من حديث عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده خالد بن يزيد البجلي، وقد تُكُلِّمَ فيه.

ورواهُ أيضًا من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد اللَّه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم وربُعُ الجنَّة لكم، ولسائر النَّاسِ ثلاثةُ أرباعها؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: كيف أنتم وثلثها؟ قالوا: ذاك أكثر، قال: كيف أنتم والشطر لكم؟ قالوا: ذاك أكثر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أهل الجنَّة عشرون ومئة صف، لكم منها ثمانون صفًّا"

(2)

، قال الطبراني: "لم يرو هذا

= مرسلًا، هكذا رواه عنه: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومؤمل.

وخالفهم معاوية بن هشام -صدوقٌ يخطئ- والحسين الأصبهاني وعمرو ابن محمد العنقزي وغيرهم عن الثوري فوصلوه، والمرسل أصح.

والحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم والمؤلف.

تنبيه: قال بعضهم: ضرار بن عمرو -وهو متروك- بدلًا من "ضرار بن مُرَّة "ثقة"، وابن مُرَّة أكثر وأصح. انظر: الكامل لابن عدي (4/ 100) ومسند البزار (10/ رقم 4362) ولسان الميزان (3/ 239).

(1)

الكبير (10/ رقم 10682)، وابن عدي في الكامل (3/ 13).

قال ابن عدي -بعد أنْ ذكر هذا الحديث وغيره-: "وخالد بن يزيد هذا له أحاديث غير ما ذكرت، وأحاديثه كلها لا يتابع عليها، لا إسنادًا ولا متنًا

وهو عندي ضعيف، إلَّا أنَّ أحاديثه إفرادات، ومع ضعفه كان يُكْتَبُ حديثه".

وانظر: لسان الميزان (2/ 450 - 451).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 453)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ رقم 31706)، وأبو يعلي في مسنده (9/ رقم 5358)، والطبراني في الأوسط =

ص: 252

الحديث

(1)

عن القاسم بن عبد الرحمن إلَّا الحارث بن حُصيرة، تفرد به عبد الواحد بن زياد".

وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا موسى بن غيلان ثنا هاشم بن مخلد حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لمَّا نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 39 - 40]، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنتم رُبُعُ أهل الجنَّة، أنتم ثلث أهل الجنَّة، أنتم نصفُ أهل الجنَّة. أنتم ثلثا أهل الجنَّة"

(2)

.

= (539)، وفي الصغير رقم (76)، والبزار في مسنده البحر الزخار رقم (1999) وغيرهم.

من طريق عفان بن مسلم الصَّفَّار وعبد الواحد بن زياد عن الحارث بن حصيرة عن القاسم به.

وخالفه يعقوب الحضرمي فأدخل زيد بن وهب مكان القاسم عن أبيه.

فرواه يعقوب عن عبد الواحد عن الحارث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود فذكره.

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 227) رقم (10398).

قلتُ: هذا خطأ؛ إمَّا من يعقوب الحضرمي أو الراوي عنه أحمد بن محمد بن نَيْزَك وهو صدوقٌ يخطئ.

فالطريق الأوَّل هو المحفوظ، وهو ضعيف للانقطاع: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه هذا الحديث، وأيضًا فيه الحارث بن حصيرة فيه ضعف، وقد تفرَّد بهذا الحديث عن القاسم. انظر: تهذيب الكمال (5/ 224 - 226).

(1)

قوله "هذا الحديث" ليس في "أ".

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 101).

ورواهُ شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن بن خالد عن أبيه عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة عن أبي هريرة فذكره، وفيه "أنتم ثلث أهل =

ص: 253

قال الطبراني: "تفرَّد برفعه ابن المبارك عن الثوري".

وقال خيثمة بن سليمان القرشي: حدثنا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد حدثنا محمد

(1)

بن بكار الصيرفي حدثنا حمَّاد بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنَّة عشرون ومئة صف، أنتم منها ثمانون صفًّا"

(2)

.

وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها، واختلفت مخارجها وصح سند بعضها، ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم رجا أوَّلًا أنْ يكونوا شطر أهل الجنَّة، فأعطاهُ اللَّهُ

(3)

سبحانه رجاءه، وزاده عليه شيئًا آخر.

= الجنَّة، بل أنتم نصف أهل الجنَّة، وتقاسمونهم النصف الباقي".

أخرجه أحمد (2/ 391)، والبخاري في تاريخه الكبير (1/ 154).

والحديث ضعيف الإسناد، مضطرب المتن، فيه عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة مجهول، وكذا ابنه محمد لم يوثقه إلَّا ابن حبان، وقد روى عنه جماعة.

انظر: تهذيب الكمال (25/ 608 - 609)، (17/ 77 - 78).

(1)

قوله: "حدثنا محمد" سقط من "ب، ج".

(2)

أخرجه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي كما في المنتخب من الجزء الأوَّل من فوائده ص (78 - 79)، والطبراني في معجمه الكبير (19/ 419) رقم (1012)، وابن عدي في الكامل (6/ 286).

وهذا الحديث منكر؛ تفرَّد به حماد بن عيسى الجهني عن الثوري، وحماد ضعيف الحديث عنده مناكير.

انظر: تهذيب الكمال (7/ 281 - 283).

(3)

ليس في "ج".

ص: 254

وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث أبي الزبير أنَّه سمع جابرًا يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أرجو أنْ يكون من يتبعني من أُمَّتي يوم القيامة رُبُعَ أهلِ الجنَّة، قال: فكبرنا، قال: فأرجو أنْ تكونوا الشَّطرَ"

(1)

.

وإسناده على شرط مسلم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 346)، والبزار في مسنده كما في كشف الأستار برقم (3533). والحديث كما قال المؤلف.

ص: 255

الباب الحادي والثلاثون في أنَّ النساء في الجنَّة أكثر من الرجال وكذلك هم في النَّار

ثبت في "الصحيحين"

(1)

من حديث أيوب عن محمد بن سيرين قال: إمَّا تفاخروا، وإمَّا تذاكروا: الرجال أكثر في الجنَّة أم النساء؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ألم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوَّل زُمرةٍ تدخل الجنَّة على صورة القمر ليلة البدرِ، والتي تليها على أضوإِ

(2)

كوكبٍ دريٍّ في السماء، لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مُخُّ سُوقِهِما من وراء اللحم، وما في الجنَّة عَزَبٌ".

فإنْ كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال، وإنْ كُنَّ من الحور العين لم يلزم أنْ يكُنَّ في الدنيا أكثر، والظاهر أنَّهنَّ من الحور العين؛ لما رواه الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"للرَّجل من أهل الجنَّة زوجتان من الحور العين، على كلِّ واحدةٍ سبعون حُلَّة يرى مخ ساقها من وراء الثياب"

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3073 و 3074 و 3081 و 3149) من طريق همام بن منبه والأعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة وأبي زرعة كلهم عن أبي هريرة.

ومسلم رقم (2834)، واللفظ لمسلم.

(2)

من "هـ" و"صحيح مسلم"، وفي باقي النسخ "أضواء".

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 345 و 420 و 422).

هكذا رواه حماد بن سلمة. ويظهر أنَّه مختصر، ولفظه بتمامه ما تقدم آنفًا.

وجملة "على كل واحدةٍ سبعون حُلَّة" غريبة. =

ص: 256

فإنْ قيل: فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر رضي الله عنه المتفق عليه: شهدتُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العيد، فصلى قبل أنْ يخطب بغير أذان ولا إقامة، ثمَّ خطب بعدما صلَّى، فوعظ النَّاس وذكرهم، ثمَّ أتى النساء فوعظهنَّ ومعه بلال، فذكرهنَّ وأمرهنَّ بالصدقة، قال: فجعلت المرأة تلقي خاتمها وخُرْصها والشيء كذلك،

= حيث لم يروها أيوب السختياني ولا عوف ولا معمر عن محمد بن سيرين.

لكن جاءت عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عند الدَّارمي برقم (2874) وفيه ". . إنَّه ليرى مخ ساقها من وراء سبعين حلَّة. . ".

لكنَّها رواية مختصرة ومروية بالمعنى، فقد خالف محمد بن المنهال الإمام أحمد.

فرواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 507) عن يزيد بن زريع عن هشام به بمثل لفظ أيوب المتقدم آنفًا، وفيه "من وراء الحلل" بدلًا من "اللحم".

وأيضًا فقد رواه عن أبي هريرة جماعة: همام بن منبه وأبو زرعة والأعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة وأبو صالح وأبو رافع وزياد المخزومي فلم يذكروا ما ذكره حماد بن سلمة "على كلِّ واحدةٍ سبعون حلَّة".

انظر: المسند الجامع (8/ 484 - 489)، وصفة الجنَّة لأبي نعيم من الرقم (240 - 244).

وقد ورد هذا عن ابن مسعود موقوفًا قال: "إنَّ المرأة من الحور العين ليُرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء".

أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (20867) وغيره.

وقد جاء هذا مقطوعًا وهو أصح، وقد روي مرفوعًا ولا يصح.

انظر: علل الدَّارقطني (5/ 227 - 228) رقم (837).

ص: 257

فأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بلالًا فجمع ما هناكَ، ثمَّ قال:"إنَّ منكنَّ في الجنَّة ليسير". فقالت امرأةٌ: يا رسول اللَّه لِمَ؟ قال: "إنَّكنَّ تُكثرن الَّلعن، وتكفرن العشير"

(1)

.

وفي الحديث الآخر: "إنَّ أقلَّ ساكني الجنَّة النساء"

(2)

.

قيل: هذا يدلُّ على أنَّهنَّ إنَّما كُنَّ في الجنَّة أكثر بالحور العين الَّلاتي خلقن في الجنَّة، وأقل ساكنيها نساء الدنيا، فنساء الدنيا أقل أهل الجنَّة، وأكثر أهل النَّار.

وأمَّا كونهنَّ أكثر أهل النَّارِ، فلما روى البخاري في "صحيحه" من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: بلغني أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اطَّلعتُ في النَّارِ فرأيتُ أكثر أهلها النساءَ، واطَّلعتُ في الجنَّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء"

(3)

.

وفي "صحيح مسلم"

(4)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اطَّلعتُ في الجنَّة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء، واطَّلعتُ في النَّار فرأيتُ أكثر أهلها النساء".

(1)

أخرجه البخاري رقم (935)، ومسلم رقم (885) واللفظ لمسلم.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه في (48) الرقاق، برقم (2738) من حديث عمران بن حصين.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه في (63) بدء الخلق، (8) باب ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مخلوقة (3/ 1184) رقم (3069).

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه في (48) الرقاق برقم (2737).

ص: 258

وروى الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اطَّلعتُ في النَّار فرأيتُ أكثرَ أهلها النساء، واطَّلعتُ في الجنَّة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء"

(1)

.

وفي "المسند" أيضًا من حديث عبد اللَّهِ بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اطَّلعتُ في الجنَّة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء، واطَّلعتُ في النَّار فرأيتُ أكثر أهلها الأغنياء والنساء"

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 297).

من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة فذكره.

وسنده منقطع شهر لم يسمع من أبي هريرة، وإنَّما يدخل أحيانًا بينه وبين أبي هريرة واسطة هو عبد الرحمن بن غنم، وقد ورد تصريحه بالسماع من أبي هريرة وفي ثبوته نظر.

والمتن محفوظ كما تقدم.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 173)، وكذا عبد اللَّه في زوائد المسند مختصرًا، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7489) مطوَّلًا.

من طريق شريك عن أبي إسحاق عن السائب بن مالك عن عبد اللَّه بن عمرو فذكره في قصة كسوف الشمس.

وهذه اللفظة غريبة من حديث أبي إسحاق.

فقد روى الحديث عطاء بن السائب عن أبيه السائب عن عبد اللَّه بن عمرو مطوَّلًا، وليس فيه هذه اللفظة إنَّما فيه بدلًا عنها ". . . عرضت عليَّ الجنَّة حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها، وعرضت عليَّ النَّار فجعلت أنفخ خشية أنْ يغشاكم حرَّها. . " هذا لفظ شعبة عن عطاء.

أخرجه أحمد (2/ 188) والنسائي (3/ 149). =

ص: 259

وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن الاستغفار

(1)

، فإنِّي رأيتُكنَّ أكثر أهل النَّار، فقالت امرأةٌ منهنَّ جَزْلَة: وما لنا يا رسول اللَّه أكثر أهل النَّار؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيتُ من

(2)

ناقصات عقلٍ ودينٍ أغلبَ لذي لبٍّ منكنَّ، قالت: يا رسول اللَّهِ وما نقصان العقل والدِّين؟ قال: أمَّا نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجلٍ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الأيام لا تصلي وتفطر

(3)

فهذا نقصان الدِّين"

(4)

.

وأمَّا كونهنَّ أقل أهل الجنَّة ففي "أفراد مسلم" عن مطرف بن عبد اللَّه: أنَّه كانت له امرأتان، فجاء من عند إحداهما، فقالتِ الأخرى: جئتَ من عند فلانةٍ، فقال: جئتُ من عند عمران بن حصين، فحدثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ أقلَّ ساكني الجنَّة النساء"

(5)

.

فإنْ قيل: فما تصنعون بالحديث الَّذي رواه أبو يعلى الموصلي: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد

= ورواه أيضًا أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد اللَّه بن عمرو فذكره مختصرًا.

أخرجاه في الصحيحين وأحمد (2/ 175) وغيرهم.

وفي الحديث اختلافٌ في صفة صلاة الكسوف ليس هذا موضعه.

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ""من الاستغفار".

(2)

ليس في "ب".

(3)

في صحيح مسلم "وتفطر في رمضان".

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه برقم (79).

(5)

أخرجه مسلم برقم (2738).

ص: 260

حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد

(1)

عن محمد بن كعب القرظي عن رجلٍ من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في طائفةٍ من أصحابه فذكر حديثًا طويلًا وفيه: "فيدخلُ الرجُل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ممَّا ينشئ اللَّهُ تعالى وثنتين من ولد آدم، لهما فضلٌ على من أنشأ اللَّهُ، بعبادتهما اللَّه في الدنيا"

(2)

وذكر الحديث.

قيل: هذا قطعة من حديث الصور الطويل، ولا يعرف إلَّا من حديث إسماعيل بن رافع، وقد ضعفه أحمد، ويحيى وجماعة وقال الدَّارقطني وغيره:"متروك الحديث"، وقال ابن عدي:"أحاديثه كلها ممَّا فيه نظر".

وأمَّا البخاري، فقال فيه: ما حكاه الترمذي عنه قال: "سمعت محمدًا يقول: هو ثقة، مقارب الحديث"

(3)

.

(1)

وفي بعض مصادر التخريج "يزيد بن أبي زياد" وفي بعضها "محمد بن يزيد بن أبي زياد" وكلها ترجع إلى اضطراب إسماعيل بن رافع في هذا الحديث، وإسماعيل شبه المتروك.

(2)

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب رقم (3013)، والطبري في تفسيره (10/ 110)، والطبراني في الأحاديث الطِّوال رقم (36)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (386)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (668 و 669)، وابن عدي في الكامل (6/ 267).

والحديث ضعيف جدًّا، تكلم فيه البخاري والبيهقي وعبد الحق والمؤلف وابن كثير والبوصيري وابن حجر وغيرهم.

انظر: فتح الباري (11/ 368 - 369) وغيره.

(3)

انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (3/ 85 - 90).

ص: 261

قلتُ: ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف الأحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته، وأيضًا فالرجل الَّذي رواه عنه القُرَظي لا يُدْرَى منْ هو؟

وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث عُمَارة بن خزيمة بن ثابت قال: كُنَّا مع عمرو بن العاص رضي الله عنهما في حج أو عمرة، حتَّى إذا كنَّا بمرِّ الظَّهران، فإذا امرأة في هودجها، قال: فمال فدخل الشِّعْبَ فدخلنا معه فقال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذ المكان، فإذا نحن بغربان كثيرةٍ فيها غُرَابٌ أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل الجنَّة من النساء إلَّا مثل هذا الغراب في هذه الغربان"

(1)

.

والأعصم من الغِربان: الَّذي في جناحه ريشة بيضاء.

قال الجوهري: "ويقال هذا كقوهم: الأبلق العَقُوق، وبَيْض الأنُوق، لكلِّ شيء يعزُّ وجوده"

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (4/ 197 و 205) وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم (294)، والنسائي في الكبرى (5/ 400) رقم (9268)، وأبو يعلى في مسنده (13/ رقم 7343)، والحاكم في المستدرك (4/ 645) رقم (8781 و 8782)، والبيهقي في شعب الإيمان (13/ 7433) وغيرهم.

والحديث قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

وقال الهيثمي: "ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (10/ 400).

(2)

الصحاح (2/ 1465 - 1466).

ص: 262

وفي "النهاية"

(1)

: "الغراب الأعصم": هو الأبيض الجناحين، وقيل الأبيض الرجلين، أراد: قلَّة من يدخل الجنَّة من النساء؛ لأنَّ هذا الوصف في الغربان قليل عزيز.

وفي حديث آخر: "المرأة الصالحةُ مثل الغراب الأعصم، قيل: يا رسول اللَّه وما الغراب الأعصم؟ قال: "الَّذي إحدى رجليه بيضاء"

(2)

.

(1)

لابن الأثير (3/ 249).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في المطالب العالية (8/ 389) رقم (1686) معلقًا.

من طريق مطرِّح بن يزيد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أُمامة.

وهذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا، وقد ضعف يحيى بن معين وأبو حاتم الرَّازي جميع أحاديث هذه السلسلة.

وعلي بن يزيد هو الألهاني: متروك عند عامة أهل الجرح والتعديل، انظر: تهذيب الكمال (21/ 178 - 182).

وفيه أيضًا مطرَّح بن يزيد وهو متفق على ضعفه. انظر: تهذيب الكمال (28/ 60 - 62).

والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري. انظر: مجمع الزوائد (4/ 273).

* وورد من حديث عائشة وفيه قصة وفيه ". . . إنَّ مثل المرأة المؤمنة في النساء كمثل الغراب الأعصم في الغربان. . ".

أخرجه عبد بن حميد في مسنده رقم (1526 - المنتخب)، وأبو الشيخ في الأمثال رقم (137)، والطبراني في مسند الشاميين رقم (1171).

من طريق: كثير بن عبيد ومحمد بن عمرو بن حنان ومحمد بن الفضل عن بقية بن الوليد حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عائشة.

ولكنَّه حديث معلول بالإرسال كما أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (65/ 221).

ص: 263

وفي حديثٍ آخر: "عائشة في النساء، كالغراب الأعصم في الغربان"

(1)

.

(1)

انظر الفائق للزمخشري (2/ 369) والحديث لم أقف عليه.

ص: 264

الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنَّة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم

ثبت في "الصحيحين"

(1)

من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنَّة من أمتي زمرةٌ: هم سبعون ألفًا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر"، فقام عُكَّاشة بن مِحْصَنٍ الأسدي فرفع نمرة عليه، فقال: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أنْ يجعلني منهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اللهم اجعله منهم"، ثمَّ قام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه، ادعُ اللَّهُ أنْ يجعلني منهم، فقال:"سبقك بها عُكَّاشة".

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث سهل بن سعد أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلنَّ الجنَّة من أمتي سبعون ألفًا أو سبع مئة ألف

(3)

آخذٌ بعضهم ببعض حتى يدخل أوَّلُهم وآخرهم الجنَّة، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر".

فهذه هي الزُمرة الأولى، وهم يدخلونها بغير حساب، والدَّليل عليه ما ثبت في "الصحيحين"

(4)

والسِّياق لمسلم، حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا حُصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند

(1)

البخاري رقم (6176)، ومسلم رقم (216).

(2)

أخرجه البخاري رقم (6177)، ومسلم رقم (219).

(3)

في الصحيحين زيادة "متماسكين".

(4)

البخاري رقم (6175)، ومسلم رقم (220).

ص: 265

سعيد بن جبير، فقال: أيكم رأى الكوكب الَّذي انقض البارحة، قلت: أنا، ثمَّ قلتُ: أما إنِّي لم أكن في صلاة، ولكنِّي لُدغت قال: فما صنعت؟ قلتُ: استرقيت قال: فما حملك على ذلك؟ قلتُ: حديث حدثناه الشعبي، قال: وما حدثكم الشعبي؟ قلتُ: حدثنا عن بُرَيدة بن حصيب الأسلمي أنَّه قال: لا رُقية إلَّا من عينٍ أو حُمَة، فقال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت عليَّ الأمم فرأيت النَّبي ومعه الرهط، والنَّبي ومعه الرجل والرجلان، والنَّبي وليس معه أحد، إذ رُفِعَ لي سوادٌ عظيم، فظننتُ أنَّهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه؛ ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي

(1)

: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنَّة بغير حسابٍ ولا عذاب"، ثمَّ نهض فدخل منزله، فخاض النَّاس في أولئك الَّذين يدخلون الجَنَّة بغير حسابٍ ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الَّذين صحبوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الَّذين وُلِدُوا في الإسلام ولم يشركوا باللَّه، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول اللَّه فقال: "ما الَّذي تخوضون فيه"؟ فأخبروه، فقال: هم الَّذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عُكاشة بن محصن فقال: ادعُ

(2)

اللَّه أنْ يجعلني

(1)

من قوله "انظر إلى الأفق" إلى "لي" من صحيح مسلم، وليس في جميع النسخ.

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ""يا رسول اللَّه ادع" وليست في مسلم ولا في جميع النسخ.

ص: 266

منهم، فقال:"أنت منهم"، ثمَّ قام رجلٌ آخر فقال: ادعُ اللَّهَ أنْ يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة".

وليس عند البخاري "ولا يَرْقُون".

قال شيخنا

(1)

: وهو الصواب، وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث، وهو غلطٌ من بعض الرواة

(2)

، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف

(1)

هو ابن تيمية، انظر: مجموع الفتاوى (1/ 182، 328)، وراجع: مفتاح دار السعادة (2/ 234)، وزاد المعاد (1/ 495 - 496).

فائدة: تعقَّب الحافظ ابنُ حجر ابنَ تيمية في هذه الزيادة "ولا يرقون" في الفتح (11/ 408 - 409)، وأجاب عن هذه التعقبات الشيخ سليمان بن عبد اللَّه آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد ص (84 - 85).

(2)

لعله من سعيد بن منصور، فقد خالفه جماعة فلم يذكروا هذه اللفظة عن هشيم، منهم:

- سريج بن النعمان عند أحمد (1/ 271).

- وشجاع بن مخلد الفلاس عند عبد اللَّه في زوائده على المسند (1/ 271).

- ومحمد بن الصباح عند أبي نعيم في مستخرجه برقم (526).

- وأُسيد بن زيد عند البخاري برقم (6175).

- وزكريا بن يحيى زحمويه عند البيهقي في شعب الإيمان رقم (1122).

- ومحمد بن عبيد القرشي عند ابن أبي الدنيا في التوكل رقم (39).

ورواه شعبة وحصين بن نمير ومحمد بن فضيل وعبثر بن القاسم كلهم عن حصين بن عبد الرحمن به ولم يذكروا هذه اللفظة.

وجاء الحديث بدون هذه الزيادة "ولا يرقون" عن غير واحدٍ منهم:

عمران بن حصين عند مسلم رقم (371 و 372) وغيره.

وابن مسعود وسيأتي قريبًا.

وهذا يؤيد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بأنَّها غلط.

ص: 267

الَّذي استحق به هؤلاء دخول الجنَّة بغير حساب، هو تحقيق التوحيد وتجريده، فلا يسألون غيرهم أنْ يرقيهم، ولا يتطيرون -والطيرة: نوعٌ من الشرك- ويتوكلون على اللَّهِ وحده لا على غيره، وتركهم الاسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على اللَّهِ كما في الحديث:"الطيرة شرك"، قال ابن مسعود:"وما منَّا إلَّا، ولكن اللَّه يذهبه بالتوكل"

(1)

.

فالتوكل ينافي التطير، وأمَّا رقية الغير فهي إحسان من الرَّاقي، وقد رقى رسولَ اللَّهِ جبريلُ، وأذن

(2)

في الرُّقا

(3)

، وقال:"لا بأس بها ما لم يكن فيها شرك"

(4)

، واستأذنوه فيها فقال:"من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"

(5)

، وهذا يدلُّ على أنَّها نفع وإحسان، وذلك مستحب

(1)

أخرجه الترمذي برقم (1614)، وأبو داود برقم (3910)، وابن ماجه برقم (3538)، وأحمد (1/ 389)، وابن حبان (6122)، والحاكم (1/ 64 - 65) رقم (43 و 44).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلَّا من حديث سلمة ابن كهيل. . . ".

والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي والعراقي وغيرهم.

وقوله "وما منَّا إلَّا. . . " مدرجٌ من قول عبد اللَّه بن مسعود قاله سليمان بن حرب.

(2)

في "ب، د""بل وأذن".

(3)

يشير إلى حديث عائشة وأبي سعيد الخدري عند مسلم رقم (2185 و 2186).

(4)

أخرجه مسلم برقم (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.

(5)

أخرجه مسلم برقم (2199) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.

ص: 268

مطلوب للَّه ورسوله، فالرَّاقي محسنٌ، والمسترقي سائلٌ راجٍ نفع الغير، وتحقيق التوكل ينافي ذلك.

فإنْ قيل: فعائشة قد رقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجبريل قد

(1)

رقاهُ.

قيل: أجل، ولكن هو لم يسترقِ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يرقيهم راقٍ، وإنَّما قال: لا يطلبون من أحدٍ أنْ يرقيهم، وفي امتناعه صلى الله عليه وسلم أنْ يدعو للرجل الثاني سدٌّ لباب الطلب؛ فإنَّه لو دعا لكلِّ من سأله ذلك، فربما طلبه من ليس من أهله، واللَّهُ أعلم.

وفي "صحيح مسلم"

(2)

من حديث محمد بن سيرين، عن عمران ابن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنَّة من أُمَّتي سبعون ألفًا بغير حسابٍ ولا عذاب" قيل: من هم؟ قال: "هم الَّذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".

وفي "صحيحه"

(3)

أيضًا من حديث أبي الزبير أنَّه سمع جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: سمعتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يذكر حديثًا وفيه "فتنجوا أوَّل زمرةٍ وجوههم كالقمر ليلة البدرِ، سبعون ألفًا لا يحاسبون، ثمَّ الَّذين يلونهم كأضوإِ نجمٍ في السماء ثمَّ كذلك" وذكر تمام الحديث.

وقال أحمد بن منيع في "مسنده": حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حمَّاد عن عاصم عن زِرًّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال

(1)

ليس في "ب".

(2)

رقم (218).

(3)

رقم (191).

ص: 269

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عليَّ الأُمم بالموسم فراثتْ

(1)

عليَّ أمتي ثمَّ رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملؤوا السهل والجبل، فقال: أرضيتَ يا محمد؟ فقلتُ: نعم، فقال: فإنَّ مع هؤلاء سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وهم الَّذين لا يسترقون، ولا يكتوون وعلى ربِّهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول اللَّه، ادعُ اللَّهَ أن يجعلني منهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنت منهم، فقال رجلٌ آخر، فقال:"سبقك بها عُكاشة"

(2)

.

وإسناده على شرط مسلم.

(1)

جاء في حاشية "أ": "راث عليَّ الخَبَر يريثُ، أي: أبطأ. النهاية.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (1/ 403)، والطيالسي في مسنده برقم (350)، وابن أبي شيبة في مسنده رقم (352)، وأبو يعلي في مسنده (9/ رقم 5340)، والبخاري في الأدب المفرد رقم (911).

من طرق عن حماد بن سلمة به مثله.

وزادوا "ولا يتطيرون" سوى أبي يعلى وابن أبي شيبة.

وله طريقٌ آخر عن ابن مسعود: رواهُ العلاءُ بن زياد والحسن البصري عن عمران عن ابن مسعود مطوَّلًا وفيه "ولا يتطيرون".

أخرجه أحمد في المسند (1/ 401)، والطيالسي في مسنده رقم (404)، وأبو يعلي في مسنده (9/ رقم 5339)، وابن حبان (14/ رقم 6431) والحاكم (4/ 621) رقم (8721) وغيرهم.

والحديث صححه ابن حبان والحاكم والبوصيري والضياء المقدسي والمؤلف وغيرهم.

انظر: إتحاف الخيرة المهرة (8/ 250)، وصفة الجنَّة للمقدسي (176).

ص: 270

الباب الثالث والثلاثون في ذِكْر حَثيَات الرَّب تبارك وتعالى الَّذين يدخلهم الجنَّة

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال: سمعتُ أبا أُمامة الباهلي يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربي أنْ يدخل الجنَّة

(1)

من أمتي سبعين ألفًا، مع كلِّ ألفٍ سبعون ألفًا لا حسابَ عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي"

(2)

.

قلتُ: وإسماعيل بن عياش

(3)

إنَّما يخاف من تدليسه وضعفه.

فأمَّا تدليسه: فقد قال الطبراني: حدثنا أحمدُ بن المعلى الدمشقي، والحسين بن إسحاق التستري قالا: حدثنا هشام بن عمَّار

(1)

ليس في "ب".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 319) رقم (31705)، والترمذي برقم (2437)، وابن ماجه (4286)، وأحمد في المسند (5/ 268)، والطبراني في الكبير (8/ 129 - 130) رقم (7520) وفي مسند الشاميين (2/ 7 - 8) رقم (820) وغيرهم.

قال الترمذي: "حسنٌ غريب".

وقال ابن كثير: "هذا إسنادٌ جيِّدٌ".

ورواهُ بقية بن الوليد حدثني محمد بن زياد عن أبي أُمامة أو عن رجلٍ من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 130) رقم (7521)، والدارقطني في الصفات رقم (53).

(3)

قوله "بن عياش" ليس في "ب".

ص: 271

قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: أخبرني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعتُ أبا أُمامة يقول: فذكره.

وأمَّا ضعفه: فإنَّما هو فى غير حديث الشاميين

(1)

وهذا من روايته عن الشاميين.

وأيضًا، فقد جاء من غير طريقه، قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر وأبي

(2)

اليمان الهوزني عن أبي أُمامة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ وعدني أنْ يدخل الجنَّة من أُمتي سبعين ألفًا بغير حساب" قال يزيد بن الأخنس: واللَّه ما أولئك يا رسول اللَّه إلَّا مثل الذباب الأصهب

(3)

في الذِّبانِ

(4)

، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"فإنَّ اللَّهَ وعدني سبعين ألفًا، مع كلِّ ألفٍ سبعين ألفًا، وزادني ثلاثَ حثياتٍ"

(5)

.

(1)

كما نصَّ على ذلك علي ابن المديني ويحيى بن معين والإمام أحمد بن حنبل وأبو حاتم الرَّازي ودحيم وعمرو بن علي الفلَّاس والبخاري ويعقوب بن شيبة وغيرهم.

انظر: تهذيب الكمال (3/ 171 - 181).

(2)

في جميع النسخ "عن أبي اليمان" والمثبت عند ابن أبي عاصم وغيره.

(3)

الأصهب: هو الَّذي يعلو لونه صُهْبة، كالشُّقْرة، وهو أنْ يخالط لونه لونًا آخر. انظر: الصحاح (1/ 180)، والنهاية (3/ 62).

وقد جاء عند الطبراني وغيره "الذباب الأزرق" بدلًا من "الأصهب".

(4)

في "أ، ج، هـ""الذباب"، وفي "د""الذناب" وهو خطأ.

(5)

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 445 - 446) رقم (1247)، وأحمد في المسند (5/ 250)، والطبراني في الكبير (8/ 187) رقم =

ص: 272

قال أبو عبد اللَّه المقدسي: "أبو اليمان اسمه: عامر بن عبد اللَّه بن لحي، ودحيم لقب، واسمه: عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إلَّا الهوزني وما علمتُ فيه جرحًا"

(1)

.

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليدٍ حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية ابن سلَّام عن زيد بن سلَّام أنَّه سمع أبا سلَّام يقول: حدثني عامر

(2)

ابن يزيد بن البكالي أنَّه سمع عتبة بن عبدٍ السلمي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ ربي عز وجل وعدني أنْ يدخل الجنَّة من أُمتي سبعين ألفًا بغير حسابٍ، ثمَّ يشفع كلُّ ألفٍ لسبعين ألفًا، ثُمَّ يحثي

(3)

ربي تبارك وتعالى بكفيه ثلاث حثياتٍ"، فكبَّر عمر وقال: إنَّ السبعين الأول يشفعهم اللَّهُ في آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم وعشائرهم وأرجو أنْ يجعلني اللَّه في أحد الحثيات الأواخر"

(4)

.

= (7672)، وابن حبان في صحيحه (16/ 230) رقم (7246).

- ورواه معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أُمامة فذكره.

أخرجه الطبراني (8/ رقم 7665)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (147). والحديث صححه ابن حبان، وحسنه ابن كثير، وصحح سنده الحافظ ابن حجر. انظر: الإصابة (6/ 336).

(1)

انظر: صفة الجنَّة لضياء الدِّين المقدسي ص (178).

(2)

ليس في "ج".

(3)

في الطبراني "يحثي لي ربي".

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 126 - 127) رقم (312)، وفي الأوسط رقم (402)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 341 - 342)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (300)، وابن حبان في صحيحه (14/ رقم 6450)، والطبري =

ص: 273

قال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد: "لا أعلم لهذا الإسناد عِلَّة"

(1)

.

قال الطبراني: وحدثنا أحمد بن خُليد حدثنا توبة حدثنا معاوية بن سلَّام عن زيد بن سلَّام

(2)

أنَّه سمع أبا سلَّام يقول: حدثني عبد اللَّه بن عامر أنَّ

(3)

قيس الكندي حدَّثه أنَّ أبا سعيد الأنماري رضي الله عنه حدثه أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ ربي عز وجل وعدني أنْ يدخل الجنَّة من أمتي سبعين ألفًا بغير حسابٍ، ويشفع كلُّ ألفٍ لسبعين

(4)

ألفًا، ثمَّ يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه" قال قيس

(5)

: فقلتُ لأبي سعيد: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم بأذني ووعاه قلبي، قال أبو سعيد: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "وذلك إنْ شاء اللَّه يستوعب مهاجري

= في تفسيره (13/ 149)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (346) وغيرهم.

- ورواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنَّه سمع عتبة بن عبد السلمي فذكره مطوَّلًا.

أخرجه أحمد في المسند (4/ 183 - 184)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (716)، والطبراني في الكبير (17/ 127) رقم (313).

والحديث مداره على عامر بن زيد البكالي وهو تابعي سمع من عتبة، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 191)، ولم يروه عنه غير أبي سلام ويحيى ابن أبي كثير، وسيأتي من طريق آخر ص (343).

(1)

انظر: صفة الجنَّة للمقدسي ص (179).

(2)

قوله "عن زيد بن سلام" ليس في "ب، د".

(3)

في جميع النسخ "بن" وهو خطأ.

(4)

في جميع النسخ "ويشفع لكلِّ ألفٍ سبعين" هو خطأ.

(5)

في جميع النسخ "ابن قيس".

ص: 274

أمتي ويوفي اللَّه عز وجل بقيته من أعرابنا"

(1)

.

قال الطبراني: "لم يُروَ هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلَّا بهذا الإسناد، تفرَّد به معاوية بن سلَّام".

وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده وفيه: قال أبو سعيد: فحُسِبَ ذلك عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعة مئة ألفِ ألفِ وتسع مئة ألفٍ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ ذلكَ يستوعب إنْ شاء اللَّه مهاجري أمتي".

قال الطبراني: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النَّرسي، ومحمد ابن يحيى بن منده الأصبهاني قالا: أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي، حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ وعدني أنْ يدخل من أمتي ثلاث مئة ألف الجنَّة، فقال عمير: يا رسول اللَّه زدنا، فقال: هكذا بيده، فقال عميرٌ: يا رسول اللَّهِ زدنا، فقال عمر: حسبكَ

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (404)، وفي الكبير (22/ رقم 771)، وفي مسند الشاميين (4/ 106) رقم (2863)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (814)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2907) رقم (6817)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 371 - 372)، وابن الأثير في أُسد الغابة (6/ 137 - 138) وغيرهم.

وقد وقع في تلك الأسانيد اختلاف واضطراب ممَّا جعل الحافظ ابن حجر يقول: "فمن هذا الاختلاف يتوقف في الجزم بصحة هذا السند".

راجع تفصيل ذلك: الإصابة (7/ 85)، وحاشية السنة لابن أبي عاصم للألباني.

ص: 275

يا عميرُ، فقال: ما لنا ولك يا ابنَ الخطاب، وما عليكَ أن يدخلنا اللَّه الجنَّة، فقال عمر: إنَّ اللَّه عز وجل إنْ شاءَ أدخل النَّاس الجنَّة بحفنةٍ أو بحثيةٍ واحدةٍ، فقال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم:"صدَقَ عمر"

(1)

.

قال محمد بن عبد الواحد: "لا أعرف لعمير حديثًا غيره"

(2)

.

وفي "الحلية" من حديث سليمان بن حرب حدثنا أبو هلال عن قتادة

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 64) رقم (123)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2096 - 2097) رقم (5272).

- ورواهُ معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك فذكره كما سيأتي عند المؤلف.

أخرجه عبد الرزاق (11/ 286)، وأحمد في المسند (3/ 165)، وابن أبي داود في البعث رقم (50) وغيرهم.

- ورواهُ أبو هلال الراسبي عن قتادة عن أنس فذكره، كما سيأتي عند المؤلف.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 193)، والبزار كما في كشف الأستار برقم (3548)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 334).

قال البزار: "لا نعلمُ أحدًا تابع أبا هلال على روايته، وإنَّما يرويه قتادة عن أنس".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه، تفرَّد به أبو هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي، ثقةٌ بصري".

والَّذي يظهر أنَّ الطريق الأوَّل من مسند عمير هو الأصح، وفي سنده أبو بكر بن عمير فيه جهالة، قال الحافظ ابن حجر:"لا أعلمُ أحدًا وثَّقه". وقال الهيثمي: ". . وأبو بكر بن عمير لم أعرفه. . ".

انظر: مجمع الزوائد (10/ 405).

(2)

انظر: صفة الجنَّة للمقدسي ص (182).

ص: 276

عن أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "وعدني ربي عز وجل أنْ يدخل من أمتي الجنَّة مئة ألفٍ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول اللَّه زِدْنا، فقال: وهكذا -وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك- قال: يا رسول اللَّه زدنا، فقال عمر: إنَّ اللَّه عز وجل قادرٌ أنْ يدخل النَّاس الجنَّة بحفنةٍ واحدةٍ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر".

رواهُ عنه إبراهيم بن الهيثم البلوي، وفيه ضعفٌ. تفرَّد به أبو هلال الرَّاسبي: بصري واسمه محمد بن سُليم.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّه عز وجل وعدني أنْ يدخل الجنَّة

(1)

من أمتي أربعَ مئةِ ألف". قال أبو بكر: زدْنا يا رسول اللَّه قال: وهكذا وجمع بين يديه، قال: زدنا يا رسول اللَّه قال: وهكذا وجمع كفيه

(2)

، فقال عمرُ: حسبُك يا أبا بكر، فقال أبو بكر: دَعْني وما عليك أنْ يدخلنا اللَّه الجنَّة كلَّنا!! فقال عمر: إنَّ اللَّه

(3)

إنْ شاء أدخل خلقه الجنَّة بكفٍّ واحدةٍ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"صدق عمر".

تفرَّد به عبد الرزاق.

وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه

(1)

ليس في "ب".

(2)

قوله "وجمع كفيه" من المصنف لعبد الرزاق.

(3)

قوله "إنَّ اللَّهَ" من المصنف لعبد الرزاق.

ص: 277

عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنَّة من أمتي سبعون ألفًا". قالوا: زدنا يا رسول اللَّه قال: لكلِّ رجلٍ سبعون ألفًا". قالوا: زدْنا يا رسول اللَّه وكان على كثيب فحثا بيده، قالوا: زدنا يا رسول اللَّه

(1)

فقال: هكذا وحثا بيده، قالوا: يا نبي اللَّهِ، أبعدَ اللَّه من دخل النَّار بعد هذا"

(2)

.

قال محمد بن عبد الواحد: "لا أعلمه رُويَ عن أنس إلَّا بهذا الطريق، وسئل يحيى بن معين عن عبد القاهر فقال: صالح".

وأصحاب هذه الحثيات هم الَّذين وقعوا في قبضته الأولى سبحانه يوم القبضتين

(3)

.

فإنْ قيل: فكيف كانوا أوَّلًا قبضة واحدة، ثمَّ صاروا ثلاث حثيات

(1)

من قوله "قال: لكل رجل. . . " إلى "اللَّه" من مسند أبي يعلى.

(2)

أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/ 417) رقم (3783).

وهذا الحديثُ منكر، تفرَّد به عبد القاهر بن السَّري السلمي وكان ضريرًا، قال فيه ابن معين: صالح، وقال أيضًا: لم يكن به بأس، وقال يعقوب بن سفيان: منكر الحديث.

انظر: تهذيب الكمال (18/ 233 - 234).

(3)

لعلَّه يشيرُ إلى ما أخرجهُ أحمد في المسند (4/ 176 - 177) من طريق أبي نضرة أنَّ رجلًا من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم يُقال له: أبو عبد اللَّهِ وذكر قصة احتضاره، وفيه "ولكنِّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ اللَّهَ قبض بيمينه قبضة، وأُخرى باليد الأُخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أُبالي".

وسنده صحيح.

قال الهيثمي: "ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (7/ 185).

قال العقيلي: "وقد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة".

ص: 278

مع العدد المذكور؟

قيل: الرَّبُّ سبحانه وتعالى أخرج يوم القبضتين صورهم وأشباحهم، وقد روي أنَّهم كانوا كالذَّر

(1)

، وأمَّا يوم الحَثَيات

(2)

، فيكونون أتمَّ ما كانوا خِلْقةً، وأكمل أجسامًا، فناسبَ أنْ تتعدد الحثيات بكلتا اليدين، واللَّه أعلم.

(1)

لعلَّه يشيرُ إلى حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "خلق اللَّهُ آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء، كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذريةً سوداء كأنَّهم الحُمَم، فقال للَّذي في يمينه إلى الجنَّة ولا أُبالي، وقال للَّذي في كفه اليسرى: إلى النَّار ولا أُبالي".

أخرجه أحمد في المسند (6/ 441)، وعبد اللَّه في زوائده على المسند، والبزار في مسنده (10/ 78) رقم (4133)، وعبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (1059) وغيرهم.

قال البزار: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلَّا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده حسن".

والحديث تفرَّد به أبو الربيع سليمان بن عتبة الدمشقي، وهو مختلف فيه.

انظر: تهذيب الكمال (12/ 37 - 39).

(2)

في "أ، ب": "الحساب".

ص: 279

الباب الرَّابع والثلاثون في ذكر تربة الجنَّة وطينها

(1)

وحصبائها وبنائها

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، وأبو كامل قالا: ثنا زهير، حدثنا سعد الطائي، حدثنا أبو المُدِلَّة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قلنا: يا رسول اللَّهِ، إذا رأيناك رقَّت قلوبنا، وكُنَّا من أهلِ الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا، وشَمَمْنا النِّساء والأولاد، قال:"لو تكونون على كلِّ حالٍ على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء اللَّهُ بقومٍ يذنبون كي يغفر لهم". قال: قلنا: يا رسول اللَّهِ، حدثنا عن الجنَّة ما بناؤها؟ قال: لبنةُ ذهبٍ، ولبنةُ فضة، ومِلاطُها

(2)

المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يَبْؤس، ويخلدُ لا يموتُ، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابه، ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمامُ العادلُ، والصائمُ حتى يفطر، ودعوة المظلوم؛ تُحملُ على الغمام، وتفتح لها أبواب السماواتِ، ويقول الرَّبُّ: وعِزَّتي

(3)

لأنصرنك ولو بعد حينٍ"

(4)

.

(1)

في "ب، هـ""وطينتها".

(2)

الملاط: الطين يكون بين الَّلبنتين. يعني طينها مسك. قاله عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس ص (6).

(3)

ليس في "ب"، وجاء في "د، هـ""وعزَّتي وجلالي".

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 304 - 305)، وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب - رقم 1418)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7387)، =

ص: 280

وروى أبو بكر بن مردويه من حديث الحسن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سُئِل رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الجنَّة فقال: "من يدخل الجنَّة يحيا ولا يموتُ، وينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" قيل: يا رسول اللَّه كيف بناؤها؟ قال: لبنةٌ من ذهبٍ ولبنةٌ من فضة، وملاطها مسكٌ أذفرٌ

(1)

، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران"

(2)

.

هكذا جاء في هذه الأحاديث أنَّ ترابها الزعفران.

= وأبو نعيم في صفة الجنَّة (100، 136) وغيرهم.

والحديث وقع فيه اختلاف، وهذا السند هو الصحيح.

والحديث مدارهُ على أبي المُدِلَّة لم يوثقه إلَّا ابن حبان في الثقات (5/ 72)، ولم يرو عنه غير أبي مجاهد سعد الطائي، وقد قال فيه علي ابن المديني:"أبو مدلة مولى عائشة، لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبي مجاهد الطائي".

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ""المسك الأذفر".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 53) رقم (33944)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (12)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (96، 139) وغيرهم.

من طريق عمر بن ربيعة عن الحسن عن ابن عمر فذكره.

وعمر بن ربيعة اختلف فيه: فوثقه ابن معين، وقال فيه أبو حاتم الرَّازي: منكر الحديث، الجرح (6/ 109)، وضعفه الدارقطني، واستغرب الترمذي أحاديثه التي أخرجها عنه.

ويظهر أنَّه كما قال أبو حاتم: منكر الحديث، وأيضًا في سماع الحسن من ابن عمر اختلاف.

انظر: المرسل الخفي (2/ 750 - 759)، وجامع التحصيل للعلائي رقم (135).

ص: 281

وكذلك روى يزيد بن زريع

(1)

، حدثنا سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الجنَّةُ لبنةٌ من ذهبٍ، ولبنةٌ من فضة، ترابها الزعفرانُ وطينها المسكُ"

(2)

.

(1)

في "ج": "ربيع" وهو خطأ.

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (160)، وفي حلية الأولياء (2/ 249)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (283).

- ورواه معمر عن قتادة عن العلاء عن أبي هريرة موقوفًا فذكره وفيه زيادة.

أخرجه عبد الرزاق (11/ 416 - 417) رقم (20875)، وابن المبارك في الزهد -زيادات نعيم- رقم (252) وغيرهما.

- ورواه عمران القطان عن قتادة عن العلاء عن أبي هريرة مرفوعًا.

أخرجه أحمد في المسند (2/ 362) وأبو نعيم في الحلية (2/ 248) وغيرهما.

- ورواه مطر الورَّاق عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره.

أخرجه ابن طهمان في مشيخته رقم (34)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات رقم (732)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (138) وغيرهم.

قلتُ: أمَّا رواية سعيد بن أبي عروبة، فقد شك فيها محمد بن المنهال، فقد قال:"-حفظي- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم". وليس في مطبوعة الحلية "عن أبي هريرة"، وابن المنهال كان حافظًا لحديث يزيد بن زريع، إلَّا أنَّه كان ضريرًا ولم يكن له كتاب، فلعل قوله ذلك دليلٌ على عدم ضبطه هذا الحديث بعينه، أو علم أنَّ غيره يخالفه فيه فقال: حفظي. . واللَّهُ أعلم.

- وأمَّا رواية عمران فهو يخطئ على قتادة كثيرًا، وليس من حفاظ أصحابه.

- ولعلَّ الصواب قول معمر موقوفًا، فقد سُئِل الدَّارقطني عن حديث قتادة، ومطر -وهو ضعيف الحفظ- فقال:"والموقوف أشبه" علل الدَّارقطني =

ص: 282

وفي "الصحيحين

(1)

من حديث الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو ذرٍّ يحدث أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "أُدْخِلْتُ الجنَّة فإذا فيها جنابذُ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسكُ" وهو قطعة من حديث المعراج.

وروى مسلمٌ في "صحيحه"

(2)

من حديث حمَّاد بن سلمة عن الجُريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سأل ابن صائد

(3)

عن تربة الجنة، فقال: دَرمَكةٌ بيضاءُ، مسكٌ خالصٌ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"صدق".

ثمَّ رواهُ عن أبي بكر بن أبي

(4)

شيبة عن أبي أُسامة عن الجُريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد

(5)

أنَّ ابن صياد

(6)

سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنَّة فقال: "دَرمكَةٌ بيضاءُ مسكٌ خالصٌ"

(7)

.

= (11/ 139).

(1)

البخاري رقم (3164)، ومسلم رقم (163).

(2)

ليس هذا الطريق في صحيح مسلم، وإنَّما هو عند أحمد (3/ 4، 24، 25، 43) وغيره، من هذا الطريق.

والَّذي في مسلم رقم (2928)، من طريق بشر بن المفضَّل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة به.

(3)

في "ب، هـ""صيَّاد".

(4)

سقط من "ب".

(5)

قوله "عن أبي سعيد" ليس في جميع النسخ.

(6)

في نسخةٍ على حاشية "أ""صايد".

(7)

أخرجه مسلم برقم (2928).

ص: 283

وقال سفيان بن عيينة عن مُجَالد عن الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قد غُلِبَ أصحابك اليوم، قال: وبأي شيءٍ غُلِبُوا؟ قال: سألهم اليهود: كم عدد خزنة النَّار فقالوا: لا ندري حتى نسأل نبينا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أَيُغْلَبُ قومٌ سُئِلوا عمَّا لا يعلمون؛ فقالوا: حتى نسأل نبينا؟! ولكن هم أعداءُ اللَّهِ سألوا نبيهم أنْ يريهم اللَّه جهرةً، عليَّ بأعداءِ اللَّهِ، فإنِّي سائلهم عن تربة الجنَّة وأنَّها دَرْمَكَةٌ". فلمَّا أنْ جاؤوهُ قالوا: يا أبا القاسم كم عِدَّة خزنة أهل النَّار؟

(1)

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيديه كلتيهما: هكذا وهكذا، وقبض واحدة، أي: تسعة عشر، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما تربة الجنَّة؟ فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: خبزة يا أبا القاسم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "الخبزة من الدرمك"

(2)

.

(1)

في "د""عدد خزنة النَّار"، وليس في "ب، ج""أهل"، وفي "هـ""عدد خزنة أهل النَّار".

(2)

أخرجه الترمذي برقم (3327)، وأحمد في مسنده (3/ 361) مختصرًا، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (159) وغيرهم.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب، إنَّما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد".

- ورواهُ الزبير بن موسى عن أبيه عن جابر قال سُئِلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أرض الجنَّة؟ قال: "خبزة بيضاء".

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (152).

وفيه الزبير بن موسى لم يوثقه إلَّا ابن حبان، وفيه والدُهُ: موسى بن ميناء، لم أقف عليه.

انظر تهذيب الكمال (9/ 330 - 331).

ص: 284

فهذه ثلاث صفات في تربتها، لا تعارض بينها.

فذهبت طائفة من السلف إلى أنَّ تربتها متضمنةٌ للنوعين: المِسْك والزعفران.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال: قال مُغِيث بن سُمَي: "الجنَّة ترابها المسك والزعفران"

(1)

.

ويحتمل معنيين آخرين:

أحدهما: أنْ يكون التراب من زعفران، فإذا عجن بالماء صار مِسْكًا، والطين يسمَّى ترابًا، ويدل على هذا قوله في اللفظ الآخر:"ملاطها المسك"

(2)

، والملاط: الطين، ويدل عليه أنَّ في حديث العلاء بن زياد:"ترابُها الزعفران، وطينها المسك"

(3)

، فلمَّا كانت تربتها طيبة، وماؤها طيِّبًا، فانضمَّ أحدهما إلى الآخر حدثَ لهما طيب

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 62) رقم (34014) بأطول ممَّا ذكر المؤلف وفيه "جبالها المسك، وترابها الزعفران". وأبو الشيخ في العظمة رقم (576)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (162) واللفظ له.

وسنده صحيح.

ومغيث هو ابن سُمي الأوزاعي أبو أيوب الشامي، تابعيٌ ثقة، كان صاحب كتب كأبي الجَلْد ووهب بن منبه.

انظر: تهذيب الكمال (28/ 348 - 350).

(2)

تقدم ص (281).

(3)

تقدم ص (282).

ص: 285

آخر فصارا مسكًا.

المعنى الثاني: أنْ يكون زعفرانًا: باعتبار اللون. مسكًا: باعتبار الرَّائحة. وهذا من أحسن شيءٍ تكون البهجة والإشراق في لون الزعفران، والرائحة في رائحة المسك

(1)

، وكذلك تشبيهها بالدرمك، وهو الخبز الصافي الَّذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها، وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة، عن ابن

(2)

أبي نجيح، عن مجاهد:"أرض الجنَّة من فضة، وترابها مسك"

(3)

، فاللون في البياض لون الفضة، والرَّائحة رائحة المسك.

وقد ذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي بكر بن أبي سَبْرة، عن عمر ابن عطاء بن وراز

(4)

، عن سالم أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرض الجنَّة بيضاء، عرصتها صخورُ الكافور، وقد أحاط به المسكُ مثل كثبان الرمل، فيها أنهارٌ مطردَةٌ، فيجتمع فيها أهل الجنَّة أدناهم وآخرهم، فيتعارفون، فيبعث اللَّهُ ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته، وقد ازدادَ حسنًا

(1)

من وقوله "وهذا من أحسن. . " إلى "رائحة" سقط من "ج".

(2)

سقط من "ج".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 53) رقم (33943) وفيه "من وَرِق. . "، وابن المبارك في الزهد -زوائد نعيم- رقم (229)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة برقم (161) واللفظ له، وهو أثر ثابت.

تنبيه: وقع في نسخة على حاشية "أ": "المسك" بدل "مسك".

(4)

في "د، هـ" ونسخة على حاشية "أ""ورازة" وهو خطأ.

ص: 286

وطيبًا، فتقول: لقد خرجتَ من عندي، وأنا بك معجبة، وأنا بك الآن أشدُّ إعجابًا"

(1)

.

وقال ابن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح، عن عمر بن ربيعة عن الحسن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول اللَّهِ كيف بناء الجنَّة؟ قال: لبنةٌ من فضة، ولبنةٌ من ذهب، ملاطها مسكٌ أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران"

(2)

.

وقال أبو الشيخ: حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن الفضل حدثنا سعيد الجُريْري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عز وجل بنى جنَّات عدنٍ بيده، وبناها لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضة، وجعل ملاطها المسك الأذفر، وترابها الزعفران، وحصباءها اللؤلؤ، ثمَّ قال لها

(3)

: تكلمي، فقالت: قد أفلحَ المؤمنون، فقالت الملائكة: طُوبى لك منزل الملوك"

(4)

.

وقال أبو الشيخ: حدثنا عمرو بن الحصين

(5)

حدثنا ابن علاثة حدثنا

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (28).

وإسناده ضعيف جدًّا، فيه الواقدي: متروك، وابن أبي سبرة: متَّهمٌ بالوضع.

(2)

تقدم ص (281).

(3)

ليس في "أ".

(4)

تقدم ص (218).

(5)

في جميع النسخ "الحسين" وهو تصحيف قديم وقع في النسخة الخطية لصفة =

ص: 287

ابن جُريج عن عطاء عن عُبَيْد بن عُمَيْر عن أُبيِّ بن كعب قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قلت ليلة أُسريَ بي: يا جبريل إنَّهم سيسألوني عن الجنَّة قال: فأخبرهم أنَّها من

(1)

دُرَّةٍ بيضاء، وأنَّ أرضها عِقيان"

(2)

.

والعِقْيَانُ: الذَّهبُ، فإنْ كان ابن علاثة حفظه، فهي أرض الجنتين الذهبيتين، ويكون جبريل أخبره بأعلى الجنتين وأفضلهما، واللَّهُ أعلم.

= الجنَّة لأبي نعيم.

(1)

ليس في "ب".

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة برقم (151).

وهو حديثٌ موضوع، فيه عمرو بن حصين: متروك، واتهم بالوضع، وفيه ابن علاثة محمد بن عبد اللَّه العقيلي متروك الحديث، وقال الحاكم:"يروي أحاديث موضوعة"، ولعلَّ الحمل على الراوي عنه وهو عمرو بن حصين كما قال الخطيب.

انظر: تهذيب الكمال (21/ 588 - 589) و (25/ 526 - 528).

ص: 288

الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها

قال أحمد بن منصور الرَّمادي: حدثنا كثير بن هشام حدثنا هشام

(1)

ابن زياد أبو المقدام عن حبيب بن الشهيد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "خلقَ اللَّهُ الجنَّة بيضاءَ، وأحبُّ الزِّيِّ إلى اللَّه البياض، فليلبسهُ أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم، ثمَّ أمرَ برعاء الشاءِ فجمعتْ، فقال: من كان ذا غنمٍ سودٍ فليخلط بها بِيْضًا، فجاءته امرأة فقالت: يا رسول اللَّه، إنِّي اتخذت غنمًا سودًا فلا أَراها تنموا، قال: عفِّري"

(2)

.

وقوله: "عَفِّرِي" أي: بَيِّضِي.

وذكر أبو نُعَيْم من حديث عبَّاد بن عبَّاد حدثنا هشام بن زياد عن

(1)

قوله "ثنا هشام" سقط من "ب، د".

(2)

أخرجه البزار في مسنده (11/ 85 - 86) رقم (4795)، وابن عدي في الكامل (7/ 107)، والآجري في الشريعة رقم (928)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (129) كما سيأتي، هكذا رواه غير واحد عن هشام به.

- ورواهُ يزيد بن هارون عن هشام عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء عن ابن عباس فذكره.

أخرجه أبو جعفر البختري في أماليه رقم (64).

وهو حديثٌ ضعيف جدًّا، مداره على هشام بن زياد أبي المقدام وهو متفق على ضعفه، بل قال النسائي وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عدي: "وأحاديثه يشبه بعضها بعضًا، والضَّعف بيِّن على رواياته".

انظر: تهذيب الكمال (30/ 201 - 203).

ص: 289

يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: "إنَّ اللَّهَ خلق الجنَّة بيضاء، وإنَّ أحبَّ الَّلون إلى اللَّهِ البياض، فليلبسه أحياؤكم، وكفِّنُوا فيهِ موتاكم".

وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالبياض، فإنَّ اللَّهَ خلق الجنَّة بيضاءَ، فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم"

(1)

.

ورُوِّينا من طريق النِّجاد حدثنا عبد اللَّه بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن خالِهِ الزميل بن سماك سمع أباه يحدث أنَّه لقي عبد اللَّه بن عباس بالمدينة بعدما كُفَّ بَصَرُه فقال: يا ابن عباس ما أرض الجنَّة؟ قال: مَرْمرة بيضاء من فضة كأنَّها مرآة، قلتُ: ما نورها؟ قال: ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس، فذلك نورها إلَّا أنَّه ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير"، وذكر الحديث

(2)

(1)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (130)، وابن عدي في الكامل (2/ 377 - 378).

والحديث فيه حمزة بن أبي حمزة، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن عدي: يضع الحديث. وقال أيضًا: "ولحمزة أحاديث صالحة، وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه. . . ".

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (147) مطوَّلًا، وأبو الشيخ في العظمة رقم (599) مطوَّلًا، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (211 و 317).

في سنده عبد ربه بن بارق في حفظه لين، وزميل بن سماك فيه جهالة.

انظر: تهذيب الكمال (16/ 472 - 474)، والجرح (3/ 620).

والأثر قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 518): "رواهُ ابن أبي =

ص: 290

وسيأتي إنْ شاء اللَّه

(1)

.

وفي حديث لقيط بن عامر الطويل الَّذي رواه عبد اللَّه بن أحمد في "مسند أبيه" عن النَّبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: "وتحبس الشمس والقمر فلا يرون منهما واحدًا، قال: قلتُ يا رسول اللَّهِ فبِمَ نبصرُ؟ قال: بمثل بصرك في ساعتك

(2)

هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرضِ، وواجهته الجبال"

(3)

.

وفي "سنن ابن ماجه" من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنَّه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألَا هل مُشمِّر للجنَّة، فإنَّ الجنَّة

(4)

لا خطر لها، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتزُّ، وقصرٌ مشيدٌ، ونهرٌ مطردٌ، وثمرةٌ نضيجةٌ، وزوجةٌ حسناءُ جميلة، وحُلَلٌ كثيرةٌ، ومقامٌ في أبدٍ في دارٍ سليمةٍ، وفاكهةٍ وخضرةٍ، وحَبرة ونعمةٍ، في محلَّةٍ عالية بهيةٍ" قالوا: نعم يا رسول اللَّه، نحن المشمرون لها، قال:"قولوا: إنْ شاء اللَّهِ"، قال القوم: إنْ شاء اللَّهُ"

(5)

.

= الدنيا موقوفًا بإسنادٍ حسن".

(1)

انظر: (ص/ 434).

(2)

في "أ، ج، هـ""عينك" والمثبت من المسند وباقي النسخ.

(3)

تقدم الكلام عليه ص (126 - 127).

(4)

قوله "فإنَّ الجنَّة" ليس في "ج".

(5)

أخرجه ابن ماجه رقم (4332)، والبخاري في تاريخه الكبير (4/ 336) مختصرًا، وابن أبي داود في البعث رقم (71)، والبزار في مسنده =

ص: 291

الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها

قال اللَّه تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: 20].

فأخبر تعالى أنَّها غرفٌ فوق غرف، وأنَّها مبنية بناء حقيقة، لئلا تتوهم النفوس أنَّ ذلك تمثيل، وأنَّه ليس هناك بناء، بل تتصور النفوس غرفًا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض، حتى كأنَّها تنظر إليها عيانًا، و"مَبْنيَّة": صفةٌ للغرف الأولى والثانية، أي لهم منازل مرتفعة، وفوقها منازل أرفع منها.

وقال تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75].

والغرفة جنْس كالجنَّة، وتأمَّل كيف جعل جزاءهم على هذه الأفعال المتضمنة للخضوع، والذلِّ والاستكانة للَّه = الغرفة؛

= (6/ رقم 2591)، وابن حبان في صحيحه (16/ رقم 7381) وغيرهم.

وقد أسقط الوليد بن مسلم في بعض الروايات "الضحاك" كما عند أبي نعيم في صفة الجنَّة رقم (24، 25) وغيره.

والحديث مداره على الضحاك هذا وفيه جهالة.

قال البوصيري: "هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في طبقات التهذيب: مجهول، وسليمان بن موسى الأموي مختلفٌ فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات".

انظر: مصباح الزجاجة (3/ 325).

ص: 292

والتحية والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم، فبُدِّلُوا بذلك سلام اللَّه وملائكته عليهم.

وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، وقال تعالى:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف: 12]، وقال تعالى عن امرأة فرعون إنَّها قالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11].

وروى الترمذي في "جامعه" من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة لغُرَفًا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام أعرابي فقال: يا رسول اللَّه لمن هي؟ قال: لمن طيَّبَ الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلَّى بالَّليل والنَّاس نيام"

(1)

.

قال الترمذي: "هذا حديثٌ غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث

(1)

أخرجه الترمذي برقم (1984 و 2526)، وأحمد في المسند (1/ 156)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (2136)، وأبو يعلي في مسنده رقم (428 و 438)، والبزار في مسنده رقم (702)، وابن عدي في الكامل (4/ 305).

والحديث مدارهُ على عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. وله منكرات وهذا الحديث منها.

قال الترمذي: "غريب. . ".

وقال ابن خزيمة: "إنْ صحَّ الخبر؛ فإن في القلب من عبد الرحمن بن إسحاق أبي شيبة الكوفي. . . ". والحديث ذكره ابن عدي في منكراته.

ص: 293

عبد الرحمن بن إسحاق".

وقال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا هشام بن عمَّار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة غُرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها اللَّهُ لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلَّى بالليل والنَّاس نيام"

(1)

.

وقال ابن وهب: حدثني حُيَيٌّ عن أبي عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة غُرفًا يُرى

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 342) رقم (3467)، وفي مسند الشاميين (4/ 115) رقم (2873).

- ورواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك فذكره وفيه "وألان الكلام، وتابع الصيام".

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ رقم 20883) ومن طريقه: أحمد (5/ 343)، وابن خزيمة (3/ رقم 2137)، وابن حبان في صحيحه رقم (509)، والطبراني في الكبير (3/ 342) رقم (3466) وغيرهم.

والحديث مدارهُ على أبي معانق الأشعري واسمه عبد اللَّه بن معانق الشامي. قال ابن خزيمة: "ولستُ أعرف ابن معانق ولا أبا معانق. . " وقال الدَّارقطني: ". . . لا شيء مجهول". ووثقه العجلي وابن خلفون وابن حبان (5/ 36)، وذكره ابن حبان أيضًا في أتباع التابعين (7/ 52) وقال:". . وهو الَّذي يروي عن أبي مالك الأشعري، وما أراهُ شافهه".

انظر: تهذيب الكمال (16/ 160 - 161).

والحديث يظهر أنَّ أصلَهُ ثابت لما سيأتي.

ص: 294

ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول اللَّه؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والنَّاس نيام"

(1)

.

قال محمد بن عبد الواحد: "وهذا عندي إسناد حسن، وذكر أبي مالك فيه ممَّا يدل على صحته؛ لأنَّ أبا مالك قد رواهُ، وإسناده أيضًا حسن"

(2)

.

وقد تقدَّم حديث أبي سعيد المتفق على صحته: "إنَّ أهل الجنَّة

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 466) رقم (1200)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (277).

- ورواهُ ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد اللَّه به لكن فيه "فقال أبو موسى الأشعري. . لمن ألان الكلام. . . " وقوله: "أبو موسى" خطأ.

أخرجه أحمد في المسند (2/ 173).

والحديث مداره على حُيَيِّ بن عبد اللَّه المعافري المصري، صدوق في حفظه لين.

انظر: تهذيب الكمال (7/ 488 - 490).

والحديث قال عنه الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني في الكبير واللفظ له، وإسناده حسن".

وكذلك حسَّن إسناده المنذري.

انظر: الترغيب والترهيب له (1/ 424)، ومجمع الزوائد (1/ 254).

(2)

انظر: صفة الجنَّة له (85).

ص: 295

ليتراءون أهل الغرفِ فوقهم كما تراءون الكوكب الغابرَ من الأفق"

(1)

.

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث أبي موسى الأشعري عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدةٍ مجوفةٍ، طولها ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا".

وقد تقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من بنى للَّه مسجدًا بنى اللَّهُ له بيتًا في الجنَّة"

(3)

.

وقوله في حديث أبو موسى: يقول عز وجل لمن حمده واسترجع عند موت ولده: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّة وَسَمُّوه بيت الحمد"

(4)

.

وفي "الصحيحين"

(5)

من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم أنَّ جبريل قال للنَّبي صلى الله عليه وسلم: "هذه خديجة أقرئها

(1)

تقدم في الباب (17) ص (153 - 154).

(2)

البخاري رقم (4598)، ومسلم رقم (2838).

(3)

تقدم في الباب (7) ص (92).

(4)

تقدم في الباب (7) ص (93).

(5)

البخاري رقم (3608)، ومسلم رقم (2433) من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه.

* والبخاري رقم (3605)، ومسلم رقم (2435) من حديث عائشة رضي الله عنها.

* والبخاري رقم (3609)، ومسلم رقم (2432) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 296

السلام من ربِّها، وأمره أنْ يُبشِّرها ببيتٍ في الجنَّة، من قصب، لا صخبَ فيه ولا نصب".

والقَصَبُ ها هنا: قَصَبُ اللؤلؤ المجوف.

وقد روى ابن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة لقصرًا من لؤلؤ ليس فيه صدعٌ ولا وهن، أعدَّه اللَّهُ عز وجل لخليله إبراهيم"

(1)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (174)، والطبراني في الأوسط برقم (6543 و 8114)، والبزار كما في كشف الأستار (3/ 102 - 103) رقم (2346 و 2347)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 247).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سماك إلَّا حماد بن سلمة، ولا رواهُ عن حماد إلَّا النضر بن شميل ويزيد بن هارون".

وقال البزار: "لا نعلمُ أسنده إلَّا يزيد بن هارون والنضر، ويرويه غيرهما موقوفًا".

قلتُ: ولعلَّ هذا الاختلاف في رفعه ووقفه إمَّا من حمَّاد بن سلمة أو من سماك بن حرب من أجل روايته عن عكرمة وهو أشبه، فقد قال يعقوب الفسوي وغيره -والَّلفظ ليعقوب-:"وروايته عن عكرمة خاصَّة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين. . . " انظر: تهذيب الكمال (12/ 120).

- ورواهُ أبو سلمة التبوذكي وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال وسريج ابن النعمان عن حماد عن سماك عن عكرمة عن أبي هريرة موقوفًا.

أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 217)، وذكره الدارقطني في العلل (11/ 126). =

ص: 297

وفي "الصحيحين"

(1)

من حديث حميد عن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلتُ الجنَّة فإذا أنا بقصرٍ من ذهب، فقلتُ: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش، فظننتُ أنِّي أنا هو، فقلتُ: ومن هو؟ قالوا: لعمر بن الخطاب".

وهو فيهما من حديث جابر ولفظه: "فأتيت على قصرٍ مُرَبَّع مشرفٍ

= - ورواهُ عمر -لعله ابن عبيد الطنافسي- عن عكرمة به موقوفًا.

قال أبو حاتم الرَّازي والدارقطني: "والموقوف أصح".

(1)

لم أقف عليه في الصحيحين من هذا الوجه.

وإنَّما أخرجه الترمذي برقم (3688)، وأحمد في المسند (3/ 107 و 179 و 263 و 191)، وابن أبي شيبة برقم (31982)، وأبو يعلى في مسنده (6/ رقم 3860)، والآجري في الشريعة رقم (1377 - 1380) وغيرهم.

من طرق عن ابن أبي عدي ويحيى القطان وبكر بن عبد اللَّه السهمي وأبي خالد الأحمر وإسماعيل بن جعفر المدني وحماد بن سلمة وغيرهم كلهم عن حميد به مثله.

- وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون.

فرواهُ عن حميد به وزاد فيه "أبيض" كما سيأتي قريبًا عند المؤلف.

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (175).

- ورواهُ قتادة وأبو عمران الجوني عن أنس مرفوعًا فذكره بمثله ولم يذكر "أبيض".

أخرجه أحمد (3/ 191)، وابن حبان رقم (54) وغيرهما.

فالزيادة شاذة، والوهم إمَّا من ابن الماجشون أو الرَّاوي عنه: شجاع بن الأشرس.

ولهذا قال المؤلف -كما سيأتي-: "وهذا إنْ كان محفوظًا فبياضه: نوره وإشراقه وضياؤه واللَّه أعلم".

ص: 298

من ذهبٍ" وقد تقدَّم

(1)

.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا شجاع بن الأشرس قال: سمعت عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلتُ الجنَّة فإذا فيها قصرٌ أبيض قال: قلتُ لجبريل: لمن هذا القصر؟ قال: لرجلٍ من قريش، فرجوت أنْ أكون أنا، فقلتُ: لأيِّ قريش؟ قال: لعمر بن الخطاب".

وهذا إنْ كان محفوظًا فبياضه: نوره وإشراقه وضياؤه، واللَّهُ أعلم.

وقال الحسن: "قصر من ذهب لا يدخله إلَّا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل. يرفع بها صوته"

(2)

.

وقال الأعمش: حدثنا مالك بن الحارث عن مُغِيث بن سُمَيٍّ قال: "إنَّ في الجنَّة قصورًا من ذهبٍ، وقصورًا من فضة، وقصورًا من لؤلؤ، وقصورًا من ياقوت، وقصورًا من زبرجد"

(3)

.

وقال الأعمش: عن مجاهد عن عُبَيد بن عُمير قال

(4)

: "إنَّ أدنى

(1)

في الباب الأوَّل ص (43)، وراجع (ص/ 235).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه "التفسير"(5/ 434) رقم (1168) وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (180)، والطبري في تفسيره (10/ 181).

وسنده صحيح.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (180).

وسنده صحيح ومغيث بن سمي هو أبو أيوب الأوزاعي تابعي ثقة، كان صاحب كتب كأبي الجلد ووهب بن منبه.

(4)

كذا في جميع النسخ وجاء في مصادر التخريج زيادة "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

ص: 299

أهل الجنَّة منزلةً من له دار من لؤلؤة واحدةٍ، منها غرفها وأبوابها"

(1)

.

وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو الملائي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّة لغرفًا، فإذا كان ساكنها فيها لم يَخْفَ عليه ما خلفها، وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها"، قيل: لمن هي يا رسول اللَّه؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وواصل الصيام، وأطعمَ الطعام، وأفشى السلام، وصلَّى والنَّاس نيام"، قيل: وما طيب الكلام؟ قال: "سبحان اللَّهُ والحمدُ للَّه، ولا إله إلَّا اللَّه، واللَّهُ أكبر

(2)

، فإنَّها تأتي يوم القيامة ولها مقدماتٌ ومجنباتٌ ومعقباتٌ"، قيل: وما وصال الصيام؟ قال: "من صام شهر رمضان، ثمَّ أدرك شهر رمضان فصامه"، قيل: وما إطعام الطعام؟ قال: "من قات عياله وأطعمهم"

(3)

، قيل: فما إفشاء السلام؟ قال: "مصافحة أخيك وتحيته"، قيل: وما الصلاة والنَّاس نيام؟ قال: "صلاة العشاء الآخرة"

(4)

.

(1)

أخرجه هناد بن السري في الزهد رقم (126)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 58) رقم (33986)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 274).

ورجاله ثقات، لكنَّه مرسل كما في مصادر التخريج.

(2)

عند البيهقي إضافة: "ولا أكبر إلَّا اللَّه".

(3)

في "أ، ب، ج""وأطعمه".

(4)

أخرجه البيهقي في البعث النشور رقم (280)، وابن عدي في الكامل (2/ 388)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/ 401)، وابن حبان في المجروحين (1/ 259 - 260).

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث بهذا الإسناد مناكير لا يرويها إلَّا حفص بن =

ص: 300

قال: "حفص بن عمر هذا مجهول، لم يروهِ عنه غير علي بن حرب فيما أعلم".

قلتُ: هذا يلقب بالكَفْر -بفتح الكاف وسكون الفاء- وقد روى عنه محمد بن غالب: تمتام وعلي بن حرب وهما ثقتان؛ ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه هذا له شواهد، واللَّهُ أعلم.

وفي "فوائد ابن السماك": حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن قال: سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "ألَا أحدثكم بغرف الجنَّة؟ قال: قلنا بلى يا رسول اللَّه بأبينا أنت وأمِّنا، قال: "إنَّ في الجنَّة غرفًا من أصناف الجوهر كله، يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم والَّلذات ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت"، قال: قلنا: يا رسول اللَّه، لمن هذه الغرف؟ قال: "لمن أفشى السلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلَّى بالَّليل والنَّاس نيام"، قال: قلنا: يا رسول اللَّهِ، ومن يطيق ذلك؟ قال: أمتي تطيق ذلك، وسأخبركم عن ذلك: من لقي أخاه فسلَّم عليه، أو ردَّ عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم أهله وعياله من

= عمر بن حكيم هذا، وهو مجهول، ولا أعلمُ أحدًا روى عنه غير علي بن حرب. . . ".

وقال ابن حبان: "يروي عن عمرو بن قيس الملائي المناكير الكثيرة. . .، ولا يجوز الاحتجاج بخبره. . . ".

فالحديث باطل بهذا الإسناد.

ص: 301

الطعام حتى يشبعهم، فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان، ومن كل شهر ثلاثة أيام، فقد أدامَ

(1)

الصيامَ، ومن صلَّى صلاة العشاء الآخرة في جماعة، فقد صلَّى الليل والنَّاس نيامٌ: اليهود والنَّصارى والمجوس"

(2)

.

وهذا الإسناد وإنْ كان لا يُحْتَجُّ به وحده، فإذا انضمَّ إليه ما تقدَّم استفاد قُوَّة مع أنَّه قد رُوِيَ بإسنادين آخرين.

(1)

في "ب": "أدَّى".

(2)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور برقم (279)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 356).

والحديث مداره على عبد الرحمن بن عبد المؤمن الأزدي ولم أقف عليه.

قال البيهقي: "وهذا الإسناد غير قوي، إلَّا أنَّه مع الإسنادين الأوَّلين يقوَّي بعضه بعضًا".

ص: 302

الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنَّة وإنْ لم يروها قبل ذلك

قال تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} [محمد: 4 - 6]

قال مجاهد: "يَهْتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، لا يخطئون، كأنَّهم ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلون عليها أحدًا"

(1)

.

وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: "لهُمْ أَعْرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم"

(2)

.

وقال محمد بن كعب: "يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا، إذا انصرفتم من يوم الجمعة"

(3)

.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (26/ 44) وسنده حسن.

(2)

أخرجه عبد الملك بن حبيب السلمي في وصف الفردوس رقم (241) ص (88 - 89).

من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

وسنده ضعيف جدًّا.

وأخرجه أيضًا برقم (131) من طريق مجاهد لكن وقع في السند تحريف أو سقط لم أتبينه.

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 146) رقم (289).

وفيه أحمد بن أبان الأصبهاني روى عنه راويان، وترجم له أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 98)، ولم يورد فيه جرحًا ولا تعديلًا.

فالإسناد لا بأس به.

ص: 303

هذا قول جمهور المفسرين. وتلخيص أقوالهم ما قاله أبو عبيدة: {عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) } [محمد: 6] أي: بيَّنها لهم، حتى عرفوها من غير استدلال

(1)

.

وقال مُقَاتل بن حيَّان: "بلغنا أنَّ الملك الموكل بحفظ عمل بني آدم يمشي في الجنَّة، ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له، فيعرفه كل شيءٍ أعطاهُ اللَّهُ في الجنَّة، فإذا دخلَ إلى منزله وأزواجه انصرف الملك عنه"

(2)

.

وقال سلمة بن كُهَيْل: "طَرَّقها لهم"

(3)

.

ومعنى هذا: أنَّه طرقها لهم حتَّى يهتدوا إليها.

وقال الحسن: "وصف اللَّه الجنَّة في الدنيا لهم، فإذا دخلوها عرفوها بصفتها"

(4)

.

وعلى هذا القول، فالتعريف وقع في الدنيا، ويكون المعنى: يدخلهم الجنَّة التي عرَّفها لهم، وعلى القول الأوَّل: يكون التعريف

(1)

انظر: مجاز القرآن (2/ 214) وفيه (بَيَّنها، وعرَّفهم منازلهم)، زاد المسير لابن الجوزي (7/ 398)، وتفسير القرطبي (16/ 231).

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدرر (6/ 23).

وقال القرطبي في تفسيره (16/ 231): "وحديث أبي سعيد الخدري يردُّه". قلتُ: حديث أبي سعيد سيورده ابن القيم قريبًا وهو نصٌّ في ذلك.

(3)

أخرجه الحربي في "غريب الحديث"(1/ 189): بلفظ: "يُعَرَّفون طُرُقها".

وسنده حسن.

(4)

ذكره الماوردي في تفسيره (5/ 294 - 295) بنحوه.

ص: 304

واقعًا في الآخرة، هذا كلُّه إذا قيل: إنَّه من التعريف.

وفيها قولٌ آخر: إنَّها من العَرْفِ، وهو الرَّائحة الطيبة، وهذا اختيار الزجاج، أي: طيَّبها، ومنه طعام مُعرَّف أي مطيَّب

(1)

.

وقيل: هو من العُرف، وهو التَّتابع: أي تابع لهم طيباتها وملاذَّها. والقول هو الأوَّل، وأنَّه سبحانه أعلمها وبيَّنها بما يعلم به كل أحد منزله وداره، فلا يتعدَّاهُ إلى غيره.

وفي "صحيح البخاري"

(2)

من حديث قتادة عن أبي المتوكل النَّاجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النَّارِ حُبِسوا بقنطرةٍ بين الجنَّة والنَّار، يتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذَّبوا ونقُّوا أُذِنَ لهم بدخول الجنَّة، والَّذي نفسي بيده إنَّ أحدهم بمنزله في الجنَّة أدلُّ منه بمسكنه كان في الدنيا".

وفي "مسند إسحاق" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "والَّذي بعثني بالحقِّ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنَّة بأزواجهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنَّة"

(3)

.

(1)

انظر: زاد المسير لابن الجوزي (7/ 398)، وتفسير السمرقندي "بحر العلوم"(3/ 241).

(2)

أخرجه البخاري رقم (2308) وعنده ". . فوالَّذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنَّة أدلَّ بمنزله كان في الدنيا".

(3)

هو قطعة من حديث الصور الطويل، وقد تقدم في الباب (31) ص (261).

ص: 305

الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنَّة وما يُسْتقبلون

(1)

عند دخولها

وقد تقدَّم قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر: 73] وقال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85].

قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن عباد بن موسى العُكلي حدثنا يحيى بن سُلَيم الطائفي حدثنا إسماعيل بن عبد اللَّه المكي حدثني أبو عبد اللَّه أنَّه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحارث عن علي رضي الله عنه أنَّه سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن هذا الآية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم: 85]، قال: قلتُ يا رسول اللَّه، ما الوفد إلَّا ركبٌ؟ قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "والَّذي نفسي بيده إنَّهم إذا خرجوا من قبورهم استُقبلوا بنوقٍ بيضٍ، لها أجنحة عليها رحال الذهب، شرك نعالهم نورٌ يتلألأ، كلُّ خطوةٍ منها مثلُ مدِّ البصر، وينتهون إلى باب الجنَّة، فإذا حلقة من ياقوتةٍ حمراء على صفائح الذَّهبِ، وإذا شجرةٌ على باب الجنَّة ينبع من أصلها عينان، فإذا شربوا من إحداهما جرتْ في وجوههم نضرة النَّعيم، وإذا توضؤوا من الأُخرى لم تشعث أشعارهم أبدًا، فيضربون الحلقة بالصَّفيحة، فلو سمعت طنين الحلقة، فيبل كل حوْرَاء، أنَّ زوجها قد أقبل، فتستخفها العَجَلة، فتبعثُ قيِّمها فيفتح له الباب، فلولا أنَّ اللَّهَ عز وجل عرَّفه نفسه لخرَّ له ساجدًا ممَّا يرى من النور والبهاء، فيقول: أنا قيَّمُك الَّذي وُكِّلْتُ بأمرِك، فيتبعه

(1)

في "د": "يستقبلون به".

ص: 306

فيقفوا أثره، فيأتي زوجته، فتستخفها العجلة، فتخرج من الخيمة

(1)

فتعانقه، وتقول: أنت حِبِّي وأنا حِبُّكَ، وأنا الرَّاضية فلا أسخط أبدًا، وأنا النَّاعمة فلا أبأس أبدًا، والخالدة فلا أظعن أبدًا، فيدخل بيتًا من أساسه إلى سقفه مئة ألف ذراعٍ مبنيٌّ على جَنْدل اللؤلؤ والياقوت، طرائقَ حمرٍ، وطرائق خُضر، وطرائقَ صفرٍ، ما منها طريقةٌ تُشاكل صاحبتها، فيأتي الأريكة، فإذا عليها سريرٌ، على السَّرير سبعونَ فراشًا، عليها سبعون زوجةً، على كلِّ زوجةٍ سبعون حُلَّةً يُرى مُخُّ ساقها من باطن الجلْد، يقضي جمَاعهنَّ في مقدار ليلة، تجري من تحتهم أنهارٌ مُطَّردةٌ: أنهار من مَاءٍ غير آسن صافي ليس فيه كدرٌ، وأنَّهارٌ من عسلٍ مصفَّى، لم يخرج من بطون النحل، وأنهارٌ من خمرٍ لذَّةٍ للشَّاربين، لم تعصره الرجال بأقدامها، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمهُ، لم يخرج من بطون الماشية، فإذا اشتهوا الطعامَ، جاءتهم طيرٌ بيض، فترفع أجنحتها، فيأكلون من جنوبها من أي الألوان شاؤوا، ثمَّ تطير فتذهبُ، فيها ثمار مُتدليَّة، إذا اشتهوا انبعث الغُصنُ إليهم، فيأكلون من أيِّ الثمار شاؤوا، إنْ شاء قائمًا، وإنْ شاء متكئًا، وذلك قوله عز وجل:{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) } [الرحمن: 54]، وبين أيديهم خدمٌ كاللؤلؤ"

(2)

.

(1)

في "أ، ج، د، هـ": "الجنَّة".

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (7).

والعقيلي في الضعفاء (1/ 86) من طريق عبيد اللَّه بن سلمان عن الضحاك به، وذكر حديثًا طويلًا.

- ورواهُ أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي موقوفًا، وهو أصح. =

ص: 307

هذا حديثٌ غريب، وفي إسناده ضعف، وفي رفعه نظر، والمعروف أنَّه موقوف على عليٍّ.

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عمرو بن سليمان حدثنا محمد ابن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد

(1)

في هذه الآية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) } قال: "أما واللَّهِ ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن يؤتون بنوقٍ لم ترَ الخلائق مثلها، عليها رِحالُ الذهب، وأزِمَّتُها الزبرجد، فيركبون عليها يضربوا باب الجنَّة"

(2)

.

= أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 132) رقم (281).

وذكر العقيلي أنَّ الحديث غير محفوظ، والأمر كما قال المؤلف:"حديث غريب، في إسناده ضعف، وفي رفعه نظر. . . ".

(1)

كذا في جميع النسخ، وفي مصادر التخريج زيادة "عن علي".

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (16/ 126) عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة عن ابن فضيل عن عبد الرحمن عن النعمان بن سعد عن علي فذكره بمثله.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 61) رقم (34003)، وعبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند (1/ 155)، والحاكم (2/ 409) رقم (3425) وأبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 134 - 135) رقم (281) وغيرهم.

من طريق علي بن مسهر وأبي معاوية ويعلى بن عبيد كلهم عن عبد الرحمن بن إسحاق به موقوفًا على علي.

والحديث مدارهُ على عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف، وله منكرات كما تقدم ص (174).

والحديث صححه الحاكم، فتعقبه الذهبي فقال:"بل عبد الرحمن هذا لم يرو له مسلم ولا لخاله النعمان، وضعفوه".

ص: 308

وقال علي بن الجعد في "الجعديات": أخبرنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: يُساق الَّذين اتقوا ربهم إلى الجنَّة زُمَرًا حتَّى ينتهوا إلى بابٍ من أبوابها، وجدوا عنده شجرةً يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعدوا إلى إحداهما كأنَّما أُمِرُوا بها، فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذًى أو قذىً أو بأس، ثمَّ عمدوا إلى الأُخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تغيَّر أبشارهم أو تغير بعدها أبدًا، ولن تشعث أشعارهم كأنَّما دُهِنُوا بالدِّهان، ثمَّ انتهوا إلى خزنة الجنَّة فقالوا:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) } [الزمر: 73] قال: ثمَّ تتلقَّاهم الولدان يطيفون

(1)

بهم، كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم من غيبته، فيقولون: أبشرْ بما أعدَّ اللَّهُ

(2)

لك من الكرامة -كذا قال- ثمَّ ينطلقُ غلامٌ من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين، فيقول: قد جاء فلانٌ باسمه الَّذي يُدعى به في الدنيا، فتقول: أنتَ رأيته؟ فيقول: أنا رأيته، وهو ذا بأثري، فيستخف إحداهنَّ الفرحُ، حتى تقوم على أسكُفَّةِ بابها، فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرحٌ أخضرُ وأصفرُ وأحمرُ، ومن كلِّ لونٍ، ثمَّ رفع رأسه، فنظر إلى سقه، فإذا مثل البرقِ، فلولا أنَّ اللَّهَ قدَّره له لألمَّ أنْ يذهب ببصره، ثمَّ طأطأ رأسه فنظرَ إلى أزواجه وأكوابٍ موضوعةٍ، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فنظروا إلى تلك النعمة،

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "يطوفون".

(2)

من "ب، ج، د، هـ".

ص: 309

ثمَّ اتكئوا وقالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا} [الأعراف: 43] ثمَّ ينادي منادٍ: تَحْيونَ فلا تموتون أبدًا، وتقيمون فلا تظعنون أبدًا

(1)

، وتصحون فلا تمرضون أبدًا"

(2)

.

وقال عبد اللَّه بن المبارك: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: "ذُكِرَ لنا أنَّ الرَّجل إذا دخل الجنَّة صُوِّر صورة أهل الجنَّة، وأُلبسَ لباسهم، وحلِّيَ حليتهم، وأُري أزواجه وخدمه، ويأخذه سَوَارّ فرعٍ لو كان ينبغي أنْ يموت لمات من سوار فرحه، فيقالُ له: أرأيتَ فرحتك هذه، فإنَّها قائمة لك أبدًا"

(3)

.

(1)

من "ج".

(2)

أخرجه علي بن الجعد في الجعديات (2/ 926 - 927)، وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 143 - 144) رقم (2646 و 2647)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 59) رقم (33993)، وعبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (128) مختصرًا، والمروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1450) وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (8) وغيرهم.

قال الحافظ ابن حجر: "هذا حديث صحيح، وحكمه حكم الرفع، إذ لا مجال للرَّأي في مثل هذه الأمور".

وقال البوصيري: "رواه إسحاق بن راهوية بسند صحيح، وحكمه حكم المرفوع، إذ ليس للرَّأي فيه مجال".

انظر: المطالب العالية رقم (4601)، وإتحاف الخيرة المهرة رقم (7851).

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم- رقم (429)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (24) وغيرها.

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 70 - 71) رقم (34103)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (285) من طرق عن سليمان بن المغيرة به =

ص: 310

قال ابن المبارك: وأخبرنا رشدين بن سعد: أنبأنا زهرة بن معبد القرشي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال:"إن العبد أوَّل ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم، كأنَّهم اللؤلؤ"

(1)

.

قال ابن المبارك: وأنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عبيد اللَّه بن زحر

(2)

، عن محمد بن أبي أيوب المخزومي، عن أبي عبد الرحمن المعافري قال:"إنه لَيُصَفُّ للرجل من أهل الجنة سِمَاطان، لا يرى طرفاهما من غلمانه، حتى إذا مرَّ مشوا وراءه"

(3)

.

وقال أبو نعيم: حدثنا سلمة عن الضحاك قال: "إذا دخل المؤمن الجنَّة، دخل أمامه ملك فأخذ به في سِكَكِهَا، فيقول له: انظر ما ترى؟ قال: أرى أكثر قصور رأيتها من ذهبٍ وفضةٍ، وأكثر أنيس. فيقول له الملكُ: فإنَّ هذا أجمع لك، حتَّى إذا رُفِعَ إليهم استقبلوه من كلَّ بابٍ، ومن كلِّ مكانٍ: نحن لك، نحن لك، ثمَّ يقول له: امشِ، فيقول له: ماذا ترى، فيقول: أرى أكثر عساكِرَ رأيتها من خيام، وأكثر

= مثله.

وسنده صحيح.

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (427)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (25).

في سنده رشدين بن سعد ضعيف.

(2)

في "ب، د": "نصر" وهو خطأ.

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم- رقم (415)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (26) وفي سنده ضَعْف، لأنَّ يحيى بن أيوب وعبيد اللَّه بن زحر فيهما كلام.

ص: 311

أنيسٍ، قال: فإنَّ هذا أجمعَ لك، قال: فإذا رُفِعَ إليهم استقبلوه يقولون: نحن لك، ونحن لك"

(1)

.

وفي "الصحيحين" من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلنَّ الجنَّة من أمتي سبعون ألفًا، أو سبع مئة ألف متماسكون آخذٌ بعضهم ببعض، لا يدخل أوَّلهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدرِ"

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (27) وسنده صحيح.

- ورواهُ أسد بن موسى عن أخيه عن الضحاك فذكر معناه مرسلًا.

أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (32).

(2)

تقدم في الباب الثاني والثلاثين ص (265).

ص: 312

الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة أهل الجنَّة في خَلْقِهِم وخُلُقِهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خلق اللَّهُ عز وجل آدَمَ على صورته، طولُه ستون ذراعًا، فلما خلقه قال له: اذهب فسلِّم على أولئك النفر - وهم نفرٌ من الملائكة جُلوسٌ -، فاستمع ما يحيونك، فإنَّها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهبَ فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكَ ورحمةُ اللَّهِ، فزادوه ورحمة اللَّه قال: فكلُّ من يدخل الجنَّة على صورة آدمَ، طولُهُ ستون ذراعًا، فلم يزل ينقص الخلق بعدهُ حتَّى الآن"

(1)

متفقٌ على صحته.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ جُردًا مُردًا بيضًا جعادًا مكحَّلين، أبناء ثلاث وثلاثين، وهم على خلق آدم ستون ذراعًا في عرض سبعة أذرع"

(2)

(1)

أخرجه البخاري رقم (3148)، ومسلم رقم (2841)، وأحمد في المسند (2/ 351).

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 295)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 59) رقم (33995)، وابن أبي داود في البعث رقم (63)، وابن أبي الدنيا في صفة =

ص: 313

قيل: تفرد به حماد، عن علي بن زيد.

وفي "جامع الترمذي" من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنْم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ جردًا مردًا مكحلين بني

(1)

ثلاثٍ وثلاثين"

(2)

.

= الجنَّة رقم (15).

- ورواهُ جماعة عن حمَّاد بن سلمة عن علي بن زيد به نحوه.

أخرجه الطبراني في معجمه الصغير رقم (808)، والأوسط رقم (5422)، وابن عدي في الكامل (5/ 198)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (255)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (463، 464).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلَّا حماد بن سلمة، ولا يروى عن أبي هريرة إلَّا بهذا الإسناد".

والحديث مدارهُ على علي بن زيد بن جُدْعان، وفيه لين، وفي المتن ألفاظٌ تفرَّد بها، لم يأتِ بها غيره كقوله "في عرض سبع أذرع". ولهذا ساق ابن عدي هذا الحديث في جملة ما أُنكر عليه، وقال في آخر ترجمته ". . . وهو مع ضعفه يكتب حديثه".

(1)

في الترمذي: "بني ثلاثين أو".

(2)

أخرجه الترمذي برقم (2545)، وأحمد (5/ 243)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (21)، والبزار في مسنده برقم (2644)، والشاشي في مسنده رقم (1342)، والطبراني في الكبير (20/ 64) رقم (118)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (257).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، وبعض أصحاب قتادة رووا هذا الحديث عن قتادة مرسلًا ولم يسندوه".

- رواه معمر عن قتادة قال: أهل الجنَّة أبناء ثلاثين، جرد، مرد، مكحَّلون. . . ".

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/ 416) رقم (20872)، وابن المبارك =

ص: 314

قال: "هذا حديث حسن غريب".

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا: حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هارون بن رئاب

(1)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يُبْعثُ أهل الجنَّةِ على صورة آدم في ميلاد ثلاثِ وثلاثين سنة جُرْدًا مُرْدًا مكحلين، ثمَّ يذهبُ بهم إلى شجرةٍ في الجنَّة، فيُكسون منها لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم"

(2)

.

= في الزهد -رواية نعيم- رقم (423).

- ورواهُ سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة عن شهر عن معاذ "ولم يذكرا: عبد الرحمن بن غنم".

أخرجه أحمد (5/ 232 و 239) وغيره.

- ورواهُ عامر الأحول عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعًا.

أخرجه الترمذي برقم (2539) وغيره.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب". وهذه إشارة إلى خطأ هذه الرواية.

والصواب رواية سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة.

وعليه فالإسناد ضعيف للانقطاع، شهر لم يسمع من معاذ.

(1)

في "ج": "ريان"، وفي "هـ":"رباب".

(2)

أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (64)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (582)، والطبراني في الصغير رقم (1164)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 56)، وفي صفة الجنَّة رقم (255) وغيرهم.

- ورواهُ الوليد بن مسلم فقال: حدثنا الأوزاعي به.

أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (8/ 219) تعليقًا.

- قال أبو نعيم: ورواهُ غيره عن الأوزاعي عن هارون فقال: حدثني من سمع أنسًا. =

ص: 315

وقال الترمذي: حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن رِشْدِين بن سعد عن عمرو بن الحارث أنَّ درَّاجًا أبا السَّمْحِ حدَّثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من ماتَ من أهل الجنَّة من صغيرٍ أو كبيرٍ يُردُّونَ بني ثلاثين سنة في الجنَّة

(1)

لا يزيدون عليها أبدًا، وكذلك أهل النَّار"

(2)

.

= - ورواهُ روَّاد بن الجرَّاح عن الأوزاعي به وزاد في متنه شيئًا، وسيأتي عند المؤلف.

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (220).

وهذه الرواية منكرة، وروَّاد بن الجرَّاح تغير واختلط، فجاء بمناكير، وهذا منها؛ لمخالفته عمر والوليد بن مسلم، وعليه فالحديث إسناده ضعيف؛ لعدم معرفة الواسطة بين أنس وهارون، واللَّهُ أعلم.

وقال الهيثمي "إسناده جيِّد". انظر: مجمع الزوائد (10/ 399).

(1)

قوله: "بني ثلاثين سنة في الجنَّة"، في الترمذي "أبناء ثلاثين في الجنَّة".

(2)

أخرجه الترمذي برقم (2562)، وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (17)، والبغوي في شرح السنة (15/ رقم 4381).

- ورواهُ عبد اللَّه بن وهب عن عمرو بن الحارث به مثله.

أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (78)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (259).

- ورواهُ ابن لهيعة عن درَّاج به فقال فيه "ستين" بدلًا من "ثلاثين" وهو من أوهامه.

أخرجه أبو يعلى في مسنده (2/ رقم 1405)، والحديث ضعيف الإسناد، من أجل رواية درَّاج عن أبي الهيثم، كما تقدَّم في الباب (10) ص (119).

وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث رشدين".

ص: 316

فإن كان هذا محفوظًا لم يناقض ما قبله، فإنَّ العرب إذا قدَّرت بعدَدٍ له نيِّف؛ فإنَّ لهم طريقين: تارةً يذكرون النَّيف للتحرير، وتارةً يحذفونه، وهذا معروف في كلامهم، وخطاب غيرهم من الأمم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هاشم

(1)

حدثنا صفوان بن صالح حدثنا روَّاد بن الجراح العسقلاني حدثنا الأوزاعي عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهلُ الجنَّة الجنَّة على طول آدم ستين ذراعًا بذراع الملك، على حُسْنِ يوسف، وعلى ميلاد عيسى ثلاثٍ وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جُرْد مُرْد مُكحَّلون".

وقال ابن وهب: حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بُخْت عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل الجنَّة يدخلون الجنَّة على قدر آدم ستون ذراعًا، وعلى ذلك قطعتْ سُررهم"

(2)

.

وقد تقدَّم

(3)

أنَّ أوَّل زمرة صورهم على صورة القمر ليلة البدر،

(1)

وقع في "د، هـ" ونسخة على حاشية "أ": "هشام".

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 92) تحت رقم (248).

- ورواه أبو صالح وأبو زرعة وهمام بن منبه عن أبي هريرة مطولًا، وليس فيه "وعلى ذلك قطعت سررهم".

أخرجه البخاري رقم (3148 و 3149)، ومسلم رقم (2834 و 2841) وغيرهما.

(3)

في ص (231).

ص: 317

وأنَّ الذين يلونهم على ضوء أشدِّ كوكبٍ في السَّماءِ إضاءةً.

وأمَّا الأخلاق فقد قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) } [الحجر: 47]، فأخبر عن قلوبهم

(1)

وتلاقي وجوههم.

وفي "الصحيحين"

(2)

: "أخلاقهم على خَلْق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء".

الرواية "على خَلْق" -بفتح الخاء وسكون اللام- والأخلاق كما تكون جمعًا للخُلق بالضم، فهي جمع للخَلق بالفتح، والمراد: تساويهم في الطول والعرض والسن، وإن تفاوتوا في الحسن والجمال، ولهذا فسره بقوله:"على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء".

وأما أخلاقهم وقلوبهم ففي "الصحيحين"

(3)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أول زمرة تلج الجنة" الحديث. وقد تقدم وفيه: "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون اللَّه بكرة وعشيًا".

وكذلك وصف اللَّه سبحانه وتعالى نسائهم بأنهنَّ أتراب. أي: في سِنٍّ واحدة، ليس فيهن العجائز والشواب،

(4)

وفي هذا الطول

(1)

في "ب": "تلاقي قلوبهم".

(2)

تقدم في الباب (27) ص (231 - 232).

(3)

تقدم في الباب (27) ص (231).

(4)

في نسخةٍ على حاشية "د": "والتوَّاب".

ص: 318

والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى، فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذة؛ لأنة أكمل سن القوة مع عظم آلات الَّلذة، وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها، بحيث يصل في اليوم الواحد إلى مئة عذراء، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى

(1)

، ولا يخفى التناسب الذي بين هذا الطول والعرض، وأنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال وتَنَاسُب الخِلْقة، يصير طولًا مع دِقَّةٍ، أو غلظًا مع قصر، وكلاهما غير مناسب، واللَّه أعلم.

(1)

سيأتي في (ص/ 502 - 506، 517).

ص: 319

الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنَّة منزلة وأدناهم، وأعلاهم منزلة سيِّد ولدِ آدم صلوات اللَّهِ وسلامه عليه

قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 253].

قال مجاهد وغيره: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} : موسى {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} : هو محمد صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وفي حديث الإسراء المتفق على صحته: أنه صلى الله عليه وسلم، لما جاور موسى قال:"رب لم أظن أن يُرفَع علَيَّ أحد"، ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه، حتى جاوز سدرة المنتهى"

(2)

.

وفي "صحيح مسلم"

(3)

من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّه عليه عشرًا

(4)

، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلَّا لعبدٍ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 483) رقم (2553)، والطبري في تفسيره (3/ 1).

وسنده حسن.

(2)

أخرجه البخاري رقم (7079)، واللفظ له، ومسلم رقم (162) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

رقم (384).

(4)

في مسلم "بها عشرًا".

ص: 320

من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة".

وفي "صحيح مسلم"

(1)

: من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "أنَّ موسى سألَ ربَّهُ: ما أدنى أهل الجنَّة منزلةً؟ فقال: رجلٌ يجيء بعدما دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، فيقال له: ادخلِ الجنَّة، فيقول: ربِّ كيف، وقد نزل النَّاسُ منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أنْ يكون لك مثل مَلِكٍ

(2)

من ملوك الدنيا، فيقول: رضيتُ ربِّ، فيقول له: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فقال في الخامسة: رضيت ربِّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذَّت عينك، فيقول

(3)

: رضيتُ ربِّ. قال: ربِّ فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الَّذين أردت، غرستُ كرامتهم بيديَّ، وختمتُ عليها فلم ترَ عينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر".

وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد أخبرنا شَبَابَة عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أدنى أهل الجنَّة منزلةً لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسُررِهِ مسيرة ألفِ سنة، وأكرمهم على اللَّهِ من ينظر إلى وجهه غُدوةً وعشيةً، ثمَّ قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) }

(1)

رقم (189).

(2)

في مسلم: "مثل مُلْكِ مَلِكٍ".

(3)

من قوله "رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة" إلى "فيقول" من مسلم، وقد سقط من جميع النسخ.

ص: 321

[القيامة: 22 - 23] "

(1)

.

(1)

أخرجه الترمذي برقم (2553 و 3330)، وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم 817"، والآجري في الشريعة (620 و 621)، والدَّارقطني في الرؤية رقم (170 - 172 و 174) وغيرهم.

من طريق إسرائيل عن ثوير به كما تقدم.

ورواهُ عبد الملك بن أبجر، واختلف عليه.

- فرواهُ أبو معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر فذكره مرفوعًا.

أخرجه أحمد (2/ 13)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (97)، والدَّارقطني في الرؤية رقم (173)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (604)، والطبراني كما ذكره المؤلِّف، وغيرهم.

قلتُ: وهذا خطأ، أخطأ فيه أبو معاوية، وهو كثير الخطأ عن غير الأعمش، ويحتمل من اضطراب ثوير وهو ضعيف.

خالفه حسين بن علي الجعفي فوقفه.

- فرواهُ حسين عن عبد الملك عن ثوير عن ابن عمر موقوفًا من قوله.

أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 58) رقم (33989)، والَّلالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (866).

- ورواهُ الثوري - في الرواية الرَّاجحة عنه - عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوفًا.

أخرجه الترمذي بعد حديث رقم (2553)، والطبري في تفسيره (29/ 193).

- ورواهُ أبو مريم عن ثوير أنَّ رجلًا حدَّثه كان عند ابن عمر فذكره مرفوعًا.

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (451).

- ورواهُ الأعمش عن ثوير عن ابن عمر قوله بنحوه ولم يذكر الرؤية.

أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 62) رقم (34013)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة (34).

فهذا الاضطراب فيما يظهر من ثوير بن أبي فاخته -وهو ضعيف- بل ضعفه بعضهم جدًّا واتَّهمه بالكذب، وهو متجه هنا، خاصة والحديث مداره على ثوير =

ص: 322

قال: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعًا

(1)

. قال: ورواهُ عبد الملك بن أبجر، عن ثُويْر، عن ابن عمر: موقوفًا. ورواهُ عبيد اللَّه الأشجعي عن سفيان عن ثُوير عن مجاهد عن ابن عمر نحو، ولم يرفعه".

قلتُ: ورواه الطبراني في "معجمه" من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر مرفوعًا: "إنَّ أدنى أهل الجنَّة منزلةً لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناهُ، ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه" الحديث.

ورواهُ أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعتُ ابن عمر.

قال إسرائيل: لا أعلم ثويرًا إلَّا رفعه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن هو: ابن موسى، حدثنا سُكَين بن عبد العزيز، حدثنا أبو الأشعث الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي

= هذا وهو رافضي متفقٌ على ضعفه.

والحديث ضعفه الترمذي بقوله "غريب" والذهبي والهيثمي وغيرهم.

انظر مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم لابن الملقن (2/ 968)، ومجمع الزوائد (10/ 401).

والثابت عن ابن عمر: ما رواه ابن عون عن محمد بن سيرين قال: إنَّ أدنى أهل الجنَّة منزلةً، لمَن يقال له تمنَّ، ويذكِّره أصحابه، فيقال له: هولك ومثله معه، قال محمد بن سيرين: قال ابن عمر: "هو لك وعشرة أمثاله، وعند اللَّه المزيد".

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (36) وسنده صحيح.

(1)

في جميع النسخ "غير مرفوع" وهو خطأ، والتصويب من الترمذي.

ص: 323

هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع درج، وهو على السادسة، وفوقه السابعة، وإن له لثلاث مئة خادم، ويُغْدَى عليه ويُراح كل يوم بثلاث مئة صحفة -ولا أعلمه إلا قال- من ذهب، في كل صحفة لون ليس في الأُخرى، وإنه ليلَذّ أوله كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاث مئة إناء، في كل إناء لون ليس في الآخر، وإنَّه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليقول: يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص ممَّا عندي شيء، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض"

(1)

.

قلت: سكين بن عبد العزيز: ضعفه النسائي

(2)

. وشهر بن حوشب: ضعفه مشهور.

والحديث منكر، مخالف للأحاديث الصحيحة

(3)

:

- فإن طول ستين ذراعًا لا يحتمل أن يكون مقعدة صاحبه بقدر ميل من الأرض.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 537)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (229).

والحديث كما قال المؤلِّف منكر.

قال ابن كثير: "تفرَّد به أحمد، وهو غريب، وفيه انقطاع".

(2)

وضعفه أيضًا أبو داود والدَّارقطني، ووثَّقه ابن معين والعجلي والطنافسي، وقال أبو حاتم وابن عدي:"لا بأس به".

انظر ترجمته في تهذيب الكمال (11/ 210 - 211)، والكامل لابن عدي (3/ 462 - 463).

(3)

في "هـ""الأحاديث الصِّحاح".

ص: 324

- والذي في "الصحيحين"

(1)

، في أول زمرة تلج الجنة:"لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين"، فكيف يكون لأدناهم ثنتان وسبعون؟

- وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا

(2)

، فكيف يكون لأدنى أهل الجنة جماعة منهن؟

- وأيضًا فإن الجنتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين

(3)

؟ فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين؟.

قال الدولابي: "شهر بن حوشب لا يشبه حديثه حديث النَّاس". وقال ابن عون: "إنَّ شهرًا نزكوه". وقال النسائي وابن عدي: "ليس بالقوي". وقال أبو حاتم: "لا يحتج به". وتركه شعبة ويحيى بن سعيد، وهذان من أعلم الناس بالحديث، ورواته وعلله، وإن كان غير هؤلاء، قد وثقه وحسَّن حديثه، فلا ريب أنه إذا تفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل

(4)

. واللَّه أعلم.

(1)

تقدم ص (256).

(2)

تقدم ص (258 - 260).

(3)

راجع الباب (22) ص (206 - 211).

(4)

انظر ترجمته وأقوال أئمة والتعديل فيه في تهذيب الكمال (12/ 578 - 589).

ص: 325

الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنَّة إذا دخلوها

روى مسلم في "صحيحه"

(1)

من حديث ثوبان قال: كنتُ قائمًا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجاء حَبْرٌ من أحبار اليهود فقال: السلام عليكَ يا محمد، فدفعته دفعةً كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلتُ: ألا تقول يا رسول اللَّه؟ فقال اليهودي: إنَّما ندعوه باسمه الَّذي سمَّاه به أهله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اسمي محمد الَّذي سماني به أهلي" فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيءٌ إنْ حدَّثتكَ؟ فقال: أسمعُ بأذني، فنكتَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعودٍ معه في الأرض، فقال: سل؟ فقال اليهودي: أين يكون النَّاسُ يومَ تبدل الأرضُ غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر، قال: فمن أوَّل النَّاس إجازةً يوم القيامة؟ قال: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تُحْفتهم حين يدخلون الجنَّة؟ قال: زيادة كبد النون، قال: فما غِذاؤهم على إثره

(2)

؟ قال: ينحر لهم ثور الجنَّة الَّذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عينٍ فيها تُسمَّى سلسبيلًا، قال: صدقت، قال: وجئتُ أسألك عن شيءٍ لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلَّا نبي، أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إنْ حدثتك؟ قال: أسمع بأُذُنيَّ، قال: جئت أسألك عن الولد؟

(1)

رقم (315).

(2)

في "ب، ج، هـ": "إثرها".

ص: 327

قال: ماء الرجل أبيضُ، وماءُ المرأة أصفرُ، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ

(1)

الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن اللَّه تعالى، وإن علا مني المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن اللَّه تعالى، فقال اليهودي: لقد صدقت وإنَّك لنبي ثمَّ انصرف، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد سألني هذا عن الَّذي سألني عنه ومالي علمٌ بشيءٍ منه، حتَّى أتاني اللَّه عز وجل به".

وفي "صحيح البخاري"

(2)

عن أنس رضي الله عنه قال: سمع عبدُ اللَّهِ بن سلام مَقْدَم النَّبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو في أرضٍ يَخْتَرِفُ، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي سائلكَ عن ثلاث لا يعلمهنَّ إلَّا نبي، فما أوَّل أشراط السَّاعة؟ وما أوَّل طعام أهل الجنَّة؟ وما ينزع الولدُ إلى أبيه أو أُمِّهِ؟ قال: أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا، قال جبريل؟ قال: نعم، قال ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97]، أمَّا أوَّل أشراط السَّاعة: فنارٌ تحشر النَّاس من المشرق إلى المغرب، وأمَّا أوَّل طعام يأكله أهل الجنَّة: فزيادة كبدِ الحوت، وإذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة نزع الولدُ، وإذا سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل نزعت الولد

(3)

، قال: أشهد أنْ لا إله إلَّا اللَّه وأشهد أنَّك رسول اللَّه، يا رسول اللَّه، إنَّ اليهود قومٌ بهتٌ، وإنَّهم إنْ يعلموا بإسلامي قبل أنْ تسألهم بهتوني، فجاءتِ اليهود

(1)

في "أ": "فعلا ماء مني" ولفظه "ماء" ليست في مسلم، ولا باقي النسخ.

(2)

رقم (3723).

(3)

قوله "وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد" من البخاري، وفي جميع النسخ، "وإذا سبق ماء المرأة نزعت".

ص: 328

فقال: أىُّ رجلٍ عبدُ اللَّهِ فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أفرأيتم إن أسلم عبدُ اللَّه؟ فقالوا: أعاذه اللَّه من ذلك، فخرج عبد اللَّه فقال: أشهد أنْ لا إله إلَّا اللَّه وأشهد أنَّ محمد رسول اللَّه، فقالوا: شَرُّنا وابنُ شرِّنا وانتقصوه، فقال: هذا الَّذي كنتُ أخاف يا رسول اللَّهِ".

وفي "الصحيحين"

(1)

من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خُبزةً واحدةً يتكفَّؤها الجبَّارُ بيدهِ كما يتكفَّأ أحدكم خُبزته في السَّفر نُزُلًا لأهلِ الجنَّة، فأتى رجلٌ من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنَّة يوم القيامة؟ قال: بلى، قال: تكون الأرض خُبزةً واحدةً، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النَّبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثمَّ ضحك حتى بدت نواجذه، ثمَّ قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: بلى، قال: إدامهم بالامٌ ونُونٌ، قال: وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفًا".

قال عبد اللَّه بن المبارك: أخبرنا ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب أنَّ أبا الخير أخبره أنَّ أبا العوام أخبره أنَّه سمع كعبًا يقول:"إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول لأهل الجنَّة إذا دخلوها: إنَّ لكلِّ ضيفٍ جَزورًا، وإنِّي أجْزِرَكم اليومَ، فيؤتى بثورٍ وحوتٍ، فيُجزَرُ لأهل الجنَّة"

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6155)، ومسلم رقم (2792).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم بن حماد- رقم (432)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة برقم (111). =

ص: 329

الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنَّة، ومن مسيرة كم يُنْشَق

قال الطبراني: حدثنا موسى بن خازم الأصبهاني، حدثنا محمد بن بُكير

(1)

الحضرمي، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جُنَادة بن أبي أُمية عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل قتيلًا من أهل الذمة لم يَرَحْ رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام"

(2)

.

= وسنده لا بأس به، وأبو العوام مؤذَّن إيليا تابعي، صاحَبَ عمر بن الخطاب ومعاذًا روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات. وابن لهيعة ضعيف؛ لكن لا بأس به في غير الأحاديث المرفوعة؛ إذا صرَّح بالتحديث، وكان من رواية أحد العبادلة.

تنبيه: سقط من الزهد لابن المبارك: "نا ابن المبارك"؛ لأنَّ نُعَيمًا لم يسمع من ابن لهيعة.

(1)

في "ب، د""بن أبي بكر" بدلًا من "بن بكير" وهو خطأ، وفي "هـ""بن بكر" وهو خطأ.

(2)

أخرجه الطبراني لعلَّه في المعجم الكبير -في القسم المفقود-.

وهذه الرواية خطأ:

فقد خولف محمد بن بكير الحضرمي في قوله "مائة عام".

فرواهُ:

1 -

عبد الرحمن بن إبراهيم "دحيم"، عند النسائي (8/ 25) وغيره.

2 -

وإسماعيل بن محمد المعقَّب "ثقة"، عند أحمد (2/ 186).

3 -

4 - وأيوب الوزان ويعقوب، عند ابن أبي عاصم في الدِّيات ص (86).

5 -

وعلي بن مسلم الطوسي، عند الحاكم في المستدرك (2/ 137) رقم =

ص: 330

ورواهُ البخاري في "الصحيح" عن قيس بن حفص عن عبد الواحد ابن زياد عن الحسن بن عمرو الفُقَيمي عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما ولم يذكر بينهما جنادة، وقال:"ليوجد من مسيرة أربعين عامًا".

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي بن سليمان هو البصري عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من قتل نفسًا معاهدًا له ذِمَّةُ اللَّهِ وذمَّةُ رسوله، فقد أخفر بذمَّة اللَّهِ، فلا يرح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا"

(1)

.

= (2580)

لكن فيه ". . . ليوجد من كذا وكذا".

6 -

وابن أبي عمر العدني، عند البيهقي في السنن (9/ 205).

كلهم عن مروان به مثله؛ لكنَّهم قالوا -غير الطوسي- "أربعين عامًا".

- ورواهُ عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية كلاهما عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو فقال: "أربعين عامًا"، كما ذكره المؤلِّف.

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2995)، وابن أبي شيبة (5/ 455) رقم (27938)، وابن ماجه (2686) وغيرهم.

وعليه فالصحيح رواية "أربعين عامًا"، وأمَّا رواية "مائة عام" فوهم من محمد بن بكير الحضرمي، قال أبو حاتم الرَّازي:"صدوق عندي، يغلط أحيانًا"، وقال أبو نعيم الأصبهان:". . وهو صاحب غرائب"، ووثَّقه غير واحد، فلعلَّ هذا ممَّا غلط فيه واللَّه أعلم.

انظر: تهذيب الكمال (24/ 544 - 545) وفتح الباري (6/ 270).

(1)

أخرجه الترمذي برقم (1403)، وابن ماجه (2687)، والحاكم (2/ 138) =

ص: 331

قال: "وفي الباب عن أبي بكرة، وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح"

(1)

.

قال محمد بن عبد الواحد: "وإسناده عندي على شرط الصحيح"

(2)

.

قلتُ: وقد رواهُ الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة يرفعه: "من قتل نفسًا مُعاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريح الجنَّة يوجد من مسيرة مئة عام"

(3)

.

وقال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ريحُ الجنَّة يوجدُ من مسيرة مئة عام"

(4)

.

= رقم (2581). قال الحاكم: "حديث أبي هريرة صحيح على شرط مسلم".

والحديث صححه الترمذي والحاكم والضياء المقدسي كما نقله المؤلِّف.

(1)

وزاد "وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم".

(2)

انظر صفة الجنَّة له ص (147).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 198) رقم (663).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عوف إلَّا عيسى".

- ورواهُ محمد بن مهران الجمال عن عيسى بن يونس به نحوه.

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجمه برقم (2/ 725 - 726)، والسهمي في تاريخ جرجان ص (323)، والطبراني في الأوسط (6/ 64 - 65) رقم (8011).

والحديث ظاهر سنده صحيح.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/ رقم "19712")، وأحمد في المسند =

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (5/ 46)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (193) وغيرهم.

- ورواهُ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رفعه، وفيه:"خمس مئة عام".

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (2923) ولا يثبت.

- ورواه جماعة عن الحسن عن أبي بكرة نحوه، وفيه "خمس مئة عام".

أخرجه عبد الرزاق (18522)، وابن حبان (7383)، والطبراني في الأوسط (431)، ولا يثبت عن الحسن منها شيء.

- ورواه جماعة عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة، واضطربوا في لفظه.

أخرجه النسائي (8744)، وابن حبان (4881 و7382)، والحاكم (1/ 105) رقم (134).

والصواب -في حديث يونس- ما رواه الحفَّاظ: كالثوري وابن عُليَّة ويزيد بن زريع وغيرهم، كلهم عن يونس بن عبيد عن الحكم بن الأعرج عن الأشعث بن ثُرْملة عن أبي بكرة نحوه، وفيه:". . حرَّم اللَّه عليه الجنة".

أخرجه أحمد (5/ 36 و38)، وابن حبان (11/ رقم 4882)، وابن أبي شيبة في مصنفه (27935) والبخاري في تاريخه (1/ 428) وغيرهم.

قال البخاري عن هذا الطريق "أصح" يعني من طريق حماد بن سلمة.

وقال النسائي عن طريق حماد بن سلمة: "هذا خطأ، والصواب حديث ابن عُليَّة. . . ". وكذا رجَّح هذا الطريق الحافظ أبو علي النيسابوري.

- ورواهُ حميد أبو المغيرة العجلي عن الأشعث بن ثُرْمُلة به نحوه، وفيه "حرَّم اللَّه عليه ريح الجنَّة".

أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (2/ 126).

- ورواهُ عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة، بنحوه.

أخرجه أحمد (5/ 36 و38)، وأبو داود (2760)، والنسائي (8/ 24).

- ورواهُ عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه نحوه، وفيه "مائة عام" وفي رواية "خمس مئة عام".

ص: 333

وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بوجه.

وقد أخرجا في "الصحيحين"

(1)

من حديث أنس قال: لم يشهد عَمِّي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدرًا، قال: فشقَّ عليه، قال: أوَّلُ مشهدٍ شهده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غبتُ عنه، فإنْ أراني اللَّهُ مشهدًا فيما بعدُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليرينَّ اللَّه ما أصنعُ، قال: فهابَ أنْ يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ أحد، قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: أين؟ فقال: واهًا لريح الجنَّة أجده دون أُحد، قال: فقاتلهم حتى قُتِلَ، قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمَّة الرُّبَيِّع بنتُ النضر: فما عرفتُ أخي إلَّا ببَنَانه، ونزلت هذه الآية:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. قالوا: فكانوا يرون أنَّها نزلت فيه وفي أصحابه.

وريح الجنَّة نوعان: ريحٌ يوجد في الدنيا تشمُّه الأرواح أحيانًا ولا تدركه العبارة، وريح يُدرك بحاسة الشمِّ للأبدان، كما تشم روائح الأزهار وغيرها، وهذا يشترك أهل الجنَّة في إدراكه في الآخرة من قرب وبُعد، وأمَّا في الدنيا فقد يدركه من شاء اللَّهُ من أنبيائه ورسله، وهذا الَّذي وجدهُ أنس بن النضر يجوز أنْ يكون من هذا القسم، وأنْ يكون

= أخرجه أحمد (5/ 50 و 51)، وفي سنده ضعف.

والحديث ثابتٌ عن أبي بكرة، لكن رواية "حرَّم اللَّهُ عليه الجنَّة" أقوى وأصحّ إسنادًا ممَّن روى "مئة عام" أو "خمس مئة عام" واللَّه أعلم.

(1)

أخرجه البخاري رقم (2651)، ومسلم رقم (1903).

ص: 334

من

(1)

الأوَّل، واللَّهُ أعلمُ.

وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن معمر حدثنا محمد بن أحمد المؤدب، حدثنا عبد الواحد بن غياث أخبرنا الربيع بن بدر حدثنا هارون بن رئاب عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "رائحة الجنَّة توجد

(2)

من مسيرة خمس مئة عامٍ"

(3)

.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الحضرمي حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن طريف حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ريح الجنَّة يوجد من مسيرة ألف عام، واللَّه لا يجدها عاقٌّ، ولا قاطع رحم"

(4)

.

وقال أبو داود الطيالسي في "مسنده": حدثنا شعبة عن الحكم عن

(1)

من "ب، ج، د، هـ"، ونسخةٍ على حاشية "أ".

(2)

كذا في جميع النسخ، ولفظه عند أبي نعيم "تراح رائحة الجنَّة. . . ".

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (194)، وفي الحلية (3/ 307)، والطبراني في الصغير رقم (408).

قال الهيثمي: "وفيه الربيع بن بدر وهو متروك".

انظر مجمع الزوائد (8/ 148)، والتقريب لابن حجر رقم (1883).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (5664)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 43) رقم (194).

قال الهيثمي: "رواهُ الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي، وكلاهما ضعيف جدًّا".

انظر مجمع الزوائد (8/ 148 - 149).

ص: 335

مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ادَّعى إلى غير أبيه لم يرحْ رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسين

(1)

عامًا"

(2)

.

وقد أشهد اللَّهُ سبحانه عباده في هذه الدَّار آثارًا من أثار الجنَّة، وأنموذجًا منها من الرائحة الطيبة، والَّلذات المُشْتهاة، والمناظر البَهيَّة، والفاكهة الحسنة، والنعيم والسُّرور، وقُرَّة العين.

وقد روى أبو نُعيم من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يقول اللَّهُ عز وجل للجنَّة: طِيْبي لأهلك فتزداد طيبًا، فذلك البَرْد الَّذي يجده النَّاس بالسَّحَرِ من ذلك"

(3)

.

(1)

في "هـ""خمسمائة"، وعند الطيالسي "سبعين" بدل "خمسين".

(2)

أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (2388)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (196) وغيرهما من هذا الطريق.

- ورواهُ غندر ووهب بن جرير عن شعبة به مثله.

أخرجه أحمد (2/ 171 و 194) وغيره.

ورواهُ مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد اللَّه بن عمرو فذكره وفيه "مائة عام".

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (198).

والحديث سنده صحيح.

(3)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (20 و 199)، والطبراني في الصغير (1/ 63 - 64) رقم (75).

وقال: "لم يروه عن الأعمش إلَّا عمرو بن عبد الغفار، تفرَّد به يوسف بن =

ص: 336

كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها وغمومها وأحزانها مُذكِّرةً

(1)

بنار الآخرة، قال تعالى في هذه النَّار:{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة: 73].

وأخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ شدَّة الحرِّ والبردِ من أنفاس جهنَّم

(2)

، فلا بُدَّ أنْ يشهد عباده أنفاس جنته، وما يذكرهم بها، واللَّهُ المستعان.

= موسى أبو غسان".

قال الهيثمي: "وفيه عمرو بن عبد الغفار وهو متروك".

انظر مجمع الزوائد (10/ 412).

(1)

في "د""تذكرة".

(2)

أخرجه البخاري رقم (512)، ومسلم رقم (617) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 337

الباب الثالث والأربعون في الأذان الَّذي يؤذن به مؤذن الجنَّة فيها

روى مسلمٌ في "صحيحه"

(1)

من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أنْ تَصِحُّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنَّ لكم أنْ تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أنْ تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإنَّ لكم أنْ تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، وذلك قول اللَّه عز وجل:{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} [الأعراف: 43].

وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حمزة الزَّيَّات، عن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا أبدًا، واخلدوا فلا تموتوا أبدًا، وأنعموا فلا تبأسوا أبدًا"

(2)

.

(1)

رقم (2837).

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 148 - 149) رقم (290) من طريق عثمان بن أبي شيبة به.

وأخرجه أحمد في المسند (3/ 38) وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1480) رقم (8477) والنسائي في تفسيره (1/ رقم 204) من طريق عبيد ابن يعيش ثنا يحيى بن آدم به مثله.

- ورواهُ عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري عن الثوري عن أبي إسحاق به مثله.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 95)، ومسلم رقم (2837)، وأبو نعيم في =

ص: 338

وفي "صحيح مسلم"

(1)

من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنَّة الجنَّة، وأهل النَّارِ النَّارَ، نادى منادٍ، يا أهل الجنَّة، إنَّ لكم عند اللَّهِ موعدًا، فيقولون: ما هو؟ ألم يُثَقِّل موازيننا، ويُبيِّض وجوهنا، ويدخلنا الجنَّة، وينجِّينا من النَّارِ؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى اللَّهِ، فواللَّهِ ما أعطاهم اللَّه شيئًا هو أحبَّ إليهم من النظر إليه".

وقال عبد اللَّه بن المبارك: حدثنا أبو بكر الهذلي

(2)

، أخبرني أبو تميمة الهُجَيمي، قال: سمعتُ أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول: إنَّ اللَّهَ عز وجل يبعث يوم القيامة ملكًا إلى أهل الجنَّة،

= صفة الجنَّة (2/ 148) رقم (290).

وقد خولف عبد الرزاق:

- فرواهُ ابن المبارك والفريابي وقبيصة عن الثوري عن أبي إسحاق بمثله موقوفًا.

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (428)، وهناد في الزهد رقم (175)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (2/ 148) رقم (290) وغيرهم.

- ورواهُ شعبة عن أبي بكر بن حفص عن الأغر به.

انظر أطراف المسند (7/ 136).

والحديث ثابتٌ رفعه، قال الدَّارقطني:"ورفعه صحيح". انظر علل الدَّارقطني (11/ 240 - 241).

(1)

رقم (181).

(2)

في جميع النسخ "الألهاني" وهو خطأ.

ص: 339

فيقول: يا أهل الجنَّة، هل أنجزكم اللَّهُ ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الحُلي والحُلل والأنهار، والأزواج المطهرة، فيقولون: نعم، قد أنجز ما وعدنا، قالوا ذلك ثلاث مرَّاتٍ، فينظرون فلا يفتقدون شيئًا ممَّا

(1)

وعدوا، فيقولون: نعم، فيقول: قد بقي شيء، إنَّ اللَّهَ يقول:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]: ألَا إنَّ الحسنى: الجنَّة، والزيادة: النظر إلى وجه اللَّهِ"

(2)

.

وفي "الصحيحين"

(3)

من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟

(1)

في "أ، ج""كما".

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (419)، والطبري في تفسيره (11/ 105)، والدَّارقطني في الرؤية رقم (46)، والبيهقي في البعث رقم (492).

ورواهُ وكيع والنضر بن شميل وشبابه وغيرهم كلهم عن أبي بكر الهذلي به نحوه بعضهم اختصره.

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (351)، والدَّارقطني في الرؤية رقم (44، 45)، وهناد في الزهد رقم (169) وغيرهم.

والأثر مداره على أبي بكر الهذلي وهو أخباري متروك الحديث. انظر التقريب رقم (8002).

- ورواهُ أبان بن أبي عياش عن أبي تميمة عن أبي موسى بنحوه.

أخرجه الطبري (11/ 105)، والدَّارقطني في الرؤية رقم (43).

وفيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث، انظر التقريب رقم (142).

(3)

أخرجه البخاري رقم (6183)، ومسلم رقم (2829).

ص: 340

فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا".

ومن تراجم البخاري عليه: بابٌ: كلامُ الربِّ مع أهل الجنة

(1)

.

وسيأتي في هذا أحاديث نذكرها في باب معقود لذلك إن شاء اللَّه تعالى

(2)

.

وفي "الصحيحين"

(3)

من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل اللَّه أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كلٌّ خالدٌ فيما هو فيه".

وهذا الأذان وإن كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار، ولهم نداء آخر يوم زيارتهم ربهم تبارك وتعالى، يرسل إليهم ملكًا، فيؤذن فيهم بذلك فيسارعون إلى الزيارة، كما يؤذن مؤذن الجمعة إليها، وذلك في مقدار يوم الجمعة، كما سيأتي مبينًا في باب: زيارتهم الرب عز وجل

(4)

إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه أعلم.

(1)

في كتاب التوحيد (6/ 2732) رقم (7080).

(2)

انظر الباب (66) ص (715)،

(3)

البخاري رقم (6178)، ومسلم رقم (2850).

(4)

انظر الباب (61) ص (576).

ص: 341

الباب الرَّابع والأربعون في أشجار الجنَّة، وبساتينها وظلالها

قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) [73/ أ] وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة: 27 - 33]، وقال تعالى:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)} [الرحمن: 48]، وهو جمع فَنَنٍ

(1)

: وهو الغصن، وقال:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68].

والمخضود: الَّذي خُضِد شوكه: أي نُزِعَ وقُطِعَ، فلا شوك فيه.

وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وقتادة، وأبي الأحوص، وقسامة بن زهير، وجماعة

(2)

.

واحتجَّ هؤلاء بحجتين:

إحداهما: أنَّ الخضد في اللغة: القطعُ، وكلُّ رطب قضبته فقد خضدته، وخضدت الشجر: إذا

(3)

قطعت شوكه، فهو خضيد ومخضود، ومنه الخَضَدُ على مثال الثَّمَر، وهو كل ما قطع من عودٍ رطبٍ، خَضَد بمعنى مَخْضود كقَبَض وسَلَب، والخضاد: شجر رخو لا شوكَ له.

(1)

في "ب": "فن" وهو خطأ.

(2)

انظر: تفسير عبد الرزاق (2/ 218) رقم (3125) والطبري (27/ 179 - 180)، والزهد لهناد بن السَّري رقم (109، 110).

(3)

من المطبوعة.

ص: 342

الحُجَّة الثانية: قال ابن أبي داود: حدثنا موسى بن مصفَّى

(1)

، حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثني ثور بن يزيد حدثني حبيب بن عُبَيد عن عُتْبة بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا مع رسول اللَّه، فجاء أعرابي فقال: يا رسول اللَّه، أسمعك تذكر في الجنَّة شجرة

(2)

لا أعلمُ شجرة أكثرَ شوكًا منها -يعني الطلح- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ يجعل مكان كلَّ شوكةٍ منها ثمرةً مثل خَصْوةِ التَّيْسِ الملبود، فيها سبعون لونًا من الطعامِ، لا يُشْبِهُ لونٌ آخَرَ"

(3)

. "الملبود": الَّذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض.

وقال عبد اللَّه بن المبارك: أخبرنا صفوان بن عمرو عن سُلَيم بن عامر قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون: إنَّ اللَّهَ لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، أقبل أعرابي يومًا، فقال: يا رسول اللَّه، ذكر اللَّه في الجنَّة شجرةً مؤذيةً، وما كنتُ أرى في الجنَّة شجرةً تُوذي صاحبها، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وما هي؟ قال: السِّدْرُ، فإنَّ له شوكًا مؤذيًا، قال: أليس اللَّه يقول: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) } [الواقعة: 28]؟! خَضَدَ اللَّهُ شوكه

(1)

في "أ": "معلَّى" وهو خطأ.

(2)

من "هـ"، ونسخة على حاشية "أ".

(3)

أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (69).

- ورواهُ أبو مسهر وابن المبارك كلاهما عن يحيى بن حمزة به نحوه.

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 130) رقم (318)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (347)، وفي الحلية (6/ 103).

والحديث صحيح الإسناد، وقد تقدم من طريق آخر عن عتبة بن عبدٍ السلمي (ص/ 273).

ص: 343

فجعل مكان كلِّ شوكةٍ ثمرةً"

(1)

.

وقالت طائفة: المخضود هو: المُوْقَر حَمْلًا

(2)

.

وأُنْكِرَ عليهم هذا القول، وقالوا: لا يُعْرَفُ في اللغة الخضد بمعنى الحمل. ولم يُصِبْ هؤلاءِ الَّذين أنكروا هذا القول، بل هو قولٌ صحيح، وأربابه ذهبوا إلى أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لمَّا خضد شوكه وأذهبه، وجعل مكان كلِّ شوكةٍ ثمرة أوقره بالحمل، والحديثان المذكوران يجمعان القولين

(3)

.

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نُعَيم- رقم (263)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (109).

- ورواهُ بشر بن بكر ومحمد بن حرب كلاهما عن صفوان بن عمرو عن سُليم بن عامر عن أبي أُمامة الباهلي قال كان أصحاب رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.

أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (110)، والحاكم في المستدرك (2/ 518) رقم (3778)، والبيهقي في البعث رقم (302).

قال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

قلتُ: والطريق المرسل أصح، فإنْ طريق محمد بن حرب من رواية الواقدي وهو متروك، وطريق بشر بن بكر التَّنَّيْسي من رواية الربيع بن سليمان المرادي وهو صدوق، وابن المبارك أثبت وأحفظ من بشر بن بكر، واللَّهُ أعلم.

(2)

قال به الحسن وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة.

انظر: تفسير الطبري (27/ 180).

(3)

وممَّن قال بالقولين جميعًا: ابن عباس، وعكرمة، وقتادة.

انظر: تفسير عبد الرزاق (2/ 218)(3125) والطبري (27/ 179 - 180).

ص: 344