المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌‌ ‌فصل قال تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)} [الرحمن: 70]. فالخيرات جمع خَيْرَةٍ، - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌ ‌‌ ‌فصل قال تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)} [الرحمن: 70]. فالخيرات جمع خَيْرَةٍ،

‌‌

‌فصل

قال تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)} [الرحمن: 70].

فالخيرات جمع خَيْرَةٍ، وهي مُخَفَّفة من خيِّرة، كَسَيِّدة ولَيِّنة. وحسان: جمع حسنة، فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم، حسان الوجوه.

قال وكيع: حدثنا سفيان عن جابر، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: "لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبوب، يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك، لا مَرِحات

(1)

ولا ذفرات ولا بَخِرَات

(2)

ولا طماحات"

(3)

.

فصل

وقال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)} [الواقعة: 35 - 38]. [102/ أ]

أعاد الضمير إلى النساء، ولم يَجْرِ لهنَّ ذكر؛ لأن الفرش دلت عليهن، إذ هي محلهن.

وقيل: الفرش، في قوله:{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34]: كناية

(1)

في "ج": "تَرِحَات" وفي "د": "مرجات".

(2)

في "ج": "بخرات"، وفي "هـ":"سخرات ولا لماحات".

(3)

تقدَّم الكلام عليه باب "51" ص (455).

ص: 488

عن النساء، كما يكنى عنهن بالقوارير والأزر وغيرها.

ولكن قوله: {مَرْفُوعَةٍ (34) } : يأبى هذا إلا أن يقال: المراد رِفْعة القدر. وقد تقدم تفسير النَّبي صلى الله عليه وسلم للفرش وارتفاعها

(1)

.

فالصواب أنها الفرش نفسها، ودلت على النساء: لأنها محلَّهنَّ غالبًا.

قال قتادة وسعيد بن جبير: "خلقناهن خلقًا جديدًا"

(2)

، وقال ابن عباس رضي الله عنهما:"يريد نساء الآدميات"

(3)

وقال الكلبي ومقاتل: "يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط" يقول تعالى: خلقناهن بعد الكبر والهرم، بعد الخلق الأوَّل

(4)

في الدنيا"

(5)

.

(1)

في ص (441 - 442).

(2)

أثر قتادة أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 219) رقم (3132)، والطبري في تفسيره (27/ 185). بلفظ "خلقناهن خلقًا". وسنده صحيح.

ولم أقف على أثر سعيد بن جبير.

(3)

ذكره البغوي في معالم التنزيل (8/ 3).

وقد وردَ بلفظٍ آخر: أخرجه الطبري (27/ 186) عن ابن عباس: "هُنَّ من بني آدم، نساء كنَّ في الدنيا ينشئهنَّ اللَّه أبكارًا عذارى عربًا".

وسنده ضعيف، فيه محمد بن حفص الوصابي الحمصي: قال ابن منده: "ضعيف"، وقال أبو حاتم الرَّازي:". . . قال لي بعض أهل حمص ليس بصدوق، ولم يدرك محمد بن حمير فتركته. . . ".

وهذا الحديث من رواية محمد بن حفص عن محمد بن حمير.

انظر: الجرح والتعديل (7/ 237)، ولسان الميزان (5/ 150).

(4)

سقط من "هـ".

(5)

انظر: تفسير مقاتل (3/ 314).

ص: 489

ويؤيد هذا التفسير حديث أنس المرفوع: "هن عجائزكم العُمْش الرمص"

(1)

رواه الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد الرقاشي عنه.

ويؤيده ما رواه يحيى الحماني، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها عجوز، فقال من هذه؟ فقالت: إحدى خالاتي، قال: أما إنه لا يدخل الجنة العجز، فدخل العجوز من ذلك ما شاء اللَّه، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35] "خلقًا آخر، يحشرون يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرْلًا، وأول من يُكْسَى إبراهيم خليل الرحمن"، ثم قرأ النَّبي صلى الله عليه وسلم:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35]

(2)

.

(1)

أخرجه الترمذي رقم (3296)، وابن أبي الدنيا رقم (287)، وهناد في الزهد (21)، والطبري في تفسيره (27/ 185 - 186)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (390)، والبغوي في تفسيره (8/ 14) وغيرهم.

من طريق الثوري ووكيع ومروان بن معاوية ومحمد بن ربيعة وغيرهم كلهم عن موسى بن عبيدة به نحوه.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلَّا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرَّقاشي: يُضَعَّفان في الحديث".

(2)

أخرجه البيهقي في البعثِ رقم (379) من طريق يحيى الحماني به.

- ورواهُ معتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم به نحوه.

وفيه "إنَّ اللَّهَ ينبت بهنَّ خلقًا غير خلقهنَّ".

أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 142).

- ورواهُ الحسن بن صالح بن حي عن ليث عن مجاهد قال: "دخلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلًا نحو لفظ معتمر".

أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النَّبي صلى الله عليه وسلم رقم (186).

وهذا الاضطراب من ليث بن أبي سُليم، فإنَّه اختلط، وكان يرفع أشياء =

ص: 490

قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان، عن جابر الجعفي، عن يزيد ابن مرة، عن سلمة بن يزيد قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35] قال: "يعني الثَّيب والأبكار الَّلاتي كُنَّ في الدنيا"

(1)

.

قال آدم: وحدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة العجز". فبكت عجوز، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أخبروها أنها ليست يومئذ بعجوز، إنها يومئذ شابَّة، إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35]

(2)

.

وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا مسعدة بن اليسع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب،

= لا يرفعها غيره، انظر: تهذيب الكمال (24/ 287)، ولعلَّ هذا الحديث منها، فإنَّ الحديث المعروف فيه الإرسال كما سيأتي بيانه.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير رقم (6322)، وابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير في تفسيره (4/ 312)، وابن قانع في معجمه رقم (566).

ورواهُ الطيالسي ومعاوية بن هشام كلاهما عن شيبان به نحوه.

أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (1403) والطبري في تفسيره (27/ 185) وغيرهما.

والحديث مدارهُ على جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، وقد اتهم.

والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري. انظر: مجمع الزوائد (7/ 119).

(2)

أخرجه البيهقي في البعث رقم (382) من طريق آدم به.

- ورواهُ مصعب بن المقدام عن المبارك به نحوه.

أخرجه الترمذي في الشمائل رقم (241) وغيره.

والحديث مرسل.

ص: 491

عن عائشة رضي الله عنها: "أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يدخلني الجنة، فقال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها عجوز" فذهب نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت عائشة: لقد لَقِيَتْ من كلمتك مشقة وشِدَّة، فقال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن ذاك كذاك، إن اللَّه تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارًا"

(1)

.

وذكر مقاتل قولًا آخر -وهو اختيار الزجاج- أنهن الحور العين التي ذكرهن.

"قيل: أنشأهن اللَّه عز وجل لأوليائه لم يقع عليهن ولادة

(2)

.

والظاهر أن المراد به أنشأهن اللَّه تعالى في الجنة إنشاء، ويدل عليه وجوه:

أحدها: أنه قد قال في حقِّ السَّابقين: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 154) رقم (5545)، وأبو نعيم في صفة الجنَّة (391).

- وقد خُولف مسعدة بن اليسع، خالفه عَبْدَة.

فرواهُ عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، قال: قلتُ له: أكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمازح؟ قال: نعم، أتته عجوز من الأنصار فذكر مثله.

أخرجه هنَّاد في الزهدِ رقم (24).

وهذا هو الصواب مرسل، وحديث مسعدة ضعيف جدًّا، ولعلَّ هذا المرسل مع مرسل الحسن يشدُّ بعضهما بعضًا.

(2)

انظر: تفسير مقاتل (3/ 314)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 112).

ص: 492

يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) } [الواقعة: 17 - 23].

فذكر سُرُرَهم وآنيتهم وشرابهم وفاكهتهم وطعامهم وأزواجهم من الحور العين، ثمَّ ذكر أصحاب الميمنة وطعامهم وشرابهم وفرشهم ونساءهم، فالظاهر: أنَّهنَّ مثلُ نساءِ مَنْ قبلهم خُلِقنَ في الجنَّة.

الثاني: أنَّه سبحانه قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35].

وهذا ظاهرٌ أنَّه إنشاء أوَّل لا ثانٍ؛ لأنَّه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يُقيِّده بذلك، كقوله:{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) } [النجم: 47]، وقوله:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة: 62].

الثالث: أنَّ الخطاب بقوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) } [الواقعة: 7]، إلى آخره للذكور والإناث، والنشأة الثانية عامَّة أيضًا للنوعين، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) } [الواقعة: 35]، ظاهره اختصاصهنَّ بهذا الإنشاء، وتأمَّل تأكيده بالمصدر، والحديث لا يدلُّ على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف، بل يدلُّ على مشاركتهنَّ للحور العين في هذه الصفات المذكورة، فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهنَّ ممَّا

(1)

ذُكِرَ من الصفات، بل هُنَّ أحقُّ بها منهنَّ، فالإنشاءُ واقعٌ على الصِّنفين، واللَّهُ أعلمُ.

وقوله تعالى: {عُرُبًا} جمع عَرُوب: وهنَّ المتحبِّبات إلى

(1)

في "ب، د": "بما"، وفي "هـ":"ما".

ص: 493

أزواجهنَّ.

قال ابن الأعرابي: "العَرُوب من النساء: المطيعة لزوجها المتحبِّبَة إليه"

(1)

. وقال أبو عبيدة "العروب: الحسنة التبعُّل"

(2)

.

قلتُ: يريد حسن مواقعتها، وملاطفتها لزوجها عند الجماع.

وقال المبرِّد: "هي العاشقة لزوجها"

(3)

وأنشد لِلَبيْد:

وفي الحُدوجِ عَرُوب غير فاحشةٍ

ريّا الرَّوادِفِ يَعْشى دُونَها البَصَرُ

(4)

وذكر المفسرون في تفسير العُرُب: أنَّهن العواشق المتحببات الغَنِجَات الشَّكِلات المتعشقاتِ الغَلِمَاتُ المَغْنُوجاتُ، كلُّ ذلك من ألفاظهم

(5)

.

وقال البخاري في "صحيحه": "عُربًا: مثقَّلة واحدها عَرُوب، مثل صَبُور وصُبُر، يسمِّيها أهل مكة: العَرِبَة، وأهل المدينة:[الغَنِجَة، وأهل العراق]

(6)

: الشَّكِلة، والعُرُب: المتحبِّبات إلى أزواجهنَّ".

(1)

انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (3/ 2380)، ولسان العرب (1/ 591).

(2)

انظر: مجاز القرآن (2/ 251).

(3)

انظر: الكامل للمبرد (2/ 868)، وزاد المسير (8/ 142 - 143)، والزهد لهنَّاد رقم (30 - 34).

(4)

انظر: ديوانه ص (61).

(5)

انظر: تفسير الطبري (27/ 186 - 188)، وتفسير القرطبي (17/ 211)، وتفسير البغوي (8/ 15)، وزاد المسير (8/ 142 - 143)، والزهدُ لهنَّاد رقم (30 - 34).

(6)

ما بين المعكوفتين من "هـ" والبخاري.

ص: 494