المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

علي (1) بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: علي (1) بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما:

علي

(1)

بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "موضونة: مصفوفة"

(2)

.

وأخبر سبحانه وتعالى أنَّها مرفوعة قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سرر من ذهب، مكلَّلة بالزبرجد والدُّرِّ والياقوت، والسرير مثل ما بين مكة وأيلة"

(3)

.

وقال الكلبي: "طول السرير في السماء مئة عام

(4)

، فإذا أراد الرجل أنْ يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه، فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه".

‌فصل

وأمَّا الأرائك: فهي أجمع أريكة. قال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الكهف: 31]، قال: "لا يكون أريكة

(5)

= (34069)، والطبري (27/ 172) وغيرهم.

وله طريق آخر عن مجاهد: عند الطبري (27/ 173)، وهو صحيح عنه.

(1)

وقع في نسخة على حاشية "أ""عطاء" وهو خطأ.

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (27/ 173)، والبيهقي في البعث رقم (338 و 347). وسنده حسن.

(3)

ذكره الواحدي في الوسيط (3/ 147)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (10/ 398) وفيه "الأريكة ما بين صنعاء إلى أيله، وما بين عدن إلى الجابية".

(4)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوعة "ذراع"، وجاء عند القرطبي "ثلاث مائة ذراع" (17/ 202). قلت:"ذراع" أشبه بالصواب فيما يظهر. واللَّه أعلم.

(5)

في "د": "الأرائك".

ص: 460

حتى يكون السرير في الحَجَلة، فإنْ كان سريرًا بغير حَجَلة لا يكون أريكة، وإن كانت حَجَلة بغير سرير لم تكن أريكة، و

(1)

لا تكون أريكة إلَّا والسرير في الحجلة، فماذا اجتمعا كانت أريكة"

(2)

.

وقال مجاهد: "هي الأسِرَّة في الحِجَال"

(3)

. وقال الليث: "الأريكة: سرير حجلة، فالحجلة والسرير أريكة، وجمعها أرائك". وقال أبو إسحاق: "الأرائك: الفرش في الحجال".

قلتُ: ها هنا ثلاثة أشياء:

أحدها: السرير.

الثانية: الحجلة، وهي البشخانة التي تعلق فوقه.

الثالث

(4)

: الفراش الَّذي على السرير، ولا يسمَّى السرير أريكة، حتى يجمع ذلك كله.

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "وقال".

(2)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (334) من طريق علي بن عاصم عن حصين عن مجاهد عن ابن عباس.

وفيه علي بن عاصم الواسطي: في حفظه لين، انظر: تهذيب الكمال (20/ 504 - 520).

وأخرجه ابن وهب في التفسير من جامعه رقم (313) عن أشهل بن حاتم في -حفظه لين- عن حصين به بلفظ "على السرر في الحجال".

(3)

أخرجه هناد في الزهدِ رقم (74 و 75)، وابن أبي شيبة (7/ 68) رقم (34077)، والبيهقي في البعث رقم (335)، والَّلفظ له. وسنده صحيح.

(4)

في "ب، د": "الثالثة".

ص: 461

وفي "الصحاح": "الأريكة: سريرٌ مُنَجَّدٌ

(1)

مُزَيَّن في قُبَّةٍ أو بيتٍ، فإذا لم يكن فيه سرير، فهو حجلة، والجمع الأرائك"

(2)

.

وفي الحديث: "أنَّ خاتم النَّبي صلى الله عليه وسلم كان مثل زرِّ الحَجَلة"

(3)

. وهو الزِّرُّ الَّذي يُجمع به بين طرفيها من جملة أزرارها، واللَّهُ أعلم.

(1)

في "ب، ج، د، هـ": "متَّخذ".

(2)

انظر: الصحاح (2/ 1189).

(3)

أخرجه البخاري رقم (187)، ومسلم رقم (2345) من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه.

ص: 462

الباب الثاني والخمسون في ذكر خدمهم وغلمانهم

قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان: 19]، وقال تعالى:{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة: 17 - 18].

قال أبو عبيدة والفرَّاء: "مخلَّدون لا يهرمون، ولا يتغيرون، قال: والعربُ تقول للرجل إذا كَبُرَ ولم يشمط: إنَّهُ لمخلَّد، وإذا لم تذهب أسنانه من الكِبَر، قيل: هو مخلَّد"

(1)

.

وقال آخرون: مُخلَّدون: مُقَرَّطُون مُسَوَّرُون، أي في آذانهم القِرَطَة، وفي أيديهم الأساور.

وهذا اختيار ابن الأعرابي، قال: مخلَّدون: مُقَرَّطون بالخَلَدة، وجمعها خَلَدٌ، وهي: القِرَطَة

(2)

.

وروى عمرو

(3)

عن أبيه: "خلَّد جاريته، إذا حلَّاها بالخَلَدِ، وهي

(1)

انظر: مجاز القرآن (2/ 249)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 122 - 123)، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (446).

(2)

انظر: العين للخليل ص (261)، ومعجم تهذيب اللغة للأزهري (1/ 108)، ومعاني القرآن للفرَّاء (3/ 123)، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (446 - 447).

(3)

في "هـ": "عمر".

ص: 463

القِرَطَة، وخَلَدَ إذا أسنَّ ولم يَشِبْ"

(1)

، وكذلك قال سعيد بن جبير:"مقرَّطون"

(2)

.

واحتجَّ هؤلاء بحجتين:

إحداهما: أنَّ الخلود عامٌّ لكلَّ من في الجنَّة، فلا بُدَّ أنْ يكون الوِلدان موصوفين بتخليدٍ يختصُّ بهم، وذلك هو القِرَطة.

الحجة الثانية: قول الشاعر:

ومُخلَّداتٍ بالُّلجين كأنَّما

أعجازهنَّ رَواكِدُ الكُثبانِ

(3)

وقال الأوَّلون: الخُلْد هو البقاء. قال ابن عباس: "غلمان لا يموتون"

(4)

.

وقول ترجمان القرآن في هذا كافٍ، وهذا قول مجاهد والكلبي ومقاتل، قالوا: لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون

(5)

.

(1)

انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (1/ 1081).

(2)

ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل (8/ 108)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (17/ 202).

(3)

انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (447)، ومعجم تهذيب اللغة للأزهري (1/ 1080)، ولم ينسباه لأحدٍ، وعندهما "أقاوِز" بدل "رواكد".

(4)

ذكره الواحدي في تفسيره "الوسيط"(4/ 233).

وقاله أيضًا مجاهد والحسن البصري، انظر: تفسير الطبري (27/ 173).

(5)

انظر: تفسير مقاتل (3/ 312)، والقرطبي (17/ 202)، والوسيط (4/ 233)، والبيهقي في البعث رقم (411).

ص: 464

وجمعتْ طائفة بين القولين، وقالوا: هم ولدان لا يعرض لهم الكِبَر ولا الهرم، وفي آذانهم القِرَطة، فمن قال: مقرَّطون. أراد هذا المعنى، أنَّ كونهم ولدانًا أمرٌ لازمٌ لهم.

وشبَّههم سبحانه باللؤلؤ المنثور، لما فيه من البياض وحسن الخلق، وفي كونه منثورًا فائدتان:

إحداهما: الدلالة على أنَّهم غير معطَّلين، بل مَبْثوثون في خدمتهم وحوائجهم.

والثاني

(1)

: أنَّ اللؤلؤ إذا كان منثورًا، ولا سيما على بساط من ذهبٍ أو حرير؛ كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعًا في مكان واحد.

وقد اختلف في هؤلاء الوِلْدان: هل هم مِنْ وِلْدان الدنيا، أم أنشأهم اللَّهُ في الجنَّة إنشاء؟ على قولين:

فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري: هم أولاد المسلمين الَّذين يموتون، ولا حسنةَ لهم ولا سيئة، يكونون خدم أهل الجنَّة وولدانهم

(2)

، إِذِ الجنَّة لا وِلادة فيها

(3)

.

قال الحاكم: حدثنا عبد الرحمن بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا آدم حدثنا المبارك بن فَضَالة عن الحسن في قوله تعالى:

(1)

كذا في جميع النسخ، ولعل صوابه:"الثانية".

(2)

في "ج": "وولدانهم في الجنَّة".

(3)

انظر: تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (17/ 203).

ص: 465

{وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) } [الواقعة: 17] قال: "لم يكن لهم حسنات فَيُجْزَوْن بها

(1)

، ولا سيئات فيعاقبون عليها، فوضعوا بهذا الموضع"

(2)

.

ومن أصحاب هذا القول من قال: هم أطفال المشركين، يجعلهم اللَّهُ خَدَمًا لأهل الجنَّة.

واحتجَّ هؤلاء بما رواهُ يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن أبي حازمٍ المديني، عن يزيد الرَّقاشي عن أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"سألتُ ربي الَّلاهين من ذرية البشر أنْ لا يعذبهم، فأعطانيهم فهم خدم أهل الجنَّة"

(3)

. يعني: الأطفال.

(1)

في "ب": "فيخرجون بها".

(2)

أخرجه البيهقي في البعثِ رقم (410)، وعبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (6/ 219)، وسنده حسن.

(3)

أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 926) رقم (1544).

- ورواهُ الأعمش والربيع بن صبيح وحكيم بن جرير وغيرهم كلهم عن يزيد الرقاشي عن أنس، وفي ألفاظهم اختلاف.

أخرجه أبو يعلى (4090)، والطيالسي (2225)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 344).

ورواهُ محمد بن المنكدر واختلف عليه.

- فرواهُ عبد الرحمن بن المتوكل عن فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن الزهري عن أنس فذكره إلى "فأعطانيهم".

أخرجه أبو يعلى رقم (3570)، وابن عدي في الكامل (4/ 302).

وهذا خطأ، صوابه (ابن المنكدر) بدل (الزهري).

هكذا رواهُ عمرو بن مالك البصري عن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس فذكره إلى "فوهبهم" بدل "فأعطانيهم".

أخرجه أبو يعلى (3636). =

ص: 466

قال الدَّارقطني: ورواهُ عبد العزيز بن الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

ورواهُ فضيل

(1)

بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس. وهذه الطرق ضعيفة؛ فيزيد واهٍ

(2)

، وفضيل بن سليمان مُتَكَلَّمٌ فيه

(3)

، وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف

(4)

.

قال ابن قتيبة: والَّلاهون، مِن "لهيتَ" عن الشيء إذا غفلت عنه

(5)

، وليس هو مِن "لهوت"

(6)

.

وأصحاب القول الأوَّل لا يقولون: إنَّ هؤلاء أولادٌ وُلِدُوا لأهل

= - ورواهُ عبد العزيز بن الماجشون عن محمد بن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس فذكره.

أخرجه ابن الجعد في مسنده رقم (3013) وابن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب رقم (4180)، وأبو يعلى (4101 و 4102).

وهذا هو الصحيح، والحديث له طرقٌ أخرى لا تثبت.

وعليه فمدارُ الحديث على يزيد الرقاشي، وهو ضعيف.

قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يثبت، ويزيد لا يُعوَّل عليه". وضعفه البوصيري.

(1)

في "ب": "فضل"، وهو خطأ، وكذلك ما بعده.

(2)

انظر: تهذيب الكمال (32/ 77).

(3)

هو النُّميري. انظر: تهذيب الكمال (23/ 271).

(4)

هو المدني. انظر: تهذيب الكمال (16/ 519 - 525).

(5)

سقط من "أ، ج، هـ".

(6)

ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 926 - 927).

ص: 467

الجنَّة فيها، وإنَّما يقولون: هم غلمان أنشأهم اللَّهُ في الجنَّة إنشاءً

(1)

، كما أنشأ الحور العين.

قالوا: وأمَّا وِلْدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين سنة؛ لما رواهُ ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أنَّ درَّاجًا أبا السَّمح حدَّثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من مات من أهل الجنَّة من صغيرٍ أو كبيرٍ يُردُّون بني ثلاثٍ و

(2)

ثلاثين سنة في الجنَّة، لا يزيدون عليها أبدًا، وكذلك أهل النَّار"

(3)

. رواهُ الترمذي.

والأشبه أنَّ هؤلاءِ الولدان مخلوقون من الجنَّة -كالحور العين- خَدَمًا لهم وغِلْمَانًا، كما قال تعالى:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) } [الطور: 24] وهؤلاء غير أولادهم، فإنَّ من تمام كرامة اللَّهُ تعالى لهم أنْ يجعل أبناءهم مخدومين معهم، لا يجعلهم غلمانًا لهم.

وقد تقدَّم في حديث أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أوَّل النَّاسُ خروجًا إذا بُعِثُوا، -وفيه- يطوف عليَّ ألفُ خادمٍ كأنَّهم لؤلؤ مكنون"

(4)

.

والمكنون: المستور المصون الَّذي لم تبتذله الأيدي.

(1)

من "ب، ج، د، هـ".

(2)

قوله "ثلاثٍ و" من "أ" فقط، وليس عند الترمذي، ولا في باقي النسخ، ولم تَرِد أيضًا في (ص/ 316)؛ لكن كلام المؤلف يقتضيه، فلعلَّه في بعض نسخ الترمذي.

(3)

تقدم في ص (316).

(4)

تقدم في ص (225).

ص: 468

وإذا تأملتَ لفظة الـ {وِلْدَانٌ} ، ولفظة {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} واعتبرتها بقوله:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ} [الطور: 24] وضَممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنفًا = علمتَ أنَّ الولدان غلمانٌ أنشأهم الرَّبُّ تعالى في الجنَّة خدمًا لأهلها، واللَّهُ أعلم.

ص: 469

الباب الثالث والخمسون في ذكر نسائهم وسراريِّهم، وأصنافهنَّ وحسنهنَّ وأوصافهنَّ

(1)

وجمالهنَّ الظاهر والباطن الَّذي وصفهنَّ اللَّهُ تعالى به في كتابه

قال اللَّه تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25].

فتأمَّل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشَّرك به، وضمنه لك على أسهل شيءٍ عليك وأيسره، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البَدَنِ بالجنان، وما فيها من الأنهارِ والثمارِ، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ونعيم القلبِ وقُرَّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد، وعدم انقطاعه.

والأزواج: جمع زوج، والمرأة: زوجُ الرجل، وهو زوجها، هذا هو الأفصحُ، وهو لغة قريش، وبها نزل القرآن كقوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] ومن العربِ من يقول: زوجة، وهو نادرٌ، لا يكادون يقولونه.

وأمَّا المطهرة: وإنْ جرتْ صفةً على الواحد، فتجري صفة على

(1)

في المطبوعة: "وَصَفَائِهِنَّ".

ص: 470

جمع التكسير إجراءً له مجرى جماعة، كقوله تعالى:{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} [الصف: 12]، و {قُرًى ظَاهِرَةً} [سبأ: 18]. ونظائره، والمطهرة: التي طُهِّرت من الحيضِ والبول والنفاس، والغائط والمخاط والبُصاق، وكل قَذَر، وكلِّ أذًى يكون من نساء الدنيا، وطُهِّرَ

(1)

مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها، وطهرت أثوابها من أنْ يعرض لها دنسٌ أو وسخٌ.

قال عبد اللَّه بن المبارك: حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نَضْرة عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] قال: "من الحيض والغائط والنخامة والبصاق"

(2)

.

(1)

في "ج": "فطهر".

(2)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 160) معلقًا، والحاكم في المستدرك كما عند ابن كثير (1/ 67)، ولم أقف عليه في المطبوع ولا في إتحاف المهرة لابن حجر، وابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (1/ 66 - 67)، وقال:"هذا حديثٌ غريب".

من طريق عبد الرزاق بن عمر البزيعي عن عبد اللَّه بن المبارك به فذكره.

قال الحاكمُ: "صحيح على شرط الشيخين".

وتعقبه ابن كثير فقال: "هذا الَّذي ادَّعاهُ فيه نظر، فإنَّ عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم البُستي: "لا يجوزُ الاحتجاج به"، قلتُ -ابن كثير-: والأظهرُ أنَّ هذا من كلام قتادة كما تقدم واللَّه أعلم".

وقال ابن حبان في ترجمة عبد الرزاق هذا: ". . . يقلب الأخبار ويسند المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد" ثمَّ ساق له هذا الحديث ثمَّ قال: "وهذا قول قتادة رفعه، لا أصل له من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم". =

ص: 471

وقال عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه وعبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما: "مطهرة: لا يحضن ولا يُحْدِثْنَ

(1)

ولا يتنخَّمن"

(2)

.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: "مطهرة من القَذَرِ والأذى"

(3)

.

وقال مجاهد: "لا يبلنَ ولا يتغوطن، ولا يمذين

(4)

ولا يمنين، ولا يحضنَ، ولا يبصقن ولا يتنخمن، ولا يلدن"

(5)

.

وقال قتادة: "مطهرة من الإثم والأذى، طهرهنَّ اللَّهُ من كلِّ بولٍ وغائطٍ وقذرٍ ومأثم"

(6)

.

= قلتُ: وهو كما قال. بنحوه رواهُ سعيد بن أبي عروبة وأبان العطار ومعمر وخليد كلهم عن قتادة قوله، وسيأتي.

(1)

في "أ، ب، ج، د، هـ""يمذين" وهو تصحيف، والمثبت مصدر التخريج.

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 175).

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره -البقرة- رقم (265)، والطبري في تفسيره (1/ 175)، وسنده حسن.

(4)

كذا في جميع النسخ، وقد جاءت من رواية الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عند الطبري.

(5)

أخرجه هنَّاد في الزهد رقم (27، 29)، وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم- رقم (242)، وابن أبي حاتم في تفسيره/ البقرة رقم (266)، والطبري (1/ 175 و 176) وغيرهم.

من طريقين عن مجاهد، وهو ثابت عنه.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 64)، وابن أبي حاتم في تفسيره/ البقرة رقم (267 و 268) والطبري في تفسيره (1/ 176).

وهو صحيحٌ عنه.

ص: 472

وقال عبد الرحمن بن زيد: "المطهرة: التي لا تحيض، وأزواج الدنيا لسن بمطهراتٍ، ألَا تراهنَّ يدمين، ويتركن الصلاة والصيام؟. قال: وكذلك خُلِقَتْ حوَّاء حتى عَصَت، فلمَّا عصت قال اللَّهُ: إنَّي خلقتك مطهرةً، وسأُدْميك كما دميت هذه الشجرة"

(1)

.

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) } [الدخان: 51 - 56].

فجمعَ لهم بين حُسْن المنزل، وحصول الأمن فيه من كلِّ مكروهٍ، واشتماله على الثمار والأنهار، وحسن اللباس وكمال العِشْرة بمقابلة بعضهم بعضًا، وتمام الَّلذة بالحور العين، ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة، مع أمنهم من انقطاعها، ومضرتها وغائلتها، وختامُ ذلك أعلمهم بأنَّهم لا يذوقون هناك موتًا.

والحُوْرُ: جمع حَوْراء، وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء، شديدة سواد العين.

وقال زيد بن أسلم: "الحَوْرَاء: التي يحار فيها الطرف، وعِيْن: حسان الأعين"

(2)

.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 176)، وسنده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (304) وفيه الواقدي: وهو متروك.

ص: 473

وقال مجاهد: "الحوراء التي يحار فيها الطرف من رِقَّة الجلد، وصفاء اللون"

(1)

.

وقال الحسن: "الحوراء: شديدة بياض العين، شديدة سواد العين"

(2)

.

واختلف في اشتقاق هذه اللفظة:

فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "الحور في كلام العرب: البيض"

(3)

. وكذلك قال قتادة "الحور: البيض"

(4)

وقال مقاتل: "الحور: البيض الوجوه"

(5)

. وقال مجاهد: "الحور العين، التي يحار

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (305) والَّلفظ له، وابن أبي شيبة (7/ 218) رقم (35446)، والطبري (27/ 178).

من طريق سفيان وفضيل حدثنا أصحابنا عن مجاهد فذكره.

فيه إبهام من رواهُ عن مجاهد. ووقع عند الطبري "عن رجل" بدل "أصحابنا" وعند ابن أبي شيبة "عن بعض أصحابه".

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (306)، واللفظ له، والطبري (27/ 177).

من طريق سفيان عن رجلٍ عن الحسن فذكره.

وفيه إبهام الرجل الرَّاوي عن الحسن، ووقع عند الطبري مصرَّحًا به، واسمه "عمرو"، وهو عمرو بن عُبيد المعتزلي، وهو متروك، قد اتَّهمه بعضهم. انظر: تهذيب الكمال (22/ 123).

(3)

أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (241).

من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه. وسنده ضعيف جدًّا.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 171 - 172) رقم (2825)، والطبري (25/ 136). وسنده صحيح.

(5)

انظر: تفسيره (3/ 208).

ص: 474

فيهن الطرف باديًا مخُّ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن، كالمرآة من رقة الجلد، وصفاء اللون"

(1)

.

وهذا من الاتفاق، وليست اللفظة مشتقة من الحيرة. وأصل الحور: البياض. والتحوير: التبييض.

والصحيح: أن الحور مأخوذ من الحَوَرِ في العين، وهو شدة بياضها مع قوة سوادها، فهو يتضمن الأمرين.

وفي "الصحاح": "الحَوَرُ: شدة بياض العين في شدة سوادها. امرأة حَوْرَاء: بَيِّنة الحَوَر. وقال أبو عمرو: الحَوَر: أن تسْودَّ العين كلها مثل أعين الظِّباء والبقر، وليس فى بني آدم حور، وإنما قيل: للنساء: حور العيون

(2)

؛ لأنهنَّ شُبِّهنَ بالظباء والبقر"

(3)

.

وقال الأصمعي: "ما أدري ما الحَوَرُ في العين؟ "

(4)

.

قلت: خالف أبو عمرو أهل اللغة، و

(5)

اشتقاق اللفظة، وردَّ الحَوَر إلى السواد، والناس غيره إنما ردُّوه إلى البياض، أو إلى بياضٍ في سواد.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (25/ 136)، والبيهقي في البعث رقم (396)، وسنده حسن.

(2)

في "ب": "العين".

(3)

انظر: الصِّحاح (1/ 526).

(4)

انظر: "الغريب المصنِّف لأبي عبيد (1/ 28) ".

(5)

كذا جميع النسخ ولعلَّها: "في"، وهي في مطبوعة، دار الكتاب العربي.

ص: 475

والحَوَرُ في العين: معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما، واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر.

وعينٌ حوراء: إذا اشتدَّ بياضُ أبيضِها وسواد أسودها، ولا تسمى المرأة حوراء حتى تكون مع حور عينها بيضاء لون الجسد.

والعِيْنُ: جمع عيناء، وهي العظيمة العين من النساء. ورجلٌ أعين: إذا كان ضخم العين. وامرأة عيناء، والجمع عِيْنٌ.

والصحيح: أنَّ العِيْنَ اللاتي جَمَعَتْ أعينهن صفات الحسن والملاحة، قال مقاتل:"العين: حسان الأعين"

(1)

.

ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول، وضيق العين في المرأة من العيوب، وإنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع: فمها، وخرق أذنها، وأنفها، وما هنالك.

ويستحب السَّعَة منها في أربعة مواضع: وجهها، وصدرها، وكاهلها: وهو ما بين كتفيها، وجبهتها.

ويستحب البياض منها في أربعة مواضع

(2)

: لونها، وفرقها، وثغرها، وبياض عينها.

ويستحب السواد منها في أربعة مواضع

(3)

: عينها، وحاجبها، وهدبها، وشعرها.

(1)

انظر تفسير مقاتل (3/ 208).

(2)

ليس في (أ، ج، هـ).

(3)

ليس في (أ، ب، ج، هـ).

ص: 476