المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من النار وافتحوا له بابًا إلى النَّار، فيأتيه من حرِّها - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: من النار وافتحوا له بابًا إلى النَّار، فيأتيه من حرِّها

من النار وافتحوا له بابًا إلى النَّار، فيأتيه من حرِّها وسمومها، ويُضَيَّقُ عليه قبرُهُ حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيحُ الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالَّذي يسوؤك، هذا يومك الَّذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الَّذي

(1)

يجيء بالشر؟ فيقول أنا عملك الخبيث، فيقول: ربِّ لا تُقِمِ السَّاعة"

(2)

.

ورواه أبو داود بطوله بنحوه، فهذا التوقيع، والمنشور الأوَّل.

‌فصل

وأمَّا المنشور الثاني: فقال الطبراني في "معجمه": حدثنا إسحاق ابن إبراهيم الدَّبري، عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنَّة أحدٌ إلَّا بجوازٍ: بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من اللَّه لفلان بن فلانٍ أَدْخلوهُ جنة عاليةً قطوفها دانية"

(3)

.

(1)

من المطبوعة.

(2)

تقدم الكلام عليه ص (34).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 272) رقم (6191) وفي الأوسط (2/ 192) رقم (2987)، والبيهقي في البعث (273)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 208) و (7/ 98) وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 928) رقم (1547).

قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أمَّا الطريقُ الأوَّل: ففيه عبد الرحمن بن زياد، قال أحمد بن حنبل: نحن لا نروي عن عبد الرحمن. . . ".

ص: 145

وأخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم، أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي، أنبأنا زاهر الثقفي أنَّ عبد السلام بن محمد بن عبد اللَّهِ أخبرهم، أنبأنا المطهر بن عبد الواحد البُزاني

(1)

، حدثنا محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي، حدثنا محمد بن خُشَام

(2)

، حدثنا العباس بن زياد -ثقة-، حدثنا سَعْدان بن سعد، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُعْطى المؤمن جوازًا على الصِّراط: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللَّهِ العزيز الحكيم، لفلانِ بن فلانِ

(3)

، أدخلوه جنَّةً عاليةً، قُطوفها دانية"

(4)

.

قلتُ: وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين، ثمَّ كُتِبَ من أهل الجنَّة يوم نفخ الروح فيه، ثمَّ يُكتب في ديوان أهل الجنَّة يوم موته

(5)

، ثمَّ يُعْطى هذا المنشور يوم القيامة، فاللَّهُ المستعان.

(1)

في "أ، ب، ج، د": "البزاقي"، وفي "هـ":"البراقي" وكلاهما خطأ.

انظر: تكملة الإكمال لابن نقطة (1/ 489) رقم (849).

(2)

في "ب، ج، د": "خشنام" وهو خطأ.

(3)

قوله: "ابن فلان" من "ج" فقط.

(4)

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (11/ 318)، والدَّارقطني في الأفراد كما في أطراف الغرائب (3/ رقم 2232)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 928) رقم (1548) وغيرهم.

قال الدارقطني: "تفرَّد به سعدان عن التيمي"، قال ابن الجوزي:"سعدان مجهول، وكذلك محمد بن خشام".

(5)

قوله: "يوم موته" سقط من "ب".

ص: 146

الباب السادس عشر في توحُّد طريق الجنَّة وأنَّه

(1)

ليس لها إلَّا طريق واحد

هذا ممَّا اتفقت عليه الرسل من أوَّلهم إلى خاتمهم صلوات اللَّه وسلامه عليهم. وأمَّا طرق الجحيم: فأكثر من أن تُحْصى، ولهذا يُوَحِّد اللَّه سبحانه سبيله، ويجمع سبل النَّار كقوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا [46/ ب] السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. وقال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9]. أي: ومن السُّبُل جائر

(2)

عن القصد وهي: سُبُل

(3)

الغي، وقال:{هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41].

وقال ابن مسعود: خَطَّ لنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خطًّا، وقال:"هذا سبيل اللَّهِ، ثمَّ خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن يساره، ثمَّ قال: هذه سُبُلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه" ثمَّ قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} الآية [الأنعام: 153]

(4)

.

(1)

في "ب": "وأنها".

(2)

قوله: "أي: ومن السبل جائر" سقط من "ب، د"، ووقع في "ج":"السبيل" بدلًا من "السُّبل".

(3)

في "ب، د""سبيل".

(4)

أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 435)، والمروزي في "السنة" رقم (11)، وابن حبان في صحيحه رقم (6) و (7)، والحاكم في المستدرك (2/ 348 - 349) رقم (3241) وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن ابن مسعود، فذكره. =

ص: 147

فإِنْ قيل: فقد قال اللَّه تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 15 - 16] قيل: هي سُبُل تجتمع في سبيلٍ واحدٍ، وهي بمنزلة الجوادِّ

(1)

والطرق في الطريق الأعظم، فهذه هي شعب الإيمان يجمعها الإيمان، وهي شعبة، كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها، وهذه السبل هي إجابة داعي اللَّهِ بتصديق خبره، وطاعة أمره، فطريق الجنَّة هي إجابة الدَّاعي إليها ليس إلَّا.

وروى البخاري في "صحيحه"

(2)

عن جابر رضي الله عنه قال: "جاءت ملائكة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إنَّه نائمٌ، وقال بعضهم: إنَّ

(3)

العين نائمةٌ والقلبُ يقظان، فقالوا: إنَّ لصاحبكم هذا مثلًا، فاضربوا له مثلًا فقالوا: مثله مثل رجلٍ بنى دارًا وجعل فيها مأدُبةً وبعث داعيًا، فمن أجاب الدَّاعي دخل الدَّار وأكلَ من المأدبة، ومن لم يجب

= ورواه الأعمشُ ومنصور بن المعتمر عن أبي وائل به (رفعه: الأَعمش، وأوقفه: منصور).

انظر: مسند البزار (5/ 1677 و 1694).

ورواه الربيع بن خثيم عن ابن مسعود بمعناه.

أخرجه البخاري في "صحيحه" في (84) الرقاق (5/ 2359) رقم (6054) وغيره.

(1)

الجوادُّ: جمع جادَّه وهو معظم الطريق، الصحاح (1/ 389).

(2)

أخرجه البخاري رقم (6852) من طريق سليم بن حيَّان عن سعيد بن مِيْنَاء عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.

(3)

من صحيح البخاري و"ب".

ص: 148

الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوَّلُوها له

(1)

يفْقهْهَا فقال بعضهم: إنَّ العين نائمة والقلب يقظان، فالدَّارُ: الجنَّة، والدَّاعي: محمدٌ، فمن أطاع محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللَّه، ومن عصى محمدًا فقد عصى اللَّه، ومحمد فَرْقٌ

(2)

بين النَّاس".

ورواه الترمذي عنه ولفظه: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: "إنِّي رأيت في المنام: كأنَّ جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلًا، فقال: اسمَع سمِعتْ أذنك، واعقِلْ عَقَلَ قلبُك، إنَّما مثلُكَ ومثلُ أمَّتك كمثل ملكٍ اتخذ دارًا، ثمَّ بنى فيها بيتًا، ثمَّ جعل مائدةً، ثمَّ بعث رسولًا يدعو النَّاس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فاللَّهُ هو الملكُ، والدَّارُ الإسلامُ، والبيتُ الجنَّة، وأنت يا محمد رسولٌ، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنَّة، ومن دخل الجنَّة

(3)

أكل ما فيها"

(4)

.

(1)

من صحيح البخاري.

(2)

وفي رواية أبي ذرٍّ الهروي "فرَّق" قال الحافظ في الفتح (13/ 256): "وكلاهما متَّجه".

(3)

قوله: "من دخل الجنَّة" ليس في "ب".

(4)

أخرجه الترمذي برقم (2860).

من طريق سعيد بن أبي هلال عن جابر فذكره.

قال الترمذي: "هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال، لم يدرك جابر ابن عبد اللَّه، وقد روي هذا الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، بإسناد أصح من هذا".

ص: 149

وصحَّح الترمذي من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: "صلَّى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العشاء ثمَّ انصرف، فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة، فأجلسني ثمَّ خطَّ عليَّ خطًّا، ثمَّ قال: لا تبرحنَّ خطَّكَ، فإنَّه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم؛ فإنَّهم لا يكلمونك، ثمَّ مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث أراد، فبينا أنا جالسٌ في خطِّي، إذ أتاني رِجالٌ كأنَّهم الزُّطُّ

(1)

، أشعارهم وأجسامهم، لا أرى عورةً، ولا أرى قِشْرًا، وينتهون إليَّ لا يجاوزون الخطَّ، ثمَّ يصدرون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى إذا كان من آخر الليل، لكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالسٌ فقال: "لقد أُراني

(2)

منذُ الليلة"، ثمَّ دخل عليَّ في خَطِّي فتوسَّدَ فخذي فرقد، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ، فبينا أنا قاعدٌ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متوسدٌ فخذي إذا أنا برجالٍ عليهم ثيابٌ بيضٌ، اللَّه أعلمُ ما بهم من الجمال، فانتهوا إليَّ فجلس طائفةٌ منهم عند رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وطائفة منهم عند رجليه، ثمَّ قالوا: ما رأينا عبدًا قطُّ

(3)

أوتي مثل ما أوتي هذا النَّبي، إنَّ عينيه تنامان وقلبُهُ يقظان، اضربوا له مثلًا، مثلَ سيدٍ بنى قصرًا ثمَّ جعل مأدُبةً فدعا النَّاس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكلَ من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه، ثمَّ ارتفعوا واستيقظ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك

(1)

الزُّطّ: جيل من النَّاس. الواحد: زُطِّي، مثل: الزنج وزنجي، والرُّوم ورومي. الصحاح (1/ 882).

(2)

في "ب": "رأى"، وفي باقي النسخ "رآني"، والمثبت من سنن الترمذي، ومعنى:"أُراني": أي لم أنم.

(3)

من الترمذي.

ص: 150

فقال: سمعت ما قال هؤلاء؟ وهل تدري من هم؟ قلت: اللَّهُ ورسولهُ أعلم، قال: هم الملائكة، فتدري ما المثل الَّذي ضربوه؟ قلت: اللَّهُ ورسوله أعلم، قال

(1)

: الرحمن بنى الجنَّة، ودعا إليها عبادَهُ فمن أجابه دخل الجنَّة، ومن لم يجبه

(2)

عذَّبه"

(3)

.

(1)

في الترمذي بعد "قال": "المثل الَّذي ضربوه".

(2)

في الترمذي بعد "يجبه""عاقبه أو".

(3)

أخرجه الترمذي برقم (2861) وقال: "حسن صحيح غريب من هذا الوجه"، والبخاري في تاريخ الكبير (2/ 200) من طريق جعفر بن ميمون عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود فذكره بطوله.

وجعفر هذا ضعفه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، وقال ابن عدي:"أرجو أنَّه لا بأس به، ويكتب حديثه في الضعفاء". انظر: الكامل: (2/ 138 - 139).

وقد خولف جعفر هذا، خالفه سليمان بن طرخان.

فرواه عن أبي تميمة عن عمرو البكالي عن ابن مسعود فذكره مطولًا "والبكالي: مجهول".

أخرجه أحمد في المسند (1/ 399)، والبخاري في الأوسط (1/ 234)، والكبير (2/ 200).

قال البخاري: "ولا يُعْرف لعمرو سماعًا من ابن مسعود".

وله طرق أُخرى عن ابن مسعود، أعلَّها كلها البخاري في الكبير والأوسط، وأعلها أيضًا أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وبَيَّنُوا أنَّ الثابت عن ابن مسعود أنَّه له لم يكن مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، انظر: صحيح مسلم رقم (450).

بل قال أبو حاتم وأبو زرعة: "ولا يصح في هذا الباب شيء". انظر علل ابن أبي حاتم (1/ 45).

ص: 151

الباب السابع عشر في درجات الجنَّة

قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء: 95 - 96].

ذكر ابن

(1)

جرير: عن هشام بن حسان، عن جَبَلة بن عَطِيَّة

(2)

، عن ابن مُحَيْرِيْز قال:{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} [النساء: 95، 96]. قال: "هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عَدْوُ الفرسِ الجواد المُضَمَّر سبعين عامًا"

(3)

.

وقال ابن المبارك: أنبأنا سلمة بن نُبَيْط عن الضَّحَّاك في قوله تعالى: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 4] قال: "بعضهم أفضلُ من بعض، فيرى الَّذي قد فضل به فضله

(4)

، ولا يرى الَّذي هو أسفل منه،

(1)

من "هـ"، وسقط من باقي النسخ.

(2)

في الطبري "سُحيم" بدل "عطية"، وهو خطأ.

(3)

أخرجه الطبري في تفسيره (5/ 232).

وسنده صحيح، إن كان شيخ الطبري ثقة، وابن محيريز هو عبد اللَّه بن محيريز بن جنادة القرشي ثمَّ الشامي، تابعي ثقة جليل من العباد، يُشبَّه بابن عمر في عبادته.

انظر: تهذيب الكمال (16/ 106 - 111).

(4)

في الزهد لابن المبارك "فضيلته".

ص: 152

أنَّه فُضِّلَ عليه أحدٌ من النَّاس"

(1)

.

وتأمَّل قوله: كيف أوقع التَّفْضيل أوَّلًا بدرجة، ثمَّ أوقعه ثانيًا بدرجات، فقيل: الأوَّل بين القاعد والمعذور والمجاهد، والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد،

وقال تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)} [آل عمران: 162 - 163].

وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2 - 4].

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث مالك عن صَفْوان بن سُلَيم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل الجنَّة لَيتراءون أهلَ الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدُّرِّي الغابرَ من الأُفق: من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول اللَّه، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد -زوائد نعيم- رقم (246)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ رقم 8799).

وسنده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3083)، ومسلم رقم (2831).

ص: 153

غيرهم؟ قال: "بلى، والَّذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا باللَّهِ وصدَّقوا المرسلين".

ولفظ البخاري "في الأفق": وهو أبْيَن

(1)

.

والغابر: هو الذَّاهب الماضي الَّذي قد تدلَّى للغروب. وفي التمثيل به دون الكوكب المسامت للرَّأس، وهو أعلى = فائدتان:

أحدهما: بُعْدُهُ عن العيون.

والثانية: أنَّ الجنَّة درجات بعضها أعلى من بعض، وإنْ لم تُسامت العليا السُّفلى، كالبساتين المُمْتدة من رأس الجبل إلى ذيله، واللَّهُ أعلم.

وفي "الصحيحين"

(2)

أيضًا من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل الجنَّة ليتراءون الغرفة في الجنَّة، كما تراءون الكوكب في أفقِ السماء".

وقال الإمام أحمد: حدثنا قراد

(3)

، أخبرني فُلَيح عن هلال يعني ابن علي، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل الجنَّة ليتراءون في الجنة كما تراءون -أو ترون

(4)

-

(1)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "بَيَّن".

(2)

أخرجه البخاري رقم (6188)، ومسلم رقم (2830).

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي المسند، وأطرافه لابن حجر (7/ 417) "فزارة" هو: ابن عمرو، وهو الصواب.

(4)

قوله: "أو ترون" ليس في "ب، د".

ص: 154

الكوكب الدريِّ الغاربَ في الأفق الطالع في تفاضل الدَّرجات"، قالوا يا رسول اللَّه أولئك النَّبيُّون؟ قال: "بلى، والَّذي نفسي بيده وأقوامٌ آمنوا باللَّهِ وصدَّقُوا المرسلين"

(1)

.

ورجال هذا الإسناد احتجَّ بهم البخاري في "صحيحه".

وفي هذا الحديث: "الغارب"، وفي حديث أبي سعيد:"الغابر". وقوله: "الطالع" صِفَة للكوكب، وصَفَهُ بكونه غاربًا، وبكونه طالعًا.

وقد صُرِّحَ بهذا

(2)

المعنى في الحديث الَّذي رواهُ ابن المبارك: عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أهل الجنَّة ليتراءون في الغرف كما يُرى

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 335، 339)، وابن خزيمة في "التوحيد":(2/ 907) رقم (620)، والترمذي (2556)، وابن منده في الإيمان (406).

من طرق عن فليح عن هلال به، وقد خولف هلال:

خالفه صفوان بن سُليم: فرواه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد.

أخرجه البخاري ومسلم كما تقدم قريبًا ص (153).

قال محمد بن يحيى الذهلي: "لا أبعد أنْ يكون عطاء بن يسار قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما".

وقال الذهلي أيضًا: "حديث مالك عن صفوان بن سليم صحيح، ولا يدفع حديث هلال، ولعلَّ عطاء بن يسار حفظه عنهما". انظر: علل الدَّارقطني (11/ 101). قلت: فليح في حفظه كلام، فأخشى من وهمه هنا.

فقد رواه النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بمثل لفظ سهل بن سعد وزاد "كما تراءون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي".

أخرجه البخاري برقم (6188) ومسلم برقم (2831).

(2)

في "ب": "خرِّج هذا" وفي "د": "خرج بهذا" بدلًا من "صُرِّح بهذا".

ص: 155

الكوكب الشرقي، والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجاتِ، قالوا: يا رسول اللَّه أولئك النَّبيون؟ قال: بلى

(1)

، والَّذي نفسي بيده وأقوامٌ آمنوا باللَّه وصدَّقوا المرسلين"

(2)

.

وهذا على شرط البخاري أيضًا.

وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المتحابين لتُرى غرفُهم في الجنَّة كالكوكب الطالع الشرقيِّ أو الغربيِّ، فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابُّون في اللَّهِ عز وجل"

(3)

.

وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة مئة درجةٍ، ولو أنَّ العالمين اجتمعوا في إحداهنَّ لوسعتهم

(4)

"

(5)

.

(1)

في الزهد لابن المبارك "لا بل".

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد - زوائد نعيم، برقم (418)، والترمذي برقم (2556)، وابن أبي الدنيا في التوكل على اللَّهِ رقم (41) وغيرهم.

قال الترمذي: "حسن صحيح".

(3)

أخرجه أحمد في "المسند": (3/ 78).

وفيه انقطاع أبو حازم واسمه سلمة بن دينار لم يسمع من أحد من الصحابة سوى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

انظر: جامع التحصيل ص (187) رقم (255).

(4)

وقع في "أ": "اجتمعوا فيهنَّ في إحداهنَّ وسعتهن"، وكتب الناسخ على "فيهنَّ":"كذا".

(5)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 29)، والترمذي برقم (2531)، وأبو يعلى في =

ص: 156

وفي "المسند" عنه أيضًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنَّة: اقرأ واصعدْ، فيقرأ ويصعد بكلِّ آيةٍ درجة، حتَّى يقرأ آخر شيءٍ معهُ"

(1)

.

وهذا صريحٌ في أنَّ درج الجنَّة تزيد على مائة درجة

(2)

.

وأمَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه الَّذي رواه البخاري في صحيحه

(3)

عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنَّة مائة درجةٍ أعدَّها اللَّهُ للمجاهدين في سبيله بين كلَّ درجتين كما بين السماء والأرضِ، فإذا سألتم اللَّهَ فاسألوه الفردوس، فإنَّه وسط الجنَّة، وأعلى الجنَّة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّرُ أنهار الجنَّة".

فإمَّا أن تكون هذه المائة درجة من جملة الدَرَج، وإمَّا أنْ تكون نهايتها هذه المائة، وفي ضمن كل درجة درج

(4)

دونها.

= مسنده (2/ 530) رقم (1398).

من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد.

وقد تقدَّم الكلام عن مثل هذا الإسناد في ص (117).

والحديث ضعفه الترمذي بقوله: "هذا حديث غريب".

(1)

تقدم ص (135).

(2)

ليس في "أ، ب، د". وجاء في نسخة على حاشية "أ" ما يلي: "وقد تقدم أنَّ آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية وستة عشر آية، فعلى هذا درجات الجنَّة كذلك".

(3)

تقدم ص (134).

(4)

ليس في "ب".

ص: 157

ويدل على المعنى الأوَّل حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلَّى هؤلاء الصلوات الخمس، وصام شهر رمضان كان حقًّا على اللَّهِ أن يغفر له هاجر أو قعدَ حيثُ ولدته أُمُّهُ"، قلتُ: يا رسول اللَّه ألا أخرجُ فأُوذن النَّاس؟ قال: "لا، ذرِ النَّاسَ يعملون، فإنَّ في الجنَّة مائة درجة بين كلِّ درجتين منها مثل ما بين السماء والأرضِ، وأعلى درجةٍ منها الفردوس، وعليها يكون العرشُ، وهي أوسط شيءٍ في الجنَّة، ومنها تفجر أنهار الجنَّة، فإذا سألتم اللَّهَ فسلوه الفردوس"

(1)

.

رواه الترمذي هكذا بلفظة "في"

(2)

.

وروى أيضًا: من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنَّة مائة درجة"

(3)

ثمَّ ذكر نحو حديث معاذ.

وفيه أيضًا: من حديث عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "في الجنَّة مائة درجةٍ

(4)

ما بين كلَّ درجتين مائة عامٍ"

(5)

. قال: "هذا حديثٌ حسن غريب".

(1)

تقدم ص (132 - 133)، وهو منقطع.

(2)

سقط من "ب، د" قوله "في".

(3)

تقدم ص (132 - 133).

(4)

من قوله: "ثمَّ ذكر نحو" إلى "درجة" سقط من "ب، ج".

(5)

أخرجه الترمذي برقم (2529)، وأحمد (3/ 29).

من طريق شريك القاضي عن محمد بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة فذكره.

وخالفه مالك بن مغول، فرواه عن محمد بن جُحادة عن عطاء بن أبي =

ص: 158

وفيه أيضًا: من حديث أبي سعيد يرفعه: "إنَّ في الجنَّة مائة درجة لو أنَّ العالمين اجتمعوا في إحداهنَّ لوسعتهم"

(1)

.

ورواه أحمدُ بدون لفظة: "في" كما تقدَّم. وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة: "في" وبدونها، فإن كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجها، وإنْ كان المحفوظ سقوطها، فهي الدَّرَج الكبار المتضمنة للدَّرج الصِّغار، واللَّه أعلم.

ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمس مائة لاختلاف السَّير في السرعة والبُطْءِ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا تقريبًا للأفهام، ويدل عليه حديث زيد بن حُباب

(2)

: حدثنا عبد الرحمن بن شُرَيح، حدَّثني أبو هانئ التُّجِيبي، سمعتُ أبا علي الجَنْبي

(3)

سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مائة درجة في الجنَّة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض، وأبعد ممَّا بين السماء والأرض" قلتُ: يا رسول اللَّه لمن؟ قال: "للمجاهدين في سبيل اللَّهِ"

(4)

.

= رباح قوله.

قال الدَّارقطني في العلل (11/ 103): "وهو أصحُّ".

(1)

تقدم ص (157 - 158).

(2)

في "ب": "حبان"، وفي "ج":"حيان"، وفي "هـ":"خباب" وكلها خطأ.

(3)

في "ب، د، هـ": "التجيبي" وهو خطأ، انظر: تهذيب الكمال (22/ 209).

(4)

أخرجه عبد بن حميد في مسنده "المنتخب" رقم (920)، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (192).

وسنده حسن.

ص: 159

الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة

روى مسلم في "صحيحه"

(1)

من حديث عبد اللَّه بن

(2)

عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتُم المؤذن فقولوا مثلَ ما يقول، ثمَّ صلُّوا عليَّ، فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّهُ عليه بها

(3)

عشرًا، ثمَّ سلُوا اللَّهَ

(4)

لي الوسيلة، فإنَّها منزلةٌ في الجنَّة لا تنبغي إلَّا لعبدٍ من عباد اللَّهِ، وأرجو أنْ أكون أنا هو، فمن سأل ليَ الوسيلة حلَّتْ عليه الشفاعة".

وقال أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن ليث عن كعب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صليتم عليَّ فاسألوا اللَّه لي الوسيلة، قيل: يا رسول اللَّه، وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجةٍ في الجنَّة لا ينالها إلَّا رجلٌ واحدٌ، وأرجوا أنْ أكونَ أنا هو"

(5)

.

هكذا الرواية: "أنْ أكون أنا هو"، ووَجْهُهَا: أنْ تكون الجُملة خَبَرًا

(1)

رقم (384).

(2)

قوله: "عبد اللَّه بن" سقط من جميع النسخ، فأثبته من مسلم.

(3)

ليست في "ب، ج، د".

(4)

من صحيح مسلم.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 265)، والترمذي رقم (3612) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم (46)، وهنَّاد في الزهد رقم (147).

قال الترمذي: "هذا حديث غريب، إسناده ليس بالقوي، وكعب ليس هو بمعروف، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير ليث بن أبي سليم".

ص: 160

عن اسم كان المُسْتَتِر فيها، ولا تكون "أنا" فصْلًا، ولا توكيدًا، بل مبتدأ.

وفي "الصحيحين"

(1)

من حديث جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قال حينَ يسمع النَّداء: الَّلهم رَبَّ هذِهِ الدعوة التَّامَّة، والصَّلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّت

(2)

له شفاعتي

(3)

يوم القيامة".

هكذا لفظ الحديث: "مقامًا" بالتَّنكير ليوافق لفظ الآية؛ ولأنَّهُ لمَّا تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة، فَوُصِفَ بما توصف به المعارف، وهذا ألطف

(4)

مِنْ جَعْلِ "الَّذي وعدته" بدلًا، فتأمله.

وفي "المسند" من حديث عمارة بن غَزِيَّة، عن موسى بن وَرْدَان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الوسيلة درجةٌ عند اللَّهِ عز وجل، ليس فوقها درجةٌ، فسلوا اللَّه لي

(5)

الوسيلة"

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (589) و (4442)، ولم يخرجه مسلم في صحيحه.

(2)

وقع في "أ، ج، هـ": "إلَّا حلَّت"، والمثبت من البخاري و"ب، د".

(3)

في جميع النسخ: "الشفاعة"، والمثبت من البخاري، انظر: فتح الباري (2/ 96).

(4)

في "ج": "لفظ" وهو خطأ.

(5)

في المسند: "أنْ يؤتيني" بدل "لي".

(6)

أخرجه أحمد في مسنده: (3/ 83). =

ص: 161

وذكره ابن أبي الدنيا وقال فيه: "درجةٌ في الجنَّة ليس في الجنَّة درجة أعلى منها، فسلُوا اللَّهَ أنْ يؤتينيها على رؤوس الخلائقِ"

(1)

.

وقال أبو نعيم، أنبأنا سليمان بن أحمد: حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم

(2)

الخلَّال، حدثنا عبد اللَّه بن عمران العابدي

(3)

، حدثنا فُضَيل

= من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي سعيد فذكره.

قال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف". مجمع الزوائد: (1/ 332).

تنبيهان:

1 -

الحديث لم يخرجه أحمد في مسنده من طريق عمارة بن غزية، وإنَّما هو عند الطبراني في الأوسط.

2 -

ليس في سند الطبراني في الأوسط ابن لهيعة، كما سيأتي.

(1)

أخرج ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (201).

من طريق إسماعيل بن عياش عن عمارة عن موسى عن أبي سعيد فذكره.

ورواه إسماعيل بن جعفر وسعيد بن أبي أيوب عن عمارة بن غزية عن موسى عن أبي سعيد فذكره.

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (263 و 1466).

ولفظ إسماعيل بن جعفر مثله وفيه: ". . . فسلوا اللَّهَ أنْ يؤتيني الوسيلة على خلقه".

وأمَّا طريقُ سعيد بن أبي أيوب فضعيفٌ جدًّا.

والحديث مداره على موسى بن وردان وهو تابعيٌ قاص صدوق يخطئ، له مفاريد، ولعلَّ هذا منها. انظر: تهذيب الكمال: (29/ 163 - 166).

(2)

وقع في جميع النسخ "عمرو بن سليم"، وجاء في نسخة على حاشية "أ":"عمر" بدلًا من "عمرو" وهو خطأ.

(3)

جاء في "د": "العبادي"، وفي "ب":"العايدي". انظر: الأنساب للسمعاني =

ص: 162

ابن عِيَاض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجلٌ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، واللَّهِ إنَّك لأحبٌّ إليَّ من نفسي، وإنَّك لأحب إليَّ من أهلي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإنِّي لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتَّى آتيك فأنظرَ إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك؛ عرفتُ أنَّك إذا دخلت الجنَّة رُفعتَ مع النبيين، وإنَّي إذا دخلتُ الجنَّة خشيتُ أنْ لا أراكَ. فلم يردَّ عليه

(1)

النَّبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) } [النساء: 69]

(2)

".

= (4/ 107).

(1)

ليس في "ج".

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (477)، وفي الصغير رقم (52)، وأبو نعيم في "الحلية":(4/ 239 - 240) و (8/ 125) والواحدي في أسباب النزول ص (66)، وغيرهم.

قال الطبراني: "لم يروه عن منصور عن إبراهيم. .، إلَّا فضيل، تفرَّد به عبد اللَّه بن عمران".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث فضيل ومنصور متَّصلًا، تفرَّد به العابدي فيما قاله سليمان".

وقال أيضًا: "هذا حديث غريب من حديث منصور وإبراهيم، تفرَّد به فضيل وعنه العابدي".

قلتُ: العابدي صدوق، قاله أبو حاتم، "الجرح":(5/ 130)، لكن يخشى من خطئه.

فقد رواه جرير وزائدة بن قدامة وعبيدة بن حميد كلهم عن منصور عن أبي الضحى مسلم بن صُبيح عن مسروق فذكره مرسلًا بنحوه. =

ص: 163

قال الحافظ أبو عبد اللَّه المقدسي: "لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسًا".

وسُمِّيت درجة النَّبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة؛ لأنَّها أقرب الدرجات إلى عرش الرب

(1)

تبارك وتعالى، وهي أقرب الدرجات إلى اللَّهِ.

وأصل اشتقاق لفظ: "الوسيلة" من القُرْب. وهي فَعِيلَة: مِنْ وَسَلَ إليه: إذا تقرَّب إليه.

قال لَبيْد:

بلى كلُّ ذي رأيٍ إلى اللَّهِ واسلُ

(2)

ومعنى الوسيلة: من الوُصْلَة، ولهذا كانت أفضل الجنَّة وأشرفها، وأعظمها نورًا.

قال صالح بن عبد الكريم: قال لنا فُضَيل بن عِيَاض: تدرون لِمَ حسنت الجنَّة؟ لأنَّ عرش رب العالمين سقفها

(3)

.

= أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 997) رقم (577)، والواحدي في "أسباب النزول" ص (165)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 328) رقم (31765) وغيرهم.

قلت: ولعل المرسل أشبه بالصواب، وقد وردت عدة مراسيل بنحو ذلك: عن سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والربيع.

(1)

في "ب": "الرحمن".

(2)

* ديوان لبيد ص (256) *.

(3)

أخرجه الخطيب في تاريخه (9/ 312).

ص: 164

وقال الحكم بن أبان: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "نور سقف مساكنهم نورُ عرشه"

(1)

.

وقال بكر

(2)

عن أشعث عن الحسن: "إنَّما سُمِّيت عَدْن؛ لأنَّ فوقها العرش، ومنها

(3)

تفجَّر أنهار الجنَّة، وللحور العَدْنِيَّة الفضلُ على سائر الحور

(4)

"

(5)

.

والقُرْبَى والزُّلْفَى: واحد، وإنْ كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل.

قال الكلبي: "واطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة"

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" رقم (22) وأوله: "إذا سكن أهل الجنَّةِ الجنَّة: نوَّر. . . ".

وسنده ضعيفٌ، فيه حفص بن عمر العدني والحكم بن أبان، وهما ضعيفان.

انظر: "تهذيب الكمال": (7/ 41 - 44 و 86 - 88).

(2)

في "أ": "بكر بن أشعث"، وفي باقي النسخ "بكر عن أشعث"، وعند ابن أبي الدنيا "مروان بن بكير"، ويحتمل أنَّه "بكر بن خُنَيس"، انظر: تهذيب الكمال (3/ 265).

(3)

في "هـ": "وفيها".

(4)

قوله: "على سائر الحور" ليس في "ج".

(5)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنَّة" رقم (23).

وفيه أشعث بن سوار الكندي، وهو ضعيف.

انظر: تهذيب الكمال (3/ 264 - 266).

(6)

انظر الوسيط للواحدي (2/ 183).

ص: 165

وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كلَّ الكشف بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] فقوله: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ، هو تفسير للوسيلة

(1)

التي

(2)

يبتغيها هؤلاء الَّذين يدعونهم المشركون من دون اللَّهِ، فَيُنَافِسُون

(3)

في القرب منه.

ولمَّا كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبوديةً لربه، وأعلمهم به، وأشدَّهم له خشية، وأعظمهم له محبة؛ كانت منزلته أقرب المنازل إلى اللَّهِ، وهي أعلى درجة في الجنَّة، وأمرَ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ أنْ يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء الزلفى من اللَّهِ، وزيادة الإيمان.

وأيضًا فإنَّ اللَّه سبحانه قدَّرها له بأسباب، منها: دعاء أمَّته له بها

(4)

بما نالوه على يده من الإيمان والهدى، صلوات اللَّهِ وسلامه عليه.

فقوله: "حلت عليه"

(5)

يُرْوَى: "عليه" و"له"، فمن رواه بالَّلام فمعناهُ: حصلت له. ومن رواه بِعَلَى فمعناهُ: وقعت عليه شفاعتي، واللَّهُ أعلم.

(1)

في "ب، ج": "الوسيلة".

(2)

في "ب، ج، د، هـ": "الذي".

(3)

في "ظ، م، ج": "فيتنافسون".

(4)

في "ب، ج، د": "لربها بما نالوه".

(5)

تقدم ص (160 و 161).

ص: 166

الباب التاسع عشر في عرض الرَّبِّ تعالى سلعته

(1)

الجنَّة على عباده وثمنها الَّذي طلبه منهم وعقد التبايع الَّذي وقع بين المؤمنين وبين ربِّهم

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

فجعل سبحانه الجنَّة ثمنًا لنفوس المؤمنين وأموالهم، بحيث إذا بذلوها فيه استحقُّوا الثَّمن، وعَقَدَ معهم هذا العقدَ، وأكَّدهُ بأنواع التأكيد: أحدها: إخبارُهُ سبحانه بصيغة الخبر المؤكَّد بأداة إنَّ.

الثاني: الإخبارُ بذلك بصيغة الفعل الماضي، الَّذي قد

(2)

وقع وثبت واستقر.

الثالث: إضافة هذا العقد

(3)

إلى نفسه سبحانه وأنَّه هو الَّذي اشترى هذا المبيع.

(1)

في "أ، ج، هـ": "سلعة".

(2)

ليس في "أ".

(3)

في "ب": "الفعل".

ص: 167

الرَّابع: أنَّه أخبر بأنَّه وعد بتسليم هذا الثمن وَعْدًا لا يُخْلِفُهُ ولا يتركه.

الخامس: أنَّه أتى بصيغة "على" التي للوجوب، إعلامًا لعباده، بأنَّ ذلك حقٌّ عليه، أحَقَّه هو على نفسه.

السادس: أنَّه أكَّد ذلك بكونه حقًّا عليه.

السابع: أنَّه أخبر عن محل هذا الوعد، وأنَّه في

(1)

أفضل كتبه المنزلة من السماء، وهي: التوراة والإنجيل والقرآن.

الثامن: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار، وأنَّه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه.

التاسع: أنَّه سبحانه أمرهم أنْ يَبْشروا بهذا العقد، ويُبشِّر به بعضهم بعضًا بشارة من قد تمَّ له العقد ولزم، بحيث لا يثبت فيه خيار، ولا يعرض له ما يفسخه.

العاشر: أنَّه أخبرهم إخبارًا يؤكِّد

(2)

بأنَّ ذلك البيع الَّذي بايعوا به هو الفوز العظيم، والبيع ها هنا: بمعنى المَبِيع الَّذي أخذوه بهذا الثمن، وهو الجنَّة.

وقوله: {بَايَعْتُمْ بِهِ} أي: عاوضتم وثامنتم به.

ثمَّ ذكر سبحانه أهل هذا العقد الذين وقع العقد وتمَّ لهم دون

(1)

ليس في "أ، ج".

(2)

في "ب، د، هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ": "مؤكَّدًا".

ص: 168

غيرهم، وهم:

- {التَّائِبُونَ} مما يكره.

- {الْعَابِدُونَ} له بما يحب.

- {الْحَامِدُونَ} له على ما يحبون وما يكرهون.

- {السَّائِحُونَ} وفُسِّرت السِّياحة: بالصيام، وفُسِّرت: بالسفر في طلب العلم، وفُسِّرت: بالجهاد، وفُسِّرت: بدوام الطاعة.

والتحقيق فيها: أنَّها سياحة القلب في ذكر اللَّه ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه، ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعالِ، وكذلك وصف نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّلاتي لو طلق أزواجه بدَّله بهن، بأنَّهنَّ {سَائِحَاتٍ} [التحريم: 5] وليست سياحتهن جهادًا، ولا سفرًا في طلب العلم، ولا إدامة صيام، وإنَّما هي سياحة قلوبهنَّ في محبة اللَّه وخشيته والإنابة إليه وذكره.

وتأمَّل كيف جعل سبحانه التوبة والعبادة قرينين: هذه ترك ما يكره، وهذه فعل ما يحب. والحمد والسياحة قرينين: هذا الثناء عليه بأوصاف كماله، وسياحة اللسان في أفضل ذكره، وهذا سياحة القلب في حُبَّه وذكره وإجلاله.

كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينين في صفة الأزواج: فهذه عبادة البدن، وهذه عبادة القلب.

وجعل الإسلام والإيمان قرينين: فهذا علانية، وهذا في القلب؛

ص: 169

كما في "المسند" عنه صلى الله عليه وسلم: "الإسلام علانية، والإيمان في القلبِ"

(1)

.

وجعل القنوت والتوبة قرينين: فهذا فعل ما يحب، وهذا تركُ ما يكره.

وجعل الثُّيوبة والبَكَارة قرينين، فهذه قد وطئت وارتاضتْ وذُلِّلت صعوبتها، وهذه رَوْضَة أُنُفٌ

(2)

لم يُرتع فيها بعد.

وجعل الركوع والسجود قرينين، وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينين، وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلامًا بأنَّ أحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر، وجعل ذلك قرينًا لحفظ

(1)

أخرجه أحمد في المسند: (3/ 135)، وابن أبي شيبة في "المصنف":(6/ 159) رقم (30310)، وفي الإيمان رقم (6)، وأبو يعلى في "مسنده":(5/ 301 - 302)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير":(3/ 250) وابن عدي في "الكامل": (5/ 207)، وابن حبان في "المجروحين":(2/ 111) وغيرهم.

من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس فذكره.

والحديث منكر، تفرَّد به علي بن مسعدة عن قتادة، وعلي بن مسعدة فيه ضعف، والحديث عدَّه العقيلي وابن عدي وابن حبان من منكرات علي بن مسعدة، بل قال ابن عدي:"ولعلي بن مسعدة غير ما ذكرت عن قتادة، وكلها غير محفوظة" قلت: كحديث: "كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون" عند الترمذي برقم (2499) وغيره.

وقال: "غريبٌ لا نعرفه إلَّا من حديث علي بن مسعدة"، وجعله ابن عدي وابن حبان من منكراته.

انظر: تهذيب الكمال: (21/ 129 - 132).

(2)

قال الجوهري في "الصحاح": (2/ 1022): "وروضة أُنُف، بالضم، أي لم يَرْعهَا أحد".

ص: 170

حدوده، فهذا حِفْظُها في نفس الإنسان، وذاك

(1)

أمرُ غيرِهِ بحفظها. وأفهمت الآية: خطر النفس الإنسانية وشرفها، وعظم مقدارها، فإنَّ السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من هو، وانظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو؟ وانظر إلى من جرى على يده عقد التبايع، فالسِّلعة: النفس، واللَّهُ سبحانه: المشتري لها، والثمن: جنَّات النعيم، والسَّفِيْر في هذا العقد: خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه، وخيرهم من البشرِ وأكرمهم عليه.

قد هيؤوكَ لأَمرٍ لو فَطِنْتَ له

فارْبأْ بِنفسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَلِ

(2)

وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من خافَ أدلج، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ، ألَا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألَا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّة"

(3)

. قال: "هذا حديثٌ حسن غريب".

(1)

في "أ": "ذلك".

(2)

البيت للطغرائي في "لامية العجم".

انظر: "الغيث المسجم في شرح لامية العجم" للصفدي: (2/ 438) وفيه "رشَّحُوك" بدل "هيَّؤوك".

(3)

أخرجه الترمذي رقم (2450)، والبخاري في تاريخه (2/ 111) والعقيلي في "الضعفاء الكبير":(4/ 383) وغيرهم.

من طريق يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة:

والحديث منكرٌ بهذا الإسناد، تفرَّد به يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف.

ولهذا قال الترمذي: "حسنٌ غريب. . ".

وقد جاء هذا المتن من حديث أُبيِّ بن كعب عند أبي نعيم في "الحلية": =

ص: 171

وفي كتاب "صفة الجنَّة" لأبي نعيم من حديث أبان، عن أنس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ما ثمن الجنَّة؟ قال: "لا إله إلَّا اللَّه"

(1)

. وشواهد هذا الحديث كثيرةٌ جدًّا.

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عملٍ إذا عملته دخلتُ الجنَّة، فقال: "تعبد اللَّه لا تشركُ به شيئًا، وتقيمُ الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصومُ رمضان" قال: "والَّذي

= (8/ 377)، والحاكم في المستدرك:(4/ 343) رقم (7852)، من طريق وكيع وعبد اللَّه بن الوليد العدني عن الثوري عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أُبي عن أبيه أُبي بن كعب فذكره، وفيه زيادة.

قال أبو نعيم: "غريب تفرَّد به وكيع عن الثوري بهذا اللفظ".

قلت: الراوي عن وكيع هو يحيى بن إسماعيل الواسطي، وقد خالفه الإمام أحمد وأبو كريب وعبد اللَّه بن هاشم العبدي وغيرهم كلهم رووه عن وكيع به بدون زيادة هذا المتن "من خاف أدلج. . "، وإنما بلفظ:"جاءت الراجفة تتبعها الرَّادفة. . . ".

وأمَّا رواية العدني فلم يتابع عليه، فلم يروه من أصحاب الثوري إلَّا هو، ووكيع "في الرواية المرجوحة عنه". والحديث صححه الترمذي، وليس فيه هذا المتن.

والحديث مدارهُ على ابن عقيل، وفيه لين.

(1)

أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنَّة"، رقم (51).

وإسناده واهٍ جدًّا، فيه محمد بن مروان السدي: متهمٌ بالكذب، وأمَّا أسيد بن زيد، وأبان فمتروكان.

انظر: ميزان الاعتدال: (1/ 124، 419).

(2)

أخرجه البخاري رقم (1333)، ومسلم رقم (14).

ص: 172

نفسي بيده لا أزيدُ على هذا شيئًا أبدًا ولا أنقصُ منه، فلمَّا ولَّى قال:"من سرَّهُ أنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنَّة فلينظر إلى هذا".

وفي "صحيح مسلم"

(1)

عن جابر رضي الله عنه قال: أتى النعمان بن قَوْقَل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّهِ أرأيت إذا صليت المكتوبة، وحرَّمت الحرام، وأحللتُ الحلال، أدخل الجنَّة؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"نعم".

وفي "صحيح مسلم"

(2)

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من ماتَ وهو يعلمُ أن لا إله إلَّا اللَّه دخلَ الجنَّة".

وفي "المسند" و"سنن أبي داود" عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من كانَ آخرُ كلامه: لا إله إلَّا اللَّه، دخل الجنَّة"

(3)

.

(1)

رقم (15).

(2)

رقم (26).

(3)

أخرجه أبو داود رقم (3116) وأحمد في المسند (5/ 234)، والطبراني في الكبير (3/ 270 - 271) رقم (1372 - 1373)، والبزار في مسنده (7/ 77) رقم (2625، 2626)، والحاكم (1/ 503) رقم (1299) وغيرهم.

من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن مُرَّة عن معاذ فذكره.

وفيه صالح بن أبي عُريب، ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال ابن القطان:"لا تعرف حاله".

انظر: "تهذيب الكمال": (13/ 73)، و"بيان الوهم والإيهام":(2/ 206).

والحديث صحح إسناده الحاكم.

وللحديث شاهد عن أبي هريرة: مرفوعًا، والصحيح موقوف. وعن ابن =

ص: 173

وفي "الصحيحين"

(1)

عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أتاني آتٍ من ربي فأخبرني -أو قال- فبشرني أنَّه من ماتَ من أمتك لا يشرك باللَّهِ شيئًا دخل الجنَّة، قلتُ: وإن زنى وإنْ سرق؟ قال: وإنْ زنى وإن سرق".

وفي "الصحيحين"

(2)

من حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قال: أشهدُ أنْ لا إله إلَّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسوله، وأنَّ عيسى عبدُ اللَّهِ ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنَّ الجنَّة حقٌّ، وأنَّ النَّار حقٌّ، أدخلهُ اللَّهُ من أيِّ أبواب الجنَّة الثمانية شاء".

وفي لفظٍ: "أدخله اللَّهُ الجنَّة على ما كان من عمل"

(3)

.

وفي "صحيح مسلم"

(4)

: "أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة نعليه فقال: "اذهبْ بنعليَّ هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه مستيقنًا بها قلبُهُ، فبشِّره بالجنَّة".

وقال روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال:

= مسعود: وسنده ضعيف. وعن عبد اللَّه بن جعفر: موقوفًا وفيه رجل مبهم.

انظر: علل الدَّارقطني (11/ 238 - 241)، و"بيان الوهم والإيهام":(2/ 205) مع الحاشية.

(1)

البخاري رقم (1180)، ومسلم رقم (94).

(2)

البخاري رقم (3252)، ومسلم رقم (28).

(3)

راجع المصدرين السابقين.

(4)

رقم (31).

ص: 174

"ثمنُ الجنَّة لا إله إلَّا اللَّه"

(1)

وروى أبو نعيم: من حديث أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يُدْخِلُ أحدًا منكم عمله الجنَّة، ولا يجيره من النَّار، ولا أنا إلَّا بتوحيد اللَّه"

(2)

.

وإسنادُه على شرط مسلم، وأصل الحديث في الصحيح.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13/ 529)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (50)، وسنده صحيح.

(2)

أخرجه أبو نعيم في صفة الجنَّة رقم (52).

من طريق زكريا الساجي عن سلمة بن شبيب عن الحسن بن أعين عن معقل بن عبيد اللَّه عن أبي الزبير عن جابر فذكره.

وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2817) عن سلمة بن شبيب به بمثله إلَّا أنَّه قال: "برحمة من اللَّه" بدلًا من "بتوحيد اللَّه".

- ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير به بمثل لفظ مسلم.

أخرجه أحمد (3/ 394).

- ورواه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ: "قاربوا وسدَّدوا، فإنَّه ليس أحدٌ منكم ينجيه عمله، قالوا: ولا إيَّاك يا رسول اللَّهِ؟ قال: ولا إيَّايَ، إلَّا أنْ يتغمدني اللَّهُ برحمته".

أخرجه مسلم (2817) وأحمد (3/ 337) وغيرها.

وعليه فلفظة "بتوحيد اللَّه" شاذة واللَّه أعلم.

ص: 175